قال تعالى [ و لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ] .
ويقول جل من قائل
( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) . حمدا لله على نعمت الكمالات .
من فضل الله على بني آدم أن قدرّ له بناء جسميا وعقليا سليما يؤهله للدور المنوط به لعمارة الأرض وتدبر معايشة وأسباب ارتقائه . فالبناء الجسمي متوازن متكامل بل زود بما يفوق احتياجاته فهو إذ حمّل في مبتدأ الخلق بما يعوض ما ضعف أو وهن من أنسجة وخلايا وأعضاء فاعلة في الجسم فالإنسان بإمكانه أن يعيش بجزء من الكلي أو الرئة وغيرها وبرغم ذلك منحة من كل شئ زوجين عدا الكبد والقلب لأن أنسجة قليلة منه تكفي فحمدا لله على نعمت الخلق والإبداع فلو تدبر الإنسان نعم الله عليه حين صوره وأتم صورته، حين منحة السمع والبصر والفؤاد . حين زوده بآلية الحفاظ على النسل
( هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ) . حين زوده بجوهرة التفكر ألا وهي العقل وأمره بالتدبر والتفكر باعتبار أن التفكر ضرورة عقلية وفريضة دينية. حين يوجهنا دوما لتدبر آياته حتى لا ننسى
( فلينظر الإنسان مما خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والثرائب إنه على رجعه لقادر ) . فما أعجب ممن يحمل كيسا من لحم ودم ونفايات لا تساوى في مجموعها مسمار صغير يضم كافة المعادن وحفنة من الكليس وكمية من الماء . بيد أن صنعه الصانع جعلت من خلال هذه التوليفه المتناهية في البساطة والمتعاظمه في الإعجاز مصانع ومعامل ومضخات وسجلات وطاقات وقدرات ومشاعر وأحاسيس ومعان كلها تهتف بوحدانية موجدها كلها ذاكرة شاهدة [ وإن من شئ إلا يسبح بحمده ] فما أعجب فمن ينظر بشحم ويأكل ويسمع بعظم ، ويتنفس من خرم، ويبطش بلحم ، لكنة يتناسى ضعفه ووهنه واحتياجه وملاذة فأوله نطفة وآخره جيفة ومآله بين يدي خالقه وصدق الله العظيم
( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ) .
النعمة تدرك بنقيضها. ربما لا نفكر في تمام البناء الجسمي والنفسي بحكم إلف العادة لكن عندما يعرض أمرا نرى فيه نقصا بعد تمام هنا نلتفت بقوة إلى النعمة . المؤمن ينظر إلى السماء يرجو الرحمة ويحمد الله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا . وغيره يتسخط . والأمر أشد عندما نرى وليداً كان أمل أبويه وفرحة عائلته فإذا به جاء شائها أو منقوصا أو محروما من روعة التفكر والنظر .
هنا يتحسس الإنسان بنيه ويحمد الله على جزيل عطاياه. أن هؤلاء الذين يزداد تعدادهم بيننا لأسباب عديدة ستذكر بعضا منها . أقول أن هذه الطائفة تحتاج منا أن نترجم كلمة الحمد ونقدم فورا زكاة العافية وكمال وتمام النعم فلا نكتفي بمواساة ذويهم أو النظر إليهم بألم وتحسر، وكان الله بالسر عليم . وإنماعلينا أن نتدبر حديث الرسول الكريم ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفي غضب الرب وصلة الرحم تزيد العمر ) .
من هنا أنت مكلف ببذل الجهد لرعاية هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة من قبيل الشكر والحمد للمنعم . وأنت مكلف باعتبارك عضوا فاعلا في الجماعة الإنسانية وأنت مكلف بمعونة هؤلاء من باب التراحم وتفعيل أسماء الله وصفاته الرحمن الرحيم الودود الكريم .
وأنت مكلف لأنك إنسان ميزك الله بالعقل فعليك أن تفكر في الأسباب وتوجد الحلول لتترك بصمة تحسب لك في هذه الدنيا القصر المعبر إلى حيث الأبدية والجزاء والخلود .
