تخطى إلى المحتوى

المنهج القويم في معاملة الحكام 2024.

  • بواسطة

بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المنهج القويم في معاملة الحكام

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له
ومن يضّلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، وصلّى الله على محمّد
وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:

فاعلمْ أنّ العلماءَ أجمعوا على وجوبِ طاعةِ الحاكمِ المتغلِّبِ، وأنّ طاعتَه خيرٌ من الخروجِ عليه، لما في ذلك من حقنِ الدّماءِ
وتسكينِ الدّهماءِ، ولِمَا في الخروجِ عليه من شقِّ عصا المسلمين وإراقةِ دمائِهم وذهابِ أموالِهم، فإذا استتبّ له الأمرُ
وتمّ له التّمكينُ -وإن لم يستجمعْ شروطَ الإمامةِ- صحّتْ إمامتُه ووجبتْ بيعتُه وطاعتُه في المعروفِ، وحَرُمَتْ منازعتُه
ومعصيتُه، فأحكامُه نافذةٌ، ولا يجوز الخروجُ عليه قولاً واحدًا
وقد حكى إجماع ذلك الحافظُ ابن حجرٍ في«الفتح»(١) والنّوويُّ في «شرح مسلم»(٢) والشّيخُ محمّدُ بنُ عبدِ الوهّابِ في
«الدّرر السّنيّة»(٣)

فمن خرج عن طاعةِ الحاكمِ الذي وقع الاجتماعُ عليه فارق الجماعةَ الذين اتّفقوا على طاعةِ الإمامِ الذي انتظم به
شملُهم، واجتمعتْ به كلمتُهم، وحاطهم من عدوِّهم، فمات ميتةً جاهليّةً
فقد أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآلِه وسلّم:
«مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإٍنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(٤)
وفي لفظٍ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمٍيرٍهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإٍنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إلاَّ مَاتَ مِيتةً جَاهِلِيَّةً»(٥)

ذلك أنّ أهلَ الجاهليّةِ لم يكنْ لهم إمامٌ يجمعهم على دينٍ، ويتألّفُهم على رأيٍ واحدٍ -كما ذكر الخطّابيُّ- بل كانوا طوائفَ شتّى
وفرقًا مختلفين، آراؤُهم متناقضةٌ، وأديانُهم متباينةٌ، وذلك الذي دعا كثيرًا منهم إلى عبادةِ الأصنامِ، وطاعةِ الأزلامِ
رأيًا فاسدًا اعتقدوه في أنّ عندها خيرًا، وأنّها تملك لهم نفعًا أو تدفع عنهم ضرًّا(٦).

ففي حديثِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما المتقدّمِ، دليلٌ على تركِ الخروجِ على السّلطانِ ولو جار، فإنّ المفارِقَ للجماعةِ
مفارقةَ الألفةِ وزوالِ العصمةِ والخروجِ عن كنفِ الطّاعةِ والأمانِ، لا يُسْأَلُ عنه لعظيمِ هلكتِه، وقد أمر الشّرعُ بلزومِ الجماعةِ
ونهى عن التّفرُّقِ -وإن وقع من ولاةِ الأمورِ الظُّلمُ والحيفُ- بقولِه تعالى :
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ في «منهاج السّنّة»: «وقدّ فُسِّر «حبلُه» بكتابِه، وبدينِه، وبالإسلامِ، وبالإخلاصِ، وبأمرِه
وبعهدِه، وبطاعتِه، وبالجماعِة، وهذه كلُّها منقولةٌ عن الصّحابةِ والتّابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّينِ، وكلُّها صحيحةٌ
فإنّ القرآنَ يأمر بدينِ الإسلامِ، وذلك هو عهدُه وأمرُه وطاعتُه، والاعتصامُ به جميعًا إنّما يكون في الجماعةِ، ودينُ الإسلامِ
حقيقتُه الإخلاصُ للهِ»(٧).

ولقولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، و(أولو الأمرِ) هم
الأمراءُ والولاةُ، لصحّةِ الأخبارِ عن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم بالأمرِ بطاعةِ الأئمّةِ والولاةِ فيما كان طاعةً
وللمسلمين مصلحةً(٨)، منها: قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم في حديثِ حذيفةَ بنِ اليمانِ رضي الله عنهما:
«يَكُونُ بَعْدي أئِمّةٌ لا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، ولاَ يَسْتَنّونَ بسُنَّتِي، وسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إنْسٍ»
-قَالَ: قُلْتُ: «كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟» قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ الأَمِيرَ، وَإنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأخَذَ مَالَكَ
فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»(٩).

