وقفة بمناسبة الامتحانات
إن أبناءنا وبناتنا في هذه الأيام يستقبلون امتحاناً دنيوياً على تحصيلهم في العام الدراسي ، يُمتحنون على ما حصلوه ويُختبرون فيما تلقوه من علم وتُوَجَّهُ إليهم سؤالاتٍ في هذا الامتحان ، سؤالات لا يعرفونها على وجه التحديد لكنهم يفاجئون بها وقت الاختبار ، ثم إن لهذا الاختبار هيبةً في نفوس الطلاب بل وهيبة في نفوس الآباء والأمهات ؛ وكم هو جميل بالآباء والأمهات في إقبالهم على أبنائهم في هذه الأيام نصحاً وتوجيها ومراجعةً واستذكارا ومتابعةً للمذاكرة ، وكم هو جميل بهم وهم الحريصون على نجاح الأبناء الراغبون في فوزهم الخائفون من إخفاقهم أن يكون حرصهم عليهم في الاختبار الأعظم يوم القيامة عندما يقف هؤلاء الأبناء بين يدي الله فيسألهم عما قدموه في هذه الحياة .
ولا لوم على من يحرص على نجاح أبنائه في امتحانات الدنيا بل هذا من تمام التربية وكمال التوجيه ، لكن اللوم كلَّ اللوم أن يكون هذا هو حدود اهتمامه ومبلغ علمه وغاية نصيحته لابنه دون أن يرعاه فيما سيلقاه يوم القيامة بين يدي الله ، وقد جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللهم لَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا)) ، وهذا فيه أن اهتمامك بالدنيا لا ملامة عليك فيه ، وإنما الملامةُ كل الملامة أن تكون الدنيا هي غاية اهتمامك ومبلغ علمك .
ثم إن على طالب العلم أن يتذكَّر بهذا الاستعداد للامتحان وجوب الاستعداد لامتحان يوم القيامة ، فإذا كُنتَ تدرك أنَّك ستُمتَحن ، وأنَّ الامتحان يتطلب استعدادًا ، وفي الامتحان سؤال وجواب ، وعلى قدر استعداد الإنسان للجواب والصَّواب في امتحانه يكون النجاح، فكذلكم الامتحان الذي يكون في القبر والذي يكون يوم لقاء الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ؛ فهذا الامتحان يذكِّرك بالامتحان العظيم والامتحان الأكبر الذي يكون يوم القيامة ، فإذا كانت نفسك تتهيأ وتستعد لهذا الامتحان الدُّنيوي فليكن ذلك بابًا لك يدفعك لتهيئة نفسك للاستعداد للامتحان الأخروي يوم تلقى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . يُذكر عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال لرجل : كم أتت عليك ؟ قال : ستون سنة ، قال الفضيل : فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك توشك أن تبلغ ، فقال الرجل : يا أبا علي إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال له الفضيل : تعلم ما تقول ؟ قال الرجل : قلت «إنا لله وإنا إليه راجعون» ، قال الفضيل : تعلم ما تفسيره ؟ قال الرجل : فسره لنا يا أبا علي ، قال : قولك «إنا لله» تقول أنا لله عبد وأنا إلى الله راجع ؛ فمن علم أنه عبد الله وأنه إليه راجع فلْيعلم بأنه موقوف ؛ ومن علِم بأنه موقوف فليعلم بأنه مسئول ؛ ومن علم أنه مسئول فليعدَّ للسؤال جوابا ، فقال الرجل : فما الحيلة ؟ قال: يسيرة ، قال: ما هي ؟ قال الفضيل: «تُحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى وما بقي ؛ فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي».
