إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما أنعم به عليكم من مواسم الخير والبركات، وما حباكم به من الفضائل والكرامات، وعظموا هذه المواسم واقدروها قدرها بالطاعات والقربات، وعظموا هذه المواسم واقدروها قدرها بالطاعات والقربات، فإنها لم تجعل إلا لتكفير سيئاتكم، وزيادة حسناتكم، ورفعة درجاتكم ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الجمعة: 4].
عباد الله، لقد أظلكم شهر كريم وشهر رابح عظيم، شهر تضاعف فيه الحسنات وتعظم فيه السيئات، "شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار"(1)، إنه الشهر الذي قال الله عز وجل فيه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185] "جعل الله صيامنا فيه فريضة وقيام ليله تطوعاً"(2)، "ومن صامه إيمانا واحتسابا غفر الله ما تقدم من ذنبه"(3)، "ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدم من ذنبه"(4)، "ومن أدى فيه عمرة كان كأجر حجة"(5)، "فيه تفتح أبواب الجنة وتكثر أعمال الخير وتغلق أبواب النيران وتقل أعمال الشر من أهل الإيمان"(6)، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: "قال الله عز وجل: (كل عمل بن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)"(7)، وفي رواية: (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)(8)، "والصوم جنة – يعني: وقاية من الإثم ومن النار – فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهم: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"(9)، "فأما فرحه عند فطره فيفرح بما أنعم الله عليه بإكمال صوم يومه، وبما أباح الله له من تناول ما كان ممنوعاً منه في الصيام، وأما فرحه عند لقاء ربه فيفرح بما أعد الله له من الثواب الجزيل والفوز بدار السلام"(ش1)، اللهم إنا نسألك أن تحقق لنا هذين الفرحين بمنك وكرمك وجودك يا رب العالمين، وفي صحيح البخاري أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: "إن في الجنة باب يقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخله غيرهم، فإذا دخلوا أغلق ولم يفتح لغيرهم"(10)، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله تعالى فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)"(11).
أيها المسلمون، إنكم تذكرون إخواناً لكم كانوا معكم في مثل هذا اليوم مستقبلين رمضان وأدركوا رمضان وصاموه، ولكن لم يدركوا رمضان هذا العام، فهل أنتم ضامنون لأنفسكم أن تدركوا لما بعد ساعتكم الحاضرة؟ إن الأمر ليس كذلك، فاغتنموا – أيها المسلمون – اغتنموا أعماركم بأعمالكم الصالحة، واغتنموا شهر رمضان بكثرة القيام، والصلاة، والعبادة، والذكر، والإحسان للخلق بالمال والبدن، والعفو عن الخلق، "فإن الله تعالى عفو يحب العفو"(12)، و"كان النبي – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين يدارسه جبريل القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة"(13).
أيها الإخوان، "استكثروا في رمضان من أربعة خصال، اثنتان ترضون بهما ربكم واثنتان لا غنى لكم عنهما، فأما اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار، وأما اللتان لا غنى لكما عنهما: فتسألون الله الجنة وتستعيذون به من النار"(14)، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً، إيمانا بما وعدت واحتسابا لثوابك يا رب العالمين.
أيها المسلمون، احفظوا صيامكم عن النواقص والنواقض، احفظوه عن قول الزور والعمل به والجهل، "فمن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"(15)، احفظوه عن كل قول محرم من السب، والشتم، والكذب، والغيبة، والنميمة، واللغو المحرم، والفحش، وليكن عليكم الوقار، ولا تجعلوا يوم صومكم ويوم فطركم سواء، احفظوا صيامكم عن كل عمل محرم من الغش، والخيانة في البيع والشراء، وغيرهما، احفظوا صيامكم عن استماع المعازف والأغاني المحرمة، قوموا بما أوجب الله عليكم من الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين في المساجد، لا تتهاونوا بالصلاة، لا تفرطوا فيها بالنوم؛ فإنها عمود الدين، "ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"(16)، فقد خاب من يصوم ويضيع الصلاة، لقد خاب من يتأخر وينام عن صلاة الفجر مع الجماعة، وربما نام ولم يصلِّ الفجر إلا بعد طلوع الشمس، لقد خاب وخسر، كيف ينام عن صلاة الفريضة فلا يؤديها مع المسلمين؟ أم كيف ينام عن صلاة الفريضة فلا يؤديها في وقتها؟ إن من أخر الصلاة عن وقتها متعمداً بلا عذر فلم تقبل منه وإن صلى ألف مرة؛ لأن الله حدد للصلاة وقتاً معيناً في أوله وآخره، فكما لا تجزئ الصلاة قبل وقتها فلا تقبل بعده إلا من عذر شرعي.
عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعرفوا الحكمة من فريضة الصيام على العباد، فإن الحكمة تقوى الله – عز وجل – بفعل أوامره واجتناب نواهيه، قال الله تعالى: ﴿يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجه في أن يدع طعامه وشرابه"(17)، واعلموا أيها المسلمون أن الصيام فريضة فرضها الله على عباده في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو أحد أركان الإسلام، من أنكر وجوبه فهو كافر بالله، مكذب لله ورسوله، خارج عن جماعة المسلمين، حتى وإن صام وهو يعتقد بأن الصيام ليس بفرض فإنه كافر، اللهم إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام لم يعرف فرائض الإسلام فهذا يُعَرَّف، فإن أصر بعد المعرفة فهو كافر، إن الصيام فريضة على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر، مقيم، إلا الحائض والنفساء، فأما الكافر فلا يلزمه الصوم ولا ينكر عليه الأكل والشرب إلا أن يعلنه في الأسواق فإنه ينكر عليه، ولكنه إذا فعل ذلك في بيته فإنه لا ينكر عليه؛ لأنه كافر غير ملتزم بأحكام الإسلام، وأما الصغير الذي لم يبلغ فلا صيام عليه لكن يؤمر به إذا كان يستطيعه؛ ليعتاد عليه، "فقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يصومون صغارهم حتى إن الصبي ليبكي من الجوع فيعطونه لعبةً يتلهى بها إلى الغروب"(18)، "والبلوغ يحصل بواحد من ثلاثة أمور: أولها تمام خمسة عشرة سنة، والثاني: إنبات العانة، والثالث: إنزال المني باحتلام أو غيره، أما الأنثى فتزيد بالحيض، فمن حصل له واحد من هذه فهو بالغ تلزمه فرائض الله"(19)، "وأما فاقد العقل فلا صيام عليه، سواء فقده لجنون، أو كبر، أو إغماء، أو حادث، أو غير ذلك مما يزيل العقل، فإنه لا صيام عليه، ولا إطعام عليه؛ لأنه ليس له عقل"(م1)، "وأما الكبير العاقل فإن كان يطيق الصوم وجب عليه، وإن كان لا يطيقه لضعف جسمه من الكبر فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً بعدد الأيام التي كانت عليه خمس صاع من البر، والأولى أن يجعل مع الطعام شيئاً يأدمه من لحم أو دهن"(م2)، "ومن عجز عن الصوم لمرض لا يرجى زواله فحكمه حكم الكبير في الإطعام عنه"(م3)، أما إذا كان المرض يرجى زواله فإنه ينتظر حتى يبرأ ويقضي الصوم؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]، "وأما المرض اليسير الذي يستطيع المريض الصوم بدون مشقة ولا ضرر، فلا يجوز الفطر له"(م4)، "إلا أن يكون في صومه زيادة في المرض أو تأخر في برئه فإنه يفطر"(م5)، "والحامل التي يشق عليها الصوم لضعفها أو ثقلها يجوز لها الفطر وتقضى، والمرضع إذا شق عليها الصوم بواسطة الرضاع أو خافت أن ينقص لبنها نقصاً يخل على الولد يجوز لها أن تفطر أيضا وتقضي"(م6)، "والمسافر الذي لم يقصد بسفره التحيل على الفطر يجوز له الفطر، فيخير بين الصوم والفطر، والأفضل له فعل الأسهل عليه"(20)، "فإن تساوى الصوم والفطر فالصوم أفضل؛ لأنه فعل الرسول صلى الله عليه وسلم"(21)، ولأنه أخف عليه من القضاء غالباً، ولأنه أسرع في إبراء ذمته، ولأنه يدرك به فضيلة رمضان، وإذا كان الصوم يشق في السفر فإنه لا يصوم، ولا فرق بين المسافرين في جواز الفطر، فيجوز الفطر لمن كان سفره دائماً كأصحاب سيارات الأجرة أن يفطروا ويقضوا في أيام أخر؛ لأنهم مسافرون مفارقون لبلادهم وأهلهم وهذه حقيقة السفر، "وأما الحائض والنفساء فلا صيام عليهما ولا يصح منهما الصوم"(22)، "إلا أن تطهر، فإن طهرت قبل الفجر ولو بلحظة فيلزمهما الصوم، وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، ويلزمهما قضاء ما أفطرتاه من الأيام"(23).
عباد الله، اتقوا الله تعالى، واحفظوا صيامكم من النواقص والنواقض، واعرفوا أحكام الصيام؛ لتعبدوا الله على بصيرة، واستمعوا إلى قول الله تعالى: ﴿يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 183-185]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه فإنه غفور رحيم.
