في زمن المخاض العسير الذي تمر به أمتنا وبلادنا وما يهددها من تحديات مصيرية أخذت صوراً شتى وأشكال عدة ، لكن من أخطرها وأشدها فتكاً : الغزو الفكري الغربي. العلمنة والتغريب . فتنة التكفير والتفجير . لكن المتأمل في واقع شبابنا اليوم ، وما قدموه لمجتمعهم في هذا الظرف العصيب يجدهم طرائق قدداً: قسم يرى أنه غير قادر على فعل شيء أمام هذه التحديات الكبيرة، فلا يفكر في تغيير الواقع المحيط به ، ولا يعمل ليكون فاعلاً في بيئته. وقسم يعيش على الهامش ، يتوانى ويكسل بحجة أننا في آخر الزمان وأنه لا حاجة للعمل ، غافلاً عن قول النبي :" إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها ". وآخر يشتغل بسفاسف الأمور . وقسم تجده يكثر التلاوم والتبرم مع قلة العمل المثمر ، فيقضي الساعات الطوال في التلاوم وذم الأوضاع وانتقاد الآخرين . وبعض الشباب يتوانى عن العمل لأمته لأنه يستعجل رؤية الثمرة ، فإذا انخرط في عمل ما ولم يلمس له نتائج انفض عنه . وقسم تحترق نفوسهم، وتذوب أفئدتهم كمداً على ما يجري ، لكن عند التأمل فيما قدموه نجدهم سلبيين ولربما سمعنا كلمة ( لولا ) تترد بلسان الحال أو المقال على ألسنتهم. على سبيل المثال ، إذا جاء رمضان فإنك لن تعدم أن تسمع من يشرح لك برنامجه الرمضاني، وماذا خطط له . فإذا دخل الشهر المبارك لم تكد تفرق بين يومه ويوم عامة الناس؛ بل ربما كان يوم العادي أحسن من يومه في رمضان ، حتى إذا جاء أوسط الشهر؛ علق آماله بالعشر الأواخر، فإذا جاءت العشر مرّت مرور الكرام؛ بل مرور الغافلين، حتى إذا كان في آخر ليلة من الشهر، أطلق تلك الزفرات التي تعلن عن الأسى والحزن على فوات الشهر، وتصرم أيامه ولياليه، ثم يمني النفس برمضان القادم، وهناك يطلق لخياله العنان ليسبح في بحر من الأماني . إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطاً إن المنى رأس أموال المفاليس إذا تأملنا في سير العظماء والأكابر من هذه الأمة ، فإنهم مع إيمانهم بأن هذا الدين منصور وأنه لن يدع بيت مدر ولا وبر إلا دخله فإنهم لم يكونوا يعيشون بالأماني على أمل انتصار الدين، بل عملوا وجدوا وضحوا ليقينهم بأنهم متعبدين بالعمل . فماذا قدمت أخي الشاب لأمتك ودينك وبلادك ؟. إذا جلسنا أنا وأنت وتقاعسنا عن العمل ، فمن يرفع الحيف عن الأمة ومن يتصدى للفكر التغريبي الذي يريد نشر الفساد في البلاد وبين العباد ، ومن يكشف ضلال الفكر التكفيري ؟. ـــ هناك دور ينتظرك عليك أن تقوم به : فهدهد سليمان عليه السلام دله على قوم مشركين فأسلموا ، والنملة قالت لقومها {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } ، وأسماء شقت نطاقها نصفين لنصر الدعوة ، وعائشة كانت تسقي المجاهدين في المعركة وتداوي الجرحى ، وأم سليم جعلت مهرها الإسلام . العمل للدين ونشر الدعوة أنبل المهام وأسمى المطالب وهو وظيفة العمر كلها. فهذا نبي الله نوح عليه السلام ، يدعو قومه في الليل والنهار، والعلن والإسرار، مدة ألف سنة إلا خمسين عاماً. وهذا نبي الله يوسف عليه السلام الذي أدخل السجن يرسف في قيوده مظلوماً ،جعل السجن إلى مدرسة للتوحيد ومنبرٍ للدعوة. فعندما أتاه صاحبا السجن يسألانه ، وقال الأول :{ رأيتني أعصر خمرا} . وقال الآخر { رأيتني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه). { نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين } . استغل تشوقهما للجواب فلم يجبهما مباشرة بل دعاهما إلى التوحيد قائلاً { يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}. وعندما حضرت نبينا الوفاة ، وأصيب بحمى شديدة حتى إن حرارة بدنه ، حتى إن كانت تنبعث من تحت الغطاء . فكان يقول في آخر لحظات عمره :" الصلاة الصلاةَ وما ملكت أيمانُكم ". يقول ابن حزم رحمه الله : ( لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها ، وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل ، في دعاء إلى حق ، في حماية الحريم ، وفي رفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى ، وفي نصر مظلوم، وباذل نفسه في عرض دنيا كبائع الياقوت بالحصى ) ( الأخلاق والسير ، نقلاً عن الهمة العالية 115 بتصرف ) . إن الدعوة ونشر الخير والهدى ليس وقفاً على العلماء والدعاة وطلبة العلم ، فكل مسلم بانتمائه للإسلام عامل للدين، مهما كان خطؤه وتقصيره .
