يوميات جزائري من المهد إلى اللحد
وضع الحكماء في التاريخ العدل أساسا للحكم والسياسة، حينما قيل العدل أساس الملك، في وقت شدد المؤرخ الإنجليزي المشهور، لورد أكتون، على أن السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، كإنذار يوحي بأن الخيط بين التعسف والعدل ضئيل والسياسة ليست إلا فن رعاية شؤون الرعية والشعوب بما يكفل أدنى مستويات العدل والرفاهية. هذه التوطئة ضرورية لإدراك السر وراء تخلف بلدنا في مؤشر التنمية البشرية التي تعدها سنويا الهيئات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، أو تخلفنا في قياس الأعمال من منظور البنك العالمي. فأساس التقدير ليس كسب الملايير من الدولارات وإنفاقها بأي طريقة من الطرق للتأكيد على أننا بخير. فمسار حياة الجزائري من المهد إلى اللحد تكشف عن مشاهد في الواقع تخالف ما تؤكده الخطابات الوردية والإحصائيات الرسمية المدججة بالأرقام المجردة التي يمكن أن نفسرها كما نشاء، لأن المحصلة في عالم التكديس الذي وضع فيه الفرد الجزائري أنه أضحى حقا عيبا من عيوب الإحصاء. فلنباشر السير معا في مسار حياة الفرد البسيط لندرك حجم المعاناة التي تتولد عن التناقضات بين ما يراد أن يقال وبين واقع الحال. المشهد الأول الولادة، تدرك العديد من الأسر والعائلات الجزائرية أنه أمام اكتظاظ المستشفيات وسوء الاستقبال، بأن الحصول على سرير للأم الحامل أضحى من المعجزات، ويلزمك الكثير من التدخلات من شخصيات نافذة لعل وعسى تظفر بتقسيم جزء من سرير أو تفترش الأرض، وإلا فإن حظك أن تلك في أحد مراكز الشرطة، وهذا ما حصل لعدد منهم أو في أماكن عامة. وحينما تجتاز بسلام هذه المرحلة، تمر على مشكل ندرة الدواء والتلقيح، فالعديد من الجزائريين المولودين حديثا يتعذر عليهم التطعيم، لأن المصل أو اللقاح مفقود في السوق، فلتلجأ بعدها للمعارف أو السوق السوداء. أما المشهد الثالث، فإنه يخص الشاب الباحث عن العمل بعد مسار طويل من التعليم، فالحالم الحامل لشهاداته سرعان ما يصطدم بواقع آخر يختزل في اصطلاح ”المعارف” كورقة مرور من مرحلة الطالب إلى مرحلة البطال المقنع، هذا إذا ظفر يوما بمنصب عمل وكان من بين أصحاب الحظوة. وفي هذه المرحلة يعيش هذا الشاب الطموح مشاكل البيروقراطية الإدارية لاستخراج كل وثيقة أو تشكيل ملف ما ومشاكل النقل المستعصية يوميا، لدرجة تصبح كابوسا يقبض على الأنفس ومشاكل البنوك في سحب دنانيره البسيطة ومشاكل الحصول على سكن تبقى كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء.
وتتواصل المعاناة بعد التقاعد في وصول معاش بسيط لا يحفظ الكرامة متأخرا، ناهيك عن إيجاد قطعة الأرض ليدفن في الثرى، لأن مساحات المقابر أضحت تضيق بمن فيما من الأموات، ولكنها توسعت لتحتضن الأحياء أيضا. فأين نحن من القائل إذا عثـرت بغلة في العراق خشيت أن يسألني الله عنها.
بوركتم على هذا السرد. ولو دجزأتموه فقرات لكان أخسن