من يحب منتديات الجلفة يرفع يديه…
وهذا الدرس منثورا
۞ مميّزات الكتابة الفلسفيّة ۞
ترتهن الكتابة الفلسفيّة إلى جملة من المقاييس الأساسيّة والتي يمكن اختزالها في النقاط التالية:
1 – الصّياغة الإشكاليّة للموضوع (وتخصّ المقدّمة).
2 – التماسك، أي وجود ترابط مُحكم بين أجزاء المقالة بمعنى إحكام التدرّج المنطقي والحرص على التماسك بين مكوّنات المقالة وحسن التخلـّص من تحليل فكرة إلى أخرى.
3 – التحليل المفهومي: استخراج الشبكة المفهوميّة وتحليلها وتِبيان العلاقات المنطقيّة التي تربط بينها مع ضرورة تنزيلها في سياقها الإشكالي.
4 – التفكير النقدي سواء كان ذلك التفكير يخصّ النقد داخليا أو خارجيا
(مكاسب الأطروحة وحدودها).
5 – سلامة اللغة.
6 – حسن توظيف واستغلال المرجعيات الفلسفيّة.
7 – استخراج الرهانات: إبراز الاستتباعات النظريّة والعمليّة للأطروحة موضع الإثبات(المعرفيّة والأخلاقيّة والسياسيّة…) وذلك بتِبيان أبعاد الأطروحة على الصعيدين النظري والعملي.
8 – فتح آفاق: وهي مرحلة لاحقة لحصيلة البحث وتهدف إلى طرح مسألة ذات صلة استتباع مع المشكلة المطروحة وتكون على سبيل الإشارة دون العمل على التوسّع والتحليل
۞ منهجيّة تحليل النص الفلسفي ۞
I – خصائص النصّ الفلسفي:
يمكن أن نختزل مميّزات النصّ الفلسفي في جملة الخصائص التالية والتي تُقيــم حدود الفـرْق بينه وبيــن أجنـاس النصوص الأخرى شأن النصوص الأدبيّة أو العلميّة أو الدينيّة:
أ – النصّ الفلسفي: هو نصّ إشكالي بمعنى أنّه يستفزّنا على التفكير في مسألة محدّدة، بمعنى أنّ النصّ الفلسفي يستفزّ فكر القارئ ويُحفزّه على التسلـّـح بفكر نقدي، أي بممارسة النقد فيه داخليا وخارجيا.
ب – يتميّز النصّ الفلسفي بكونه مُتكوّنا من شبكة مفهومية تستوجب من القارئ تحديد دلالاتها ومجالات استخدامها ورصد علاقاتها، بمعنى يتوجـّب على التلميذ تحديد هذا الحقل الدلالي وتبيانه بالتحليل والتفسير والكشف عن العلاقات المنطقيّة التي تربط المفاهيم ببعضها.
ج – النصّ الفلسفي هو نصّ حجاجي حيث أنـّه نصّ يتضمّــن أطروحــة أو (موقف) يعمل الكاتب / الفيلسوف على إقناع القارئ بها، فنحن أمام أطروحة موضع إثبات، من أجل ذلك عمد الفيلسوف توسّط شبكة مفهومية مخصوصة وتحليلا استدلاليا حجاجيا. بمعنى أنّ النصّ الفلسفي هو نصّ حجاجي بالأساس بما أنّ النصّ الفلسفي يجادل في نفس الوقت أطروحة أو أطروحات فلسفيّة أخرى.
II – مراحل المقالة الفلسفيّة:
يمكن أن نختزل مراحل المقالة الفلسفيّة في الأسئلة التالية التي هي بمثابة مشروع مسوّدة التحليل أو العمل التحضيري له:
أ – ماذا طُلب منـّي بالضبط ؟
* سؤال النص.
* الإطار المرجعي.
* المبحث.
* طبيعة السُّؤال.
* نمط المساءلة.
ب – أطروحة الكاتب: قسم التحليل
* ما الذي يريد الكاتب إبلاغه ؟
* ما الذي يُدافع عنه الكاتب ؟
* ما الذي يستبعده أو يدحضه الكاتب ؟
* ما هي رهانات الأطروحة المُثبتة ؟
ج – فعّالية ومحدوديّة أطروحة الكاتب:
* فعّاليتها (مكاسب).
ومحدوديتها.
* خلفياتها: ← المعرفيّة أو الإيديولوجيّة.
