بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة و السلام على أشرف المرسلين
أما بعد سوف نتحدث عن كيفية استقبال شهر رمضان بالسحور وهذه لأسباب التالية :
1 ـ لأن السحور هو المحطة الأولى قبل الصيام التي لا يجب إنكارها لأن هناك محطات أخرى مثل محطة صلاة الظهر ثم محطة صلاة العصر إلى أن تصل إلى المحطة الأخيرة أي محطة صلاة المغرب من أجل الإفطار و إنتهاء الصيام كما يتخلل هذه المحطات محطات أخرى وهي محطات فرعية مثل محطة صلاة الضحى و محطات صلوات النوافل وسنن الرواتب وهناك من يحرق كل هذه المحطات الإيمانية التعبدية بالنوم و الكسل فينام من الصبح إلى المغرب لهذا نقول أن السحور شحن لبطارية الإيمان يبدأ منها فهو بمثابة الوقود للسيارة فالسحور بنزين المسلم ليستطيع تحمل الجوع و الظمأ ويتعبد الله بالصبر و التجلد و فهم حاجة الفقراء و المساكين في العالم الذي يحيط به لكي يسعى لمساعدتهم و إنقاذهم من البؤس و الفقر لأن الشعور بنفس الآلام ينشأ مودة و رحمة و روح التضامن وأن السحور في شهر رمضان أحسن محطة يجب العبور عليها لإحساس بعظمة العبادة المسافرين إليها و هي عبادة الصيام التي ركن من أركان الإسلام الخمسة وهي الزاد لصيام حقيقي لا تنطع فيه و لا غلو و لا تشدد .
2 ـ لأن السحور علامة مميزة و فارقة في الصيام و صيام الأديان الأخرى فهي شعيرة عظيمة و رمز خاص بأمة الهلال أمة الإسلام و وسيلة لمخالفة أهل الكتاب وهي بطاقة التعريف الدينية للصائم المسلم من واجبه الحفاظ عليها فهي كراية تميز صيامنا مع رايات أصحاب الملل و الأديان المختلفة عن الإسلام وتجعلنا لا نتشبه بهم بل نخالفهم حتى لا نقع في شبهات أو نقع في الشرك أو نصبح نقارب مساحات الكفر فيختلط علينا الأمر فقد جاء في صحيح مسلم في كتاب الصيام حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن موسى بن علي عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر."
وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة جميعا عن وكيع ح وحدثنيه أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب كلاهما عن موسى بن علي بهذا الإسناد
وحسب هذا الحديث فالسحور يفصل بيننا وبين أهل الكتاب إذن اقتداء بسنة النبي علينا الحفاظ على تناول السحور في استقبال شهر رمضان و أيضا في عبادة الصيام في شهور الأخرى التي نصوم فيها .
3 ـ لأن السحور بركة فهو حبة صغيرة تأتي من بعدها سنابل بها حبات أخرى ومنافع أخرى مثل الوضوء الذي هو شطر الإيمان ثم الأذكار و الأدعية كدعاء أكل السحور و دعاء الإنتهاء منه ودعاء الخروج من المنزل ودعاء الدخول إليه ودعاء أثناء المشي إلى المسجد و أذكار الصباح و دعاء الدخول إلى المسجد و الخروج منه و صلاة تحية المسجد و قراءة القرآن أو أحاديث الرسول و صلاة الصبح و الفجر و درس العلم في المسجد و امتناع عن الأكل و الإمتناع عن الشرب و الإمتناع عن الجماع و الإمتناع عن الشتم و الإمتناع عن أذى الآخرين فالسحور يسهل كل هذه الأمور التي ذكرنا منها القليل فالسحور بمثابة القاطرة التي تجر كل العربات فهي البركة التي تجر كل العبادات و الشعائر و الأعمال الصالحة التي تجلب البركة و الخير كما أن بركة السحور في هذا الوقت تقسم الأرزاق والرزق ليس دائما دنانير و نقود و مال بل قد يكون أمور معنوية كالشعور بالطمأنية و النجاح في الحياة العملية و الإجتماعية و حتى الدينية كالصلاة في وقتها ومع الجماعة و التفاؤل و الذكاء و طاعة الأبناء لأبيهم و تميزهم بأخلاق حسنة و حسن تلقيهم العلم و المعرفة فالملائكة التي توزع الرزق تبارك للمتسحر الذي ينوي الصوم وطبعا لا تبارك النائم الذي لم يقدر قيمة السحور و بركته فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " رواه البخاري (1923) ومسلم (1095).
ولتعميم الفائدة أقدم لكم ما جاء في فتح الباري لشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر رحمه الله عن بركة السحور وهي كما يلي :"إن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة: وهى اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوِّي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على مَن يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نِيَّة الصوم لمَن أغفلها قبل أن ينام".
4 ـ لأن السحور سنة النبي محمد و نحن مطالبين في القرآن بإتباع الحبيب محمد لهذا فإننا يجب أن نتبع الرسول و نطيعه لأن الله يقول في الآية 20 سورة الأنفال:يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله و لا تولوا عنه و أنتم تسمعون "
فلهذا استقبال شهر رمضان بالسحور فيه طاعة وسمع لله و الرسول وتطبيق لآيات القرآن و لأن الله يقول أيضا في الآية 36 سورة الأحزاب :
وقال تعالى : "وما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " .
لهذا فإن من الخير و الفلاح و النجاح ومن الإيمان ومن الإسلام استقبال شهر رمضان بالسحور و لأن رفض السحور فيه شر لنا و مخالفة لهدي النبي محمد صلى الله عليه و سلم .
