الحقيقة بين المطلقية والنسبية
الأستاذ : بوفكرن عبد الوهاب
إن الطبيعة العاقلة للإنسان جعلت الفضول صفة متأصلة فيه وهو ما يفسر تطلعه الدائم إلى أقصى مراتب المعرفة وهي الحقيقة المطلقة وجدير بالذكر أن الحقيقة مفهوم معقد اختلف الفلاسفة في ضبطه وتحديده فهي في عرف بعضهم ماهية الشيء وصفاته الجوهرية ويراها آخرون دلالة على الشيء الموجود بالفعل في حين يعتبرها البعض الآخر مطابقة الحكم للمبادئ العقلية .
ينشد الإنسان الحقيقة في حديثه وتفكيره ومن هنا كانت من كبريات المباحث الفلسفية وأكثرها خطورة وتغلغلا في مختلف المحاور الأساسية للفلسفة ( الوجود، المعرفة، القيم).وشكلت بالتالي محورا رئيسيا داخل كل الفلسفات إذ عدت حجر الزاوية داخل نظرية المعرفة قــال أفلاطون:
الفلسفة هي السعي نحو الحقيقة بكل أرواحنا .
لذلك استأثر هذا الموضوع باهتمام الفلاسفة والمفكرين في مختلف العصور وطرحت بشأنها مشكلات متعددة منها ما تعلق بمفهومها وأصنافها ومقاييسها وعلاقتها بالواقع إلا أن المشكلة الأكثر إثارة تلك المتعلقة بطبيعتها .وفي هذا الصدد كانت الفكرة الشائعة لدى الكثير منهم مفادهــا أن الحقيقة نسبية في مختلف ميادين المعرفة إلا أن أطروحة أخرى تناقضها وتذهب في الاتجاه المعاكس لتقر أن الحقيقة مطلقة يقينية لا يرقى إليها الشك في مختلف صورها والإنسان مؤهل لبلوغها.
وإذا كان هذا الطرح الفلسفي يستفزنا ويثير حفيظتنا فما هي الحجج والبراهين التي من شأنها أن تكشف فساد هذا الطرح وتعيننا بالتالي على دحضه ؟
إن الإقرار بأن الحقيقة مطلقة طرح فلسفي متجذر في الفكر الإنساني بصفة عامة الفلسفي منه والعلمي والديني على حد سواء وفي مختلف محطات الفكر البشري الكلاسيكي منه والحديث وفي مختلف الثقافات الشرقية القديمة واليونانية والأوروبية الحديثة وتتخذ الحقيقة المطلقة في هذه المحطات على اختلافها معنى يكاد يكون واحدا وهو الفكرة اليقينية التي لا تحتمل الخطأ ولا يرقى إليها أدنى شك المتعرية من كل قيد القائمة بنفسها المتصفة بالكمال والثبات.
وقد بني هذا الاعتقاد على مسلمة مفادها أن المنطق يقتضي وجود وحدة وراء الكثرة وثباتا وراء التغير فالمعنى المشترك الموجود في جميع الأشخاص على اختلافهم وتعددهم هو الإنسانية وهي ماهية الإنسان وحقيقتة المطلقة،حقيقة يجدها في داخله فلا عجب أن ينشدها في كل شيء.
ويستند هذا الطرح على مبررات وحجج وبراهين يستمد منها مشروعيته وقوته وحجيته
ففي الفلسفة : كان الاعتقاد السائد بين أساطين الفلسفة، أن الحقيقة مطلقة مجردة من كل قيود غير مرتبطة بأحكام الناس قائمة بذاتها لا تحتاج من اجل وجودها إلى علل و أسباب لا تخضع للزمان و المكان. أزلية وثابتة يستطيع الإنسان بلوغها باستخدام عقله فقط، وتصوروا أن العقل النقي المجرد يستطيع أن يستنتج الحقائق من تلقاء نفسه "العقل الكامل على حد تعبير كانط" ويجسد هذا الطرح الفلسفي :
الفيلسوف اليوناني المثالي أفلاطون الذي يعتبر الحقيقة كائنات أنطولوجية لا تتغير لا تفسد ولا تندثر تدرك بالنظر العقلي متى تجردت النفس من سلطان الجسد.قائمة في عالم المثل عالم الإله وهو عالم عقلي مفارق للعالم الحسي لأن العالم الحسي لا يستوعبها وتتمثل في المثل العقلية والمعاني الرياضية والقيم الأخلاقية والروحانية
فلا غرابة أن يقول سقراط في فيدون إن الفيلسوف الحق هو الذي يطلب الموت ويتعلمه ليبلغ الحقيقة المطلقة .
