إن الغضب من الغرائز الفطرية المادية التي تولد مع الإنسان ، ويختلف تماماً عن التوتر ، فالغضب مفيد لأجل الحفاظ على النفس والدفاع عنها ، وبه يستطيع ردِّ الاعتداء والانتصار لمظلوميته ، وهو بهذا المقدار صحيح ومطلوب ، بل يعد التقصير فيه مهانة للنفس في المنظور الإسلامي ، ويعرضه للحساب في محكمة العدل الإلهي .
ولذا قالوا : ( من استُغْضِبَ ولم يَغضب فهو حِمار ) ، فمن اعتُدي عليه ورضي بذلك دون الدفاع عن حقِّه ونفسه فهو تدنَّى عن الإنسانية إلى حيث الحيوانية ، باستثناء العفو الذي هو خير بالنسبة للأخوة المؤمنين .
فإن زيادة الغضب بالاعتداء على المتعدي بأكثر مما سببه للآخر مرفوض أيضاً في المنظور الإسلامي ، كالتمثيل بجثة القاتل ، أو تعذيب السارق ، فقال تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) البقرة : 194 ، والقاعدة الفطرية الصحيحة في الإنسان هي الغضب الذي يدفع لردِّ الاعتداء مقابل أي عدوان يتعرض له .
ويجد الأبوان – عادة – بوادر الغضب عند أبنائهم وبشكل ملحوظ في السنوات ما بين الثلاث إلى الخمس ، فلا يكتفي الطفل حينها برَدِّ الأذى عنه ، بل يعمد إلى إيذاء نفسه بالتمرغ في الأرض ، وضربها بيده ورجليه ، وحتى رأسه ، وكذلك يكسِّر ما وجده أمامه .
وهذه الحالة إن وجدنا الطفل يقوم بها في الأسبوع مرة أو مرتين فهو أمر طبيعي ، وإن إيذاء نفسه وبهذا الشكل فلأنه يجهل الطريقة التي يردُّ بها الاعتداء عن نفسه ، أو لشعوره بالعجز أمام المعتدي عليه ، أمَّا إن تكررت أكثر من ذلك فهو أمر غير طبيعي ويحتاج إلى علاج .
وقبل أن نبدأ بعلاج الحالات المرضية لابد أن نشير إلى أمور مهمة ، نذكِّر بها الوالدين باعتبارهم المسؤولين الأولين في زيادة الغضب عند أبنائهم ، فلا الوراثة لها أثر على غضب الطفل وزيادته ، ولا هو خُلق يتعلمه من الآخرين ، بل زيادته تعود إلى تعرُّضِه لسوء التربية ، ونضرب لذلك أمثلة كالتالي :
1 – تنفيذ ما يريده بعد غضبه :
فإن بعض الأمهات حين يأتي الطفل إليها طالباً قطعة من الحلوى ، أو جلب لعبة معينة ، فترفض طلبه أولاً لانشغالها بحديث أو أمور المنزل ، فيغضب الطفل ويعلو صراخه وضجيجه ، وتحاول الأم إسكاته بالغضب عليه ، أو بأساليب متعددة ، وهو لا يكفُّ عن الصراخ والضجيج ، إلى أن تعجز الأم فتستجيب له وتعطيه ما أراد .
إن هذه الطريقة تدفع الطفل إلى زيادة غضبه ، والأولى بالأم أن تستجيب له في أول الأمر ، أو لا تستجيب له مطلقاً ، وإن زادت المدة التي يصرخ فيها .
2 – معاملته بلطف عند غضبه :
إن الطفل حين يغضب ويجد الوالدين يتعاملان معه بلطف في ظروف معينة ، ويستجيبان له في وجود الضيوف مثلاً ، أو في زيارة أحد الأصدقاء ، هذه حالة تشجع الطفل إلى زيادة الغضب في هذه الأوقات ، والأولى أن يكون التعامل بالاستجابة أو الرفض لطلباته في كل الأوقات بأسلوب واحد ، حتى لا يستخدم غضبه كورقة ضغط على والديه .
3 – إصابته بتوتر النفس :
إن الطفل حين تصاب نفسيته بالتوتر الذي تعود أسبابه إلى ما ذكرناه سابقه يتعرض إلى ازدياد نوبات الغضب وتكررها في أوقات مختلفة .
4 – توجيه الأوامر إليه بصرامة :
إن الطفل في مرحلته الأولى تأبى شخصيته النامية أن توجه إليه الأوامر بحِدَّة وتهَكُّم ، لأن عدم احترام شخصيته يعتبر أحد أنواع الاعتداء التي تثير غضب الطفل ، بل كل إنسان .
العلاج :
إن من الخطأ الاستهانة بالتصرفات التي تثير غضب الطفل ، وعدم الاكتراث بمعالجتها وبشكل سريع ، لأن زيادة الغضب تجعله متوتراً ، وبعد مرور الوقت يصبح عدوانياً مشاكساً يفتقد إلى المحبِّ والصديق ، بل حتى إلى الحياة الحلوة الهانئة .
والطفل حين تأتيه نوبة الغضب يجدر بالوالدين التعامل معه بشكل يختلف عن التعامل معه في الأوقات الطبيعية ، وهو كالتالي :
1 – عدم مناقشته :
إن الطفل في السبع سنوات الأولى من حياته حين يغضب يصبح بشكل لا يفهم ولا يسمع ما يقال له ، فالغضب يسدُّ منافذ وعيه الكبير تماماً ، فلا فائدة إذن أن يقول الوالدان أو يعترضا عليه بكلمة أو فعل .
2 – قبول غضبه :
حين ترفض الأم طلب طفلها في مرحلته الأولى ، يهيج ويصرخ ويضرب رأسه بالأرض ، أو يحاول تكسير كل حاجة أمامه ، وينبغي أن تمسك الأم طفلها بحنان ، وتمنعه من حركته المؤذية لنفسه ، أو أحد أفراد أسرته ، والحذر في مثل هذه الحالة أن تمسكه بعصبية وقسوة ، بل بقبول ورضا .
لأن الغضب في هذه المرحلة – ولعدم استجابة والديه له – تعتبر طبيعية ، لا يُحاسب عليها أولاً ، وتُقَابَل بلطف ثانياً .
3 – عدم معاقبته :
يحسن بالوالدين أن يتركا الطفل الغاضب وشأنه ، ويتحلَّون بالصبر وعدم معاقبته ، وكذلك مكافأته ، فليس من الصحيح أن تقول الأم لطفلها الغاضب وهو في المرحلة الأولى من عمره : لو تسكت أعطيك قطعة من الحلوى ، أو تقول له : إذا لم تكف عن الصراخ سأضربك .
4 – الاستمرار بالمطالبة :
لعل الأم تطلب من طفلها في مرحلته الأولى أن يخلع ملابسه ، أو يرتِّب أشياءه بشكل ودِّي وجذاب ، ولكن الطفل يثور ويغضب ، ويرفض الاستجابة للطلب .
وفي هذه الحالة على الأم أن تتركه في حالة غضبه ، دون أن تقول أو تطلب منه شيئاً ، حتى يرجع إلى وضعه الطبيعي ، ثم تكرر طلبها منه بشكل ودِّي أيضاً ، وهكذا تستمر دون عصبية وحدة حتى يستجيب لها ، لأجل إفهام الطفل أن الغضب لا يحول دون الانصياع للأمر ، فيستخدم الغضب في كل مرة لا يريد فيها الاستجابة لوالديه
في حفظ الله ورعايته