ــــ استعن بالله ولا تعجز . عن أبي هريرة قال : قال رسول الله :" المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ". رواه مسلم . ـــ يقينك بأن هذا الدين منصور لا ينبغي أن يتزعزع . قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}. ألا يستثيرك جلد أهل الباطل ونفرتهم لنصرة باطلهم ، وحماسهم لقضاياهم الباطلة ؟. انظر إلى عمل اليهود وتعصبهم وتكاتفهم، كل عملهم لإقامة دولة إسرائيل وحمايتها . ألا يستثيرك تكاتف حركات التنصير لنشر التثليت والشرك بجلد وصبر عجيب ، حتى إن بعض المنصرين والمنصرات يذهبون إلى غابات إفريقيا لنشر دينهم وعقيدتهم ؟. ألا يستثيرك تواتر العلمانيين والليبراليين على مهاجمة الخصوصيات والطعن بالمسلمات ، وتنسيق الأدوار فيما بينهم لإضعاف مناعة المجتمع تمهيداً لاختراقه وتفكيكه ؟. ألا تستشعر عظيم إكرام الله لك بأن أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة ، فتسخر هذه النعم في خدمة دينه وهداية عباده ؟ّ. من أنعم الله عليه بشخصية جذابة وقدرة على التداخل مع البشر أن يستغلها في الدخول إلى قلوب الناس لدعوتها إلى الله ، انظر إلى مصعب بن عمير كيف أنعم الله عليه بجاذبية وتأثير في الناس مما أدخل كثيراً منهم هذا الدين ، وصاروا قادة للإسلام . ومن أنعم الله عليه بجاه، أو نفوذ، أو سلطان، فعليه أن يستعمله للخير، وفي إحقاق الحق، ومحاربة الباطل، وأن يقرب أهل الخير، ويجعلهم بطانته ومشورتهم كما فعل الراشدون وعمر بن عبد العزيز م . ومن آتاه الله قدرة في الشعر؛ فلينظمه في الدعوة إلى الله والمنافحة عن الإسلام ، كما كان حسان يفعل. ومن آتاه الله بسطة في الجسم، فليجعلها في طاعة الله، حرباً على أعداء الله، يعين فيها الملهوف والمسكين والفقير من المسلمين . لما أعطى الله طالوت بسطة في العلم والجسم؛ استعملها في قيادة بني إسرائيل حتى نالوا النصر والظفر . لما ألان الله تعالى الحديد لداوود عليه السلام استخدم هذه النعمة في صناعة الدروع، وملابس الحرب، والعتاد العسكري؛ للجهاد في سبيل الله عز وجل . وسيلمان عليه السلام منَّ الله عليه بنعم كثيرة كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ…}. فاستخدم جنوده من الجن، والإنس، والطير في الدعوة إلى الدين، وبناء المحاريب والأبنية والجفان التي كالجواب وهي: الأحواض العظيمة التي يجبى إليها الناس ، والقدور الراسيات التي لعظمها ترسو من ثقلها لينتفع مما فيها المسلمون . واستخدم العفاريت في إظهار قدرة الله تعالى في خلقه بإحضار عرش بلقيس ، واستخدم الجن في بناء الصرح الممرد من قوارير، الذي بهر عين ملكة الكفار؛ فأسلمت لما علمت أن ملكها لا يساوي شيئاً بجانب ملك سليمان المؤيد من عند الله عز وجل . ولما أسال الله له عين القطر ( وهو النحاس