وقد ثبت في الترمذي وغيره من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ )) ؛ إننا نعلم أننا مسئولون يوم القيامة ومختبَرون وممتحنون ، ونعلم أيضا تحديداً سؤالات ذلك الامتحان التي تُلقى على الناس يوم القيامة ، فكم هو جديرٌ بالعبد الموفق أن يجعل هذه السؤالات الخمس بين عينيه ونصْب عينيه مادام في ميدان العمل ، يتذكر سؤال الله جل وعلا له عن عمره , وسؤال الله تبارك وتعالى له عن شبابه , وسؤال الله تبارك وتعالى له عن ماله , وسؤال الله تبارك وتعالى له عن علمه ؛ إننا مسئولون حقا ، وصائرون إلى هذا الأمر حقا ، وواقفون بين يدي الرب العظيم جل وعلا وهو سائلنا ؛ فكم هو جدير بنا – إيْ والله – أن نتذكر هذا الامتحان وأن نتأمل في هذا الاختبار وأن نتذكر وقوفنا بين يدي الرب الجبار جل وعلا ونعِدَّ لهذا الامتحان جوابا وللجواب صوابا .
والواجب على طالب العلم أن تكون كُتب العلم والمذكِّرات التي تُكتب فيها مسائله ويُكتب فيها اسم الله وآيات الله وأحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محترمةً عنده ، وكلَّما كان طالب العلم محترمًا لكتب العلم فإنَّ ذلكم من أسباب توفيقه وعنوان نجاحه وفلاحه ؛ أقول ذلك لأنَّ من الأمور التي توجد وخاصَّة في أيَّام الامتحانات أنَّ بعض الطُّلاب قد يستغني أو يرى عدم الحاجة إلى بعض الأوراق التي معه أو المذكِّرات التي بيده فليقيها في الأرض ، وربَّما رماها عند باب الامتحان رمياً ، أو ألقاها في الممرَّات إلقاءً، وهذا لا يليق إطلاقًا بطالب العلم ، فكُتب العلم والأوراق التي تُكتب فيها مسائل العلم أوراق محترمة ، فإذا استغنى عنها أو رأى عدم الحاجة إليها فلا يلقيها ؛ بل يضعها في الأماكن المخصَّصة للأوراق المحترمة .
والواجب على طالب العلم أن يحذر من مداخل الشَّيطان عليه في هذه الأيام بالدَّخول في مداخل حرَّمها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليه ونهاه جلَّ وعلا عنها ، فلا تكون رغبته في تجاوز الامتحان سببًا لتجاوز حدود الله تبارك وتعالى وتعدِّي ما نهى عنه ، فالغشُّ حرَّمه الله ، وصحَّ عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، والغشُّ في العلم أشدُّ ضررًا من الغشِّ في الطعام والشَّراب ؛ لأنَّ مقام العلم أعظم وشأنه أجلّ ، فيجب على طالب العلم أن يكون من هذا الأمر على حذر ، وأن يتَّقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، ولا تكون عَيْنه في الامتحان ناظرة للمُراقب الذي يدور في قاعة الدَّرس ينظر للطُّلاب ، بل يكون نظر طالب العلم إلى الرَّقيب -سبحانه جل شأنه- الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السَّماء . فليبتعد عن الأوجه المخلّة والطرائق المشينة في أداء الامتحانات وذلك بالغِش والخديعة والمكر ونحو ذلك.
ثم إنَّ هذه الأيام أيام الاستعدادات للامتحان تكشف لك عن قدرتك العجيبة على التَّحصيل والطَّلب والحفظ والمذاكرة ؛ فترى من نفسك في هذه الأيام نشاطًا عجيباً وهمَّة عالية ودأباً عظيمًا على القراءة والحفظ والمذاكرة ، وتجد أيضًا أنَّ ذاكرتك تنشط في هذه الأيام للحفظ نشاطًا لا تعهده من نفسك ؛ وهذا ينبغي أن تستفيد منه أنَّ الله عزَّ وجلَّ منَّ عليك بهذه القدرة ؛ لكنَّ كثيراً من الناس مضيِّع لها ؛ فلديه قدرة ونشاط لكنه ليس مستفيدًا منه !! وفي قرب أيَّام الامتحان وإحساسه بدنوِّه يجدَّ هذا الجد وينشط هذا النشاط ، ولو أنَّه أمضى عامًا كاملاً في طلب العلم بهذا النشاط الذي يكون منه في أيام الامتحانات لحصَّل من العلم قدرًا عظيمًا ونصيبًا وافرا .