من هو المعاق:
يقول تعالى في مبتدأ الآية الكريمة التي تبرز طلاقة قدره الله في المنح والعطاء . منح المطلوب المحبوب لدى الخلق جميعا ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا لله ملك السماوات والأرض). … يقول الحق (يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهبُ لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما أنه عليم قدير) . فجعل في مبتدأ العطايا على إنه الخالق لما يشاء، لحكمة يعلمها، لهذا جعل مبتدأ الإشارة لهذه المشيئة " ما " وهي لغير العاقل ثم توالى عرض هباته على خلقة ممن تقرّبهم الأعين من ذكور وإناث ثم ذيل الآية بمشيئة سالبة مانعة لحكمة بأن تخير من هذه الأرحام الولود من لا تملك أسباب القدرة فهي عقيم لا تُنبت الذكر ولا الأنثى. فكل منا قُدر له دوره الذي سيحاسب عليه أما صاحب النعم ترى هل أعدهم لدورهم المقدر لذكر الله وعمارة الأرض . أم صدق عليه قول الحق( فخلفوا من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات) وأهل المحنة هل صبروا هل تقبلوها برضى ويقين أم واروها وظل وجههم مسودا وهو كظيم ؟ بيد أننا لا نملك في كل أمر إلا أن نقول ( قد أفلح من ذكاها وقد خاب من دساها ) ولمن حرموا نعمت الكمالات لا نملك إلا أن نحمد الله
لك الحمد مهما استطال البلاء لك الحمد مهما استيد الألم لك الحمد إن الرزايا عطاء وإن المصيبات بعض الكرم .
بقي أن نقول من هو المعاق بحسب ما ذكر من دراسات نفسية واجتماعية حول هذه الشريحة فسنجد الطفل المعوق أو غير العادي هو ذلك الطفل الذي ينحرف انحرافا ملحوظا عما نعتبره عاديا سواء من الناحية العقلية أو الإنفعالية أو الاجتماعية أو الجسمية بحيث يستدعى هذا الانحراف الملحوظ نوعا من الخدمات التربوية تختلف عما يقدم للأطفال العاديين . وكلما اشتد النقص أو الانحراف كان تأثيره في إعاقة الطفل عن المشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية أوضح ، وكان تأثيره في نفسية الطفل ، وفي نظرة المحيطين به أعمق وأعظم ضررا .
وهناك أسباب متعددة للإعاقة الجسمية والعقلية نذكر منها :
2. إعاقة بسبب المرض – مثل الإصابة بشلل الأطفال ، وفقدان البصر أو غيره من الحواس ، أو الشلل النصفي الخ .
4. إعاقة بسبب إصابات الحوادث .
كل هذه الفئات محتاجة منا إلى رعاية هذا ولقد أولت المنظمة الدولية لليونسكو المعاقين اهتماما كبيرا وخصصت عاما لبحث مشاكلهم ودراسة كل ما يتعلق بهم لتخفيف عبء الإحساس بالإعاقة ، والحق أن هذا الاهتمام يستحق التقدير . إذ يمنحنا الفرصة أن نسأل أنفسنا عما فعلناه لتلك الفئة التي لا حول لها ولا قوة والتي وصل تعدادها في العالم إلى ما يزيد على 600 مليون نسمة ، 80 % منها في العالم الثالث ترى هل يكفي أن نلحقهم بمؤسسات للرعاية ؟ وهل يسعدهم أن نعينهم ماليا ؟ وهل تعالج مشاكلهم بالندوات والمؤتمرات وحدها ؟ حقا انه لتحد كبير أن نعرف كيف يمكن أن نساعد المعوق صغيرا كان أم بالغا في أن يعيش حياة طبيعية بقدر الإمكان وكيف نساعده لكي يقوم بدوره في الحياة كشخص منتج يشعر بقيمته ويقدر مواهبه وينميها .
والتعويق : تشبيط الناس عن الخير .
• الإعاقة عبر التاريخ الإسلامي :
أما التاريخ العربي فقد حفل بالأحداث والمواقف والروايات التي تدل على أن الإسلام لم يفرق بين المكفوف والمبصر … بل بين المعوق جسديا والصحيح .. ويمكن تقسيم المعوقين عند العرب إلى عدة دوائر هي :
متخلفون .. وهم يختلفون في نسبة ذكائهم وبالتالي في قدراتهم العقلية .
معوقون جسمانيا وينقسمون إلى فئتين :
فئة تضم من يعانوا من عاهات في الأعضاء الحسية كفقدان البصر والسمع أو النطق .
وفئة تضم ذوى العاهات الجسمانية في الأطراف أو الصحة المعاقة مما يتسمون بالضعف الصحي . والدائرة الثالثة للمعوقين تضم المضطربين انفعاليا وربما كان السبب في وجود هذه الدائرة تلك الأسباب الاجتماعية التي تجعلهم غير متوافقين اجتماعيا . وكان العرب من الأمم التي اعترفت لهم بالكيان الاجتماعي والثقافي عملا بقوله تعالى
" يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم " .
اللهم اجعل ام عماد الدين ممن يورثون الجنان ويبشرون بروح وريحان ورب غير غضبان..آمين.