وغير بعيد عن هذا الطرح نجد نظيرا له عند المقدوني أرسطو طاليس الذي يعتبر الحقيقة بدوره مطلقة إلا أنها ليست مفارقة للعالم الحسي بل هي محايثة له متضمنة فيه ، قائمة بذاتها حاملة لغيرها وهي جوهر الموجودات من منطلق أنه لكل موجود جوهر ومظهر وتدرك بالنظر العقلي ولكنها تتخذ من الحس مطية ومن هنا كانت الفلسفة عنده هي البحث في الوجود بما هو موجود.
ويذهب أبو الفلسفة الحديثة الفرنسي روني ديكارت : إلى اٌلإقرار بأن الحقيقة أيضا مطلقة إلا أنها ليست واقعا وإنما هي أفكار قائمة في العقل مرتبطة بمبادئه القبلية المطلقة فكانت بكذلك فطرية قبلية مطلقة . تدرك بالعقل لا بالحواس التي طالما خدعتنا ،والحكمة تقتضي عدم الثقة فيمن يخدعنا مرة .ولما كانت الحدود بين ما هو صادق وما هو كاذب غير بينة عمد ديكارت إلى الشك المنهجي الذي انتهى إلى توليد فكرة الكوجيتو الشهيرة أنا أفكر لإذن أنا موجود ولقد شكلت هذه الحقيقة اللبنة الأولي التي سيبرهن من خلالها علي وجود باقي الحقائق .
ونفس الاعتقاد نجده لدى الرياضيين القدامى الذين يعترون اليقين الرياضي لا يجادل فيه إلا من أوتي من الفطنة حظا قليلا . وهذا اليقين متولد من طبيعة الرياضيات في حد ذاتها فهي علم المفاهيم الكمية المجردة القائم على الافتراض والاستنتاج فالموضوع تصورات ومفاهيم وقضايا مجردة ثابتة ومطلقة أما المنهج فهو عقلي استنباطي يستوجب الانسجام بين المبادئ والنتائج ومبادئ الرياضيات الكلاسيكية( المسلمات , البديهيات ، التعريفات) يعتقد أنها صادقة صدقا مطلقا عقليا وحسيا فالتعريف الرياضي على سبيل المثال كامل منذ وجوده بحكم أنه صياغة ذهنية تجريدية فمفهوم الدائرة لا يزال قائما كما عرفه القدماء منحن مغلق جميع نقاطه على بعد متساو من نقطة ثابتة.
وبذلك كانت الحقيقة الرياضية قطعية في خطتها ونتائجها وهو ما دفع كانـــط إلى القول :
الرياضيات لا يمكن أن تخطئ أبدا وقيمتها تجلى في الإنشاء والتركيب والانتقال من قضايا مسلم بصحتها إلى قضايا تنشأ عنها بالضرورة .
وينسحب هذا الطرح على فلاسفة العلم الكلاسيكي :حيث يجمع علماء الفيزياء الحديثة وفلاسفة القرن التاسع عشر ( نيوتن ، كلود برنار ، لابلاس ، غوبلو ، بوانكاريه )على القول بأن الطبيعة تخضع لنظام ثابت لا يقبل الشك أو الاحتمال ومن ثم فالحتمية مبدأ متحقق في الكون وبصفة مطلقة بحكم أنه لكل ظاهرة شروط تحدثها ومن ثم فإن تكرر نفس الشروط يؤدي حتما إلى نفس النتائج. وهو ما يعني إمكانية التنبؤ بجميع ظواهر الكون بمجرد شروط حدوثها في المرة الأولى وهو ما عبر عنه المفكر الرياضي الفرنسي بيير سيمون دو لابلاس Laplace عام (1749-1827) بمقولتـه المشهـورة: يجب علينا أن نعتبر الحالـة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة ، وسببا في حالته التي تأتي من بعد ذلك مباشرة لحالته السابقة ، وسببا في حالته التي تأتي من بعد ذلك مباشرة .