وإن مما ينبغي أن يُعنى به في مثل هذه الأيام : صدق الدُّعاء وتمام الالتجاء إلى الله جل وعلا بأن يحقق لأبنائنا وبناتنا النجاح في الدنيا والآخرة ، فالنّجاح بيده سبحانه والتوفيق منه جل وعلا ، فكم هو جميلٌ أن يوجَّه الابن والبنت إلى الله جل وعلا يدعوه بصدق ويلحُّ عليه بالدعاء بأن يكتبه من الناجحين وأن يجعله من الفائزين الرابحين.
وإن مما يؤكد عليه في مثل هذه الأيام : أهمية الأمانة وأن العبد يُسأل عنها يوم القيامة أمانةٌ عامة في كل جانب من جوانب حياته ؛ أمانة في العقيدة والتوحيد، وأمانة في العبادة والعمل ، وأمانةٌ في البيوع والمعاملات ، وأمانةٌ في كل أوجه ومجالات الحياة, ومن ضمن الأمانة المتأكدة التي ينبغي أن تُرْعى أمانة الطالب في أدائه لامتحاناته .
وإن مما يُنَبَّه عليه في هذا المقام : ورقةٌ تروَّج في بعض المدارس فيها أدعيةٌ محدّدة لأعمالٍ معينة ؛ فيها دعاء يقال عند المذاكرة , ودعاءٌ يقال عند دخول قاعة الامتحانات , ودعاءٌ يقال عند كتابة الإجابة , ودعاءٌ يقال عند الفراغ منها , أدعيةٌ محدّدة في كل مجال من هذه المجالات ، وهي تكلف ما أنزل الله به من سلطان ، وتخرُّصٌ لا دليل عليه ، وقولٌ على الله وفي دين الله بلا علم ، وقد قال العلماء قديما : «مَن اسْتَحْسَنَ فَقَد شَرَع » ؛ ولهذا يجب الحذر من مثل هذه الأوراق ، وإنما يُوَجَّه الطلاب عموما إلى الإقبال على الله بالدعاء وسؤاله التوفيق والنجاح دون أن يُحدَّد أمور لا دليل عليها ولا برهان من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
هذا وإني لأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يكتب لنا أجمعين النجاح في الدنيا والآخرة والفوز برضاه وأن يجنبنا سخطه إنه سميع الدُّعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ولا لوم على من يحرص على نجاح أبنائه في امتحانات الدنيا بل هذا من تمام التربية وكمال التوجيه ، لكن اللوم كلَّ اللوم أن يكون هذا هو حدود اهتمامه ومبلغ علمه وغاية نصيحته لابنه دون أن يرعاه فيما سيلقاه يوم القيامة بين يدي الله ، وقد جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللهم لَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا)) ، وهذا فيه أن اهتمامك بالدنيا لا ملامة عليك فيه ، وإنما الملامةُ كل الملامة أن تكون الدنيا هي غاية اهتمامك ومبلغ علمك .
