مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين
موقف طالب العلم من العلماء
(26/275)
——————————————————————————–
س 113: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: يقع من بعض الناس- هداهم الله تعالى- التقليل من شأن العلماء بدعوى عدم فقه الواقع، فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيرًا ووفقكم لما يحبه
ويرضاه؟
فأجاب بقوله: لاشك أن فقه الواقع أمر مطلوب، وأن الإنسان لا ينبغي أن يكون في عزلة عما يقع حوله وفي بلده، بل لابد أن يفقه لكن لا ينبغي بأي حال من الأحول أن يكون الاشتغال بفقه الواقع
مشغلاً عن فقه الشريعة والدين، الذي قال فيه الرسول – صلى الله عليه وسلم – : " من يرد
الله به خيرًا يفقهه في الدين " (1) ، لم يقل: يفقهه في الواقع، فإذا كان عند الإنسان علم بما يقع حوله لكنه قد صرف جهده وجل أمره إلى الفقه في دين الله، فهذا طيب، أما أن ينشغل بالواقع والتفقه فيه- كما زعم – والاستنتاجات التي يخالفها ما يقع فيما بعد؛ لأن كثيرًا من المشتغلين بفقه الواقع يقدمون حسب ما تمليه عليهم مخيلتهم، ويقدرون أشياء يتبين أن الواقع بخلافها، فإذا كان فقه الواقع لا يشغله عن فقه الدين، فلا بأس به، لكن لا يعني ذلك أن نقلل من شأن علماء يشهد لهم بالخير وبالعلم وبالصلاح لكنهم يخفى عليهم
__________
(1) رواه البخاري/كتاب العلم/باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، برقم (71) ، ومسلم/كتاب الزكاة/باب النهي عن المسألة، برقم (1037) .
(26/277)
——————————————————————————–
بعض الواقع، فإن هذا غلط عظيم، فعلماء الشريعة أنفع للمجتمع من علماء فقه الواقع.
ولهذا تجد بعض الذين عندهم اشتغال كثير في فقه الواقع وانشغال عن فقه الدين لو سألتهم عن أدنى مسألة في دين الله عز وجل لوقفوا حيارى، أو تكلموا بلا علم، يتخبطون تخبطًا عشوائيًا.
والتقليل من شأن العلماء الراسخين في العلم المعروفين بالإيمان والعلم الراسخ جناية، ليس على هؤلاء العلماء بأشخاصهم، بل على ما يحملونه من شريعة الله تعالى أيضًا، ومن المعلوم أنه إذا قلَّت هيبة العلماء، وقلت قيمتهم في المجتمع فسوف يقل بالتبع الأخذ عنهم، وحينئذ تضيع الشريعة التي يحملونها أو بعضها، ويكون في هذا جناية عظيمة على الإسلام وعلى المسلمين أيضًا.
والذي أرى أنه ينبغي أن يكون عند الإنسان اجتهاد بالغ، ويصرف أكبر همه في الفقه في دين الله- عز وجل- وأن يعرف ما حوله من الأمور التي يعملها أعداء الإسلام للإسلام.
ومع ذلك أكرر أنه لا ينبغي للإنسان أن يصرف جل همه ووقته للبحث عن الواقع، بل أهم شيء أن يفقه في دين الله عز وجل وأن يفقه من الواقع ما يحتاج إلى معرفته فقط- وكما أشرت سابقًا في أول
الجواب- أن من فقهاء الواقع من أخطئوا في ظنهم وتقديراتهم
(26/278)
——————————————————————————–
وصار المستقبل على خلاف ما ظنوا تمامًا.
لكن هم يقدرون ثم يبنون الأحكام على ما يقدرونه فيحصل بذلك الخطأ، وأنا أكرر أنه لابد أن يكون الفقيه بدين الله عنده شيء من فقه أحوال الناس وواقعهم حتى يمكن أن يطبق الأحكام
الشريعة على مقتضى ما فهم من أحوال الناس، ولهذا ذكر العلماء في باب القضاء: أن من صفات القاضي أن يكون عارفًا بأحوال الناس ومصطلحاتهم في كلامهم وأفعالهم.
س 114: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: يذكر البعض: بأنه لا تجوز المذهبية ولا تقليد أحد المذاهب الأربعة وإنما العلم بالدليل، لكن ذلك يجعلني أتساءل دائمًا لقد كانت منابع هؤلاء
الأئمة الكتاب والسنة والسؤال، فهل يجوز تقليد أي مذهب من المذاهب الأربعة دون التعصب لها؟
فأجاب بقوله:. إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يستخرج الحكم بنفسه من الكتاب والسنة، فما عليه إلا التقليد لقول الله تبارك وتعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (1) ومن
__________
(1) سورة النحل، الآية: 43.
(26/279)
——————————————————————————–
المعلوم أن العامي لا يمكن أن يستخلص الحكم من الأدلة لأنه عامي فما عليه إلا أن يقلد، وفي هذه الحال يجب عليه أن يقلد من يرى أنه أقرب إلى الصواب لسعة علمه، وقوة دينه، وأمانته، ولا يحل
لإنسان أن يُقلّد على وجه التّشهي فإذا رأى القول السّهل الميسَّر تبعه سواء كان من فلان أو من فلان، فهذا ربما يقلد عشرة أشخاص في يوم واحد حسبما يقتضيه مزاجه، والواجب اتباع من يرى أنه أقرب إلى الصواب لعلمه وأمانته.
أما التزام التمذهب بمذهب معين يأخذ برخصه وعزائمه على كل حال فهذا ليس بجائز؛ وذلك لأنه فيه طاعة غير الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – على وجه الإطلاق، ولا أحد جدير بطاعته والعمل بقوله على وجه الإطلاق إلا الله عز وجل ورسوله – صلى الله عليه وسلم – .
