الشيخ فركوس حفظه الله
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ الذي أفتى به سماحةُ الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ -رحمه الله تعالى- هو روايةٌ عن أحمدَ نقلها الْخِرَقِيُّ عنه، وبها قال إسحاقُ بنُ راهويه، ورُوِيَ هذا عن عائشةَ موقوفًا عليها.
وفي هذه المسألةِ أقوالٌ أخرى مختلفةٌ في تحديدِ سنِّ اليأسِ، وغالبُها يبني المسألةَ على العرفِ وعادةِ النساءِ بالتتبُّعِ والاستقراءِ.
وفي تقديري: أنَّ أقوى الأقوالِ: من يرى أنه لا وقْتَ لانقطاعِ الحيضِ، وبه قال ابنُ حزمٍ وابنُ تيميةَ رحمهما اللهُ وغيرُهما؛ ذلك لأنَّ دمَ الحيضِ معروفٌ في تكوينِه، كثيفٌ كأنه محترِقٌ، له رائحةٌ كريهةٌ، وهو أسودُ محتدِمٌ، وقد يتغيَّر إلى الحمرةِ والصفرةِ والكدرةِ، وقد يكون مُخاطًا، وله وقتٌ تعتاده النساءُ، وهو دمٌ لا يتجلَّط -أي: لا يتجمَّد في الأوعيةِ الدمويةِ- بخلافِ دمِ الفسادِ أو الاستحاضةِ فهو أحمرُ قَانٍ ليس له رائحةٌ ويتجلَّط ويأتي مستمرًّا أو في غيرِ الوقتِ الذي تعتاده النساءُ.
وعليه، فالمرأةُ الْمُسِنَّةُ التي رأتْ الدمَ الحيض بمثلِ هذه الأوصافِ المذكورةِ فهو حيضٌ مانعٌ لها من الصلاةِ والصومِ والطوافِ والوطءِ، لقولِه صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم في حديثِ فاطمةَ بنتِ أبي حُبَيْشٍ: «إِذَا كَانَ دَمُ الحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْودُ يُعْرَفُ»(2)، وَأَمَرَ صَلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم أَنَّ مَن رأتْه أن تتركَ الصلاةَ والصيامَ في الحديثِ المتَّفقِ عليه: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ»(3).
وفي شأنِ الحيضِ يقول -عليه الصلاةُ والسلامُ-: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ»(4)، ولم يفصِّلْ في مقامِ الاحتمالِ بين الشابَّةِ والْمُسِنَّةِ من بناتِ آدَمَ، «وَتَرْكُ الاِسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الاِحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ»، كما أنه لم يَرْدِ نصٌّ ولا إجماعٌ بأنه ليس حيضًا، فيُستصحَبُ الحُكمُ ويبقى ما كان على ما كان.
هــذا، والمستفتي تابعٌ للمفتي في اجتهادِه وفتواه، ولا يترتَّب على العملِ بالفتوى عِتابٌ وقضاءٌ ولا كفارةٌ ولا عقابٌ، بل هو مأجورٌ للامتثالِ للأمرِ الواردِ في قولِه تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، وقولِه صَلَّى الله عليه وآلِه وسَلَّم: «أَلاَ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ»(5)، اللَّهمَّ إلاَّ إذا ظهر في المسألةِ المستفتى فيها خطأٌ قطعًا لكونِ المفتي خالف نصًّا لا مُعارِضَ له أو إجماعَ أُمَّةٍ، فعلى المفتي أن يُخْبِرَ المستفتي إن كان قد عمل بالفتوى الأولى، وعليهما أن يَعدلاَ عن العملِ بها، وإذا كانت الفتوى الأخرى المعتمدةُ تُوجِبُ أحكامًا ترتَّبتْ هذه الأحكامُ عليهما.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا."
موقع الشيخ
فإنَّ الذي أفتى به سماحةُ الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ -رحمه الله تعالى- هو روايةٌ عن أحمدَ نقلها الْخِرَقِيُّ عنه، وبها قال إسحاقُ بنُ راهويه، ورُوِيَ هذا عن عائشةَ موقوفًا عليها.
وفي هذه المسألةِ أقوالٌ أخرى مختلفةٌ في تحديدِ سنِّ اليأسِ، وغالبُها يبني المسألةَ على العرفِ وعادةِ النساءِ بالتتبُّعِ والاستقراءِ.
وفي تقديري: أنَّ أقوى الأقوالِ: من يرى أنه لا وقْتَ لانقطاعِ الحيضِ، وبه قال ابنُ حزمٍ وابنُ تيميةَ رحمهما اللهُ وغيرُهما؛ ذلك لأنَّ دمَ الحيضِ معروفٌ في تكوينِه، كثيفٌ كأنه محترِقٌ، له رائحةٌ كريهةٌ، وهو أسودُ محتدِمٌ، وقد يتغيَّر إلى الحمرةِ والصفرةِ والكدرةِ، وقد يكون مُخاطًا، وله وقتٌ تعتاده النساءُ، وهو دمٌ لا يتجلَّط -أي: لا يتجمَّد في الأوعيةِ الدمويةِ- بخلافِ دمِ الفسادِ أو الاستحاضةِ فهو أحمرُ قَانٍ ليس له رائحةٌ ويتجلَّط ويأتي مستمرًّا أو في غيرِ الوقتِ الذي تعتاده النساءُ.
وعليه، فالمرأةُ الْمُسِنَّةُ التي رأتْ الدمَ الحيض بمثلِ هذه الأوصافِ المذكورةِ فهو حيضٌ مانعٌ لها من الصلاةِ والصومِ والطوافِ والوطءِ، لقولِه صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم في حديثِ فاطمةَ بنتِ أبي حُبَيْشٍ: «إِذَا كَانَ دَمُ الحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْودُ يُعْرَفُ»(2)، وَأَمَرَ صَلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم أَنَّ مَن رأتْه أن تتركَ الصلاةَ والصيامَ في الحديثِ المتَّفقِ عليه: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ»(3).
وفي شأنِ الحيضِ يقول -عليه الصلاةُ والسلامُ-: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ»(4)، ولم يفصِّلْ في مقامِ الاحتمالِ بين الشابَّةِ والْمُسِنَّةِ من بناتِ آدَمَ، «وَتَرْكُ الاِسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الاِحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ»، كما أنه لم يَرْدِ نصٌّ ولا إجماعٌ بأنه ليس حيضًا، فيُستصحَبُ الحُكمُ ويبقى ما كان على ما كان.
هــذا، والمستفتي تابعٌ للمفتي في اجتهادِه وفتواه، ولا يترتَّب على العملِ بالفتوى عِتابٌ وقضاءٌ ولا كفارةٌ ولا عقابٌ، بل هو مأجورٌ للامتثالِ للأمرِ الواردِ في قولِه تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، وقولِه صَلَّى الله عليه وآلِه وسَلَّم: «أَلاَ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ»(5)، اللَّهمَّ إلاَّ إذا ظهر في المسألةِ المستفتى فيها خطأٌ قطعًا لكونِ المفتي خالف نصًّا لا مُعارِضَ له أو إجماعَ أُمَّةٍ، فعلى المفتي أن يُخْبِرَ المستفتي إن كان قد عمل بالفتوى الأولى، وعليهما أن يَعدلاَ عن العملِ بها، وإذا كانت الفتوى الأخرى المعتمدةُ تُوجِبُ أحكامًا ترتَّبتْ هذه الأحكامُ عليهما.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا."
موقع الشيخ