بسم الله الرحمن الرحيم
فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر
ـ عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم بمال من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة ، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف ، فتعرّضوا له ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ، ثم قال : " أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين . فقالوا : أجل يا رسول الله ، فقال : " أبشروا وأمّلوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " . متفق عليه .
ـ وعن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، وجلسنا حوله . فقال : " إن ممّا أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها " . متفق عليه .
ـ وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء " . رواه مسلم .
الشرح
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ :
هذه الأحاديث ذكرها المؤلف ـ رحمه الله ـ في باب الزهد في الدنيا والترغيب فيه ، وقد ذكر قبل ذلك آيات متعددة كلها تدل على أن هذه الدنيا ليست بشيء بالنسبة للآخرة ، وأنها ممر ومزرعة للآخرة ، فإن قال قائل : يقال ورع ، ويقال زهد ، فأيهما أعلى ؟ وما الفرق بينهما ؟
فالجواب : أن الزهد أعلى من الورع ، والفرق بينهما أن الورع ترك ما يضر ، والزهد ترك مالا ينفع ، فالأشياء ثلاثة أقسام : منها ما يضر في الآخرة ، ومنها ما ينفع ، ومنها ما لا يضر ولا ينفع .
فالورع : أن يدع الإنسان ما يضره في الآخرة ، يعني أن يترك الحرام .
والزهد : أن يدع ما لا ينفعه في الآخرة ، فالذي لا ينفعه لا يأخذ به ، والذي ينفعه يأخذ به ، والذي يضره لا يأخذ به من باب أولى ، فكان الزهد أعلى حالا من الورع ، فكل زاهد ورع ، وليس كل ورع زاهدا .
ولكن حذر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أن تفتح علينا الدنيا كما فتحت على من كان قبلنا فنهلك كما هلكوا .
لما قدم أبو عبيدة بمال من البحرين ، وسمع الأنصار بذلك ، جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافوه في صلاة الفجر ، فلما انصرف من الصلاة تعرضوا له ، فتبسم ـ عليه الصلاة والسلام ـ يعني : ضحك بدون صوت ، تبسم لأنهم جاءوا متشوقين للمال .
فقال لهم :" أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ؟ " قالوا : أجل يا رسول الله ، يعني : سمعنا بذلك وجئنا لننال نصيبنا .
فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم " فالفقر لا يخشاه علينا النبي صلى الله عليه وسلم .
والفقر قد يكون خيرا للإنسان ، كما جاء في الحديث القدسي الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال : ( إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى ) يعني : أطغاه وأضله وصده عن الآخرة ـ والعياذ بالله ـ ففسد ( وإن من عبادي لو أفقرته لأفسده الفقر ) .
فقال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " ما الفقر أخشى عليكم " يعني : لا أخشى عليكم من الفقر لأن الفقير في الغالب أقرب إلى الحق من الغني .
وانظروا إلى الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ من الذي يكذبهم ؟ يكذبهم الملأ الأشرار الأغنياء وأكثر من يتبعهم الفقراء ، حتى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أكثر من اتبعه الفقراء .
فالفقر لا يخشى منه ، بل الذي يخشى منه أن تبسط الدنيا علينا ، كما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم " .
وهذا هو الواقع ، وانظر إلى حالنا نحن ، لما كان الناس إلى الفقر أقرب ، كانوا لله أتقى ، وأخشع وأخشى ، ولما كثر المال ، كثر الإعراض عن سبيل الله ، وحصل الطغيان ، وصار الإنسان الآن يتشوف لزهرة الدنيا وزينتها : سيارة ، بيت ، فرش ، لباس ، يباهي الناس بهذا كله ، ويعرض عما ينفعه في الآخرة . وصارت الجرائد والصحف وما أشبهها لا تتكلم إلا عن الرفاهية وما يتعلق بالدنيا ، وأعرضوا عن الآخرة ، وفسد الناس إلا من شاء الله .
فالحاصل : أن الدنيا إذا فتحت ـ نسأل الله أن يقينا وإياكم شرها ـ أنها تجلب الشر وتطغي الناس (( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )) [ العلق : 6 ـ 7 ] .
وقد قال فرعون لقومه : (( يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي )) [ الزخرف : 51 ] . افتخر بالدنيا ، لذلك فالدنيا خطيرة جدا .
وفي هذه الأحاديث أيضا قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" إن الدنيا حلوة خضرة " حلوة المذاق ، خضرة المنظر ، تجذب وتفتن ، فالشيء إذا كان حلوا ومنظره طيبا فإنه يفتن الإنسان ، فالدنيا هكذا حلوة خضرة .
ولكن :" إن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون " يعني جعلكم خلائف فيها ؛ يخلف بعضكم بعضا ، ويرث بعضكم بعضا ، " فينظر كيف تعملون " هل تقدمون الدنيا أو الآخرة ؟ ولهذا قال : " فاتقوا الدنيا واتقوا النساء " . ولكن إذا أغنى الله الإنسان ، وصار غناه عونا له على طاعة الله ، ينفق ماله في الحق ، وفي سبيل الله ، صارت الدنيا خيرا .
ولهذا كان رجل الدنيا الذي ينفق ماله في سبيل الله ، وفي مرضاة الله عز وجل ، في منزلة العالم الذي أتاه الله الحكمة والعلم وصار يعلم الناس .
فهناك فرق بين الذي ينهمك في الدنيا ويعرض عن الآخرة ، وبين الذي يغنيه الله ، ويكون غناه سببا لسعادته والإنفاق في سبيل الله (( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) [ البقرة : 201 ] .
ـ وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة " . متفق عليه .
ـ وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يتبع الميت ثلاثة : أهله ، وماله وعمله ، فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يرجع أهله وماله ، ويبقى عمله " . متفق عليه .
ـ وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة ، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال : يابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مرّ بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يارب ، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة ، فيقال له : يابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مرّ بك شدة قط ؟ فيقول : لا . والله ، ما مرّ بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط " . رواه مسلم .
ـ وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع ؟ " . رواه مسلم .
ـ وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بالسوق والناس كنفتيه ، فمر بجدي أسك ميت ، فتناوله ، فأخذ بأذنه ، ثم قال :" أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم ؟ فقالوا : ما نحب أنه لنا بشيء ومانصنع به ؟ ثم قال : أتحبون أنه لكم ؟ قالوا : والله لو كان حيا كان عيبا ، إنه أسك . فكيف وهو ميت ، فقال : " والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم " . رواه مسلم .
قوله كنفتيه أي : جانبيه . والأسك : الصغير الأذن .
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك و بك عن من سواك.
|||ردد معي|||~~~|||~~~|||الله|||~~~|||أكبر|||
|||~~~|||~~~|||~~~اللهم ارزقنا الجــــــــــــــنه امين
|||ردد معي|||سبحان|||~~~|||الله|||~~~|||وبحمده|||
|||ردد معي|||~~~|||~~~|||الله|||~~~|||أكبر|||
|||~~~|||~~~|||~~~اللهم ارزقنا الجــــــــــــــنه امين
|||ردد معي|||سبحان|||~~~|||الله|||~~~|||وبحمده|||
اللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف
شكرا على الموضوع
بارك الله فيك
اللهم لا عيش الا عيش الاخرة
بارك الله فيكم أجمعين على المرور