س 115: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: نقرأ في بعض الكتب أن للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في المسألة الفلانية قولين أو ثلاثة، فلا أدري هل يعني ذلك أن هذه الأقوال هي عدة آراء
رآها الإمام أحمد رحمه الله ولم يترجح عنده أحدها، أم أنها آراء قد نسخ اللاحق منها السابق أم ماذا؟ نرجو بيان ذلك.
(26/280)
——————————————————————————–
فأجاب بقوله: بيان ذلك أن العلماء الكبار المجتهدين قد تختلف اجتهاداتهم من آن لأخر بحسب ما يبلغهم من العلم، والإنسان بشر وطاقة محدودة، قد يكون عنده في هذا الوقت علم ثم يتبين له أن
الأمر بخلافه في وقت آخر، إما بسبب البحث ومراجع الكتب، وإما بالمناقشة فإن الإنسان قد يركن إلى قول من الأقوال، ولا يظن أن هناك معارضة له ثم بالمناقشة مع يتبين له أن الصواب في خلافه
فيرجع، والحاصل أن الإمام أحمد رحمه الله إذا روي عنده في مسألة أقوال متعددة فإن معنى ذلك أنه رحمه الله اطلع في القول الثاني إلى أمر لم يطلع عليه في الأمر الأول فيقول به.
ثم هل نقول: إن هذه الآراء باقية؟
أو نقول: إن آخرها نسخ أولها؟
نقول: إن هذه الآراء باقية، وذلك لأن هذه الآراء صادرة عن اجتهاد، والاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله فقد يكون الصواب في قوله الأول فتبقى هذه الأقوال.
اللهم إلا إذا صرح برجوعه عن القول الأول.
مثل قوله رحمه الله: كنت أقول بطلاق السكران حتى تبينته فتبينت أنني إذا قلت بوقوع الطلاق أتيت بخصلتين حرمتها على زوجها الأول، وأحللتها إلى زوج آخر، وإذا قلت بعدم الطلاق أتيت
(26/281)
——————————————————————————–
خصلة واحدة أحللتها للزوج الأول فهذا صريح في أنه رجع عن القول الأول فيؤخذ بالقول الثاني، أما إذا لم يصرح فإن القولين كلاهما ينسب إليه ولا يكون الثاني ناسخًا.
وربما يقال: إنه إذا أيد القول الثاني بنص واستدل له فإنه يعتبر رجوعًا عن القول الأول؛ لأن النص واجب الاتباع، فإذا قيل بهذا فله وجه، وحينئذٍ يكون قوله الثاني هو مذهبه.
والله أعلم.
(26/282)
——————————————————————————–
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم/… حفظه الله تعالى.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد قرأت كتابكم هذا وفهمت ما فيه وما أبداه بعض الإخوان من مراجعتي قبل أن تظهروه فهذا طيب، وأطيب منه أن يحصل الاجتماع بيننا للاطلاع على ما كتبتموه، فلعله يتبين ما لم يكن
معلوماً من قبل حتى لا يحصل بين الإخوان طلبة العلم ما تقر به أعين الأعداء من الخلافات والردود.
ولا يخفاكم أننا في أمس الحاجة إلى لمِّ الشعث ورأب الصدع؛ لأن من الناس من يتربص الدوائر بالإخوان ويسعى بكل جهده إلى تفريق كلمتهم وتشتيت شملهم.
فهناك ملحدون منحرفون يرون الخلافات بين الإخوان فرصة لنيل مآربهم.
وهناك مبتدعون يرون الخلاف بين الإخوان فرصة تشغلهم عن الرد عليهم.
وهناك خرافيون يريدون مثل هذا الخلاف.. وهناك وهناك.
وإن هؤلاء وأمثالهم يريدون أن يقع الخلاف والشقاق والتفرق
(26/283)
——————————————————————————–
بين الإخوان؛ لأن في ذلك الفشل وذهاب الريح وضعف الجانب وتمزق الأمة إلى أحزاب، هذا ينصر هذا، وهذا ينصر هذا.
ولست أعني بذلك أن يُسكت عن بيان الحق، ولكن يمكن أن يُبيّن الحق بطريق لا تُحصل فيه مفسدة وانقسام.
وأخيراً أؤكد لكم أن من الخير أن يحصل الاجتماع ودراسة ما كتبتم في الموضوع والتشاور فيما يحقق المصلحة، وأبين لكم أن رأيي تحريم اقتناء الصور سواء كانت مرسومة باليد، أم ملتقطة بالآلة
الفوتغرافية حتى ما يفعله بعض الناس اليوم مما يسمونه جمع الصور للذكرى، لكن ما دعت الضرورة إليه والحاجة كالرخصة والتابعية وجواز السفر لا نستطيع أن نمنع الناس منه لما في ذلك من الحرج
والمشقة. ولم أزل على ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه محمد العثيمين 18/9/1407 هـ.
(26/284)
——————————————————————————–
س 116: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: يقول: ما حكم تقليد مذهب من المذاهب الأربعة؟
فأجاب بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ينقسم الناس إلى أقسام بالنسبة لالتزام المذاهب.
القسم الأول: من ينتسب إلى مذهب معين لظنه أنه أقرب المذاهب إلى الصواب، لكنه إذا تبين له الحق اتبعه وترك ما هو مقلد له، وهذا لا حرج فيه، وقد فعله علماء كبار كشيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله بالنسبة لمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فإنه- أعني ابن تيمية- كان من أصحاب الإمام أحمد ويعد من الحنابلة، ومع ذلك فإنه حسب ما اطلعنا عليه في كتبه وفتاويه إذا تبين له الدليل اتبعه ولا يبالي أن يخرج بما كان عليه أصحاب المذهب، وفعله كثيراً، فهذا لا بأس به؛ لأن الانتماء إلى المذهب ودراسة قواعده وأصوله يعين الإنسان على فهم الكتاب والسنة وعلى أن تكون أفكاره مرتبة.