* ما هو الموقع الذي أرسمه لنفسي من هذه المساءلة المطروحة؟
* هل أنّ مساءلة الكاتب كافيّة لتغطية المسألة المطروحة ؟
* ما هو النموذج البشري الذي يرسم معالمه الكاتب ؟
د ــ ماذا استنتجت بالضبط ؟ (خاتمة).
حصيلة البحث أو الدرس الفلسفي.
III – خصائص المسار المنهجي للمقالة الفلسفيّة:
1 – ما هي المقدّمة؟
تشمل المقدّمة على لحظتين أساسيتين متلازمتين وهما اللـّحظة التمهيديّة واللـّحظة الإشكاليّة.
أ- اللـّحظة التمهيديّة: هي جملة من الأفكار المنسجمة التي لها صلة وثيقة بإشكاليّــة النصّ موضــع التحليـل. فالتمهيـد هــو بمثابة تحضيـر الأرضيّـة الملائمة لمطارحة المسألة التي نسعى إلى مباشرة تحليلها.
ويستوجب أن يتوفّر في التمهيد جملة من الشروط مثل:
* أن يُؤدّي فعلا إلى طرح الإشكال، بمعنى، أن يكون تأطيرا مناسبا للإشكاليّة موضوع النصّ الذي نعتزم تحليله، لذلك وجب عدم وجود قطيعة بين اللحظة التأطيريّة واللحظة الإشكاليّة .
* أن تكون صيغة التمهيد مُختصرة ومُكثّفة ومُهيّئة لطرح الإشكاليّة.
أمّا الوظيفة المركزيّة التي يضطلع بها التمهيد فهي تتمثّل في إثارة واستفزاز القارئ و لفت انتباهه إلى المسألة المطروحة والعمل على إبراز التوتـّر الثاوي فيها، الأمر الذي يُمكّن من طرح الإشكاليّة ومن تبرير دواعي طرحها.
وهناك ضروب عدّة من اللحظات التمهيديّة:
* أن ننطلق من رأي شائع يتعلّق بالمشكل الذي يتضمّنه النص.
* التمهيد للنص موضـع التحليـل بالانطلاق من تقابل بين زاوية النظر التي ينظر منها الكاتب للمسألة المطروحة وبين وجهـات نظــر مخالفــة أو معارضة بشرط الإيجاز. ذلك أنـّه بإمكان مثل هذا التقابل في تناول مسألة واحدة أن يُثير انتباه القارئ ويجلبه إلى ضرورة طرح المشكل وتحليله.
* يمكن التمهيد بالإشارة إلى السّياق التاريخي للمسألــة وذلـك بإبراز أنّ الإشكال الذي يطرحه النـصّ مرتبـط بجملــة مــن الشــروط التاريخيّـة المحدّدة التي استوجبت طرحه و معالجته.
ملاحظــــة:
* يجب تجنّب التقديم المادّي الشكلي(التعريف بالكاتب وبالكتاب وبموقع النص ضمنه) دون ما يساعد على تأطير النصّ ضمن مبحثه أو دون أن يُؤدّي إلى اللحظة الإشكاليّة المرجوّة بصورة منطقيّة ومتدرّجة.
* التمهيد ارتكازا على صيغ عامّة وشكليّة.
* التمهيد للنصّ انطلاقا من جملة من الأطروحات والوقائع التي يكون من الأحرى توظيفها في قسم التحليل
ب – اللـّحظة الإشكاليّة:
* يجب أن تكون الإشكاليّة استتباعا منطقيا للتمهيد بمعنى أن تكون مسبوقة بعمل تحضيري.
* أن تكون مصاغة صياغة منطقيّة ومنظمة بحيث تكون محدّدة لمسار التحليل. بمعنى أنّ الإشكاليّة هي بمثابة التحديد الدقيق لخطوات التحليل أو المقالة الفلسفيّة، وبالتالي، فهي تتطلـّب إحاطة بالمسألة المطروحة وبمختلف جوانب التحليل المزمع تقديمه. وصفوة القول، تستوجب الإشكاليّة صياغة دقيقة ذات ترابط منطقي وانسجام داخلي، وذلك باستخراج السؤال أو الإشكال الثاوي في طيـّات النص، بمعنى، أن تكون الإشكاليّة المرصودة ذات صلة وثيقة بالأطروحة التي يدافع عنها الكاتب في نصّه موضع التحليل.
و تكون صياغة الإشكاليّة:
☺* في شكل أسئلة ذات وظيفة تحليليّة ( تُحيل على المفاصل المزمع تحليلها) .
* صياغة أسئلة ذات صبغة نقديّة تقييميّة تتعلّق بالوجاهة الفلسفيّة لموقف الكاتب.
