واحتار المسلمون في هذا الأمر وإذا برجل مؤمن يقول لهم في ليلة ، وقد تلثَّم – أي غطى وجهه – لكي لا يعرفوه : يا إخواني ، تعالوا معي إلى باب الحصن واحملوني وألقوا بي من فوق باب الحصن في وسط الأعداء ، قالوا: ستحصدك السيوف ، قال: لقد عزمت ، وقال الله : {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} آل عمران159
فحملوه وألقوه من فوق باب الحصن في وسط الأعداء وأعانه الله بمفرده وفتح باب الحصن وكان سبب الفتح: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} الأنفال65
وبعد انتهاء الحصن وفتحه جاء القائد وقال: من يعرف الرجل الذي كان سبباً في الفتح فليأتني باسمه؟ ولم يتقدم أحد وبعد أيام جاءه أحدهم ، وقال له إنني أعرف الرجل الذي فتح الله على يديه الحصن ، وليس كما نقول الآن – فلو أن واحداً منا أكرمه الله وهدى واحداً على يديه وعصاه مرة ؛ يقول : أنا الذي أدخلتك طريق الله أنا سبب هدايتك أنا سبب ولايتك
لكن المفروض أن تقول كما يقول الصالحون: لقد هداك الله على يدي ، فالذي يهدي هو الله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} القصص56
فقال الرجل للقائد: أنا أعرف الرجل ولكن لي شروط قبل أن أخبرك عنه ، قال: وما هي؟ قال : إنه لا يريد أن تعرِّفه ولا تعرِّف به عمر بن الخطاب فلا تعرِّف اسمه أو ترسل اسمه لعمر بن الخطاب ولا تصرف له مكافأة من عندك ولا أن ترسل لعمر ليكافأه ، فقال له القائد : ماذا يريد هذا الرجل إذاً؟ فقال له: إنه يريد المكافأة من الله ، فقال له: كما تريد ، فقال: أنا هذا الرجل
وهكذا يكون الرجال فلا يريد أن يعرفه القائد ولا أن يعرفه أمير المؤمنين ، ولكن يريد أن يعرفه رب العالمين وهذا أمرٌ قد تحقق وانتهى ، حتى أن الرجل منهم لو أغضب؟ لا يحولـه الغضب عن الإخلاص لله ، فسيدنا عمر رأى رجلاً ؛ فقال له: أغرب عن وجهي فإني لا أحب أن أراك ، قال: هل تمنعني حقاً هو لي؟ قال: لا ، فقد نختلف؟ ولكن عند الحق لابد أن ينفذ الحق فكانوا لا يغضبون ؛ إلا كما كان يغضب حَبيب الله ومُصطفاه ، كان لا يغضب لنفسه ولكن لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله عز وجل