التوكل على الله،عبادة قلبية محضة، لاتمارس إلا بالقلب ، لا صلة له بالجوارح أو الحواس.. فالجوارح هي اليدانواللسان والعينان والأذنان ، كل الجوارح تعمل كأنه لا يوجد توكل. لكنالقلب يتوكل على الله، كأنه لا توجد جوارح. القلب منقطع عن الأسباب، متصلبالله وحده، والجوارح تأخذ بالأسباب ليل نهار.
اصل كلمة التوكل :التوكل مأخوذ من إسم الله " الوكيل "، والذي يأخذ بيدك لكل ما ينفعك وهو أحد أسماء الله الحسنى ." الوكيل ". هو الذي يأخذ بيدك لكل ما ينفعك ويصلحك. ولذلك تسمع دعاء النبيوهو يقول لله: " لبيك وعديك، والخير كله إليك، والشر ليس إليك ".
التوكل الذي نتحدث عنه،نحن في أشد الحاجةإليه من كثرة المشاكل التي تحاصرنا، والنقص في الرزق، والأولاد الذينابتعدوا عن طاعة الله ومنهم من يدمن المخدرات، ويغرق في الشهوات. ومنهم منيرى الحياة مظلمة أمام عينيه، فهم لا يستطيعون الزواج، والمتزوج مثقلبالأعباء، غارق في التعاسة.
هؤلاء في حاجة إلى معرفة الوكيل، وحب الوكيل واللجوء إليه.. ولذلك حين يسدعلى إنسان طريق، بحكمته يفتح له سبعة طرق بديلة. وهو بجهله يعترض ويقول: لماذا يا ربي أغلقت أمامي هذا الطريق؟!.. حين تجد أن الحياة أظلمت أمامعينيك، تأكد أن الوكيل لن يتركك.
الجنين في بطن أمهمثلاً.. يأتيه الغذاء منبطن الأم. غذاء واحد هو الدم. فإذا خرج إلى الحياة بكى. لماذا؟.. فقدالطريق الذي تعود عليه، وهو لا يدري أن الله برحمته أرسل إليه طريقينللغذاء: ثديي أمه. وبدلا مما كان الغذاء دما، أصبح لبنا شهيا. فإذا جاءالفطام بكى بحرقة، لأنه فقد الطريق الجديد الذي تعود عليه، فيفتح الله لهأربعة طرق للرزق: طعامين وشرابين.
الطعامان هما: النبات ولحم الحيوان.
والشرابان: الماء واللبن.
فإذا جاءته الوفاة بكى!. لماذا؟ . لأنه سيفقد الطرق التي تعود عليها للرزق.
فإذا كان صالحاً، فتح الله له أبواب الجنة الثمانية. ذلك هو الوكيل. لايسلمه إلى الشر أبدا. والإنسان بجهله يقول له: ليه يا ربي عملت فيا كذه؟
بينما الوكيل يجهز له ما هو أنفع.
فما منعك ألاليعطيك. ولا ابتلاك إلاليعافيك. ولا امتحنك إلاليصفيك. ولا أخرجك من الدنيا إلاليجتبيكفي الجنة. فيا سبحان الله. لماذا إذن لا نتوكل على الله؟.. لهذا كله نقول في أوقات الشدائد والمحن: توكلت على الله.
بم يوحي إلينا إسم " الوكيل" وما الصفات التي يحملها هذا الاسم؟
انظر إلى ملكه، لكي تعرف تتوكل عليه أم لا؟
انظر إلى سيطرة الله عز وجل على مقاليد الأمور في الكون كله. يقول الله تبارك وتعالى: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير".
هل نلجأ لإنسان بعد هذا الكلام؟
هل يتعلق الغريق بالغريق؟
هل يذهب الفقير، يسأل الفقير؟
أم يلجأ الغريق لمن بيده الآمر؟
أين اليقين في الله؟.. أين قلبك الذي يتوكل على الله وحده؟.. أين الوكيل في حياتك؟
انظر قول الله:
" قل من يكلاكم بالليل والنهار من الرحمن"
من يحفظكم بالليل والنهار من الله.
أنت ترتكب المعصية طول النهار، ثم تدخل إلى فراشك، فيحفظك إلى صباح اليومالتالي. من يحفظك في فراشك؟.. أبوك أم أمك أم مفتاح الغرفة ؟!
يقول الله تبارك وتعالى:
" قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه".
من بيده رزقك ونفعك ؟..
