الحمد الله أنّ العاقبة للمتّقين ، و أن لا عدوان إلاّ على الظّالمين .
أولا : حكم المظاهرات
إنّ حكم التظاهر هو على الإباحة و قد يؤول أمرها إلى أحد الأحكام الشرعية التكليفية و ذلك حسب المطالب المرفوعة فيها و على حسب أسلوب تنظيمها .
*** و هنا نتطرق إلى الإجابة على بعض المسائل ***
1 / أوّلا مسألة رفع الرايات : إنّ هذه الرَّايَات الّتي اتَّخَذتها مُختلف الدُول هِي من الأمُور الجَاهلية الّتي صَارت أداة للفرقة بَين الأمَّة الوَاحدة ، و التَّعصُّب المَمقُوت لِكلّ قوم لِرايته حَتى تَعدَّى الأمر إلى وُجود رَايات حِزبية أو رَايات لِنوادي ريَاضيَّة ، و هَذا كُلُّه أداة مِن أدوات الفِرقة و الشَّتَات .
أمّا الرَّاية الِّتي كَانت تُعقد في زمن النَّبيِّ عليه الصَّلاة و السَّلام فَكانت رَايَات الجِهاد و الغَزوات ، لَا رَايات يُقدِّسها أصحَابها و يَتعصَّبون لَها .
أمّا القول أنها ترفع لتُمَيِّزنَا عَمَّن يَرفع رايَات الغَرب ، فَهذا مُعالجة
خَطأ بخطأ ، و هو عنوان التعصب الجاهلي ، أنصح إخواننا المتظاهرين أن يَسعوا جَاهدين فِي التَّقارب بَل التَّوحد مَع بعضهم و لا يَقرُّوا بهذه الفِرقة الّتي أوجدها المحتل الصليبي و غَذَّتها مُختلف الأنظمة الجَائرة الجَاثية على رِقَابنَا .
إنّ أساس الوحدة الشرعية هو ما أخبر به ربّنا جلّ و علا : << وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) >> من سورة آل عمران .
ثمّ يا إخواني لابدّ أن تركزوا في مظاهراتكم على مطالبكم الشَّرعية لا أن تنشغلوا بأمور ثانوية لا حقيقة لها و إن كان بعض الأقزام يسعى لها ، لكن لن يصلوا إلى مبتغاهم إذا أدّيتم دوركم على أحسن حال .
2 / مسألة التعاون مع أهل البدع : و يَتضمن النَّصيحة
يقول الله تعالى : << وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) >> من سورة المائدة .
فهذه الآية ضَبطَت لَنا الأمُور الّتي يَجب التَّعاون عَليها بين أفراد هَذه الأمة و هو البرّ و التَّقوى ، و عَليه ، فإذا كَان التَّعاون بين المتظاهرين و أهل البدع في إطار البرِّ التَّقوى فَهذا مِن الأمُور المَطلوبة شَرعا ، أمَّا إذا استَغل مُخَالفوكم وجُودكم مَعهم ليرفعوا رَايات عَصبية أو شِعَارات حِزبية فَعليكم حِينئذ أن تَتَميَّزوا عَنهم خَوفا مِن المَحذور الّذي ذَكره الله تَعالى في قوله : << وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ >> ، و لاشكّ أنّ الدَّعوات الحِزبية من رفع شِعار الديموقراطية هو من الإثم الّذي يصدّ الناس عن تحكيم شرع الله تعالى ، و هو من العدوان على أمر الله تعالى ، فالله سبحانه أمرنا نحن أبناء هذه الأمّة سواء كنّا أفرادا أو جماعات أن نتحاكم إلى الكتاب و السنّة عند النزاع لا إلى الديمقراطية و الّتي تعني في ظاهرها حكم الأغلبية ، و في حقيقتها عند التأمل هو حكم زمرة صاحبة المال و الجاه ، قال تعالى : << فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) >> من سورة النساء .
وإنَّ ما تُعَانيه أمَّتنا اليَوم و نَجَم منه هَذه المُظاهرات و الثَورات هُو كُلُّه مِن رواسب تَنحية شَريعة الله تعالى ، و التَّحاكم إلى قَوانين الشَرق و الغرب ، فقد حَان وقت عَودة الأمَّة إلى شَريعَة ربِّها، وأن تَعلم امَّتنا أنَّ مَآسيها هُو في القَوانين الوَضعية و التَّحاكم إليها، فَلا مَكان عند العُقلاء أن تُرفع شِعارات جَاهلية للتحاكم إلى هذه القوانين الوضعية في وقت أمّتنا منتفضة عليها و على من يَحكم بها ، فَعلى أصحاب دَعوة الحَقّ مِن مُجاهدين و عُلماء و طُلاب عِلم و مُثقفين و مُفكرين و أكَاديميين و غيرهم أن يَعملوا جَاهدين لأخذ امَّتنا إلى برِّ الأمَان ، قال تعالى : << وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) >> من سورة المائدة ، و قال : << الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) >> من سورة الأنعام .
و إنّ مِن الخيانة أن نَستغلّ انتفاضَة أمَّتنا لإعادة تَكريس هَذه القَوانين الوَضعية سواء باسم التَدرج المَاكر أو الحكمة المَزعومة أو الوسطية المُزيّفة .
و الله تعالى أعلا و أعلم .
و أسأل الله أن يصلح لنا ديننا الذي هو عِصمة أمرنَا ، و دُنيَانا التي فيها مَعاشُنا
أسأل الله أن يصلح لنا ديننا الذي هو عِصمة أمرنَا ، و دُنيَانا التي فيها مَعاشُنا
امين
و لم يرد عن السلف مثل هذه الفوضى بل ورد النهي عن الخروج عن الحاكم و إن جار
أو ظلم أو أخذ الأموال أو ضرب ظهورنا ..
و على هذا تبطل المسائل الفرعية المندرجة تحت أصل فاسد ..
و حقيقة قد سبق بيان حكم المظاهرات و ما فيها من أخطار على الأمة بما لا يدع
مجالا للشك في قلب عاقل … و الله المستعان !