القسم الثاني: من الناس من هو متعصب لمذهب معين يأخذ برخصه وعزائمه دون أن ينظر في الدليل، بل دليله كتب أصحابه، وإذا تبين الدليل على خلاف ما في كتب أصحابه ذهب يؤوله تأويلاً مرجوحًا من أجل أن يوافق مذهب أصحابه، وهذا مذموم وفيه شبه
(26/285)
——————————————————————————–
من الذين قال الله فيهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) ) (1) .
وهم وإن لم يكونوا بهذه المنزلة لكن فيهم شبه منهم فهم على خطر عظيم؛ لأنهم يوم القيامة سوف يقال لهم ماذا أجبتم المرسلين، لا يقال: ماذا أجبتم الكتاب الفلاني، أو الكتاب الفلاني، أو الإمام
الفلاني.
القسم الثالث: مَنْ ليس عنده علم وهو عامي محض فيتبع مذهبًا معينًا؛ لأنه لا يستطيع أن يعرف الحق بنفسه، وليس من أهل الاجتهاد أصلاً، فهذا داخل في قول الله سبحانه وتعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (2) .
ويتفرع على هذا السؤال سؤال آخر وهو: إذا سال العامي شيخًا من العلماء فأفتاه وسمع شيخًا آخر يقول خلاف ما أفتى به، فمن يأخذ بقوله؟ يتحير العامي أيأخذ بقول هذا أو هذا، وهو ليس عنده
__________
(1) سورة النساء، الآية: 60.
(2) سورة النحل، الآية: 43.
(26/286)
——————————————————————————–
قدرة على أن يرجح أحد القولين بالدليل.
فيقال في جواب هذا السؤال: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها انظر إلى قول فلان لكونه أعلم وأورع فاتبعه، وإذا تساوى عندك الرجلان.
فقيل: يؤخذ بأشدهما وأغلظهما احتياطًا وقيل: يؤخذ بأيسرهما وأسهلهما؛ لأنه الأقرب إلى القاعدة الشرعية، والأصل براءة الذمة.
وقيل: يخير.
والأقرب: أنه يأخذ بالأيسر لقول الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (1) والأدلة متكافئة؛ لأن المفتيين كلاهما في نظر السائل على حد سواء.
س 117: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: يذكر بعض الأخوة بأنه من الواجب علينا إذا مر ذكر صحابي أثناء قراءتنا أننا نقول: رضي الله عنه، ولكن إذا مر ذكر تابعي أو من السلف وقلنا: رضي
الله عنه، هل في ذلك حرج؟
فأجاب بقوله: ليس من الواجب أن نقول كلما مر بنا ذكر صحابي رضي الله عنه، هذا ليس من الواجب، لكن من حق
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 185.
(26/287)
——————————————————————————–
الصحابة علينا أن ندعو الله لهم كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) ) (1) أما أن نترضى عنهم كلما ذكر اسم واحد منهم فهذا ليس بواجب، والترضي يكون عن الصحابة، ويكون عن التابعين، ويكون عن تابعي التابعين، ويكون عمن كان عابدًا لله على الوجه الذي يرضاه إلى يوم القيامة، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (2) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) ) (3) ذلك لمن خشي ربه إلى يوم القيامة، لكن جرت عادة المحدثين رحمهم الله أن يخصوا الصحابة بالترضي عنهم، ومن بعدهم بالترحم عليهم، ويقولوا في الصحابي (رضي الله عنه) وأن يقولوا فيمن بعد الصحابة: (رحمه الله) ، ولكن لو أنك قلت في الصحابي: (رحمه الله) وفي غيره
__________
(1) سورة الحشر، الآية: 10.
(2) سورة التوبة، الآية: 100.
(3) سورة البينة، الآيتان: 7، 8.
(26/288)
——————————————————————————–
(رضي الله عنه) فلا حرج عليك إلا إذا خشيت أن يتوهم السامع بأن التابعي صحابي والصحابي تابعي فهنا لابد أن تبين فتقول قال عبد الله ابن مسعود، وهو من الصحابة رحمه الله، أو قال مجاهد وهو من التابعين رضي الله عنه؛ حتى لا يتوهم أحد أن ابن مسعود من التابعين، ومجاهد من الصحابة.
س 118: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: بعض الناس يعتقد أن دور علماء المسلمين مقصور على الأحكام الشرعية، وأنه لا دخل لهم في العلوم الأخرى كالسياسة والاقتصاد ونحوهما، فما
رأيكم في هذا الاعتقاد؟
فأجاب بقوله: رأينا في هذا الاعتقاد أنه مبني على الجهل في حال العلماء، ولا ريب أن علماء الشريعة عندهم علم في الاقتصاد وفي السياسة، وفي كل ما يحتاجون إليه في العلوم الشريعة، وإذا شئت أن تعرف ما قلته فانظر إلى محمد رشيد رضا- رحمه الله- صاحب مجلة المنار في تفسيره وفي غيرها من كتبه.
وانظر أيضًا إلى من قبله من أهل العلم بالشرع من يكون مقدمًا للأهم على المهم، فتجده في العلم الشرعي بلغ إلى نصيب كبير، وفي العلوم الأخرى يكون أقل من ذلك بناء على قاعدة أن تبدأ بالأهم
(26/289)
——————————————————————————–
قبل المهم؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في
الدين " (1) .
س 119: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: هناك بعض طلبة العلم يحرص على حضور دروس طلبة العلم دون أن يلقي اهتمامًا بدروس العلماء الذين جمعوا ما لم يجمعه طلبة العلم. فما توجيه
فضيلتكم- حفظكم الله تعالى-؟
فأجاب بقوله: الذي أراه أن الإنسان ينبغي أن يطلب العلم على عالم ناضج؛ لأن بعض طلبة العلم يتصدر للتدريس فيحقق المسألة من المسائل سواءً حديثية، أو فقهية، أو عقائدية يحققها تمامًا ويراجع
عليها، فإذا سمعه الناشيء من طلبة العلم ظن أنه من أكابر العلماء، لكن لو خرج قيد أنملة عن هذا الموضوع الذي حققه ونقحه وراجع عليه وجدت أنه ليس عنده علم؛ لذلك يجب على طالب العلم
المبتدئ أن يتلقى العلم على يد العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم ودينهم.