ثم إن على طالب العلم أن يتذكَّر بهذا الاستعداد للامتحان وجوب الاستعداد لامتحان يوم القيامة ، فإذا كُنتَ تدرك أنَّك ستُمتَحن ، وأنَّ الامتحان يتطلب استعدادًا ، وفي الامتحان سؤال وجواب ، وعلى قدر استعداد الإنسان للجواب والصَّواب في امتحانه يكون النجاح، فكذلكم الامتحان الذي يكون في القبر والذي يكون يوم لقاء الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ؛ فهذا الامتحان يذكِّرك بالامتحان العظيم والامتحان الأكبر الذي يكون يوم القيامة ، فإذا كانت نفسك تتهيأ وتستعد لهذا الامتحان الدُّنيوي فليكن ذلك بابًا لك يدفعك لتهيئة نفسك للاستعداد للامتحان الأخروي يوم تلقى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . يُذكر عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال لرجل : كم أتت عليك ؟ قال : ستون سنة ، قال الفضيل : فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك توشك أن تبلغ ، فقال الرجل : يا أبا علي إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال له الفضيل : تعلم ما تقول ؟ قال الرجل : قلت «إنا لله وإنا إليه راجعون» ، قال الفضيل : تعلم ما تفسيره ؟ قال الرجل : فسره لنا يا أبا علي ، قال : قولك «إنا لله» تقول أنا لله عبد وأنا إلى الله راجع ؛ فمن علم أنه عبد الله وأنه إليه راجع فلْيعلم بأنه موقوف ؛ ومن علِم بأنه موقوف فليعلم بأنه مسئول ؛ ومن علم أنه مسئول فليعدَّ للسؤال جوابا ، فقال الرجل : فما الحيلة ؟ قال: يسيرة ، قال: ما هي ؟ قال الفضيل: «تُحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى وما بقي ؛ فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي».
وقد ثبت في الترمذي وغيره من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ )) ؛ إننا نعلم أننا مسئولون يوم القيامة ومختبَرون وممتحنون ، ونعلم أيضا تحديداً سؤالات ذلك الامتحان التي تُلقى على الناس يوم القيامة ، فكم هو جديرٌ بالعبد الموفق أن يجعل هذه السؤالات الخمس بين عينيه ونصْب عينيه مادام في ميدان العمل ، يتذكر سؤال الله جل وعلا له عن عمره , وسؤال الله تبارك وتعالى له عن شبابه , وسؤال الله تبارك وتعالى له عن ماله , وسؤال الله تبارك وتعالى له عن علمه ؛ إننا مسئولون حقا ، وصائرون إلى هذا الأمر حقا ، وواقفون بين يدي الرب العظيم جل وعلا وهو سائلنا ؛ فكم هو جدير بنا – إيْ والله – أن نتذكر هذا الامتحان وأن نتأمل في هذا الاختبار وأن نتذكر وقوفنا بين يدي الرب الجبار جل وعلا ونعِدَّ لهذا الامتحان جوابا وللجواب صوابا .
والواجب على طالب العلم أن تكون كُتب العلم والمذكِّرات التي تُكتب فيها مسائله ويُكتب فيها اسم الله وآيات الله وأحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محترمةً عنده ، وكلَّما كان طالب العلم محترمًا لكتب العلم فإنَّ ذلكم من أسباب توفيقه وعنوان نجاحه وفلاحه ؛ أقول ذلك لأنَّ من الأمور التي توجد وخاصَّة في أيَّام الامتحانات أنَّ بعض الطُّلاب قد يستغني أو يرى عدم الحاجة إلى بعض الأوراق التي معه أو المذكِّرات التي بيده فليقيها في الأرض ، وربَّما رماها عند باب الامتحان رمياً ، أو ألقاها في الممرَّات إلقاءً، وهذا لا يليق إطلاقًا بطالب العلم ، فكُتب العلم والأوراق التي تُكتب فيها مسائل العلم أوراق محترمة ، فإذا استغنى عنها أو رأى عدم الحاجة إليها فلا يلقيها ؛ بل يضعها في الأماكن المخصَّصة للأوراق المحترمة .
والواجب على طالب العلم أن يحذر من مداخل الشَّيطان عليه في هذه الأيام بالدَّخول في مداخل حرَّمها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليه ونهاه جلَّ وعلا عنها ، فلا تكون رغبته في تجاوز الامتحان سببًا لتجاوز حدود الله تبارك وتعالى وتعدِّي ما نهى عنه ، فالغشُّ حرَّمه الله ، وصحَّ عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، والغشُّ في العلم أشدُّ ضررًا من الغشِّ في الطعام والشَّراب ؛ لأنَّ مقام العلم أعظم وشأنه أجلّ ، فيجب على طالب العلم أن يكون من هذا الأمر على حذر ، وأن يتَّقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، ولا تكون عَيْنه في الامتحان ناظرة للمُراقب الذي يدور في قاعة الدَّرس ينظر للطُّلاب ، بل يكون نظر طالب العلم إلى الرَّقيب -سبحانه جل شأنه- الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السَّماء . فليبتعد عن الأوجه المخلّة والطرائق المشينة في أداء الامتحانات وذلك بالغِش والخديعة والمكر ونحو ذلك.