السائل ) صنع منه ما فيه فائدة للدين والبلاد والعباد . وقد يقول قائل : هؤلاء أنبياء مؤيدون من عند الله عز وجل ، فنقول حتى أفراد الصحابة م قدموا كل ما لديهم طاقات فردية لنصرة الدين، وإعلاء كلمة الله: بلال يؤذن، وسعد وغيره لحراسة الرسول في مبدأ الأمر . وزيد وغيره لكتابة الوحي والرسائل، وخالد وغيره للقيادة وحسان وكعب وابن رواحة للقيام بالدور الإعلامي المطلوب لخدمة الإسلام. وعثمان يحفر بئراً على نفقته، ويجهز جيش العسرة على نفقته . وابن مسعود صاحب النعلين والمطْهَرة؛ لأنه كان فقيهاً شديد التعلم كان يسأل رسول الله حتى في الأشياء الدقيقة ليتعلم. وسلمان يشير بفكرة الخندق ، ونعيم بن مسعود الثقفي يعرض خدماته لما أسلم.وأبو طلحة يأتي رسول الله بتبرع سخي بستان كبير، يقول: يا رسول الله ضعها حيث أراك الله . يقول زيد بن ثابت : ذُهِبَ بِي إِلَى النَّبِيِّ فَأُعْجِبَ بِي فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً فَأَعْجَبَ ذَلِكَ النَّبِيَّ وَقَالَ:" يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي ". قَالَ : فَتَعَلَّمْتُ كِتَابَهُمْ مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ. رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وفي رواية لأحمد: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ :"تُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ إِنَّهَا تَأْتِينِي كُتُبٌ ". قُلْتُ: لَا . قَالَ :"فَتَعَلَّمْهَا". فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
ـــ حاول أن تكون فعالاً مؤثراً : قد يكون الإنسان ذكياً أو صاحب شهادات علمية كبيرة لكنه لا يتمتع بالفعالية المطلوبة. فالفعالية هي الإنتاج الجيد والاستمرار فيه ، كما في الحديث عن عائشة ا أن أحب الأعمال إلى الله ما كان دائماً وإن كان قليلاً . فرق بين " الفعالية " و" الكفاءة " فقد يقود الإنسان سيارته بكفاءة عالية، ولكنه لا يكون فعالاً إذا قادها نحو الوجهة الخطأ. كما أنه لا يعتبر فعالاً من يكون مشغولاً بالأمور الهامشية ، وترك أموراً كباراً وحاجات أساسية، فالقاعدة التي تقول ( أنا مشغول إذاً أنا فعّال ) غير صحيحة على إطلاقها .
ـــ حدد لنفسك هدفاً سامياً ، فإن ذلك يفجر الطاقات ويضاعف الإنتاج، وهذا ما حصل للمسلمين حين حفروا الخندق في مدة وجيزة. وهكذا فجر الإسلام الطاقات عند الصحابة م حين تحول الصديق الرجل الضعيف النحيف إلى أفضل الأمة بعد نبيها ، وحين تحول فرد عادي مثل عمر بن الخطاب إلى شخصية عظيمة من عظماء التاريخ . الهدف السامي يعطي الشخصية سعة في الأفق وانشراحاً في الصدر، أما الشخص الفارغ أو صاحب الهدف الدنئء فحري به أن ألّا ينصر قضية أو ينشر فكرة أو يخدم مشروعاً مفيداً للأمةً .