ولهذا اعتبر الرياضي الفرنسي هنري بوانكاريه الحتمية مبدأ لا يمكن الاستغناء عنه في أي تفكير علمي أو غيره فهو يشبه إلى حد كبير البديهيات إذ يقول إن العلم حتمي و ذلك بالبداهة. وهو نفس ما ذهب إليه كلود برنار حيث قال إن العلم يضع كل شيء موضع الشك إلا الحتمية فلا مجال للشك فيها.
والصوفية بدورهم لا يرون الحقيقة – اللدنية-فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما سورة الكهف 65 . أو الحقيقة الذوقية كما يسميها بعضهم – إلا كاملة ثابتة أزلية لا يشوبها نقص ولا يرقى إليها أدنى شك وكيف لا والصوفي يطلبها بالزهد والتقشف والتفرغ للعبادة فيستقيها من ربه مباشرة عن طريق التجربة الذوقية وهي معايشة وجدانية تتجاوز العقل المنطقي وتتم خارج نطاق الحواس تتيح للصوفي الفنــاء عـن نفســه والاستغـــراق التام في ذات الله فيتلقى منـه المعرفــة مباشـرة في صـورة إشراقـة ونور يقذفه الله في قلب العبد
"يقول ذو النون المصري عرفـــت الله بالله .
ومن ثم كانت الحقيقة في عرفهم هي منتهى الكمال والرقي في سلم التعبد وصولا إلى الكشف الرباني والفيض الرحماني.
وعن هذا يقول محي الدين بن عربي من هذب في الطاعة جسمه وملك نفسه ارتقي به إلى مقام المقربين فإذا لم يبق فيه من البشرية نصيب حل فيه روح الله الذي كان في عيسى ابن مريم .
لكن أيا كانت مبررات هذه الأطروحة فقد تعرضت لانتقادات شديدة هزت أركان منطقها فهي لا تستطيع تفسير التعدد و الاختلاف التغير الذي جعل الحقيقة الواحدة حقائق متعددة وهو ما يتناقض مع وحدتها وثباتها ، فالحقيقة التي يتحدث عنها الفلاسفة موجودة ضمن انساق ومذاهب وهو ما يجعلها أسيرة هذه الأطر الذي تنتمي إليها، فإله أفلاطون ليس اله أرسطو ,واله أرسطو أرسطو ليس اله ديكارت. ويفهم من هذا أن تعدد المرجعيات الفلسفية واختلافها أخرج الحقيقة المطلقة من دائرة الوحدة إلى دائرة التعدد ومن دائرة الاتفاق والإجماع إلى دائرة التناقض فهي عند أفلاطون كائنات أنطولوجية خالدة وعند تلميذه أرسطو جوهر يختفي خلف المظهر وأما ديكارت فإنها تستبعد هذه وتلك معا وهذا يتناقض مع مفهوم وطبيعة الحقيقة المطلقة.
أما بالنسبة للرياضيين القدامى فموقفهم كلاسيكي ينطلق من مسلمة عفا عنها الزمن مفادها أن الرياضيات تقوم على مبادئ صادقة صدقا مطلقا عقليا وحسيا إلا أن هذا الاعتقاد تراجع حيث شهد الفكر الرياضي تطورا كبيرا نجم عنه تراجع هذه المبادئ فالبديهيات لم تعد كذلك في ظل اللانهاية والتعريفات التي ظل يعتقد أنها مطلقة انتهت إلى لا معرفات وقد استشعر ديكارت في حد ذاته معالم هذا التغير فقـــال : مـن يدري ربما سيأتي بعدي من يثبت لكم أن مجموع زوايا المثلث لا يساوي 180 درجة وانتهى الأمر بظهور أنساق هندسية حديثة ( هندسة ريمان ولوباتشفسكي).ثم إن التطبيقات العملية للرياضيات تجعل من الحقيقة الرياضية نسبية .
