حديث اشتهر بين النّاس وهو ضعيف.الألبانيّ – رحمه الله –
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله وكفى، والصّلاة والسّلام على عباده الّذين اصطفى، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فهذه فائدة ملتقطة من كتاب الألبانيّ- رحمه الله- سلسلة الأحاديث الضّعيفة…وهذه الفائدة حديث مشتهر على أَلسُنِ النّاس، غير ثابت عن رسول الهُدَى – صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم- أحببت إطلاع إخواني وإفادتهم به"
قال الألبانيّ في سلسلة الأحاديث الضّعيفة والموضوعة وأثرها السّيّئ على الأّمة ( 1 / 63 ) :
8 – " اعْمَلْ لدُنياكَ كأنَّكَ تعيشُ أبداً، و اعْمَلْ لآخِرَتِكَ كأنَّكَ تَموتُ غَداً ".
لا أصل له مرفوعا. و إن اشتهر على الألسنة في الأزمنة المتأخّرة، حتّى إنّ الشّيخ عبد الكريم العامريّ الغزّيّ لم يورده في كتابه " الجدّ الحثيث في بيان ما ليس بحديث ".
و قد وجدت له أصلاً موقوفاً، رواه ابن قتيبة في " غريب الحديث " ( 1 / 46 / 2 ): حدّثني السّجستانيّ: ثنا الأصمعيّ عن حمّاد بن سلمة عن عُبيد الله بن العيزار عن عبد الله بن عَمْرو أنّه قال: فذكره موقوفاً عليه، إلاّ أنّه قال: احرث لدنياك… إلخ .
و عُبيد الله بن العيزار لم أجد من ترجمه.
ثمّ وقفت عليها في " تاريخ البخاريّ " ( 3 / 394 ) و " الجرح و التّعديل "( 2 / 2/ 330 )؛ بدلالة بعض أفاضل المكّيّين، نقلاً عن تعليق للعلاّمة الشّيخ عبد الرّحمن المعلّمي اليماني رحمه الله تعالى، و فيها يتبيّن أنّ الرّجل وثّقه يحيي بن سعيد القطّان، و أنّه يروي عن الحسن البصريّ و غيره من التّابعين، فالإسناد منقطع.
و يؤكّده أنّني رأيت الحديث في " زوائد مسند الحارث " للهيثميّ ( ق 130 / 2 ) من طريق أخرى عن ابن العيزار قال: لقيت شيخاً بالرمل من الأعراب كبيراً، فقلت: لقيت أحداً من أصحاب رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ؟ فقال : نعم ، فقلت: من ؟ فقال: عبد الله بن عمرو بن العاص ….
ثمّ رأيت ابن حبّان قد أورده في " ثقات أتباع التّابعين " ( 7 / 148 ).
و رواه ابن المبارك في " الزّهد " من طريق آخر، فقال ( 218 / 2 ): أنا محمّد بن عجلان أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص قال: فذكره موقوفاً، و هذا منقطع.
و قد رُوي مرفوعاً.
أخرجه البيهقيّ في" سننه" ( 3 / 19 ) من طريق أبي صالح: ثنا اللّيث عن ابن عجلان عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: فذكره في تمام حديث أوّله:
" إنّ هذا الدّين متين، فأوغل فيه برفق، و لا تبغض إلى نفسك عبادة ربّك، فإنّ المنبتّ لا سفراً قطع، و لا ظهراً أبقى، فاعمل عمل امريء يظنّ أن لن يموت أبداً، و احذر حذر [ امريء ] يخشى أن يموت غداً ".
و هذا سند ضعيف، و له علّتان؛ جهالة مولى عمر بن عبد العزيز، و ضعف أبي صالح، و هو عبد الله بن صالح كاتب اللّيث كما تقدم في الحديث ( 6 ).
ثمّ إنّ هذا السّياق ليس نصاً في أنّ العمل المذكور فيه هو العمل للدّنيا، بل الظّاهر منه أنّه يعني العمل للآخرة، و الغرض منه الحضّ على الاستمرار برفق في العمل الصّالح، و عدم الانقطاع عنه، فهو كقوله- صلّى الله عليه وسلّم- :
" أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها و إن قلّ ". متّفق عليه.
والله أعلم.
هذا، و النّصف الأوّل من حديث ابن عمرو رواه البزّار ( 1 / 57 / 74 – كشف الأستار ) من حديث جابر، قال الهيثميّ في " مجمع الزّوائد " ( 1 / 62 ) :
(( و فيه يحيى بن المتوكّل، أبو عقيل، و هو كذّاب)) .
قلت: و من طريقه رواه أبو الشّيخ ابن حيّان في كتابه " الأمثال" ( رقم 229 ).
لكن يغني عنه قوله- صلّى الله عليه وسلّم- :
" إنّ هذا الدّين يُسر، و لن يُشَادَّ هذا الدّين أحد إلاّ غلبه، فسدِّدُوا و قَارِبُوا و أَبْشِرُوا … "
أخرجه البخاريّ في(( صحيحه)) من حديث أبي هريرة مرفوعاً.
و قد رُوي الحديث بنحوه من طريق أخرى، و سيأتي بلفظ: (( أصلحوا دنياكم … )) (رقم878 ).انتهى
نقله: أبوطلحة الكوافي.