[الموضوع : هل قيمنا الخلقية تقاس بما تحققه من منافع؟
طرح المشكلة : يعتبر علم الأخلاق من العلوم المعيارية لا تقتصر على دراسة ماهو كائن أو الأوضاع الراهنة ولكن بما ينبغي أن يكون عليه, ولذا فان مهمته هي وضع الشروط التي يجب توافرها في الإرادة الإنسانية و في الأفعال لكي تصبح موضوعا لأحكامنا الخلقية.غير أن هذه الأحكام اختلفت فيها وجهات النظر حول مصدرها فهناك من أرجعها الى العقل وهناك من رأى بخلاف ذلك .وبالتالي نطرح السؤال هل تقاس القيم الأخلاقية بما تحققه من نتائج؟ أي هل يمكن أن نربط الفعل الخلقي بما ينتج عنه من منفعة؟
محاولة حل المشكلة:
الأطروحة الأولى: إن الفعل الخلقي يقاس بنتائجه وما يقدمه من منفعة و يمثل هذا الاتجاه النفعي أنصار اللذة و المنفعة ابيقور و جرمي بنتام.
البرهنة: فاللذة و المنفعة هي الخير الأقصى و إن الألم و المضرة هما الشر الأقصى و حجتهم في ذلك انه إذا عجز الإنسان عن تحقيق اللذة تألم وإذا تألم كان شقيا و العكس صحيح. فقد ذهب الفيلسوف اليوناني ارستيب إلى أن اللذة هي صوت الطبيعة و أن الغريزة هي المحرك الأول لأفعال الإنسان وجعل معيار اللذة و الألم هي معيار القياس لخيرية الأفعال و شريتها .وجاء بعده ابيقور و اتفق مع سلفه من حيث أشاد الناس للذة و لكنه حرص على أن يعدل منه بحذق فرأى أن اللذة هي الخير الأعظم إلا أنها لها أحيانا عواقب لا تكون خيرا فنادي بضرورة اجتناب اللذات التي تجر وراءها ألاما لأنها عائقة لتحقيق السعادة و عارض ارستيب الذي اعتبر أن اللذة مطلقة تحت قاعدة <<خذ اللذة التي لا يعقبها الألم و اجتنب الألم الذي لا يتبعه شيء من اللذات و تجنب اللذة التي تحرمك من لذة أعظم منها أو يترتب عنها الم و تقبل الألم الذي يخلصك من الم أعظم منه>> كما اعلي ابيقور من اللذات الروحية حتى أصبحت الأخلاق عنده بمثابة تهذيب للأخلاق كالصداقة و الحكمة.ويعد جرمي بنتام من بين رواد المذهب النفعي في العصر الحديث حيث يرى أن الناس بطبائعهم يسعون وراء اللذة و يجتنبون الألم كالحيوان مع امتيازهم عن الحيوان لاستخدامهم العقل لان العقل هو الذي يحكم على الفعل الخير إذ يعود بلذة مستمرة و الفعل الشر الذي يؤدي إلى زيادة الألم و هو يقيس اللذات من حيث صفاتها الذاتية كالشدة و المدة و الثبات و قرب المنال و القدرة على إنتاج لذات أخرى و خلوها من الألم كما تقاس بالنظر إلى آثارها الاجتماعية حيث ينبغي على الفرد مراعاتها لان منفعة المجموع شاملة للمنافع الفردية وهو ما يسميه بعامل الامتداد الذي يوليه أهمية كبيرة فاللذة يجب أن تشمل عدد ممكن من الأفراد, فالمنفعة الشخصية مرتبطة بالمنفعة العامة غير ان الفرد لا يفعل الخير للغير إلا إذا حصل من ورائه على نفع لنفسه, وهنا تظهر النزعة التجريبية في مذهب بنتام لان معيار الأخلاق عنده مرهون بنتائج الأفعال و أثارها .
نقد: يمكن ان تكون القيمة الخلقية للأفعال الإنسانية متوقفة على نتائجها و أثارها الايجابية ولكن جعل اللذة غاية للحياة ومعيارا للقيم الخلقية يتناقض مع التجربة التي أكدت لنا ان الإنسان كثيرا ما يعزف عن اللذة ويقبل على الألم .كما ان منافع الناس مختلفة فما هو نافع لهذا ضار لآخر أضف الى ذلك ان ربط الأخلاق بالمنفعة يحط من قيمتها لأنه ينزلها إلى مستوى الغرائز وتصبح من في مصاف الحيوان , وقد أهملت الجوهر الحقيقي الذي يتمتع به الإنسان ألا وهو العقل.