ـــ اجعل هدفك واضحاً : وضوح الهدف من بداية الطريق يُزيلُ كثيراً من العراقيل، فالبوصلة التي تحدد الاتجاه أهم من الساعة التي تضبط الوقت . كان النبي ينتقل بأصحابه من مرحلة إلى أخرى وهم عالمون بمتطلباتها وينفذون مقتضياتها . فالهدف في بداية الدعوة حينما كانت مستضعفة كان الدعوة بالحسنى وكف اليد والصبر على الأذى ، لكن هذا الهدف اختلف بعد الهجرة حيث انتقلت الدعوة إلى مرحلة القتال والمواجهة بعد أن تأسست الدولة المسلمة . والهدف في العهد المكي كان ينصب على العقيدة والتوحيد وبيان الحجج الشرعية والعقلية والكونية على إبطال المعبودات من دون الله ، أما في العهد المدني فكان تعليم الناس أحكام الحلال والحرام وأنواع العبادات وتفاصيلها . وهكذا … .
ـــ عليك مراعاة فقه الأولويات ، فذلك يوفر الجهد والوقت . هل ننفق الأموال على النوافل وزخرفة المساجد ، أم على دعم الإعلام الإسلامي ؟ أين نضع الاهتمام بمدارس تحفيظ القرآن ومكاتب توعية الجاليات والعمل الخيري ، هل هي مقدمة على الاشتغال بالردود على بعضنا البعض أم لا؟ . هل نبدأ بالأمور الأساسية في أي عمل نريده أم ننشغل بجزئياته ؟ . عندما ظهر التتار وعاثوا في البلاد الفساد وعمت الفوضى وعظمت البلوى وزلزل الناس زلزالاً شديداً ، حتى إن ابن الأثير قال في تاريخه: ( لقد بقيتُ عدة سنين معرضاً عن هذه الحادثة استعظاماً لها كارهاً لذكرها ، فأنا أقدم إليه رِجْلاً وأؤخر أخرى ، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي.ويتابع : إن هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها ، عمت الخلائق وخصت المسلمين فلو قال قائل : إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتل بمثلها لكان صادقاً ، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها. ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج، وأما الدجال فإنه يُبقي على من اتبعه ويُهلك من خالفه ، وهؤلاء لم يُبقوا على أحد بل قتلوا النساء والأطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة ) . ( الكامل 12 / 137 ـ 138 ) . ولما زحفوا إلى الشام وتسامع الناس بأنهم يريدون مصر ، تملك الرعب قلوب الناس وأرجفوا إرجافاً شديداً واشتد الخطر وأصبح الناس ما بين هارب أو لا يجد بداً من الاستسلام ، فقام شيخ الإسلام ابن تيمية إلى نائب الشام يثبته ويقوي جأشه ثم دعا الناس إلى الالتفاف حول السلطان بالرغم من أنه كان كثير الإنكار على الولاة وسجن عدة مرات بسببه إنكاره لما يقومون به، ولكن فقهه ودقة فهمه جعلته يرتب الأولويات ، فالاتحاد مع ولاة الأمر برغم ما عليهم من مآخذ أولى وأجدى لمواجهة التتار البغاة الظلمة ، والوقت ليس وقت تصفية حسابات قديمة تشق الصف وتوهن العزم ، فأخذ يدعو الناس إلى الوقوف مع السلطان لمواجهة التتار ، ثم سافر إلى مصر وحث السلطان على الدفاع عن الشام وحضرت الجيوش المصرية إلى الشام ، وتوحد الجميع تحت راية واحدة ورصوا الصفوف ، وواجهوا العدو وثبت المسلمون وجاء الله بالنصر وأعمل المؤمنون السيف في رقاب التتار وقتلوا منهم خلقاًَ لا يعلمهم إلا الله عز وجل واستمرت المعركة من عصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد كان السيف فيها يعمل في رقاب التتار الذين هرب من تبقى منهم واعتصموا بالجبال والتلال ولم يسلم منهم إلا القليل فأحاط بهم المسلمون من كل مكان يرمونهم عن قوس واحدة حتى طلع الفجر وجعلوا يجيئون بهم في الحبال فتضرب أعناقهم وكانوا يتساقطون في الأودية والمهالك وغرق جماعة منهم في الفرات بسبب الظلام وكشف الله بذلك عن المسلمين غمة عظيمة وكربة شديدة ولله الحمد والمنة. ( البداية والنهاية 14 / 25 ـ 26 ، بتصرف كبير ) .
