عندما يكون الحديث عن تغيير المجتمع أو إصلاخه ,دائما يتم التضارب بين من يدعو الأفراد الى تغيير أنفسهم أولا… وبين من يدعو الى تغيير السلطة أو إصلاح النظام السياسي أولا..لكن كلا الرأيين يخلط بين نوعين من التغيير
1-التغيير الذي يكون بين العبد ونفسه أو ما نسميه جهاد النفس من اجل تزكيتها و تطهيرها من الذنوب والمعاصي ويشترط في هذه الأفعال حتى يؤجر عليها النية التي لا يعلم بها إلا الله..وبامكان هذا التغيير ان يتم حتى لو كان الفرد يعيش وحده في جزيرة من الجزر..
2-التغيير الذي يهذف الى تنظيم المجتمع بناء على قواعد سليمة يتفق عليها الجميع حتى يعيش الأفراد في إنسجام وتناسق لا يمكن أن يتحقق استقرار المجتمع ككل وتطوره إلا به..وبما ان النية تكون بين العبد وربه فان تقييم الفرد هنا يكون بناء على ظاهر سلوكه ومدى إحترامه للقواعد العامة التي تم الإتفاق عليها ويدخل في ذلك كل ما يهم الشأن العام من بينها الشؤون السياسية.
إذا كان التغيير الأول (أي الذي يكون بين العبد ونفسه) يهذف الى تحقيق الإستقرار النفسي للفرد بالدرجة الأولى بغذ النظر إن كان المجتمع الذي يعيش فيه في حالة أزمة أو عدم استقرار أم لا.
فان التغيير الثاني يهم الجميع ولا يمكن ان يتم إلا بناء على أسس يتفق عليها الكل بهذف إستقرار دعائم المجتمع ومن ثم السعي الى تحسينه وتطويره.
لذلك عندما يتم دعوة الأفراد الى تغيير أنفسهم فان الخطاب بطبيعة الحال يكون موجه للجميع بما فيها رجال السلطة باعتبارهم أفراد أيضا من هذا المجتمع , لكن من الذي يضمن لنا في هذه الحالة حدوث التغيير المطلوب بالنسبة لسلوك الأفراد ؟ هل نكتفي بالدعوة و ننتظر حتى يفعلوا ذلك بمحض إرادتهم ؟ ومن يضمن انهم سيقررون يوما فعل ذلك بما أن الأمر متروك لإرادتهم المستقلة؟وحتى وان انتظرنا حدوث ذلك من الذي يضمن أن يغير جميع الأفراد أو أغلبيتهم سلوكهم في فترة واحدة بحيث يؤثر ذلك بالإيجاب على المجتمع إذا علمنا أن صلاح المجتمع في مرحلة ما يقتضي صلاح جميع أفراده او معظمهم..؟
طبعا إن كان من الصعب علينا تصور ذلك نظريا فمن المستحيل أن يحدث ذلك عمليا بهذه الطريقة إلا إذا حدثت معجزة ..والمعجزة بالتعريف خروج عن قوانين الطبيعة وهي نادرا ما تحدث…فهل نعلق مصير المجتمع على إنتظار مثل هذه المعجزة في عالم لا يرحم و لا مكان فيه للشعوب المستضعفة سوى التبعية المخزية للأمم المتقدمة.