والطّاعةُ لهم في المنشطِ والمكرهِ، والعسرِ واليسرِ، مشروطةٌ بِما ليس معصيةً للهِ تعالى لدلالةِ حديثِ ابنِ عُمَرَ رضي الله
عنهما عن النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم أنّه قال:
«عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أحَبَّ وَكَرِهَ إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بمَعْصِيَةٍ، فَِإنْ أُمِرَ بمَِعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلا طَاعَةَ»(١٠)
ولحديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه أنّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم قال:
«لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ»(١١).

لذلك كان إحسانُ الظّنِّ بولاةِ الأمرِ مُتَحَتِّمًا.
ومِنْ لوازمِ طاعتِهم: متابعتُهم في الصّومِ والفطرِ والتّضحيةِ، فيصومُ بصيامِهم في رمضانَ، ويُفْطِرُ بفطرِهم في شوّالٍ، ويضحّي
بتضحيتِهم في عيدِ الأضحى.

ومن لوازمِ طاعتِهم -أيضًا- عدمُ إهانتِهم، وتركُ سَبِّهم أو لعنِهم، والامتناعُ عنِ التّشهيرِ بعيوبِهم، سواء في الكتبِ
والمصنَّفاتِ والمجلاّتِ، أو في الدّروسِ والخطبِ أو بين العامّةِ، كما ينبغي تجنُّبُ كلِّ ما يُسيءُ إليهم من قريبٍ أو من بعيدٍ
ذلك أنّ علّةَ المنعِ: تفادي الفوضى، وتركِ السّمعِ والطّاعةِ في المعروفِ، والخوضِ فيما يضرّ نتيجةَ سبِّهم وإهانتِهم
الأمرُ الذي يفتح بابَ التّأليبِ عليهم، ويجرّ من الفسادِ ولا يعود على النّاسِ إلاّ بالشّرِّ المستطيرِ، ولهذا جعل النّبيُّ صلّى الله عليه
وآلِه وسلّم: «لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ»(١٢)، و«سِبَابُهُ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»(١٣)، وبيّن خُلُقَ المؤمنِ بأنَّه «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ
ولا اللَّعَّانِ، وَلاَ الْفَاحِشِ، وَلاَ الْبَذِيءِ»(١٤)

ولا شكَّ أنّ الاتّصافَ بهذا الخُلُقِ الذّميمِ مع ولاةِ الأمورِ والأئمّةِ من علاماتِ الخوارجِ، وقد جاء على لسانِ رجلٍ منهم قولُه
للنّبيِّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّم: «اِعْدِلْ»(١٥)، وقال آخَرُ منهم لعثمانَ رضي الله عنه عندما دخل عليه لِيَقْتُلَه: «يَا نَعْثَلْ»(١٦)
وإنّما أُمِرْنَا أنْ نَدْعُوَ لهم بالصّلاحِ، ونُعِينَهم عليه، ولم نُؤْمَرْ أن نَدْعُوَ عليهم -وإنْ وقع منهم الْجَوْرُ والظّلمُ- كما يفعلُه
فينا من لم يتّضحْ له مذهبُ السّلفِ في معاملةِ ولاةِ الأمورِ، ذلك لأنّ ظُلْمَهم وجَوْرَهم على أنْفُسِهم، أمّا صلاحُهم فلأنْفُسِهم
وللأمّةِ كلِّها، العبادِ والبلادِ، وقد جاء عن بعضِ علماءِ السّلفِ قولُه: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَدْعُو عَلَى السُّلْطَانِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ هَوَى
وَإِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَدْعُو لِلسُّلْطَانِ بِالصَّلاَحِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ -إِنْ شَاءَ اللهُ-»(١٧).


يرجى متابعة باقي المقال على الموقع الرسمي
للشيخ محمد علي فركوس حفظه الله
من هنا :
https://ferkous.com/home/?q=art-mois-3


.

هل البيعة تجوز شرعا للحاكم الذي لا يحكم بالاسلام ؟

وهل تكون هناك طاعة بلا بيعة ؟

ففيم جعلت البيعة اذن ؟

بارك الله فيك ووفقك الله لما يحب و يرضى

بارك الله فيك على هذا النقل المسدد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.