☺* إبراز الأهميّة والقيمة الفلسفيّة للمسألة المطروحة سواء كانت تلك القيمة تتعلّق بالقيمة النظريّة أو بالقيمة العمليّة.
ملاحظة:
وجب على التلميذ التنبّه إلى أنّ الأسئلة المرافقة للنصّ الفلسفي تكون مسبوقة بجملة في غاية من الأهميّة والخطورة وهي :« حلـّل النــــصّ في صيغة مقال فلسفي مستعينا بالأسئلة التاليّة:»، فلئن دلّت « في صيغــــة مقال فلسفي » على حقل الاشتغال، بمعنــى ضرورة احترام خصائص ومراحل المقال الفلسفي فإنّ كلمة « مستعينا » قد حدّدت وظيفة ومهمّــة الأسئلة المرافقة للنصّ، ففعل الاستعانة لا يعنــي الاعتماد الكلّـي علــى الأسئلـة وإنّمـا يعنـي أنّ الأسئلــة المرافقة للنصّ بإمكانها تقديم المساعدة للتلميذ في عمليّة فهم النصّ. فالأسئلة هي من وضع الأستاذ مقترح النصّ. ووظيفة الأسئلة لا تتجاوز مساعدة التلميذ في الكشف عـن بعض مراكــز التوتـّر الكامنة فـي النـصّ و ليــس كلّه. و بالتالــي فالإشكاليّة لا يُمكن أن تكـون إعـادة نسـخ لتلك الأسئلـة بل يُمكـن لتلك الأسئلة مساعـدة التلميذ في استخراج الإشكاليّة.
2 – جوهر المقال:
يتكوّن جوهر المقال من لحظتين أساسيتين متلازمتين وهما: التحليل والمناقشة والتقييم. جدير بالذكر أنّ في هذا المستوى أنّ تحليل النصّ لا يكون تحليـلا لفظيـا لعباراته أو تحليلا خطّيا لفقراته أو الأسطر التـي تكوّنه بــل هو المقطع من المقالة الذي يستوجب تحليلا منظّما لتمفصلات النصّ ولمسار الحجاج فيه. علما وأنّ عمليّة تحليل النصّ الفلسفي تقتضي أحيلنا إعادة هيكلة النصّ وإعادة تنظيمه تنظيما منطقيا
إنّ المطلوب في قسم التحليل هو استخراج أطروحة النصّ وتحليلهــا وتبيان ما يترتــّب عنهــا من نتائــج، بمعنـى تبيــان رهاناتها وضمنياتهــا. مـع الحرص علــى تفكيــك نظـام الحجاج أو البرهنة الذي اعتمده الكاتب للدفـاع على أطروحتــه، علمـــا وأنّ التحليـــل يتطلــــــّب إيجاد نوع من المقارنة بين أطروحة الكاتب والأطروحــــات التي تتقاطع معها تدعيما و اختلافا وذلك قصــد مزيد تعميـق التحليل وإضفاء صبغة جداليّة عليه. إنّ النــصّ الفلسفـــي هو نصّ مفهوميّ بالأساس لذلك وجب استخراج الشبكــة المفهوميّــة الثاويــة فــي النصّ موضع التحليل والعمل على تحديد دلالاتها سياقيا و عن العلاقات القائمـة بينها ويكـون ذلك أثناء التحليل. عصارة القول، يحتوي النصّ الفلسفي على شبكة مفهوميّـة ونظام برهنة أو مسار حجاج اعتمدهمــا الكاتب للدفــاع عن أطروحتــه. والتحليل الفلسفي يستوجب من التلميذ الاشتغال على الشبكة المفهوميّة في عمليّة تحليل أطروحة النصّ وتبيان مقاصدها و الكشف عن مسلّماتهــــا وعــن ضمنيـاتهـا وعــن راهنيتهــا وعــن رهاناتهـا ومحــاورة أسلوب الحجاج / البرهنة المعتمد من قِبل الكاتب لتدعيمها. ويتعيّن على الممتحن أن يحرص على الوضوح في عمليّة مفصلة النصّ وعلى حسن وسلامة التخلـّص بينها. و أن يُحسن توظيف الاستشهادات التي لا تعدّ عنصرا رئيسيا في المقالة غير أنّه عنصر مفيد إذا ما أتقن التلميذ إدماجه في سياق التحليل، بمعنى أن لا يقع ذكر استشهاد لمجرّد الذكر أو استعراض المعلومة بل وجب أن يكون الاستشهاد ذي قيمة وظيفيّة في التحليل. لذلك وجب تجنّب جملة من أشكال الكتابة التي تفقد التحليل قيمته، شأن المحاكاة أو استنساخ أو سلخ النصّ، والابتعاد على السقوط في السطحيّة، بمعنى الاهتمام بالعموميات وتهميش ركائز التحليل المتمثّلة في حسن استخراج الأطروحة وتحليل مضامينها وجملة المفاهيم التي وُظّفت فيها. و بالتالي عدم استغلال النصّ كمناسبة لاستعراض وسرد معارف عامّة.
