الحمد لله أما بعد :
*فقد قال الله تعالى وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ، وقال : وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا
*الشمس والقمر من آيات الله ، فإذا قامت القيامة كورت الشمس وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر.
*وقد جعل الله الخسوف والكسوف في الدنيا تذكيراً للعباد .
*وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند حدوث هذه الآية العظيمة يفزع إلى الصلاة .
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: (خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ ، فَكَبَّرَ ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا . ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى ، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ . وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ) رواه مسلم (1500).
*وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الكسوف فزعا خائفا حتى أنه أخذ لباس زوجته بدلا من ردائه خطأً لانشغال ذهنه بقيام الساعة حتى أدركه شخص خلفه بردائه كما في صحيح مسلم من حديث أسماء "كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع فأخطأ بدرع حتى أُدرك بردائه"
*وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا ، وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ) رواه مسلم (1499).
* وجمهور العلماء على أن صلاة الخسوف سنة مؤكدة ليست بواجبة ، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها واجبة ، وقال بعضهم : فرض كفاية .
* تشرع صلاة الخسوف عند رؤيته بالبصر ؛ لحديث : (فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ ، فَصَلُّوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ) ، فلو حال غيم دون رؤية الخسوف فلا تُشرع الصلاة .
*على فرض أنه رئي خسوف القمر قبل غروب الشمس ، فلا يصلي الخسوف إلا بعد الغروب ؛ لأن القمر آية الليل .
* إذا اجتمعت صلاة الخسوف أو الكسوف مع صلاة حاضرة من الصلوات الخمس ، فتقدّم صلاة الفرض ، ثم تُصلى صلاة الخسوف .
* إذا انتهوا من صلاة الفرض ، فلا مانع أن يأتوا بأذكارها وسنتها الراتبة ، ثم يشرعون في صلاة الخسوف.
* يشرع النداء "الصلاة جامعة " ولو كان الناس في المسجد بعد الفريضة مجتمعين ، وذلك عملا بالسنة ، وتنبيها لمن لم يحضر كالنساء والمرضى في البيوت .
* من حضر المسجد أثناء صلاة الخسوف ، ولم يصل المغرب صلاها أولا ، ثم دخل معهم في صلاة الخسوف .
* إذا دخل المسجد وصلى معهم بنية المغرب ، ثم تبين له أنهم يصلون الخسوف نوى المفارقة وأتم لنفسه المغرب ، ثم لحقهم في صلاة الخسوف نظراً لاختلاف الصفة .
* الذي استفاض عند أهل العلم وهو الذي استحبه أكثرهم أنه عليه الصلاة والسلام صلى بهم ركعتين ، في كل ركعة ركوعان ، يقرأ قراءة طويلة ، ثم يركع ركوعا طويلا.
ثم يقوم فيقرأ قراءة طويلة دون القراءة الأولى ، ثم يركع ركوعا دون الركوع الأول ، ثم يسجد سجدتين طويلتين ، وثبت عنه أنه جهر بالقراءة فيها .
* قراءة الفاتحة وما يليها بعد الركوع الأول سنة لا تبطل الصلاة بتركه ، فلو نسي القراءة بعد الركوع الأول من الركعة ، فالصلاة صحيحة .
* لا تدرك الركعة بالركوع الثاني ، وإنما تدرك بالأول ، فمن فاته الركوع الأول من الركعة في صلاة الخسوف فقد فاتته الركعة ، وعليه قضاؤها .
* إذا انتهت صلاة الخسوف قبل انجلائه انشغلوا بالذكر والدعاء والاستغفار حتى ينجلي ، والرباط في المسجد من المغرب إلى العشاء حسن يحقق مصالح شرعية.
* صلاة الخسوف مع الجماعة أفضل ، وتجوز فرادى لاسيما من فاتته في المسجد.
* لا بأس أن تصلي المرأة صلاة الكسوف في بيتها ، وإن خرجت للمسجد بالشروط الشرعية كما فعلت نساء الصحابة فهو أفضل وفيه خير .
*من الغفلة ومما يُؤسف له دعوة الناس إلى اصطحاب تلسكوباتهم ومناظيرهم والانشغال بالرصد والتصوير عن الصلاة، فأين الفزع النبوي الذي ثبت في السنٌة؟
*يُشرع عند الخسوف بالإضافة إلى الصلاة ذكر الله ودعاؤه والتوبة والاستغفار والتكبير والصدقة والعتق ووعظ الناس وتخويفهم بالله.
*تخويف الله لعباده بالخسوف لما فيه من التذكير بيوم القيامة الذي يذهب فيه ضوء الشمس والقمر ويذكّرهم بقدرته على تغيير الأحوال كما غيّر القمرين.
*عن أسماء قالت: أطال النبي عليه السلام القيام جدا (الكسوف)حتى تَجلّاني الغَشْي فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصب على رأسي أو وجهي من الماء
*الغشى مرض يعرض من طول التعب والوقوف وهو ضرب من الإغماء إلا أنه أخف منه إذا كان خفيفا وإنما صبت أسماء الماء على رأسها مدافعة له (فتح الباري(.
*من لم يقدر على القيام في صلاة الخسوف فيكمل الصلاة جالسا، وإذا لم يستطع كما لو حصر ببول أو غائط فلينصرف (ابن عثيمين) ويتطهر ويبتدئ الصلاة.
*ينبغي للإمام أن يجعل طول صلاة الخسوف متناسباً مع مدة الخسوف إذا علمها ، ومتناسبا كذلك مع تحمّل المأمومين.
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
للأمانة / مقالات الشيخ محمد صالح المنجد