5 ـ لأن السحور يعين على الصلاة والعمل لأن عدم السحور يدفع الإنسان إلى الخمول و النعاس وهذا يجعل المسلم لا يقبل على أداء الصلاة بشكل أفضل كما أنه من الممكن أن يسئ أداء المهام المكلف بها في مهنته و عمله كما لا يهم كثرة الأكل أو تناول الطعام حتى التخمة فعن أبي هريرة رض الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم سحور المؤمن التمر " رواه أبو داوود(2345) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود . لهذا فعدد قليل من التمر يصلح كسحور لأن التمر غذاء كامل كما أن الماء يكفي كسحور فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " السُّحُورُ أَكْلَةٌ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ " رواه أحمد (11003) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3683) .
ـ لأن السحور يعين على الأذكار و الأدعية لأن حبالك الصوتية وحنجرتك ولسانك تحتاج للغذاء الذي تتناوله في السحور حتى لا تصاب بالوهن أو البحة أومرض .
7 ـ لأن السحور يعين على النهي عن منكر النوم في وقت الصلاة وناهي عن الكسل وناهي عن ترك الصلاة المفروضة قبل طلوع الشمس و يدفع الأمر بالمعروف باليقظة من أجل الصلاة فهو الآمر بصرف النفس إلى عبادة الله و دفع النوم أي التهجد من أجل النشاط و الحيوية لأداء الصلاة في وقتها وهذا معروف عظيم لسحور الذي يجب أن نستقبل به شهر رمضان بصدر رحب و منشرح .
8 ـ لأن السحور فيه صلاة الملائكة على المستحرين ومن يفوت هذه الفرصة فهو غافل و لاعقل له فهو ليس من أولي الألباب و النهى .
9 ـ لأن السحور فيه صلاة الله على المتسحرين ومن يحرم نفسه من هذا الفضل فهو مجنون و غافل .
فقد أخرج ابن حبان والطبراني في "الأوسط" عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن الله تعالى وملائكته يُصلُّون على المُتَسحِّرين " لهذا فالسحور مادام فيه صلاة الملائكة و صلاة الله فلا يجب حرمان النفس المؤمنة من هذا الشرف و الرفعة كما لا يجب أن نحرم زوجاتنا و أبنائنا و أقاربنا من هذا الشرف إن كانوا معنا في نفس المنزل كي تنزل فيه الصلوات و البركات .
10 ـ مبرز نية الصيام ودليل على سماحة الإسلام وأنه دين يسر و ليس عسر
طبعا بالأكل و الشرب يتبين أن المتسحر مقبل على الصيام فالسحور دليل مادي لعبادة الصيام لأن الأعمال بالنيات و النية هي ما يكمن في النفس من إرادة فعل شيء و من المستحيل التعرف على نية الصيام إلا بسماع صوت يصدر من الناوي على الصيام بقوله أللهم نويت الصيام أو رؤيته بالعين المجردة يتناول الطعام و يشرب فنسأله عن السبب في تناول الأكل في هذا الوقت و يرد من أجل الصيام إذن السحور معلم من المعالم التي تبرز للحاسة البصر و السمع نية الصيام للصائم والسحور أيضا دليل أن دنينا الحنيف ليس دين غلو بل دين يسر فهو أحل لنا رخصة السحور مما يسهل سياقة الصيام في ظروف آمنة وبدون كوارث كالغثيان أو الوهن الشديد .
11 ـ لأن السحور نعمة تجعلك تعرف أثناء الصوم نعمة الطعام و الشراب فبعدما علمك السحور نعمة الطيبات و الأنعام فالصوم عندما يحرمك من الطيبات و مختلف الأطعمة و الأشربة تصبح في شوق لها و حاجة لها فتعرف قيمتها فتدفعك إلى شكر الله و حمد ه على نعمه الكثيرة التي قد لا نعرفها إلا إذا حرمنا منها فالعطش يعلمك قيمة الماء الذي تناولته في السحور و الجوع يعلمك قيمة الطعام اللذيذ و الطيب الذي أكلته في السحور .
12 ـ لأن السحور فيه وقت متميز لطلب الإستغفار فإذا كنت من أهل الذنوب فوقت السحر أحسن وقت لطلب المغفرة من الله عز وجل لأن الله يقول في محكم تنزيل في الآية 17 من سورة آل عمران " الصابرين و الصادقين و القانتين و المنفقين و المستغفرين بالأسحار ".
و ختام قولنا إن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان وندعو الله أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و يرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه وأطلب كل من قرأ ما كتبت أن لا ينسى الدعاء لنا بالخير و تصحيح أي خطأ إملائي أو نحوي أو في الأسلوب و البلاغة وحتى الأفكار وقعت فيه و تنبيهي به وله الثواب و الأجر عند الله.
هذا ما وقفني الله في الكتابة عن حسن استقبال شهر رمضان بالسحور على الرغم أني لم أعطه حقه وزهدت فيه لضيق الوقت لأن أمامي ثلاثة نقاط أخرى علي أن أتمها تتمثل فيما يلي :
أولا استقبال شهر رمضان بالإعتكاف
ثانيا استقبال شهر رمضان بالأعمال الصالحة
ثالثا استقبال شهر رمضان بالطهارة من وضوء و غسل .
و سأكتبها بعد العيد إن شاء الله وموضوع السحور ذو شجون و متشعب إن شاء الله إن كان في العمر بقية سأكتب عنه بإسهاب و تفصيل ممل وبكثرة وبقوة وفي الأخير نقول و الحمد لله رب العالمين أللهم اجعل كل من يقرأ ما كتبت وطبق تطبيقا صحيحا من أهل الجنة بشرط أن يوافق الكتاب و السنة .