السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إخوتي الأعزاء والكرام …
أريد أعرف المعنى التام لمعنى التنطع في الدين .
هل كما هو التُنكر فيه السنة والتي يراها الناس بدعة ويعتبر الناس البدعة سنة ؟
والغريب في الأمر أن الكثير من هؤلاء الناس أصبحوا يتهمون من وفقهم الله إلى الظهور بسمت السنة من لحية مرسلة وثوب مُقصر وسواكٌ في اليد وغيره من هدى السنة المُطهرة بأن هؤلاء متنطعين في الدين !! فهل لك أن تبينوا لنا معنى كلمة التنطع .
و ما هو التنطع في الدين فعلا؟
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله :
لغة التنطع في الكلام : التعمق فيه
السؤال: ما هو التشدد المنهي عنه في الدين؟
الجواب : أجاب فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله-
التشدد هو الغلو والتنطع يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم غلوهم في الدين) ويقول – صلى الله عليه وسلم -: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) قالها ثلاثاً عليه الصلاة والسلام، معناه الزيادة على ما شرعه الله، هذا التشدد، يزيد على ما شرعه الله، ومن ذلك البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها والصلاة عندها، هذه زيادة على ما شرع الله، شرع الله زيارتها والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، أما كونه يبني على المساجد، أو قباب هذا من وسائل الشرك المحرم، والرسول أنكر ذلك ولعن اليهود والنصارى على فعل ذلك، والصلاة عند القبور من وسائل الغلو فيها والشرك، وهكذا الزيادة على ما شرعه الله، كأن يتوضأ أكثر من ثلاث، هذا زيادة على ما شرعه الله، كذلك كونه يستعمل في صلاته ما لم يشرعه الله غير الزيادة على الوضوء، بل يستعمل أشياء ما شرعها الله في صلاته؛ بأن يركع ركوع يضره أو يضر المأمومين أو يسجد سجود يضره أو يضر المأمومين، بل يقتصد يتحرى الاقتصاد، القصد في العبادة هو المطلوب، وعدم التشديد لا على المأموم ولا على نفسه، كذلك كونه يصوم دائماً ولا يفطر، يصلي الليل كله، كل هذا من التشدد، والنبي نهى عن هذا عليه الصلاة والسلام وقال: (هلك المتنطعون) ونهى عن التبتل، كذلك لما في التبتل والتشدد من المضرة العظيمة.
السؤال : كثيرا ما يسمع من عوام المسلمين عبارة التشدد والتنطع على من تمسك بدينه، فما هو ضابط التشدد -حفظكم الله-؟
الجواب : فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي
من عمل بالسنة، من عمل بالكتاب والسنة فليس متشددا، هذا ينبذ به بعض الناس، بعض الناس الذين يكرهون أهل الخير ينبذونهم، يقولون: متشددون، موسوسون، كذا، ينبذونهم بالوسوسة والتشدد والتنطع. إذا كان مستقيما على طاعة الله، ومؤديا فرائض الله، ثم نبذ بذلك؛ فهذا مثل ما ينبذ الكفار النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقولون: مجنون، شاعر، كاهن. أما إذا كان الشخص عنده تشدد مثل ما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، يتشدد في العبادة، يزيد، يتعب نفسه، فهذا هو مثل ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لن يشاد الدين أحد إلا غلبه أو مثلا يتجاوز الحد المشروع؛ فهذا قد يقال: إن هذا خالف المشروع، أما إذا كان مستقيما، يؤدي ما فرضه الله عليه، ينتهي عن ما حرمه الله، عنده ورع عن المعاصي؛ فلا ينبغي لإنسان أن ينبذه بهذا، ونبذه بهذا هذا من المعصية ومشابهة للمشركين .