يقول النبي: صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعينيوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليهالملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكد رزقه وأجله وعمله وشقى أوسعيد ". نتوكل على الله إذن أم لا؟..
يقول الله تعال:
"قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".
من هو الوكيل؟
خائف من الضياع؟.. تلجأ لمن؟.. تقول لمن جعلني أهتدي: " خائف أرجع للضلالمره ثانيه . خائفة أخلع الحجاب مره ثانية، خائف اترك الصلاه في المسجد. خائف اضل في المعاصي ".
تلجأ للوكيل.. " قل لمن ما في السماوات والأرض. قل لله " من الذي له السماء والأرض غير الله؟ الله وحده.. الوكيل.
يقول الله:
قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به".. الوكيل وحده.
يقول الله تبارك وتعالى:
" قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم". من يستطيع أن يكشف عنكم هذه المصائب؟. يقول الله تبارك وتعالى:
" قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأني تؤفكون".
يقول الله تبارك وتعالى:
" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر "
تلجأ لمن.قلبك يتعلق بمن. علاقة قلبية ليس لها علاقة بالجوارح. جوارحكتأخذ بالأسباب. تستذكر ليل نهار. تبحث عن عمل ليل نهار. ليس فلانا هو الذييدبر لك عملك . هو الذى سيزوجك . وهو الذي يشفيك . هو الوكيل .
لا نزال نريد تعريفاً لكلمة " توكل" ؟
معنى كلمة توكل هو انطراح القلب بين يدى الله كانطراح الميت بين يدي مغسلة . قلبك يكون مع الله . يفعل بهما يشاء ، وراض بما تأمر به . ومتوكل عليك. وقال عالم آخر إن التوكل هو " الاسترسال مع الله حيث يشاء " . التوكل .. أن تأخذ بالأسباب .. بالجوارح ، ثم تقطع الأسباب عن القلب .
ومن المتوكل ؟
الناس حين تنقطع الأسباب يبكون ، والمؤمن حين تنقطع الأسباب يقول : الحمد لله رميت حملي على الوكيل .. التوكل أن ترضى بالله وكيلا .
التوكيل في الشهر العقارييعنى أن من أعطيته التوكيل له حق التصرف في أموالك كيف يشاء ، ثم توقع على ذلك وأنت مطمئن تماما لمن وكلته .
هل توقع إذن على عقد الوكالة مع الله ؟! الوكيل لا يضيع من وكله .
العلماء يقولون:من أكل فلس من حرام فليسبمتوكل على الله . لماذا ؟ .. لأنه غير واثق من أن الله سيرزقه فذهب ليسرق . من بكى على أولاده وهو يموت لمن يتركهم ؟ فليس بمتوكل . إذا بكى علىالفراق فهذا من حقه . لكن أن يبكى لأنه يتصور ضياع أولاده بعد موته .. هذاليس بمتوكل . ولذلك فإنالصحابي الجليل عبد الله بن مسعودعندما أتته الوفاة زاره عثمان بن عفان ، فقال له يا بن مسعود نأمر لك بمال . قال ولم ؟
قال له عندك ثلاث بنات ، قال أتخشى على بناتي الفقر يا عثمان . قال : نعم يا بن مسعود.
قال : لا والله لقد علمت بناتي كلمات . سورة من القرآن تقرأها كل بنت كلليلة فإذا قرأنها لا يصبهن الفقر أبداً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول :" من قرأ الواقعة كل ليلة ، لم تصبه فاقة أبداً " . أي أن من يقرأسورة الواقعة لا يمكن أن يصيبه الفقر .. من عنده ثقة بن مسعود هذه في الله؟ من عنده هذا التوكل على الله ؟
لا إيمان بدون توكل
انظر الناس على أبواب الأطباء ماذا يفعلون ؟
هناك من يقف على باب الأطفال ومعه ابنه الرضيع 24 ساعة . لماذا ؟ لأنهواثق في الطبيب . هذا صحيح بالجوارح . لكنه غير صحيح من القلب . فالذيسيشفى الابن الرضيع هو الله . لكنك لا بد أن تذهب به إلى هذا الطبيب ثقةفي الطبيب . فإن الواقفون على باب الله ثقة في الله ؟
سلم قلبك للوكيل ، وامض وقل : حسبي الله ونعم الوكيل. الجأ إليه وتوكل عليه . ثم انظر ماذا سيفعل لك .
