" فيه دليل على أن يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس ، وأن المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره ، ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية " .
وذكر معنى هذا ابن القيم ـ رحمه الله ـ في " تهذيب السنن " ( 3 / 214 ) ، وقال: " وقيل : فيه الرد على من يقول : إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل ؛ جاز له أن يصوم ويفطر ؛ دون من لم يعلم ، وقيل : إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ، ولم يحكم القاضي بشهادته ، أنه لا يكون هذا له صوماً ، كما لم يكن للناس " .
وقال أبو الحسن السندي في " حاشيته على ابن ماجه " بعد أن ذكر حديث أبي هريرة عند الترمذي: "والظاهر أن معناه أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل ، وليس لهم التفرد فيها ، بل الأمر فيها إلى الإمام والجماعة ، ويجب على الآحاد اتباعهم للإمام والجماعة ، وعلى هذا ؛ فإذا رأى أحد الهلال ، ورد الإمام شهادته ؛ ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور ، ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك " .
قلت : وهذا المعنى المتبادر من الحديث ، ويؤيده احتجاج عائشة به على مسروق حين امتنع من صيام عرفة ؛ خشية أن يكون يوم النحر ، فبينت له أنه لا عبرة برأيه ، وأن عليه اتباع الجماعة، فقالت: "النحر يوم ينحر الناس ، والفطر يوم يفطر الناس" .
قلت: وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم ، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية ، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد ـ ولو كان صواباً من وجهة نظره ـ في عبادة جماعية كالصوم والتعييد وصلاة الجماعة ، ألا ترى أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كان يصلي بعضهم وراء بعض وفيهم من يرى أن مس المرأة والعضو وخروج الدم من نواقض الوضوء ، ومنهم من لا يرى ذلك ، ومنهم من يتم في السفر ، ومنهم من يقصر ؟ !
فلم يكن اختلافهم هذا وغيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد ، والاعتداد بها ، وذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء ، ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الاعتداد بالرأي المخالف لرأي الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كـ ( منى ) ، إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقاً في ذلك المجتمع ، فراراً مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه ، فروى أبو داود ( 1 / 307 ) أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ صلى بمنى أربعاً ، فقال عبد الله بن مسعود منكراً عليه : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ، ومع أبي بكر ركعتين ، ومع عمر ركعتين ، ومع عثمان صدراً من إمارته ثم أتمها، ثم تفرقت بكم الطرق ، فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين .
ثم إن ابن مسعود صلى أربعاً ! فقيل له : عبت على عثمان ثم صليت أربعاً ؟ ! قال : الخلاف شر .وسنده صحيح .وروى أحمد ( 5 / 155 ) نحو هذا عن أبي ذر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ .
فليتأمل في هذا الحديث وفي الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم ، ولا يقتدون ببعض أئمة المساجد ، وخاصة في صلاة الوتر في رمضان ، بحجة كونهم على خلاف مذهبهم ! وبعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك ممن يصوم وحده ويفطر وحده ؛ متقدماً أو متأخراً على جماعة المسلمين ، معتداً برأيه وعلمه ، غير مبال بالخروج عنهم .
فليتأمل هؤلاء جميعاً فيما ذكرناه من العلم ، لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل وغرور ، فيكونون صفاً واحداً مع إخوانهم المسلمين ؛ فإن يد الله مع الجماعة ) اهـ .
في وجوب الصوم والإفطار مع الجماعة
هل ما يقوم به بعضُ الناس مِن الإفطار قبل الأذان بحجَّةِ أنَّ الأذان لا يُرْفَع في الوقت الشرعيِّ غيرُ جائزٍ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنه يُفرَّق ما بين صومِ رمضان وهو الصومُ الجماعيُّ وغيرِه مِن الصوم الواجب في غير الجماعة والمستحبِّ التطوُّعيِّ الفرديِّ:
ـ أمَّا صيام الواجب والتطوُّع الفرديِّ فيوكَل إلى كلٍّ بحسب دخول وقت المغرب أو وقت طلوع الفجر عملًا بقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»(٢)، وفي ذلك أحاديثُ أخرى.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
وجعله في ميزان حسناتك
«..فليس هناك ما يُصلح دين الناس ودنياهم إلاّ الاجتماع والائتلافُ، وليس هناكما يفسد عليهم ما ذكر إلاّ الافتراق والاختلاف »
جزاك الله خيرا أخي الفاضل.
بوركتم
هناك من رد على الشيخ فركوس في هاته النقطة والله أعلم والشيخ الالباني رحمه الله ذكر هذا الحديث ولم يفسره بهذا التفسير والله أعلم…
ساحاول الـتاكد من كلامي
كل عام و انتم بخير وجزاكم الله خيرا على الموضوع
بارك الله فيكم
ربي يتقبل منا ومنكم