السؤال: من المعروف أن تربية اللحية للرجال سنةٌ مؤكدة ولكن إذا كانت زوجته أو كانت زوجة الرجل تقول لازم تحلق لحيتك وإلا لا أمكنك من نفسي أرجو أن تتحدثوا عن هذا الموضوع بإمعان مع العلم أنني ممن هو واقعٌ في ذلك مع زوجتي بحيث أقنعتها ولم تقتنع وحتى تقول إنني مستعدة أشارعك في ذلك هذا مع شكري وتقديري؟
الجواب : فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الشيخ: لا يجوز للرجل أن يراعي أحداً بالطاعة في معصية الله فلا يطيع زوجته ولا أمه ولا أباه ولا من ولي عليه في معصية الله أبداً لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق وحلق اللحية محرم مخالفٌ لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الأنبياء من قبله وهدي المسلمين عموماً فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية وقال هارون لأخيه موسى يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الناس عليها فيحرم على الرجل أن يحلق لحيته حتى وإن اعتاد الناس ذلك حتى وإن طالبته زوجته بهذا حتى ولو هددته بأن تشارعه وهو إذا شارعها فإن المحكمة الشرعية التي تحكم بشريعة الله لن تمكنها من أي عملٍ ينافي الزوجية بسبب هذا التمسك بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم أما هذه الزوجة فإني أنصحها بأن تتقي الله عز وجل في زوجها وأن لا تأمره بمعصية الله عز وجل فإنها إذا أمرته بمعصية الله كانت آثمة وإن لم يفعل المعصية لأنها تحب منه أن يفعلها وهو لا يجوز له أن يوافقها في ذلك.
السؤال: ما حكم التنطع من الإسلام وضحوا لنا ذلك من الكتاب والسنة؟
الجواب : أجاب فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
التنطع في الإسلام معناه التشدد في الإسلام والتعمق والتقعر وحكمه أنه هلاك للمرء لقول النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون ودين الله سبحانه وتعالى الحق بين الغالي فيه والجافي عنه فالتعمق والتنطع وإلزام النفس بما لا يلزمها هذا كله هلاك وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
السؤال: أرى ولله الحمد شباب اليوم وخاصة بأنهم التزموا بطاعة الله ولكن نراهم يميلون إلى مذاكرة الحديث والتفسير والتوحيد و الفقه فقط ويهملون المواد الأخرى مثل الرياضيات والعلوم ويقولون فقط يريدون الدين ولا يهمهم باقي المواد يردون الآخرة نعم ولله الحمد نحن لا نمنعهم من ذكر الله ولكن الله عز وجل أمرنا بالعلم وحثنا عليه نريد من فضيلتكم نبذه بسيطة عن فضل العلم وأيضاً تقول وبصراحة نرى تطوعهم فيه تشديد جداً جداً نرجو منكم إفادة.
الجواب : لاشك أن ما ذكرته السائله من أن العلم لا يقتصر على العلوم الشرعية كعلم التفسير والحديث والتوحيد والفقه وما يتعلق بذلك لكن العلم المحمود على كل حال هو هذه العلوم والتي أمر الله بها وهي التي فيها الفضل وهي التي قال الله تعالى فيها : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وقال فيها (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) أما العلوم الأخرى التي تتعلق بالدنيا فهي من العلوم المباحة التي إن أتخذها الإنسان وسيلة إلى خير كانت خيراً وإن اتخذها وسيلة إلى شر كانت شراً فهي لا تحُمد لذاتها ولا تُذم لذاتها بل هي بحسب ما توصل إليه وهناك علوم أخرى علوم ضارة إما في العقيدة وإما في الأخلاق وإما في السلوك فهذه محرمة وممنوعة بكل حال فالعلوم ثلاثة أقسام: محمودة عند كل حال ومذمومة بكل حال ومباحة يتعلق الذم فيها أو المدح بحسب ما تكون وسيلة له والنصوص الواردة في فضل العلم والحث عليه تتعلق بالقسم الأول فقط وهو المحمود بكل حال وإذا كانت العلوم التي تعلق بالدنيا نافعة للخلق ولم تشغل عما هو أهم منها كان طلبها محموداً لما توصل إليه من النفع العام أو الخاص و لا ينبغي لنا أن نحتقرها حتى لا نجعل لها قيمة في حال تكون مفيدة للخلق وأما قولها أنها ترى هؤلاء يتشددون في الدين تشدداً عظيماً فالتشديد والتيسير أمر نسبي قد يرى الإنسان الشيء شديداً وهو في نظر غير يسير وقد يرى الإنسان الشيء يسير وهو في نظر غيره شديد والمرجع في ذلك إلى السنة المطهرة سنة النبي صلى الله عليه وسلم المبنية على كتاب الله عز وجل وعلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كان ما يقومون به من أعمال موافقة للكتاب والسنة فليس بتشديد بل هو اليسر والسهولة وأن كان بعض المتهاونين المفرطين يرونه تشديداً فلا عبرة بما يرونه فإنه إذا وافق الكتاب والسُّنة فهو يسير لقول النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا الدين يسر لكن قد يستنكر بعض المفرطين شيئاً من شريعة الإسلام ويظن أن القيام به تشديد فيصف المتمسكين به بالتشدد في دينهم ونحن لا ننكر أنه يوجد فئة من الناس تتنطع في دينها وتزيد فيه وتعنف على من خالفها في بعض الأمور التي يسوغ فيها الاجتهاد ويسع الأمة فيها الخلاف وهؤلاء لا عبرة بهم لأنهم مفرطون والذين يتساهلون ويرون أن التمسك بالشريعة تشديد لا عبرة بهم أيضاً لأنهم مفرطون والدين بين الغالي فيه والجافي عنه.