واضح من هذا الكلام أني لا أقصد التغيير الأول أي الذي يخص العبد وتزكيته لنفسه لتعلقه بالنية التي لا سلطان لنا عليها لانها تخص العبد وربه كما قلت سابقا. بل المقصود التغيير الذي الذي يسعى الى بناء قواعد المجتمع او
تغييرها على أسس سليمة ترضي الأغلبية ذون إهمال لحقوق الأقلية ومن ثم تغيير سلوكياتهم السلبية التي غالبا ما تبدأ كنتيجة للشعور بعدم الإستقرار والخوف من المستقبل في بيئة فاسدة يحكمها قانون الغاب وتنعدم فيها الثقة بين الحاكم والمحكوم لتتحول بعد طول المدة الى طباع راسخة ومتفشية في الناس كالعدوى مما يصعب من علاجها و كمثال على ذلك للقضاء على ظاهرة الرشوة أو الحد منها لا يكفي ان نخطب في الناس أنها حرام وما الى ذلك أي لا نترك الأمر على المستوى الفردي بل نسعى الى تغيير المناخ العام الذي يدفع أو يساعد على استفحال هذه الظاهرة في المجتمع من ذلك مثلا : أن يضمن الراتب الشهري رزق الكفاف والعفاف بالنسبة للموظف أو شروط العيش الكريم وهو ما يعني توزيع عادل للثروة يسمح بتكوين طبقة متوسطة وتقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء ..تقدير الإنسان على أساس كفاءته وتفانيه في العمل حتى لو خالفني الرأي والتوجه وليس على اساس الولاء والإنتماء الحزبي حتى لو كان فاسدا, إصلاح قطاع العدالة بكل الوسائل الفكرية والتقنية الحديثة ولنا نمادج ناجحة في هذا الميدان من ثراثنا ومن الدول المتقدمة بامكاننا أن نستفيد منها .بحيث يطبق القانون بصرامة وعدل على الفاعل سواء كان مسؤول سامي في الدولة او موظفا بسيطا.لان القانون الذي لا يطبق على الجميع بنفس الدرجة من المساواة لا يعد قانونا جديرا بالإحترام بالنسبة للأفراد وبالتالي لا يجب أن ننتظر النتائج المرجوة منه ,هذا بالإضافة الى الإهتمام بالتربية سواء كانت دينية أو مدنية إبتدائية أو غيرها وعندما أقول التربية ينبغي ان ننسى المفهوم التقليدي أو العامي للتربية بل يجب إنشاء مراكز بحث ومخابر تجريب تعتمد على أحدث ما وصل اليه علم النفس الطفل والعلوم المتفرعة عنه لنتمكن من تحسين أداء الأفراد لأصعب المهام على الإطلاق وهي مهمة صناعة الإنسان..كما لا ينبغي أن نغفل دور الإعلام في تنمية الوعي بخطورة الرشوة وما تؤدي اليه من شل لنظام المجتمع وتفكيكه ودور الفن بكل أنواعه في التحسيس بقبحها وبشاعتها ..الخ هذا من جهة .
وهناك نوع آخر من التغيير الإجتماعي أكثر جذرية بحيث يسعى الى إعادة صياغة ألأسس التي يقوم عليها المجتمع وذلك يمس أولا تغيير العلاقة بين الحاكم والمحكوم بمعنى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة …وهذا النوع من التغيير يقتضي عدة شروط موضوعية حتى يتم :
1- شعور عامة الناس بعدم الرضا على الأوضاع السائدة نتيجة الظلم والفوضى المستشرية في جميع مؤسسات المجتمع.
2- عقم القوانين السائده والمفاهيم وتحولها الى عائق امام التطور.
3- عدم ملائمة الانظمه الحاكمه لتطورات العصر, والعجز عن تسيير المجتمع تسييرا حضاريا بعيدا عن القمع والإستبداد المهين لكرامة الإنسان.
4- الوعي بالحاجه الملحه والضرورية لوجوب التغيير بعد إدراك مدى حجم الأزمة وخطورتها على المجتمع ومصيره في عالم لايرحم ولا مكان فيه للضعفاء سوى الذل والمهانة.
5- توفر نخبة مثقفة تؤطر هذا التغيير بالأفكار والإستراتيجيات المناسبة وتعطيه صبغته السلمية والشرعية.
خلاصة القول : هناك نوعين من التغيير 1- أن يسعى الفرد الى تغيير نفسه وهذا لا يحتاج سوى الى توبة نصوح .
2- أن يسعى مجموعة من الأفراد يمثلون شعبا الى تغيير أو تجديد دعائم مجتمعهم عندما يشعرون أنه في خطر..وهذا يحتاج الى إنشاء سلطة يثق فيها الجميع على أساس كفاءتها ونزاهتها في تسيير شؤونهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية…ولا يمكنها أن تنجح في ذلك إلا إذا قامت على أساس الحوار وليس القمع ..العدل وليس البطش ..أي لن تنجح إلا إذا كانت سلطة شورية أوديمقراطية .