وأما بالنسبة للعلم الكلاسيكي فإن الهزة التي أصابت الرياضيات سرعان ما انسحبت على النظريات الفيزيائية فمع اقتراب القرن 19 من نهايته اصطدم التفسير الميكانيكي ببعض نجم عنها تراجع مبدأ الحتمية فالأبحاث التي قـام بها علمـاء الفيزيـاء على الأجسام الميكروفيزيائية – العالمان البريطانيان جوزيف جون طومسون مكتشف الإلكترون وتلميذه إرنست رذرفورد مكتشف الاشعاع النووي للذرة – أدت إلـى نتـائج غيـرت الاعتقـاد القائم علـى المطلقية تغييرا جذريا لــذا قـال الفيزيـائي الألمــاني هيزنبرغ: إن الوثوق الحتمي كان وهماّ ، لأن بعض الظواهر الطبيعية لا تخضع لقوانين صارمة ، الأمر الذي دفعه إلى التسليم بمبدأ جديد هو اللاحتميــــــــة Non Déterminisme فنفس الأسباب لا تعطي نفس النتائج) .ذلك أن الضبط الحتمي الذي تؤكد عليه العلية و قوانينها ، لا يصح في مستوى فيزياء الذرية قانون السرعة سر= م/ ز لا يمكن تطبيقه لقياس دوران الإلكترون حول النواة لأن دورانه عشوائي ذو سرعة فائقة حوالي 7 مليار د/ ثا ، و لا يمكن التنبؤ بمساره .
فالحتمية إذن مجرد مسلمة عقلية و ليست حقيقة تجريبية ، و ما هو مسلم به يحتمل الخطأ و الصواب ، و لا يمثل الحقيقة دائما ، وهو ما عبر عنه اينشتاين حين قال كلما اقتربت القوانين من الواقع أصبحت غير ثابتة، وكلما اقتربت من الثبات أصبحت غير واقعية.
ولا يقف هذا الرفض والنقد حتى يطالا المتصوفة ذلك أن الحقيقة التي يدعونها تقوم على التجربة الوجدانية وهي معطى ذاتي يختلف باختلاف طبقاتهم فهم بين عارف وعابد ومريد .دخلوا في شطحات فكرية ولدت بينهم صراعا وانتهى التصوف إلى فرق وطوائف ومقامات متناقضة المؤانسة ، المؤالفة ، الموافقة ، الحب ، الشغف ، العشق ، الهوى ،وهو ما يجعل الحقيقة يطالها التعدد والتغير فخرجت بذلك من دائرة المطلق وغدت بدورها نسبية.
إن قراءتي لهذه المواقف المختلفة تخلق في داخلي موقفا شخصيا يجعلني أميل لا محالة إلى رفضها مستأنسا بحال الناس من حولي حيث أجد تغيرا في قناعاتهم الفكرية ورؤاهم ومداركهم وتتغير تبعاً لذلك تصرفاتهم وتعاملاتهم .
وحين أتأمل الأمر جيدا أجده نتيجة طبيعية فالتغير ديدن الإنسان تغير يطال مختلف أبعاد شخصيته البيولوجية والنفسية والعقلية الاجتماعية وهذه تغيرات محكومة بتغيرات العصر ومستجداته الاقتصادية والسياسية والمعرفية والتكنولوجية فالتغير سيد الموقف حتى قيـل كـل شيء في تغير مستمر الثابت الوحيد هو التغير، ويصبح اليقين المطلق ضرب من التحجر فتغيير القناعات من سمات الشخصية الديناميكيه فالقول بأنه تزول الجبال ولا تزول الطبائع وموقفي صحيح صحة مطلقة يغتال التسامح ويقصي الآخر ويولد التزمت وربما الحرب والاقتتال وهو بالتالي مردود فكل ما يمكنك الجزم به على حد تعبير العلامة الشافعي أن رأيك صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيرك خطأٌ يحتمل الصواب
وأجمل موقفي الرافض لهذا الطرح في القول إن الحقيقة وإن كانت مطلقة في ذاتها ( أصول الدين وقطعيات الشريعة ) فمتى أدركها الإنسان وهو المعني دون غيره بالحقيقة أضحت متغيرة ونسبية لأنها متوقفة على واقعه النفسي و الفكري .
فالإنسان كائن نسبي تتحكم فيه ظروف شتى فكيف يمكن للنسبي المتغير أن يدرك المطلق وما الذي يبقى للمطلق من مطلقية إذا تمكن منه النسبي ؟
إن هذا الرفض تبلور ليتحول إلى مواقف ومذاهب فلسفية لها حضور في ماضي الفلسفة وحاضرها وأول من رفض القول بمطلقية الحقيقة وأصر على نسبيتها هم السوفسطائيون بل إن النسبية ولدت في حجر السفسطائية فهم يجعلون من الإنسان مقياسا للأشياء – بروتاغوراس- .