نقيض الأطروحة:ان الفعل الأخلاقي لا يقاس بنتائجه وإنما يقاس بما يميز الإنسان و هو العقل فبواسطته يميز بين الخير و الشر مما يبين ان العقل هو المصدر الوحيد للقيم الخلقية الملازمة للسلوك وقد دافع عن هذا الرأي أفلاطون و كانط
البرهنة: لقد استهدف أفلاطون جعل القانون الأخلاقي عاما للناس في كل زمان ومكان و لا يتيسر هذا إلا بإقامته على أسمى جانب مشترك في طبائع البشر و بعني به العقل , وقد اعتبر أن النفس أسمى من الجسد فهي الحاصلة على الوجود الحقيقي و ما وجود الجسد إلا وجودا ثانويا وهو الذي يحمل قواها النبيلة ويوجهها وجهة غير أخلاقية لأنه مصدر الشر يقول <<ان الخير فوق الوجود شرفا وقوة>> فهو إدراك عقلي لقيمة الخير فالحق و العدل و الحرية قيم مطلقة يجسدها الخير المطلق الموجود في عالم المثل لذلك قسم أفعال الناس الى القوة العاقلة و الغضبية و الشهوانية وان أكمل صورها العقل لأنه المدرك للعفة و الفضائل و الفضائل عنده أربعة : الحكمة فضيلة العقل و العفة فضيلة القوة الشهوانية والشجاعة فضيلة القوة الغضبية و اذا ما تحققت الفضائل الثلاثة تحقق التناسب الذي يعطينا الفضيلة الرابعة التي هي العدالة واذا ما تحققت هذه الأخيرة تحققت للنفس سعادتها وهي حالة باطنية عقلية أخلاقية يظهر فيها جمال النفس و سيطرة الجزء الإلهي . وفي سياق هذه الفلسفة الأخلاقية ذاتها نجد كانط الذي اعتبر ان الإرادة الخيرة الدعامة الأساسية لكل فعل أخلاقي بل هي الشيء الوحيد الذي يمكن ان نعده خيرا في ذاته دون قيد أو شرط وهذه الإرادة تستمد خيرتها من الواجب العقلي الذي هو مبدأ داخلي و بالتالي تكون الأخلاق منزهة من كل غرض ذاتي فعندما نقول قل الصدق ليثق فيك زملائي فهذا فعل مرتبط بغرض اما قولنا كن صادقا فهذا فعل أخلاقي لأنه أمر مطلق منزه من المنفعة ويقوم هذا الواجب على قواعد أساسية أولها افعل كما لو كان على مسلمة فعلك ان ترتفع الى قانون طبيعي عام وثانيها افعل الفعل بان تعامل الإنسانية في شخصك وشخص كل إنسان سواك, وثالثهما اعمل بان تكون إرادتك باعتبارك كائنا عاقلا هي بمثابة تشريع عام.يقول كانط << فليست الأخلاق هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون سعداء بل هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون جديرين بالسعادة>>
مناقشة: إن أخلاق أفلاطون غاية في الصورنة والتجريد لا يمكن تكريسها على ارض الواقع أما كانط فقد تجاهل البشر بمكوناتهم العاطفية الذين يسعون بتصرفاتهم و سلوكاتهم الى غايات تختلط فيها الأهداف بتحقيق المنافع أو بحث عن السعادة لذا قال بيار جانيه ان يدا كانط نقيتان لكنه لا يملك يدين لأنها منفصلة كليا عن التجربة الواقعية للإنسان. فالأخلاق بالمنظور العقلي تقصي العواطف التي تكون منبعا أنبل للقيمة الخلقية في كثير من الأحيان.
تركيب و تجاوز: مما سبق ذكره لا يمكن حصر أساس القيمة الخلقية في العقل وحده و لا المنفعة وحدها لان العقل يميز بين الخير و الشر ولكنه يستبعد الجانب الوجداني الذي كثيرا ما يدعو الى الخير اما المنفعة فهي تؤدي الى اصطدام الأفراد لان مصالحهم متعارضة و متباينة و بالتالي يمكن الاستناد اليهما كمعيار للقيم الخلقية باعتبار ان الإنسان يجري وراء منفعته و لا يكون ذلك إلا بتحكيم العقل غير ان هناك معيار آخر أسمى يمكن ان تقوم عليه الأخلاق هو المعيار الديني أي ما شرعه الله عن طريق رسله وكتبه التي تمتاز بالكمال و المطلقية.
حل المشكلة : لا يمكن أن تقاس القيم الأخلاقية بالمنفعة وحده إنما يمكن ان تتحدد وفق معايير أخرى كالعقل و المجتمع و المعيار الأسمى الذي يكمن الوثوق به هو التشريع الرباني.
مقالة مهمة اخي بارك الله فيك وربي يوفقك ويوفقنا
ااااااااااااااامين
ااااااااااامين ياربي العالين