ـــ لا تقل ( أنا لا أستطيع) بل تستطيع ، إذا كنت واثقاً من نفسك متخلصاً من الخوف والقلق والشك بالنفس وبقدراتك وطاقاتك. انظر إلى حال الصحابة قبل الإسلام ، كانوا رعاة غنم ، لكنهم بتأييد الله وتوفيقه ثم بقوة العزم والإرادة صاروا قادة للأمم . يقول أحد المفكرين الغربيين : إنَّ العرب هم في واقع الأمر أساتذة أوروبا في جميع فروع المعرفة . ويقول آخر (وليم أوسلر): لئن أشعل العرب سُرُجَهم من القناديل اليونانية، فإنَّهم ما لبثوا أن أصبحوا جميعاً شعلة وهّاجة استضاء بنورها أهل الأرض. " المكارم منوطة بالمكاره والسعادة لا يعبر إليها إلا على جسر من المشقة ولا تقطع مسافتها إلا على سفينة الجد والاجتهاد." ( مفتاح دار السعادة لابن القيم 1 / 109 ) . كن ناسكاً تُبتَّلا أو رائساً تُبجَّلا وعدِّ عن محمَّقٍ قصَّر عن أن ينبلا يـــصدُّه قــــعوده وعجزه عن العلا ــــ افعل أفضل ما يمكنك : إذا اشترطت الكمال في أي عمل فإنك لن تعمل ، وإن عملت فستسير في طريق الفشل ، لن يستطيع أحد أن يأتي بالأفضل والأكمل في كل مرة ، لذا عليك أن تكون منطقياً ومتوازناً . التوازن يحفظ الطاقات من أن تهدر أو تبدد عندما يتضخم جانب على آخر، هذا التوازن سماه الله سبحانه وتعالى (قواماً) بقوله {وكان بين ذلك قواما} وهو الوسطية والاعتدال، وبه قيام الإنسان بالأعمال والواجبات على أحسن وجه . يقول ابن الجوزي رحمه الله : ( فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السماوات لرأيت من أقبح النقص رضاه بالأرض ، ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد رأيت المقصِّر في تحصيلها في حضيض ، غير أنه إذا لم يمكن ذلك فينبغي أن يطلب الممكن.والسيرة الجميلة عند الحكماء : خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن لها في العلم والعمل ) أ . هـ . ( صيد الخاطر 2 / 4 ) . إن الذي ينفق أمواله كلها سيقعد ملوماً محسوراً كما وصفه القرآن، وقد ذم الله المسرفين والمبذرين، وهكذا أمر الإسلام بالاعتدال في المأكل والمشرب والمسكن . والذي يعمل إلى حد الإعياء، ولا يأخذ وقتاً لراحة، لا يمكن أن يكون فعالاً . أليس هذا مما أمر به الرسول :" إن لجسمك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً ". وفي ميدان خدمة هذا الدين يلاحظ أن الشخص النشيط الذي لا يرفض طلباً يكلف به، توضع عليه الأعباء كلها . ومن الطبيعي أنه لا يستطيع إنجازها كلها متقنة، ولا يعطي لنفسه ولا لأولاده ولا لأهله حقاً، وفي النهاية يصل إلى درجة الإعياء والإرهاق النفسي والجسدي ثم ينقطع عن العمل لأنه كلف نفسه فوق طاقتها .