ابن عثيمين
بارك الله فيك
اللهم بلغنا رمضان 2024 بالصحة والهناء
آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار، أما بعد:
فإن رمضان هو شهر القرآن اختصه الله -عز وجل- بنزول هذا الكتاب المبين فيه، وقال – سبحانه-:"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" (البقرة: من الآية185)، قال بعض السلف- رحمهم الله-: "ما من كتاب أنزله الله على نبي من الأنبياء إلا كان في هذا الشهر المبارك" ويقول- سبحانه وتعالى-: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ" (القدر:1،2) ، "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ" (الدخان: من الآية3)
ولا تعارض بين إنزال القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر منه، وبين قول ربنا- سبحانه-:"وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً" (الإسراء:106)، وقول الله -عز وجل-:"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً" (الفرقان:32)، فالقرآن نزل في ليلة القدر جملة من بيت العزة إلى سماء الدنيا، ثم بعد ذلك نزل به جبريل -عليه السلام- مفرّقاً منجّماً على امتداد ثلاث وعشرين سنة بحسب الحوادث والأحوال التي تجددت للأمة.
فالقرآن الكريم ابتدأ نزوله في شهر رمضان لما نزل جبريل على نبينا الأمين- صلى الله عليه وسلم- في غار حراء كان هذا النزول المبارك في هذا الشهر المبارك في شهر رمضان، ولذلك كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- يُعنى بالقرآن عناية خاصة في هذا الشهر المبارك، وإلا حاله – عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقرأ القرآن على كل أحواله، كان يقرأ القرآن قائماً وقاعداً ومضطجعاً، وما كان يمنعه من القرآن شيء إلا الجنابة، لكنه في رمضان -عليه الصلاة والسلام- كان يلقاه جبريل ينزل عليه في رمضان من كل عام فيدارسه القرآن مرة،
فلما كان العام الذي توفي فيه- صلوات ربي وسلامه عليه- نزل عليه جبريل فدارسه القرآن مرتين، فيحصل معارضة النبي- صلى الله عليه وسلم- يتلو وجبريل يسمع، جبريل يتلو والنبي- صلى الله عليه وسلم- يسمع عارضه القرآن مرتين، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ما أُراني إلا قد حضر أجلي"، ولذلك بعد رمضان بشهرين في حجة الوداع كان يقول للناس: "خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا".
إخوتي الكرام: في رمضان نحرص على أن نختم القرآن مرة بعد مرة، وعلى أن نتدارسه ونتدبره ونتأمل في حكمه وأحكامه، وفي ذلك الأجر العظيم والثواب الكبير، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول "ألم" حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"، الله أكبر كل حرف من القرآن بعشر حسنات! لو أن إنساناً قال: بسم الله الرحمن الرحيم هذه تسعة عشر حرفاً بمئة وتسعين حسنة، والله يضاعف لمن يشاء، لو أن إنساناً قرأ سورة الإخلاص "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ،وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ" هذه فيها ستة وستون حرفاً بستمائة وستين حسنة في أقل من دقيقة، والله يضاعف لمن يشاء،
ولذلك كان السلف- رضوان الله عليهم- يحرصون على القرآن في رمضان فكان أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- يقومون الليل في رمضان بالمئين، أي: بالسور الطويلة التي فيها مائة آية أو تزيد، حتى كانوا يستندون على العصي من طول القيام، وكانوا يبتدرون سواري المسجد وما ينصرفون من القيام إلا قدر ما يأكلون أكلة السَحَر، وكان سيدنا عمر – رضي الله عنه- يرى الناس أوزاعاً يصلون متفرقين، فجمعهم على أقرئهم أبي بن كعب — رضي الله عنه- فصلوا خلفه صلاة التراويح، وكان يقرأ بهم قراءة طويلة – رضوان الله عليه-.
وكذلك كان إمامنا مالك – رحمه الله- إذا دخل رمضان غلّق كتب العلم؛ كتب الحديث والفقه وغيرها لا يشتغل إلا بالقرآن، وكان الإمام محمد بن شهاب الزهري – رحمه الله- إذا دخل رمضان، قال: إنما هما خصلتان قراءة القرآن وإطعام الطعام، ولا يشتغل بغيرهما، وكذلك أمنا عائشة – رضي الله عنها- كانت تقدّم غلامها زكوان ليصلي بهم من المصحف.
بارك الله فيكم
يعطيك الصحة
بارك الله فيك وجزى الله الشيخ رحمه الله عنا خير الجزاء…
اللهم بلغنا رمضان
بارك الله فيك