القبائل البربرية في الجلفة
أما وجود القبائل
… البربرية في حدود منطقة الجلفة فكان قديما ، إذ يذكر فرانسوا
دوفيلاري أن المنطقة وما جاورها كانت تنتمي إلى البربر منذ سنة
1500 قبل الميلاد وحتى سنة 1000 م ، و أن هناك شعبا بربريا عرف
بالبداوة وكان يسمى "الجيتول" ، اجتمع منذ عهد ما قبل التاريخ من
بقايا النيوليتيكيين (العصر الحجري المتأخر أو الحديث) : ومن
سردينيا في الغرب . تدل على ذلك الكتابات الليبية التي اكتشفت في
مناطق مثل : وادي حصباية ، وصفية بورنان وعين الناقة وصفية
البارود.وتدل على ذلك أيضا بعض الأضرحة بأنواعها التي يذكر الأطلس
الاركيولوجي وجودها في منطقة الجلفة ، في الادريسية وقلتة السطل
وجنوب وادي جدي بالقرب من ضاية زخروفة .
بالإضافة إلى بعض
رسومات الأحصنة و الجمال.
وتجدر العودة هنا
إلى ابن خلدون في البحث عن تاريخ البربر في منطقة الجلفة. وابن
خلدون لا يستعمل كلمة "الجيتول"، بل يطلق على هؤلاء اسم البربر ،
ويركز على الزناتيين البربر، ويذكر فروعا لهذه القبيلة ، سكنت
مناطق الجلفة وما جاورها .
تنتمي هذه الفروع
كلها إلى بطن مغراوة .. تساعدنا في ذلك التحديدات المكانية التي
يصفـها ابن خلدون.
من بين هؤلاء البربر
بنو سنجاس الزناتيون من مغراوة، إذ ينقل ابن خلدون عن أحد نسابي
زناتة قوله : « ولم تزل هذه البطون الأربعة من أوسع بطون
مغراوة . فأما بنوسنجاس فلهم مواطن في كل عمل من أفريقية و
المغربين فمنهم قبلة المغرب الأوسط بجبل راشد وجبل كريرة وبعمل
الزاب وعمل الشلف ، ونازلوا قفصة سنة أربع عشر و خمسمائة .. »
وليس جبل راشد إلا الجبل المعروف الآن باسم "جبل العمور" الواقع
غرب الجلفة
ويؤكد ابن خلدون ذلك
في موقع آخر من "تاريخه"، فيقول: « ومن بني سنجاس هؤلاء بأرض
المشنتل [ جبل السحاري نسبة إلى السحاري الهلاليين الذين استوطنوه
فيما بعد. يقع الجبل شمال الجلفة] ما بين الزاب و جبل راشد، أوطنوا
جباله في جوار غمرة ، وصاروا عند تغلب الهلاليين في ملكهم يقبضون
الاتاوة منهم ».
ولا شك في أن كلمة
غمرة التي وردت أيضا في الكلام السابق ، هو اسم قبيلة أخرى بربرية
سكنت المنطقة بجوار بني سنجاس ، وهو يقصد بها قبيلة "غمرت" أو "
واغمرت" – كما يقول البربر- ، إذ يذكرها ابن خلدون في سياق آخر
بهذا الاسم البربري ، فيقول عنها: « وأما واغمرت ، ويسمون لهذا
العهد غمرت ، وهم اخوة وجديجن ، ومن ولد ورتنيص بن جانا كما قلناه
، فكانوا من أوفر القبائل عـددا ، ومواطنهم متفرقة ، وجمهورهم
بالجبال الى قبلة بلاد صنهاجة من المشنتـل [جبل السحاري] إلى
الدوسن ».
أما طريقة هؤلاء
البربر في العيش ، فقد كانت البداوة سمة عامة تطبعها ، فقد « ..
اشتهر الجيتوليون في تاريخ المغرب القديم بكونهم رعاة نموذجيين ،
حتى شبههم سترابون "strabon
" بالعرب البدو ، ووصف خيولهم و أبقارهم بأنها كثيرة العدد » .
« كما أنهم ألفوا الانتقال نحو الشمال عبر العصور عندما تحل مواسم
الرعي في بلاد التل »
كما رأى ابن خلدون
ان صفة الزناتيين البربر كانت الحياة البدوية ، وما تقتضيه من تنقل
تلك القبائل بين المواطن بحثا عن أماكن الانتجاع ، فذكر أنهم
يسكنون الخيام، ويتخذون الخيل والإبل ، ويألفون رحلتي الشتاء و
الصيف ، وكذا يغيرون على العمران
[وهي
حياة تشبه إلى حد بعيد حياة العرب في شبه الجزيرة العربية ، وربما
كانت هذه من أهم العوامل التي سهلت مجيء العرب المسلمين و
استيطانهم البلاد ، وسهولة تعاملهم مع السكان البربر الأصليين.