ــــ اعمل على إزالة الحواجز النفسية مثل (فات الوقت ): فكثير من العظماء تعثروا في بداية حياتهم ثم تغلبوا على عوامل الفشل بتوفيق الله ثم بقوة العزيمة وتكرار المحاولة . العز بن عبد السلام طلب العلم متأخراً ، لكنه ثابر واجتهد حتى صار (سلطان العلماء ) . وابن أبي ذئب طلب العلم متأخراً، وكان يقارَن بـمالك ، وقالوا: لو طلب العلم مبكراً لما قورن به مالك ولا كان قريباً منه، م جميعاً ورحمهم. وابن حزم رحمه الله طلب العلم بعدما بلغ السادسة والعشرين ، و ابن حجر رحمه الله مرت عليه سنوات لم يكن يطلب فيها الحديث، وكان ينشد شعراً فسمعه شخص فقال: ليس هذا من شأنك، هذا لا يليق بك، فانصرف إلى الحديث. والإمام الذهبي رحمه الله قال: رأى خطي رجل، فقال: إن خطك يشبه خط المحدثين، فوقع في نفسي طلب الحديث. وابن القيم رحمه الله مضى فترة من عمره مع الصوفية ، ثم رجع إلى منهج السلف فصار العلم العظيم . عبد الصمد شرف الدين ذكر في مقدمة تحقيقه لـتحفة الأشراف أنه ما طلب العلم إلا بعد الأربعين. وهناك الكثير من الطاقات التي أنتجت للبشرية اختراعات مفيدة تنعم بها اليوم ، فلم يذهبوا كغثاء السيل ، ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا نسخاً مكررة من ملايين النسخ التي نشاهدها في النماذج البشرية كل يوم ، وإنما رحلوا عن الدنيا وقد تركوا بصماتهم عليها . كان ( تشارلس فروست ) إسكافياً ولكنه استطاع أن يصبح من المبرزين في الرياضيات بتخصيص ساعة واحدة من يومه للدراسة . وكان ( جون هتنر ) نجاراً ، ثم شرع بدراسة ( التشريح المقارن ) في أوقات فراغه، مخصصاً لنومه أربع ساعات فقط من الليل ، حتى أصبح حجة ومرجعاً في علم التشريح .واستطاع (جون لايوك ) أن يقتطع من يومه المزدحم بالعمل بوصفه مديراً لأحد المصارف ساعات يقضيها في دراسة التاريخ حتى أصبح علماً بين المؤرخين .ودرس (جيمس واط ) الكيمياء والرياضة في أثناء اشتغاله بالتجارة فأمكنه أن يخترع المحرك البخاري . فما الذي يمنعك أن تبدأ من الآن بمشروع جدي أو جهد عملي لنصرة دينك وأمتك وبلادك ؟. ـــ لا تجعل خلافك مع أخيك مانعاً من التعاون معه ، ما دام هذا الخلاف سائغاً أو في دائرة الاجتهاد المعتبر . فالخلاف شر { ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } عن أبي هريرة أن رسول الله قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ".رواه مسلم . صلى عبد الله بن مسعود خلف عثمان بمِنى أربعاً فاسترجع ثم قال: صليت مع رسول الله ، بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بمنى ركعتين، فليت حظي ركعتان مـتقـبلتان . رواه البخاري . وزاد أبو داود : فقيل لعبد الله: عبت عثمان ثم صليت أربعاً ؟ . فقال: الخلاف شر. والفرقة الاختلاف عنوان الضعف وذهاب الريح وسبب الهزيمة والخسران . ففي معركة أحد ذاق الصحابة طعم الهزيمة بسبب عصيان بعضهم ـــ لا كلهم ـــ لأوامر رسول الله . إن المتتبع لتاريخ الأمة الطويل يجد أنها مرَّت بأزمات ونكبات كان المسلمون يفقدون فيها تمكنهم في الأرض بل ويفقدون أمنهم وطمأنينتهم وديارهم وأموالهم. ولكنهم في كل مرة كانوا يخرجون منتصرين ويهزمون عدوهم بعد أن يوحدوا صفوفهم ويجمعوا كلمتهم . استغل صلاح الدين الخلاف الذي كان قائماً بين الصليبيين الذين احتلوا بيت المقدس وما حولها من المدن ، حيث كان كل واحد يريد أن يوسع