السؤال : ما معنى الغلو في حب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
الغلو الزيادة بأن تفعل شيء ما شرعه الله، هذا غلو، تقول: غلى القدر إذا ارتفع الماء بسبب النار، الغلو معناه الزيادة في غير المشروع، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، والله يقول -سبحانه-: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ[النساء: 171]، فالغلو الزيادة في المحبة، في الأعمال التي شرعها الله، يقال له: غلو، مثلاً تقول الله افترض علينا خمس صلوات، أنا أحط سادسة …….. وأوجبها على الناس، أنت مثلاً سلطان أو أمير تقول: ….. زيادة خير صلاة سادسة هذا ما يجوز، الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا غلو، أو تقول: أنا أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- فأدعوه من دون الله، أقول يا رسول الله اشفي مريضي وانصرني بعد موته، هذا غلو، ….. الله، الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ادعو الله، أمرك أن تدعو الله، ما أمرك أن تدعوه، أمرك أن تدعو الله، والله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافر: 60]، فعليك أن تدعو الله لا تسأل الرسول، ويقول -جل وعلا-: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[المؤمنون: 117]، فدعاء غير الله من الأموات والأشجار والأحجار حتى النبي كفر أكبر، هذا من الغلو, ومن الغلو أن تزيد فيما شرع الله من سائر العبادات، شرع الله أن توسل بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحة، تزيد أنت توسل بجاه النبي، أو ببركة النبي، أو بحق النبي، هذا بدعة هذا غلو، لكن توسل بالأعمال الصالحة، بحبك للنبي نعم، اللهم إني أسألك بحب نبيك، بمحبتي نبيك، بإيماني بنبيك هذا طيب، هذه وسيلة شرعية، لكن بجاه نبيك هذه ماله أصل، بحق نبيك هذا ما هو مشروع، ببركة نبيك هذا ما هو مشروع، المشروع أن تتوسل بمحبتك، بإيمانك به، باتباعك له، بطاعتك له، هذه الوسيلة الشرعية، أو بأسماء الله وصفاته أو بالإيمان بالله ورسوله.