__________
(1) رواه البخاري/كتاب العلم/باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، برقم (71) ، ومسلم/كتاب الزكاة/باب النهي عن المسألة، برقم (1037) .
(26/290)
——————————————————————————–
س 120: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما الأمور التي يجب توافرها فيمن يتلقى عنه العلم؟
فأجاب بقوله: لابد أن يطلب العلم على شيخ متقن ذي أمانة، لأن الإتقان قوة، والقوة لابد معها من أمانة، قال الله تعالى:
(إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (1) ربما يكون العالم عنده إتقان وسعة علم وقدرة على التفريع والتقسيم، ولكن ليس عنده أمانة، فربما أضلك من حيث لا تشعر.
وليعلم أن أخذ العلم عن الشيخ أفيد من الكتب من وجوه:
الأول: قصر المدة.
الثاني: قلة التكلفة.
الثالث: أن ذلك أحرى بالصواب.
لأن هذا الشيخ قد علم وتعلم ورجح وفهم فيعطيك الشيء ناضجًا، لكنه يمرنك على المطالعة والمراجعة إذا كان عنده شيء من الأمانة.
أما من اعتمد على الكتب فلابد أن يكرس جهوده ليلاً ونهارًا، ثم إذا طالع الكتب التي يقارن فيها بين أقوال العلماء فسيقت أدلة هؤلاء، وسيقت أدلة هؤلاء من يدله على أن هذا أصوب؟ يبقى
__________
(1) سورة القصص، الآية: 26.
(26/291)
——————————————————————————–
متحيرًا، ولهذا نرى أن ابن القيم رحمه الله حينما يناقش قولين لأهل العلم سواء في زاد المعاد، أو أعلام الموقعين، إذا ساق أدلة القول الأول وعلله نقول هذا هو القول الصواب، ولا يجوز العدول عنه بأي حال من الأحوال، ثم ينقضه ويأتي بالقول المقابل ويذكر أدلته وعلله فتقول: هذا هو القول الصواب، فيحصل عندك من الإشكال والتردد، فلابد أن تكون قراءتك على شيخ متقن أمين
س 121: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: بعض طلبة العلم يأتي إلى مسألة من مسائل العلم فيبحثها ويحققها بأدلتها ومناقشتها مع العلماء، فإذا حضر مجلس عالم يشار إليه بالبنان، قال: ما تقول – أحسن الله إليك- في كذا وكذا، قال: هذا حرام مثلاً، قال: كيف؟
بم تجيب عن قوله – صلى الله عليه وسلم – كذا؟ عن قول فلان كذا؟ ثم أتى بأدلة لا يعرفها العالم؛ لأن العالم ليس محيطًا بكل شيء حتى يظهر نفسه أنه أعلم من هذا العالم، فما رأي فضيلتكم؟
فأجاب بقوله: هذه المسألة تقع كثيرًا يأتي الإنسان يكون باحثًا المسألة بحثًا دقيقًا جيدًا ثم يباغت العلماء بمثل هذا، وعلى الإنسان أن يكون سؤاله لطلب العلم ومعرفة الحق لا ليظهر علمه وضعف
علم غيره.
(26/292)
——————————————————————————–
والحاصل أن الإنسان يجب أن يكون متأدبًا مع من هو أكبر منه، وإذا حصل خطأ بمن هو أكبر، فالخطأ يجب أن يبين بحال لبقة أو ينتظر حتى يخرج مع هذا العالم ويكلمه بأدب، والعالم الذي يتقي الله إذا بان له الحق فإنه سوف يرجع إليه، وسوف يبين للناس أنه رجع عن قوله.
س 122: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: إذا اجتهد العالم في مسألة من المسائل ولم يصب الحكم الصحيح، فبم يحكم عليه؟
فأجاب بقوله: العالم إذا اجتهد في مسألة من المسائل قد يصيب وقد يخطئ لما ثبت من حديث بريدة- رضي الله عنه-: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا" (1) .
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" (2) . وعليه، فهل نقول: إن
__________
(1) رواه مسلم/كناب الجهاد والسير/باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، برقم (1731) (3) .
(2) رواه البخاري/كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة/باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، برقم (7352) ، ومسلم/كتاب الأقضية/باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، برقم (1716) .
(26/293)
——————————————————————————–
المجتهد مصيب ولو أخطأ؟
الجواب: قيل: كل مجتهد مصيب.
وقيل: ليس كل مجتهد مصيبًا.
وقيل: كل مجتهد مصيب في الفروع دون الأصول، حذرًا من أن نصوب أهل البدع في باب الأصول.
والصحيح: أن كل مجتهد مصيب من حيث اجتهاده، أما من حيث موافقته للحق فإنه يخطئ ويصيب، ويدل قوله – صلى الله عليه وسلم – : " فاجتهد فأصاب، واجتهد فأخطا" (1) فهذا واضح في تقسيم المجتهدين إلى مخطئ ومصيب، وظاهر الحديث والنصوص أنه شامل للفروع
والأصول حيث دلت تلك النصوص على أن الله لا يكلف نفسًا إلى وسعها، لكن الخطأ المخالف لإجماع السلف خطأ ولو كان من المجتهدين، لأنه لا يمكن أن يكون مصيبًا والسلف غير مصيبين
سواء في علم الأصول أو الفروع.
على أن شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله أنكرا تقسيم الدين إلى أصول وفروع، وقالا: إن هذا التقسيم محدث بعد عصر الصحابة، ولهذا نجد القائلين بهذا التقسيم يلحقون شيئًا من
أكبر أصول الدين بالفروع، مثل الصلاة وهي ركن من أركان
__________
(1) رواه البخاري برقم (7352) ، ومسلم برقم (1716) .
