طبيعتها … ملامحها … موقف المربين منها
جاسم محمد صالح
العراق / بغداد
يسعى الطفل في بداية وعيه وإدراكه الى استعمال اللغة بأشكالها المختلفة للتعبير عما يجول في خاطره من أمور , ولإزالة الغموض والإبهام من محيط تفكيره وعمله ، حتى ان هذا الطفل يبدو لنا نحن الكبار وكأنه (ثرثار مهذار) (1) والذي اريد ان أقوله هو ان : ((الطفل في هذه المرحلة يعيش حالة من التشوش العقلي والنفسي ، وان السؤال والكلمة يزيلان هذا التشوش)) (2) … لهذا فان تقبلنا لما يطرحه الطفل يشكل أهمية كبيرة في تكوينه الاجتماعي واللغوي ويساهم مساهمة فعالة في بناء شخصيته .
مراحل اسئلة الطفل :
لأسئلة الأطفال مراحل مختلفة ، تختلف الواحدة عن الاخرى اختلافا كبيرا من حيث الشكل والمضمون , فأسئلة (المرحلة الاولى) تمتاز بأنها : ((أسئلة مصطنعة بالعواطف الانفعالية وإنها غالبا ما تدور حول رغباتهم وحول الأوامر التي تصدر منهم ، واليهم ، وهي بالتالي تهدف الى معرفة الاشياء والصور التي تثير انتباههم)) (3) , وفي (المرحلة الثانية) حيث تكون الاسئلة فيها مقاربة لأسئلة المرحلة الاولى الا من حيث عمقها وكثرة ادراكها وتركزها النسبي ، وفي هذه المرحلة بالذات ((تختلط الضمائر عند الطفل ، لاسيما ضمائر المتكلم والمخاطب))(4) وكذلك فان اسئلة هذه المرحلة إضافة الى ما سبق فإنها ((تتميز بظهور الـ(لماذا) ؟ … إلا ان اسئلة هذا الدور اقل تنوعاً وعددا من اسئلة المرحلة الثالثة ، وبالتالي فهي اقل اهمية من حيث تعلم الطفل)) (5) … ويختلف الموضوع بالنسبة لأسئلة (المرحلة الثالثة) التي تتصف بتطور قدرة الطفل على فهم المواقف التي يمر بها ((ويقترن هذا التطور بنمو قدرة الطفل على التذكر وربط موقفه الراهن بالمواقف والخبرات التي مرت به من قبل)) (6).
اما اسئلة (المرحلة الرابعة) فانها تكون على الاغلب : ((اكثر تطورا ، حيث انها تتخذ أشكالا تهدف في جوهرها الى زيادة خبرة الطفل بالعالم المحيط به))(7) … وغالبا ما تدور اسئلة الاطفال في (المرحلتين الخامسة والسادسة) حول الاشياء ((التي يريد الطفل معرفتها حقا ، فاسئلته … في هذه الفترة جد لا هزل))(8) , وحين نلاحظ الطفل في سن الخامسة او السادسة نرى بشكل لا يقبل اللبس او الشك رغبته على التحدث الى نفسه احيانا ، وحرصه على التشدق بما يحدثه من اصوات يرفقها تارة ويفخمها تارة اخرى ، وهو في الوقت نفسه معجب بقدرته على تكييف هذه الرغبة ((فاذا رايته مع مجموعة من رفاقه في اثناء اللعب رايت اللغة اداته المفضلة في عرض بضاعته ليجذب اليه انظارهم ، ورايت اللغة تحتل المكان البارز بين الجماعة ، فهم لا يكادون يصمتون)) (9) … ويشهد الاطفال في هذه المرحلة تطورا كبيرا في طرح اسئلتهم وصياغتها وفي ادراك معناها ، فهم في طروحاتهم هذه : ((يعتقدون بان كل شيء له هدف ، ويسألون : لماذا الحشيش اخضر؟ ولماذا النجوم تلمع ؟ … الخ )) (10) وهذه الاسئلة راجعة الى نمو تفكيرهم ، وسعة إدراكهم ، ولـ (بياجيه) العالم النفسي الشهير ولد في الخامسة من عمره كان يسأله دائما عن سر وجود الثلج ، ولكن الولد كان في كثير من الاحيان يجيب على اسئلته بنفسه قائلا : ((للاطفال لكي يلعبوا به)) (11).