سلطته على حساب الآخر ، فعمل بكل وسعه وطاقته لتوحيد المسلمين وجمع كلمتهم وراسل أمراء مصر والجزيرة والعراق واجتمع حوله خلق كثير ، فأعد الجيوش ووحدها وأحسن تنظيمها ، وبرع في الإعداد والاستعداد ثم نازل الصليبيين في معركة حطين ، فكانت وقعة هائلة قتل فيها منهم خلق كثير ، ثم حاصر بيت المقدس واستولى عليها وردها إلى حظيرة الإسلام . وفي القرن الخامس الهجري انفرط عقد وحدة الأندلس وانقسمت إلى ممالك صغيرة، عقاباً ربانياً للمسلمين على تفرقهم وتشتتهم وحرب بعضهم لبعض {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } ، وصارت كل مدينة دولة قائمة بذاتها تحكمها أسرة وكان أوسعهم مملكة وقوة : محمد بن عباد صاحب إشبيلية وقرطبة وكانت بعض هذه الدول تستعين بالأعداء من النصارى لمحاربة أهل ملتها وجيرانها. هذا التشرذم والتناحر والاختلاف جعلهم لقمة سائغة لملك الأسبان ( ألفونسو ) فقوي أمره وبدأ يزحف على المدن الإسلامية ، وكانت طليطلة من أول المدن الإسلامية الكبيرة التي استردها صلحاً بعد حصار دام سبع سنين . وبسبب تفرق ملوك الطوائف ، فإنهم كانوا يدفعون ضريبة لألفونسو ، وكان ابن عباد يدفع ضريبة أيضاً ، ولكن ألفونسو لم يرض وطلب المزيد من القلاع والحصون وأرسل وفداً كبيراً إلى ابن عباد وعلى رأسهم يهودي وفرض شروطاً استفزازية قصد بها إذلال المسلمين ، فضرب ابن عباد رئيس الوفد على وجهه حتى برزت عيناه ورفض الشروط وبدأ كل فريق يستعد للقتال . فكتب صاحب بطليوس المظفر بن الأفطس إلى ابن عباد :" أيها الملك إن الروم إذا لم تُغزَ غزت ولو تعاقدنا مخلصين فللنا حدَّهم " . وسمع علماء قرطبة بما جرى ورأوا قوة الإفرنج وضعف المسلمين بسبب تفرقهم وتناحرهم فاجتمعوا وقالوا : هذه بلاد الأندلس قد غلب عليها الإفرنج لم يبق فيها إلا القليل وإن استمرت الأحوال على ما نرى عادت الأندلس نصرانية كما كانت ، وساروا إلى القاضي عبد الله ابن أدهم واتفقوا معه على الاستعانة بابن تاشفين ملك المغرب وأرسلوا إليه رسولاً . وعندما علم بعض ملوك الأندلس بعزم ابن عباد طلب العون من ابن تاشفين خوفوه وقالوا : إذا دخل ملك المغرب الأندلس أخذها وتملكها فقال ابن عباد قولته المشهورة : ( لأن أرعى الإبل لابن تاشفين خير لي من أن أرعى الخنازير للفرنج ) . ولما وصل رسول ابن عباد إلى ابن تاشفين أمر فوراً عساكره بالعبور إلى الأندلس ولما وصل استقبله ابن عباد وأكرمه . وتسامع المسلمون في الأندلس بوصول ابن تاشفين فقويت عزائمهم وعلت هممهم وخرجوا من كل البلاد يطلبون الجهاد واجتمعوا ورصوا الصفوف وصفت النفوس وتآلفت القلوب وتوحدوا تحت راية ابن عباد.علم ألفونسو بوصول ابن تاشفين ومعه جيش كبير ، فجمع فرسانه وسار من طليطلة وكتب إلى ابن عباد يغلظ له القول ويخوفه بما عنده من قوة وعدد ، فكتب إليه أمير المسلمين : ( الذي يكون ستراه ) فلما قرأها ملك الفرنج ارتاع لها وعلم أنه بلي برجل له عزم وحزم . ووقعت المعركة وصبر المسلمون صبراً كبيراً واتحد جيش ابن عباد وابن تاشفين وقاتلوا قتالاً مريراً وعند الزوال ظهرت بوادر النصر وولى الإفرنج ظهورهم ونصر الله دينه وكان نصراً مؤزراً كبيراً ولم يبق من الإفرنج إلا القليل تجمعوا حول ألفونسو وكان عدد جيشه أربعين ألفاً . ( الكامل لابن الأثير 10 / 151 بتصرف كبير ) . والحمد لله رب العالمين .
لكن الموضوع طويل جدا