(26/294)
——————————————————————————–
الإسلام، ويخرجون أشياء في العقيدة اختلف فيها السلف يقولون: إنها من الفروع، لأنها ليست من العقيدة ولكن فرع من فروعها، ونحن نقول: إن أردتم بالأصول ما كان عقيدة فكل الدين أصول؛
لأن العبادات المالية أو البدنية لا يمكن أن تتعبد لله بها إلا أن تعتقد أنها مشروعة فهذه عقيدة سابقة على العمل، ولو لم تعتقد ذلك لم يصح تعبدك لله بها.
والصحيح: أن باب الاجتهاد مفتوح فيما سمي بالأصول أو الفروع، لكن ما خرج عن منهج السلف فليس بمقبول مطلقًا.
(26/295)
——————————————————————————–
صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله آمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
حصل نقاش في مكان حضره بعض طلبة العلم المبتدئين وكان نقاشهم حول موضوع الفرقة الناجية وتطرقوا إلى أمور كثيرة من ضمنها أنهم تعرضوا للإمامين الجليلين ابن حجر العسقلاني
صاحب الفتح، والنووي صاحب المجموع حيث قال بعضهم أنهما ليسا من الفرقة الناجية؛ لأن عندهما خلل في العقيدة وليسوا على ما كان عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه وهم مسلمون وتحت المشيئة ولكنهم مبتدعة، وقال بعضهم: إنهما إمامان من أئمة أهل السنة
والجماعة ولهم سبق في الإسلام وعندهم خلل في العقيدة لكن ذلك عن اجتهاد وتأويل ولا يخرجهما ذلك عن دائرة أهل السنة والجماعة، وهذا خطأ ولهما على اجتهادهما أجر، ورد عليه صاحبه وقال: الخطأ في العقيدة ليس مثل الأخطاء الأخرى، فإذا أخطأ في العقيدة فيخرج عن أهل السنة والجماعة، وإذا أخطأ في غير العقيدة وهو مجتهد فيكون مأجوراً ولو أخطأ، والسؤال يا صاحب الفضيلة هو كالتالي:
1- ما رأيكم في قول الرجلين؟
2- هل الخطأ في العقيدة ولو كان عن اجتهاد وتأويل يلحق صاحبه بالطوائف المبتدعة كالأشاعرة والمعتزلة.
(26/296)
——————————————————————————–
3- هل هذا التقسيم وهو الخطأ في العقيدة أنه ليس كغيره له أصل في الشرع.
آمل من فضيلتكم التكرم علينا بتوضيح هذه المسألة وما يدور حولها لعل الله أن يجعل في جوابكم الخير والنفع للجميع، وفقكم الله والسلام عليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جـ1: إن الشيخين الحافظين (النووي وابن حجر) لهما قدم صدق ونفع كبير في الأمة الإسلامية، ولئن وقع منهما خطأ في تأويل بعض نصوص الصفات إنه لمغمور بما لهما من الفضائل والمنافع الجمة، ولا نظن أن ما وقع منهما إلا صادرًا عن اجتهاد وتأويل سائغ- ولو في رأيهما- وأرجو الله تعالى أن يكون من الخطأ المغفور، وأن يكون ما قدماه من الخير والنفع من السعي المشكور، وأن يصدق عليهما قول الله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (1) والذي نرى أنهما من أهل السنة والجماعة، ويشهد لذلك خدمتها لسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وحرصهما على تنقيتها مما ينسب إليها من الشوائب، وعلى تحقيق ما دلت عليه من أحكام ولكنهما خالفا في آيات الصفات وأحاديثها أو بعض ذلك عن جادة أهل السنة عن اجتهاد أخطآ فيه، فنرجو الله
__________
(1) سورة هود، الآية: 114.
(26/297)
——————————————————————————–
تعالى أن يعاملهما بعفوه.
جـ2: وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفاً لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك، ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعًا فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفيًا فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه سلفي على وجه الإطلاق، بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم، كما قال أهل السنة في الفاسق: إنه مؤمن بما معه من الإيمان، فاسق بما معه من العصيان، فلا يعطي الوصف المطلق ولا ينفى عنه مطلق الوصف، وهذا هو العدل الذي أمر الله به، إلا أن يصل المبتدع إلى حد يخرجه من الملة فإنه لا كرامة له في هذه الحال.
جـ3: لا أعلم أصلاً للتفريق بين الخطأ في الأمور العلمية، والعملية لكن لما كان السلف مجمعين فيما نعلم على الإيمان في الأمور العلمية الخبرية والخلاف فيها إنما هو في فروع من أصولها لا في
أصولها كان المخالف فيها أقل عددًا وأعظم لومًا.
وقد اختلف السلف في شيء من فروع أصولها كاختلافهم، هل رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – ربه في اليقظة؟
واختلافهم في اسم الملكين اللذين يسألان الميت في قبره.
(26/298)
——————————————————————————–
واختلافهم في الذي يوضع في الميزان أهو الأعمال أم صحائف الأعمال، أم العامل؟
واختلافهم هل يكون عذاب القبر على البدن وحده دون الروح؟
واختلافهم هل يسأل الأطفال وغير المكلفين في قبورهم؟
واختلافهم هل الأمم السابقة يسألون في قبورهم كما تسأل هذه الأمة؟
واختلافهم في صفة الصراط المنصوب على جهنم؟
واختلافهم هل النار تفنى أو مؤبدة؟ وأشياء أخرى وإن كان الحق مع الجمهور في هذه المسائل، والخلاف فيها ضعيف.
وكذلك يكون في الأمور العملية خلاف، يكون قويًا تارة وضعيفًا تارة.
وبهذا تعرف أهمية الدعاء المأثور: " اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء
إلى صراط مستقيم، (1) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه محمد الصالح العثيمين
في 17/5/1414 هـ.
__________
(1) رواه مسلم/كتاب صلاة المسافرين/باب الدعاء في صلاة الليل، برقم (1289) .