3 – القسم التقييمي:
يتضمّن القسم التقييمي لحظتين أساسيتين وهما:
1 – لحظة إبراز فعّاليّة الأطروحة بمعنى إيراد مكاسب الأطروحة موضع التحليل والإضافات والتي قدّمتها للقارئ، أي تثمين المجهود الذي بذله الكاتب في إثارة المشكلة والتنبيه إلى وجاهة طرحها وتبيان راهنيّة طرحها وأصالة التفكير الفلسفي فيها. وهذه اللّحظة هي تِبْيَان أهميّة الأطروحة المُثبتة بمعنى إبراز الوجاهة الفلسفيّة للنص وتبيان راهنيته و رهاناته، و بالتالي إبراز قدرة أطروحة الكاتب على حملنا على التفكير. أماّ ما يُمكن تثمينه في تلك الأطروحة، فيمكن أن يكون احتوائها لطرافة في طرحها للمسألة المثارة بالمقارنة مع أطروحات أخرى أو لتضمّن النصّ لمفهوم جديد له أثره على حركة التفكير المعاصرة له أو اللاحقة عليه، أو في عمليّة دحضيّة لأطروحات فلسفيّة أخرى أو لتصوّر رائج للحسّ المشترك وللذوق الفطري أو لقدرة الأطروحة على توضيح أحد أبعاد المسألة المطروحة.
2 – ولحظة ثانية لا تقلّ أهميّة وقيمة عن لحظة إبراز المكاسب والفعّليّة للأطروحة موضع التحليل وهي لحظة إبراز محدوديتها، وهي عبارة عن إبراز جملة من النقائص شأن حدود نظام البرهنة المعتمد أو إبراز بعض نقاط الضعف التي تتخلـّله أو الكشف عن الخلفيات الإيديولوجيّة للأطروحة.
صفوة القول، تُعدّ لحظة إبراز المحدوديّة مناسبة لإضفاء صفة النسبيّة على الأطروحة موضع الإثبات وعلى الأطروحات التي تتقاطع معها والتأكيد على خاصيّة الاختلاف كأرضيّة تتحرّك عليها الفلسفة.
إنّ عمليّة التقييم هي عمليّة معاينة لقراءة الأطروحة موضع الإثبات بمعنى أنّ كلّ أطروحة ترتهن لعدّة أشكال تقييميّة وفق القراءة التي ارتآها الممتحن لها وهذا لا يعني البتّة أنّ عمليّة التقييم تتمثّل في إقامة تقابل بين أطروحة الكاتب وجملة من الأطروحات الأخرى المناقضة من حيث الطرح والبرهنة. لذلك وجب على التلميذ إبراز حسّه النقدي وقدرته على التفكير.
4 – الخاتمـــــــة
تحتوي الخاتمة على لحظتين متميّزتين وهما:
1 – لحظة حصيلة البحث ، وهي بمثابة حوصلة موجزة للنتائج التي تحقّقت في جوهر المقال تحليلا وتقييما.
2 – لحظة فتح الآفاق وهي بمثابة إثارة مسألة جديدة جديرة بالتفكير، تكون لها صلة استتباع بالمسألة المحلّلة علما وأنّ هذه اللحظة هي من عناصر الامتياز أي أن ّ الممتحن ليس مطالبا بها وإنّما القيام بها قد تكون حافز التحسين العدد.
ملاحظــــــة:
الخاتمة ليست مناسبة لتدارك مسائل تغافل عن تحليلها التلميذ في جوهر المقال.
۞ التعرّف على أجناس المساءلات ۞
وصيغ طرح السؤال و الوعي بضرورة التمييز بين حقول المهارات
ملاحظــــــــــة: يمكــن أن تكـون الحصّة الأولى حصّــة مكاشفة وتعرّف على جملة من مواضيع الاختبارات، وحفز التلميذ على تنزيلهـــا في خاناتها المناسبة ، مع التذكير بمكتسبات السنــة الثالثة آداب وخاصّة بدروس إجرائيات التفكير والوعي بالمغالطات …
————-
المصدر..طريق النجاح…تونس
بارك الله فيك