هل يجوز حلق العارضين؟ وما حكم قص اللحية؟ وهل حكم قصها كحكم حلقها؟[1]
اللحية كرامة من الله للرجل، وجعلها الله ميزة له عن النساء، وجعلها ميزة له عن الكفرة والعصاة الذين يحلقون لحاهم، فهي زينة للرجال، وهي نور في الوجه وهي ميزة له عن النساء، فلا يجوز له أن يتعرضها بحلق ولا قص فلا يحلقها ولا يقصها ولا يحلق العارضين مع الخدين؛ لأن اللحية تشمل الشعر الذي ينبت على اللحيين والذقن، فما نبت على الخدين والذقن فهو اللحية، وهكذا الذي تحت الشفة السلفى داخل في اللحية فلا يجوز له قصها ولا حلقها، بل يجب إكرامها وإعفاؤها وتوفيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى وقص الشوارب وقال: ((خالفوا المشركين قصوا الشوارب وأعفوا اللحى))[2]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس))[3] وفي لفظ: ((وفروا اللحى))[4] و ((أوفوا اللحى))، فعلى المسلم أن يوفرها ويعفيها، ويحرم عليه قصها أو حلقها، هذا هو الواجب على المسلم، فلا ينبغي أن يرضى بأن يشابه أخته، وبنته، وعمته وأمه، أو الكفرة أو العصاة؛ بل ينبغي له أن يخدمها ويوفرها حتى يبقى على سمة الرجال ووجوه الرجال، وحتى يتباعد عن مشابهة المجوس والمشركين الذين يحلقونها ويطيلون السبالات وهي الشوارب، فالشارب يقص ويحفى، واللحية تعفى وترخى، هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب والله المستعان.
[1] من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته بعد المحاضرة التي ألقاها في الجامع الكبير بالرياض بعنوان (الزكاة ومكانتها في الإسلام).
[2] أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار برقم 5892 ومسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة برقم 259.
[3] أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة برقم 260.
[4] أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار برقم 5892 ومسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة برقم 259.
ما حكم الشرع في نظركم -سماحة الشيخ- فيمن يقوم بتحسين اللحية دون حلقها، خاصةً بأن حجم اللحية كثيف جداً وملفت للنظر!! هل يكون معذوراً أمام الله عز وجل إذا قام بتهذيبها، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟!
ليس لأحد أن يتعدَّى على اللحية، لا بحلق ولا تقصير ولا تهذيب، الواجب تركها وعدم التعرض لها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (قصوا الشوارب ووفروا اللحى، خالفوا المشركين) متفق على صحته، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين) هكذا جاء في الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس)، فالواجب على المؤمن إعفاء اللحية وتوفيرها وعدم التعرض لها، أما الشارب فيقص ويحفى بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أصدرت بعض الجهات الإدارية قانونا يلزم الموظفين بتقصير اللحية، فهل يطاع ولي الأمر في ذلك؟ جزاكم اللهُ خيرًا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فاعلم أنَّ السُّنَّةَ التي جرى عليها السلفُ من الصحابة وغيرهم إعفاءُ اللِّحية إلاَّ ما زاد على القبضة فتؤخذ الزيادة بالقصِّ، فقد روى أبو داود وغيرُه عن مروان بن سالم قال: «رَأَيْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الكَفِّ»(١- أخرجه أبو داود في «الصيام»، باب القول عند الإفطار: (2357)، والحاكم في «المستدرك»: (1536)، والدارقطني في «سننه»: (2/185)، من طريق مروان بن سالم، والأثر حسنه الألباني في «الإرواء»: (4/39).)، وهو المنقول عن أبي هريرة رضي الله عنه(٢- أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»: (25481)، وانظر «السلسلة الضعيفة» للألباني: (5/376). )، وقال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما في معرض تفسيره لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: 29]: «التَّفَثُ: حلق الرأس، وأخذ الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظفار، والأخذ من اللحية، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة»(٣- أخرجه الطبري في «تفسيره»: (9/134)، وابن أبي شيبة في «المصنف»: (15673)، من طريق عطاء، والأثر صححه الألباني في «السلسلة الضعيفة»: (5/376).)، وقد استحبَّ ذلك مالكٌ وأحمدُ وغيرُهما، فقد روى ابنُ القاسم عن مالك: «لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية وشَذَّ، قيل لمالك: فإذا طالت جِدًّا؟ قال: أرى أن يُؤخذ منها وتُقصُّ، وروى عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يأخذان من اللِّحية ما فضل عن القبضة»(٤- المنتقى للباجي: 7/266.)، قال الباجي المالكي: «وقد استحبَّ ذلك مالكٌ -رحمه الله-؛ لأنَّ الأخذ منها على وجه لا يغيِّر الخِلْقَةَ من الجمال، والاستئصال لهما -أي: الرأس واللحية- مُثْلَة كحلق رأس المرأة فمنع من استئصالهما أو أن يقع فيهما ما يُغيِّر الخلقة ويُؤدِّي إلى المثلة، وأمَّا ما تزايد منها وخرج عن حدِّ الجمال إلى حدِّ التشعُّت وبقاؤه مثلة، فإنَّ أخذه مشروع»(٥- المصدر السابق: 3/32.).