(26/299)
——————————————————————————–
س 123: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما قولكم فيمن يتخذ من أخطاء العلماء طريقًا للقدح فيهم ورميهم بالبهتان؟ وما النصيحة التي توجهها لطلبة العلم في ذلك؟
فأجاب بقوله: العلماء- بلا شك- يخطئون ويصيبون وليس أحد منهم معصومًا، ولا ينبغي لنا بل ولا يجوز أن نتخذ من خطئهم سلمًا للقدح فيهم، فإن هذا طبيعة البشر كلهم أن يخطئوا إذا لم يوفقوا للصواب، ولكن علينا إذا سمعنا عن عالم أو عن داعية من الدعاة أو عن إمام من أئمة المساجد إذا سمعنا خطأ أن نتصل به، حتى يتبين لنا؛ لأنه قد يحصل في ذلك خطأ في النقل عنه، أوخطأ في الفهم لما يقول، أو سوء قصد في تشويه سمعة الذي نقل عنه هذا الشيء.
وعلى كل حال فمن سمع منكم عن عالم، أو عن داعية، أو عن إمام مسجد، أو أي إنسان له ولاية، من سمع منه ما لا ينبغي أن يكون، فعليه أن يتصل به وأن يسأله: هل وقع ذلك منه، أم لم يقع،
ثم إذا كان قد وقع فليبين له ما يرى أنه خطأ، فإما أن يكون قد أخطأ فيرجع عن خطئه، وإما أن يكون هو المصيب، فيبين وجه قوله حتى تزول الفوضى التي قد نراها أحيانًا ولاسيما بين الشباب.
وإن الواجب على الشباب وعلى غيرهم إذا سمعوا مثل ذلك أن يكفوا ألسنتهم، وأن يسعوا بالنصح، والاتصال بمن نقل عنه ما نقل
(26/300)
——————————————————————————–
حتى يتبين الأمر، أما الكلام في المجالس ولاسيما مجالس العامة أن يقال ما تقول في فلان؟
ما تقول في فلان الآخر الذي يتكلم ضد الآخرين؟
فهذا أمر لا ينبغي بثه إطلاقًا، لأنه يثير الفتنة والفوضى فيجب حفظ اللسان، قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ بن جبل- رضي الله عنه-: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله"؟ فقلت: بلى يا رسول الله، فاخذ بلسانه، وقال: "كف عليك هذا". قلت: يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال:
" ثكلتك أمك يا معاد وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " (1) .
وأنصح طلبة العلم وغيرهم أن يتقوا الله وألا يجعلوا أعراض العلماء والأمراء مطية يركبونها كيفما شاءوا، فنه إذا كانت الغيبة في عامة الناس من كبائر الذنوب فهي في العلماء والأمراء أشد وأشد،
حمانا الله وإياكم عما يغضبه، وحمانا عما فيه العدوان على إخواننا، إنه جواد كريم.
__________
(1) رواه أحمد 35/36 (22016) ، والترمذي/كتاب الإيمان/باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم (2616) ، وابن ماجه/كتاب الفتن/باب كف اللسان في الفتنة، برقم (3973) .
(26/301)
——————————————————————————–
س 124: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: عما يحصل من البعض من الوقوع في أعراض العلماء الربانيين، والقدح فيهم، وغيبتهم؟
فأجاب بقوله: لاشك أن الوقوع في أعراض أهل العلم المعروفين بالنصح، ونشر العلم والدعوة إلى الله تعالى من أعظم أنواع الغيبة التي هي من كبائر الذنوب.
والوقيعة في أهل العلم أمثال هؤلاء ليست كالوقيعة في غيرهم؛ لأن الوقيعة فيهم تستلزم كراهتهم، وكراهة ما يحملونه، وينشرونه من شرع الله- عز وجل- فيكون في التنفير عنهم تنفير عن شرع الله
– عز وجل- وفي هذا الصد عن سبيل الله ما يتحمل به الإنسان إثمًا عظيمًا وجرمًا كبيرًا، ثم إنه يلزم من إعراض الناس عن أمثال هؤلاء العلماء، أن يلتفتوا إلى قوم جهلاء يضلون الناس بغير علم؛ لأن الناس لابد لهم من أئمة يأتمون بهم ويهتدون بهديهم، فإما أن يكونوا أئمة يهدون بأمر الله، وأما أن يكونوا أئمة يدعون إلى النار، فإذا انصرف الناس عن أحد الجنسين مالوا إلى الجنس الآخر.
وعلى المرء الواقع في أعراض أمثال هؤلاء العلماء أن ينظر في عيوب نفسه، فإن أول عيب يخدش به نفسه، وقوعه في أعراض هؤلاء العلماء، مع ما عنده من العيوب الأخرى التي يبرأ منها أهل
العلم، ويبرؤون أنفسهم من الوقيعة فيه من أجلها.
(26/302)
——————————————————————————–
س 125: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: متى ينكر على المخالف في المسائل الخلافية التي بين أهل العلم؟
فأجاب بقوله: مسائل الخلاف نوعان:
النوع الأول: نوع يكون الدليل فيها واضحًا لا يمكن فيه الاجتهاد، فهذا ينكر على المخالف فيها لمخالفة النص، وذلك كحلق اللحية، وإسبال الثوب أسفل من الكعبين، والتفرق في دين الله وغير
ذلك.
لكن لا يجعل ذلك وسيلة للتشاتم والتباغض، لاسيما مع العلم بحسن نية المخالف، بل تعالج الأمور بحكمة حتى يحصل الوفاق.
النوع الثاني: يكون فيها الدليل غير واضح، إما لخفاء ثبوت الدليل، أو الدلالة، أو وجود شبهة مانعة، وغير ذلك، فهذا لا ينكر فيه على المخالف؛ لأن قول أحد المختلفين ليس حجة على الآخر،
وأمثلة هذا كثيرة.