ملامح اسئلة الطفل :
ان كل سؤال يطرحه الطفل له ميزات وملامح وأهمية بالنسبة له ، ولكن هذه الاسئلة بمجملها تهدف الى الثراء المعرفي وتوسيع دائرة التفكير … إضافة الى اللهو اللفظي وتأكيد وترسيخ المعلومات التي لديه ، او انها تميل الى ((جذب انتباه المحيطين به)) (12).
ان اغلب هذه الاسئلة تدور حول اشياء غير موجودة في حاضر الطفل كسؤاله : (ايمكن ان آكل ؟) … ((وإن غالبية هذه الاسئلة تعوزها اداة الاستفهام ، وقد يقوم مقامها النغم والحركات المعبرة)) (13)… لكنه الطفل سرعان ما يتعلم استعمال أدوات الاستفهام بشكل تدريجي اضافة الى ((الاسماء الموصولة واحرف العطف وغيرها من الادوات كادوات التعجب)) (14) ، وهنالك شيء آخر نلاحظه في اسئلة الاطفال هو : ((ان هناك ألوانا من الفكر ، وقد تكون لذة التكرار عنصرا من عناصرها)) (15) وانه في رغبته هذه ؟ في تحقيق لذته المعرفية يقوم اثناء طرحه للأسئلة ((بتخفيض الأصوات ويرفقها ويتشدق بها ويكيفها)) (16) حسب هواه وحسب ما يرغب وصولا لتحقيق غايته أيا كان نوعها .
موقف المربين من اسئلة الاطفال :
يختلف موقف المربين من اسئلة الاطفال باختلاف مستوى ثقافتهم وإدراكهم ، ولكن الموقف السليم الذي نحبذه هو ان يكون الموقف مشجعاً للطفل ومهتما به ، فهو يساعده على النمو والتفتح ، وكما ((لا يجوز التذمر من اسئلة الطفل إطلاقا ، بل يجب الاستماع اليه باهتمام ووضعه في ظروف تستدعي السؤال بغية تقوية ملاحظته ودقة انتباهه)) (17) … ولا يمنع الاطفال من التكلم , اذا كانوا يصفون حادثة او شيئا من الأشياء ، حتى ولو كان الوصف بالرسم او بالحركات اليدوية ، فكل الذي يبدر منه في هذا المجال يمكن ان نتصوره ثرثرة او كلاما فارغا يدعونا الى الضيق .. وهذا هو الخطأ الكبير الذي يقع فيه المربون لانهم بعملهم هذا ينمون الاحباط في نفسية الطفل ويفتحون المجال لحالة التردد والخوف مما يريدون ان يطرحوه على غيرهم .
لقد وجد (بياجيه) بان ((أقوال الاطفال تبرهن على وجود الأفكار لديهم والتي هي غريبة عن تفكير الكبار)) (18) وهذه الغرابة هي نفسها التي دعت بعض المربين من ذوي الأفق الضيق الى الضحك من سماع اسئلة الاطفال مما يشكل اهانة نفسية واجتماعية لديه ، ويساهم في عرقلة نموه اللغوي ، وإعاقة تكوينه الفكري والاجتماعي .
هوامش البحث :
1- الشماع ، اللغة عند الطفل ، ص120 .
2- نفس المصدر ، ص118 .
3-السيد البهي ، الأسس النفسية للنمو ، ص157 .
4- الشماع ، اللغة عند الطفل ، ص137 .
5- نفس الصدر ، ص135 .
6- نفس المصدر ، ص158 .
7- السيد البهي ، الاسس النفسية للنمو ، ص58 .
8- الشماع ، اللغة عند الطفل ، ص136 .
9- محمد رضوان ، الطفل يستعد للقراءة ، ص22 .
10- الكند ، الاطفال والمراهقون ، ص70 .
11- نفس المصدر ، ص70 .
12- السيد البهي ، الاسس النفسية للنمو ، ص158 .
13- الشماع ، اللغة عند الطفل ، ص136 .
14- نفس المصدر، ص137 .
15- محمد رضوان ، الطفل يستعد للقراءة ، ص39 .
16- نفس المصدر ، ص22 .
17- حسن ملا عثمان ، أبناؤنا ، ص52 .
18- الكند ، الاطفال والمراهقون ، ص6 .
جاسم – 9 كيلو.gif (9.3 كيلوبايت, المشاهدات 1) |