وعليه، فإن كان الأخذ منها ما فضل عن القبضة فقد تقدم أنَّ ذلك كان معروفًا عند السَّلف فعله، وتلزم طاعة من أمر اللهُ بطاعته في المعروف، أمَّا أن يزيد على القبضة فإنَّ هذا مخالف لأوامر النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بإعفاء اللِّحَى وإرخائها، وهي محمولة على الوجوب في قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «وَاعْفُوا اللِّحَى»(٦- أخرجه البخاري في «اللباس»،باب إعفاء اللحى : (5554)، ومسلم في «الطهارة»، باب خصال الفطرة: (600)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.)، و«أرخوا اللِّحَى»(٧- أخرجه مسلم في «الطهارة»، باب خصال الفطرة: (603)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.)، والمعلوم أنَّ طاعة الحاكم إنَّما تكون في طاعة الله ورسوله، فلا يجوز للمسلم أن يقدم عليهما لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: 1]، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، و«إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(٨- أخرجه البخاري في «الأحكام»، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية: (6727)، ومسلم في «الإمارة»، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية: (4765)، وأبو داود في «الجهاد»، باب في الطاعة: (2625)، والنسائي في «البيعة»، باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع: (4205)، وأحمد في «مسنده»: (623)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.)، كما ثبت في الصحيحين عنه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 17 صفر 1445ﻫ
الموافق ﻟ: 24 فيفري 2024م
الجواب : العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] . أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. لا بأس من اغتنام هذه الفرصة لننبِّه على ما ابتلي به جماهير المسلمين اليوم، ويتوجب علينا هذا التنبيه وجوباً مؤكَّداً، حينما لا نكاد نسمع صوتاً يذكِّر بمثل ذلك، مع شدة وكثرة ابتلاء الناس، ولا أخص الشباب دون الشيوخ. فقد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذر من إطالة الثوب إلى ما تحت الكعبين، وأن من فعل ذلك خيلاء لم يستحق أن ينظر الله تبارك وتعالى إليه يوم القيامة نظرة رحمة. فواجبُ ولازمُ هذا الحديث أن المسلم يجب عليه أن يراعي ثوبه، وألاّ يرسله فيجعله فوق كعبيه، لا فرق في أن يكون هذا الثوب قميصاً -كما يقال اليوم: جلابية- أو أن يكون عباءة، أو أن يكون سروالاً -أعني: بنطلوناً- أو جُبَّة، أو أي شيء كان، كل هذه الأنواع من الثياب لا يجوز للمسلم أن يطيلها أكثر من الكعبين.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ
كتاب الجمعة : باب السواك يوم الجمعة :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ
صحيح مسلم : كتاب الطهارة :باب خصال الفطرة
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ قَالَ زَكَرِيَّاءُ قَالَ مُصْعَبٌ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ زَادَ قُتَيْبَةُ قَالَ وَكِيعٌ انْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ وَحَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَبُوهُ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ .
قال صلى الله عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب( حم ) عن أبي بكر ( الشافعي حم ن حب ك هق ) عن عائشة ( هـ ) عن أبي أمامة . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 3695 في صحيح الجامع"
وقال صلى الله عليه وسلم: "السواك يطيب الفم و يرضي الرب( طب ) عن ابن عباس . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 3696 في صحيح الجامع"
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: "ثلاث حق على كل مسلم : الغسل يوم الجمعة و السواك و الطيب( ش ) عن رجل . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 3028 في صحيح الجامع"
وعن ابن عمر أنه قال: " كان لا ينام إلا و السواك عند رأسه فإذا استيقظ بدأ بالسواك( حم محمد بن نصر ) عن ابن عمر . قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 4872 في صحيح الجامع"
السلام عليكم ورحمة الله
مشكور أخي إذا التنطع باختصار معناه الزيادة على ما شرعه الله