س 126: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: قلتم: إن مذهب أهل السنة والجماعة هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، فكيف حكمنا على المذاهب الثلاثة الباقية؟
(26/303)
——————————————————————————–
فأجاب بقوله: لا أظن أننا قلنا هذا باعتبار أن المذاهب الثلاثة ليست على مذهب أهل السنة، لكن الإمام أحمد- رحمه الله- معروف بين أهل العلم أنه إمام أهل السنة، وأنه قام بالدفاع عن
السنة قيامًا لم يقمه أحد فيما نعلم. ومحنته مع المأمون ومن بعده مشهورة، وإلا فلا شك أن أئمة الإسلام- ولله الحمد- كلهم على خير وعلى حق، ولكن ذلك لا يعني أن نبرئ كل واحد منهم من
الخطأ، بل كل واحد منهم قد يقع منه الخطأ، بل الإمام أحمد نفسه قد يصرح بالرجوع عن القول وإن كان قد قاله من قبل، كما في قوله في طلاق السكران (حتى تبينته) ، يعني فتبين له أنه لا يقع، لأنه إذا أوقعه أتى خصلتين: تحريم هذه الزوجة على زوجها الذي طلقها وحلها لغيره، وإذا قال بعدم الوقوع أتى خصلة واحدة وهي حلها لهذا الزوج الذي لم يتحقق بينونتها منه.
س 127: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما رأي فضيلتكم فيمن ينفر من قراءة كتب الدعاة المعاصرين ويرى الاقتصار على كتب السلف الأخيار، وأخذ المنهج منها؟ ثم ما هي النظرة
الصحيحة أو الجامعة لكتب السلف- رحمهم الله- وكتب الدعاة المعاصرين والمفكرين؟
(26/304)
——————————————————————————–
فأجاب بقوله: أرى أن أخذ الدعوة من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – فوق كل شيء، وهذا رأينا جميعًا بلا شك، ثم يلي ذلك ما ورد عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة رضي الله عنهم وعن أئمة الإسلام فيمن سلف.
أما ما يتكلم به المتأخرون والمعاصرون، فإنه يتناول أشياء حدثت هم بها أدرى، فإذا اتخذ الإنسان من كتبهم ما ينتفع به في هذه الناحية فقد أخذ بحظ وافر، ونحن نعلم أن المعاصرين إنما أخذوا ما أخذوا من العلم ممن سبق فلنأخذ نحن مما أخذوا منه، ولكن أمورًا قد استجدت هم بها أبصر منا، ثم إنها لم تكن معلومة لدى السلف بأعيانها، ولهذا أرى أن يجمع الإنسان بين الحسنيين، فيعتمد أولاً: على كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – .
وثانيًا: على كلام السلف الصالح من الخلفاء الراشدين والصحابة وأئمة المسلمين، ثم على ما كتبه المعاصرون الذين يكتبون عن أشياء حدثت في زمانهم لم تكن معلومة بأعيانها عند السلف.
س 128: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما رأي فضيلتكم فيمن صار ديدنهم تجريح العلماء، وتنفير الناس عنهم والتحذير منهم؟ هل هذا عمل شرعي يثاب عليه أو يعاقب عليه؟
(26/305)
——————————————————————————–
فأجاب بقوله: الذي أرى أن هذا عمل محرم فإذا كان لا يجوز لإنسان أن يغتاب أخاه المؤمن، وإن لم يكن عالماً فكيف يسوغ له أن يغتاب إخوانه العلماء من المؤمنين؟ والواجب على الإنسان المؤمن أن
يكف لسانه عن الغيبة في إخوانه المؤمنين. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) ) (1) .
وليعلم هذا الذي ابتلي بهذه البلوى أنه إذا جرح العالم فسيكون سببًا في رد ما يقوله هذا العالم من الحق، فيكون وبال رد الحق وإثمه على هذا الذي جرح العالم؛ لأن جرح العالم في الواقع ليس جرحًا
شخصيًا بل هو جرح لإرث محمد – صلى الله عليه وسلم – .
فإن العلماء ورثة الأنبياء فإذا جرح العلماء وقدح فيهم لم يثق الناس بالعلم الذي عندهم وهو موروث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وحينئذ لا يثقون بشيء من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي جرح.
ولست أقول: إن كل عالم معصوم، بل كل إنسان معرض للخطأ، وأنت إذا رأيت من عالم خطأ فيما تعتقده، فاتصل به وتفاهم معه،
__________
(1) سورة الحجرات، الآية: 12.
(26/306)
——————————————————————————–
فإن تبين لك أن الحق معه وجب عليك اتباعه، وإن لم يتبين لك ولكن وجدت لقوله مساغًا وجما عليك الكف عنه، وإن لم تجد لقوله مساغًا فحذر من قوله؛ لأن الإقرار على الخطأ لا يجوز، لكن لا
تجرحه وهو عالم معروف بحسن النية، ولو أردنا أن نجرح العلماء المعروفين بحسن النية لخطأ وقعوا فيه من مسائل الفقه، لجرحنا علماء كبارًا، ولكن الواجب هو ما ذكرت وإذا رأيت من عالم خطا فناقشه وتكلم معه، فإما أن يتبين لك أن الصواب معه فتتبعه أو يكون الصواب معك فيتبعك، أولا يتبين الأمر ويكون الخلاف بينكما من الخلاف السائغ، وحينئذ يجب عليك الكف عنه وليقل هو ما يقول، ولتقل أنت ما تقول.
والحمد لله، الخلاف ليس في هذا العصر فقط، الخلاف من عهد الصحابة إلى يومنا.، وأما إذا تبين الخطأ ولكنه أصر انتصارًا لقوله وجب عليك أن تبين الخطا وتنفر منه، لكن لا على أساس القدح في
هذا الرجل وإدرادة الانتقام منه؛ لأن هذا الرجل قد يقول قولاً حقًا في غير ما جادلته فيه.
فالمهم أنني أحذر إخواني من هذا البلاء وهو تجريح العلماء والتنفير منهم، وأسال الله لي ولهم الشفاء من كل ما يعيبنا أو يضرنا في ديننا ودنيانا.