ثم إنَّ هذه الأيام أيام الاستعدادات للامتحان تكشف لك عن قدرتك العجيبة على التَّحصيل والطَّلب والحفظ والمذاكرة ؛ فترى من نفسك في هذه الأيام نشاطًا عجيباً وهمَّة عالية ودأباً عظيمًا على القراءة والحفظ والمذاكرة ، وتجد أيضًا أنَّ ذاكرتك تنشط في هذه الأيام للحفظ نشاطًا لا تعهده من نفسك ؛ وهذا ينبغي أن تستفيد منه أنَّ الله عزَّ وجلَّ منَّ عليك بهذه القدرة ؛ لكنَّ كثيراً من الناس مضيِّع لها ؛ فلديه قدرة ونشاط لكنه ليس مستفيدًا منه !! وفي قرب أيَّام الامتحان وإحساسه بدنوِّه يجدَّ هذا الجد وينشط هذا النشاط ، ولو أنَّه أمضى عامًا كاملاً في طلب العلم بهذا النشاط الذي يكون منه في أيام الامتحانات لحصَّل من العلم قدرًا عظيمًا ونصيبًا وافرا .
وإن مما ينبغي أن يُعنى به في مثل هذه الأيام : صدق الدُّعاء وتمام الالتجاء إلى الله جل وعلا بأن يحقق لأبنائنا وبناتنا النجاح في الدنيا والآخرة ، فالنّجاح بيده سبحانه والتوفيق منه جل وعلا ، فكم هو جميلٌ أن يوجَّه الابن والبنت إلى الله جل وعلا يدعوه بصدق ويلحُّ عليه بالدعاء بأن يكتبه من الناجحين وأن يجعله من الفائزين الرابحين.
وإن مما يؤكد عليه في مثل هذه الأيام : أهمية الأمانة وأن العبد يُسأل عنها يوم القيامة أمانةٌ عامة في كل جانب من جوانب حياته ؛ أمانة في العقيدة والتوحيد، وأمانة في العبادة والعمل ، وأمانةٌ في البيوع والمعاملات ، وأمانةٌ في كل أوجه ومجالات الحياة, ومن ضمن الأمانة المتأكدة التي ينبغي أن تُرْعى أمانة الطالب في أدائه لامتحاناته .
وإن مما يُنَبَّه عليه في هذا المقام : ورقةٌ تروَّج في بعض المدارس فيها أدعيةٌ محدّدة لأعمالٍ معينة ؛ فيها دعاء يقال عند المذاكرة , ودعاءٌ يقال عند دخول قاعة الامتحانات , ودعاءٌ يقال عند كتابة الإجابة , ودعاءٌ يقال عند الفراغ منها , أدعيةٌ محدّدة في كل مجال من هذه المجالات ، وهي تكلف ما أنزل الله به من سلطان ، وتخرُّصٌ لا دليل عليه ، وقولٌ على الله وفي دين الله بلا علم ، وقد قال العلماء قديما : «مَن اسْتَحْسَنَ فَقَد شَرَع » ؛ ولهذا يجب الحذر من مثل هذه الأوراق ، وإنما يُوَجَّه الطلاب عموما إلى الإقبال على الله بالدعاء وسؤاله التوفيق والنجاح دون أن يُحدَّد أمور لا دليل عليها ولا برهان من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
هذا وإني لأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يكتب لنا أجمعين النجاح في الدنيا والآخرة والفوز برضاه وأن يجنبنا سخطه إنه سميع الدُّعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
https://al-badr.net/muqolat/2895
بارك الله فيك
وحفظ الله العلامة عبد الرزاق العباد
وفيكم بارك الله
يرفع للتذكير
يرفع للتذكير
يرفع للتذكير