ولم يعدم الفكر الفلسفي الإسلامي ممن يقول بهذا الطرح فالفارابي يرى أن الوقوف على حقائق الأشياء ليس في مقدور البشر ، ونحن لا نعرف من الأشياء إلا الأعراض …
وللفيلسوف الألماني الشهير كانط موقف يستبعد وصـل الإنسان إلى الحقيقة المطلقة حيث يقول الحقيقة المطلقة لا يحتضنها عقل ولا يدركها علم
وفي الفكر الفلسفي المعاصر تصدى البرغماتيون لهذه المواقف ليؤكدوا أنه لا وجود لحقيقة مطلقة وإنما هي نسبية تختلف من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر لأن الحقيقي ليس سوى النافع وأن المطلــق ليس صحيـحاً على أي نحو وفـي هـذا السيـاق يقـول : ويليام جيمس الحقيقة والمنفعة طرفان لخيط واحد والحقائق القديمة كالأسلحة القديمة يعلوها الصدأ وتغدو عديمة القيمة .
وفــي فلسفــة العلـم ترسـخ المقــاربة الابستيمولوجية رؤيــة جديــدة لمفهــــوم الحقيقــــة التي لا وجــــود لهـــا بمعـــزل عن الأخطــــاء ، موقــــف أكــــــده باشلار ودافع عنه كارل بوبر . فالنسبة للابستمولوجي الفرنسي غاستون باشلار كل معرفة علمية تحمل في ذاتها عوائق ابستيمولوجية تؤدي وينتج عنها أخطاء يصعب التخلص منها وتجاوزها بسهولة ، لذا يقول : فالحقيقة خطأ مصحح أو خطأ تم تعديله وتاريخ العلم هو تاريخ تصحيح الأخطاء .
وأما بالنسبة كارل ريموند بوبروهو فيلسوف إنكليزي الجنسية نمساوي المولد. متخصص في فلسفة العلوم. فالعلم ليس حالة من الأحوال اليقينية الثابتة ولا معرفة تتجه نحو حالة نهائية . والمطلق في رأيه ليس سوى قلعة من قلاع الظلامية لأنه يقمع جرأة التساؤل والبحث .
إذا ما ظهرت لك نظرية على أنها الوحيدة الممكنة فاعتبر ذلك مؤشرا على أنك لم تفهم النظرية ولم تفهم المشكلة التي يفترض أن تحلها هذه النظرية. .
وفي الفلسفة المعاصرة يتكرس نفس الموقف الرافض للحقيقة المطلق لكن من مقاربة جديدة للفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو الذي يربط الحقيقة بالسلطة وبمختلف المؤسسات والأجهزة الفاعلة في المجتمع الأمر الذي يجعلها تبعا لما ينشده كل طرف .
ما نستنتجه في نهاية هذا التحليل هو أن كل بحث إنساني ينشد به الحقيقة بحث مشروط بقدراته وبمختلف الظروف التي تحيط به كإنسان وهو ما يجعل الحقيقة نسبية وليست مطلقة فهذه لا يملكها أحد بحكم أن الإنسان محدود العمر والقدرات فأنى له بالعقل القاصر أن يدرك الأشياء إدراكاً شاملاً، فالإنسان بما جبل عليه من عجز وقصور مؤهل لإدراك قدر من المعارف تكفيه لأداء المهام الحضارية الموكلة إليه على الأرض – وما أوتيتم من العلم إلا قليلا
لذا يقال إن المفكرين الحقيقيين يعتبرون الحقيقة الحاضرة مجرد خطوة نحو حقيقة أخرى وهكذا تستمر الحلقة ولو أننا آمنا بوجود حقيقة مطلقة نكون قد وقّعنا بأنفسنا شهادة وفاة عقولنا .
فما نلمسه من تغير في المفاهيم والأذواق والمقاييس العلمية والنظريات العلمية والفلسفية واختلاف الرؤى الدينية يجعلنا نقول جازمين أن هذه الأطروحة القائلة بمطلقية الحقيقة أطروحة فاسدة ولا يعتد بها ولا يؤخذ برأي مناصريها.
المراجـــع :
1- مناهج العلوم تأليف محمد عابد الجابري أحمد السلطاني مصطفى العمري طبع ونشر دار المعرفة المغربية 1969
2- فلسفة العلم فيليب فرانك ترجمة علي ناصف
3- بحار الحب عند الصوفية احمد بهجت – كتاب إلكتروني –
4- الكتاب المدرسي إشكاليات فلسفية شعبة 3 آداب وفلسفة
5- موقع ويكيبيدا