(26/307)
——————————————————————————–
س 129: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ماذا يجب عليَّ تجاه أحد الأساتذة عندما يخطئ وخصوصًا في المواد الدينية، وأنا متأكد من الجواب الصحيح؟
فأجاب بقوله: هذا سؤال مهم حيث نجد أن بعض الأساتذة لا يريد لأحد أن يخطئه مهما ارتكب من الخطأ، وهذا ليس بصحيح، فكل إنسان معرض للخطأ، والإنسان إذا أخطأ ونُبّه فهذا من نعمة
الله عليه، حتى لا يغتر الناس بخطئه، ولكن ينبغي للطالب أن يكون عنده شيء من اللباقة، فلا يقوم أمام الطلبة يرد على هذا المدرس فهذا خلاف الأدب، ولكن يكون ذلك بعد انتهاء الدرس، فإن اقتنع المدرس فعليه أن يعيد ذلك أمام الطلبة في الدرس المقبل وإن لم يقتنع فعلى الطالب أن يقوم أمام الطلبة في الدرس المقبل، ليقول: يا أستاذ إنك قلت: كذا وكذا وهذا ليس بصحيح.
س 130: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: البعض – هداهم الله- يقلل من العلماء بحجة عدم معرفة الواقع ويقدم الدعاة وطلبة العلم عليهم؛ لأنهم على اطلاع واسع بخلاف العلماء فما قولكم؟
فأجاب بقوله: رأيي أنه يجب على الإنسان أن يحكم بين الناس
(26/308)
——————————————————————————–
بالقسط، فمن استحق شيئاً أُعطي إياه، ومن لم يستحق شيء فلا يُعطى إياه.
ونحن نرى: أن من علماء الشريعة من لديهم علماً كثيراً ويكون عند بعضهم تفريط في بعض العبادات، أو في بعض الأخلاق، أو في بعض المعاملات، فهؤلاء يجب أن يُعطوا حقهم، فيُحمدون على ما عندهم من العلم، ويذمون على ما لديهم من التقصير، لكن ليس معناه أننا نغتابهم بل نناصحهم بأدب وتقدير واحترام.
ونرى أيضاً من الدعاة من عنده قدرة على الدعوة وعلى التأثير فينتفع الناس به، لكن نرى من بعض الدعاة من يغلو في بعض الأمور وتحمله العاطفة على سلوك ما لا ينبغي أن يسلكه.
أما بالنسبة لعموم الناس فإننا نقول لهم: الواجب أن تنظروا إلى العلم؛ لأن العلم هو الأصل.
وأما القدرة على التأثير وعلى الدعوة فهذا باب آخر، فكم من إنسانٍ جاهلٍ في ميزان أهل العلم بالشريعة، لكن عنده قوة تأثير حينما يتكلم بوعظٍ أو ما أشبه ذلك، فالواجب على الإنسان ألا يأخذ
دينه إلا ممن هو أهل للأخذ منه، كما قال بعض السلف: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) (1) .
__________
(1) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه/باب بيان أن الإسناد من الدين (1/14، 15) من قول محمد بن سيرين.
(26/309)
——————————————————————————–
ولا يكفي الإنسان أن يكون قوي الحجة عظيم البيان. فالواجب أن ينظر إلى ما عنده من العلم وما عنده من السلوك.
أما ما يقدح به بعض الناس في العلماء الكبار من أنهم لا يفقهون الواقع، فلا شك أن هذا من باب الافتراء، ومن باب قفو ما ليس له به علم.
فهل هم ناقشوا هؤلاء العلماء ووجدوا أنه ليس عندهم فهم للواقع؟
وهل الفقه الذي يُحمد عليه الإنسان أن يفقه الواقع؟
كم من إنسان كافرٍ ملحدٍ في الدول الغربية أو غيرها عنده من معرفة أحوال الواقع ما ليس عند كثير من الناس، فهل يحمد الإنسان على مجرد أن عنده علماً من الواقع؟!
فالنبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين" (1) ولم يذكر فقه الواقع، فالفقه الذي يُحمد عليه الإنسان هو: الفقه في الدين.
ونقول أيضاً: الفقه في الواقع يقع من إنسان عابد لله عز وجل معظم لله، ويقع ممن ليس في قلبه دين إطلاقاً، وهذا شيء مشاهد.
ولو نظرنا في كلام الساسة مما ينشر في الإذاعات ويقرأ في
__________
(1) رواه البخاري/كتاب العلم/باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين/برقم (71) ، ومسلم/كتاب الزكاة/باب النهي عن المسألة/برقم (1037) .
(26/310)
——————————————————————————–
الصحف، لوجدوا عندهم من معرفة الواقع ما لا يوجد عند كثير من المسلمين.
ثم إن دعوى: أن العلماء الكبار لا يفقهون الواقع: قول بغير حق، أو لأن العلماء صامتون، ويرون أنه من الحكمة أن لا يُثار الشعب على الولاة.
فمنْ يصف العلماء بأنهم لم يفقهوا الواقع، هل ناقشهم؟
فقد يكون عند العلماء من علم الواقع ما ليس عند منْ وصفهم بقلة فقه الواقع الذي قد انغر به من انغر من الناس. والله المستعان.
(26/311)
——————————————————————————–
بارك الله فيك، شفت هذا الموضوع منذ ايام و نسيت ان اشكرك عليه
جزاك الله خيرا اختي
و بارك الله فيك و في وقتك و في عملك
جزى الله شيخنا الجليل العتيمين
لاكن لعلماء اصلو مسلئة في الفتوى ان تفهم الدليل + مناط الدليل لتوقعه على الواقع
ام هدا التاصيل خاطئ!!!
جزاكِ الله خيرا على الموضوع المفيد.
للرفع……………..
بارك الله فيك اخي العنبلي على رفع الموضيع القيمة
بارك الله فيكي اخية على النقل الطيب والنافع
السلام عليكم
جزاك الله خيرا عنا
على النقل الطيب
بارك الله فيك و جعله في ميزان حسانتك