قال تعالى :
" ومن يتق الله يجعل له مخرجا".. لكن انظر قوله أيضا :
" ومن يتوكل على الله فهو حسبه" .
سبحانه هو المسئول عنك مسئولية كاملة . لأنك توكلت عليه .
لذلك لا ينفع الإيمان بدون توكل .
" وقال موسى : يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا" .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمنا :
" يدخل الجنة من أمتي سبعون ألف من غير حساب ". فقال لها الصحابة:
" صفهم لنا يا رسول الله . قال : هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون".
ليس في الإسلام تشاؤم . والصحابة في حديث آخر ، قاولوا إن الـ 70 ألف عددقليل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى صحيحة : " ومعهم معكل سبعين ألفاً سبعون ألفاً ". فقام واحد من الصحابة ، قال يا رسول اللهأدعي الله أن أكون منهم . أسمه عكاشة ابن المحسن فقاله النبي : أنت منهم .
فقال واحد آخر من الصحابة قاله : يا رسول الله أدعو الله أن أكون منهم قال : سبقك بها عكاشة .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً وتروح بطاناً".
أنظر ماذا يقول القرآن الكريم عن التوكل ؟ .. لا يمكن أن تأتى سورة أو آيةعن التوكل إلا وقبلها صفات الله عز وجل ،فهو الملك الجبار المهيمن العظيممالك الملك .
يقول الله سبحانه وتعالى : "والتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده". يا مسكين.. هل تتوكل على الأموات ، ولا تتوكل على الحي الذي لا يموت ؟
والنبي إذا كان اشتد به أمر ، يكثر من هذا الدعاء : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث . يقول الله تبارك وتعالى ..
" فإن تولوا قل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم".
ويقول الله تعالى :
" رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ".
ويقول الله تبارك وتعالى :
" قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا" لأن الرحمن يرحم عباده ويأخذنا دائما للخير.
يقول الله تبارك وتعالى :
" وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين " .
علي من تتوكل اليوم…..؟؟؟؟
توكل أيها المسلم على مولاك، فهو خالقك ورازقك ولا تتوكل على أحد سواه لأنه لا فائدة من سؤال الخلق،
قال أحد الصالحين “أيست من نفع نفسي لنفسي فكيف لا أيأس من نفع غيري لنفسي ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجوه لنفسي”.
يميل القلب إلى المخلوق ويركن إليه لضعف اليقين بالله، والأمل لا يكون إلابالله، والرجاء لا يكون إلا فيه. جاء في بعض الكتب السماوية
“وعزتيوجلالي لأقطعن أمل من يؤمل غيري ولألبسنه ثوب المذلة عند الناس، ولأحجبنهعن قربي، ولأبعدنه عن وصلي، ولأجعلنا متفكراً حيران، يؤمل غيري في الشدائدوالشدائد بيدي وأنا الحي القيوم ويطرق بالفكر أبواب غيري وبيدي مفاتيحالأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني”.
وقال الله في القرآن الكريم: “وتوكل على الحي الذي لا يموت”.
من توكل على الله كفاه لأنه بيده مفاتيح الغيب وهو مالك الملك والملكوت،ومن توكل على غيره ضاع وتشتت لأن ما سوى الله يموت والعاقل لا ينبغي له أنيتوكل على من يموت ويفنى.
من اعتمد على علمه ضل ومن اعتمد على عقله اختل ومن اعتمد على جاهه ذل ومناعتمد على الناس مل ومن اعتمد على الله فلا ضل ولا ذل ولا مل ولا اختل.
ومن أخص خصائص المؤمنين الموحدين انهم على ربهم يتوكلون، فالتوكل على اللهلا ينحصر في حالة من الحالات فالمسلم متوكل على ربه في كل موطن، فإذا طلبتالرزق فتوكل على الله.
قال صلى الله عليه وسلم “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانا”.
والمسلم يجب أن يعلم أن أول مقام في التوكل أن يكون العبد بين يدي الله عزوجل كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء، لا تكون له حركة ولا تدبر، أيالتسليم المطلق لله عز وجل وعلامة التوكل ثلاث: لا يسأل، ولا يرد ولايحبس”.
والتوكل هو الثقة بما في يد الله تعالى واليأس عما في أيدي الناس وكانوأخبرنا المصطفى أن قوماً من أبناء أمته عددهم سبعون ألفاً يدخلون الجنةبغير حساب، وأن من أوصافهم أنهم على ربهم يتوكلون
بارك الله فيك أخي علي هذا الكلام النافع