الإبراهيمي: ”معاداة المثقّف يشكل أحد النقاط السوداء للثورة الجزائرية”
المثقّف الجزائري بين معارضة الرئيس بن بلة والوفاق مع بومدين
الجزائر- العرب أونلاين- : لا مناص في قراءة مذكّرات الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي بجزأيها الأول والثاني، دون الرجوع لمسألة الصراع بين السياسي والمثقّف وقضية الشد والجذب التي ميزت هذه العلاقة منذ الحركة الوطنية إلى غاية قيام الثورة وميلاد جبهة التحرير الوطني، إلى الاستقلال وظهور الدولة الأمة.
ندرك من خلال القراءة المتأنية لهذه المذكرات أن الدكتور أحمد طالبش دخل معترك السياسة كمثقف نقدي، تمرد على السلطة الكولونيالية منذ نعومة أظفاره؛ في مرحلة أولى ككاتب في جريدة "المسلم الشاب" بين 1952 و1954.
وكانت هذه المجلة تعبر عن أفكار شباب "جمعية العلماء المسلمين" التي أسسها والده الشيخ البشير الإبراهيمي، رفقة الشيخ عبد الحميد ابن باديس، فنشرت أفكار الكثير من علماء النهضة في العالم العربي الإسلامي آنذاك.
وكتب فيها خيرة المثقفين الجزائريين على غرار علي مراد "الذي كان يمضي مقالاته باسم مستعار هو أبو جميل طه"، ومحمد شريف ساحلي مؤلف كتاب ”تخليص التاريخ من الاستعمار”، ورضا مالك "رايس علي"، ومصطفى الأشرف "مصطفى الأسمر" إلى جانب أحمد طالب طبعا "ابن الحكيم".
يبدو لنا الدكتور أحمد طالب الذي ينتمي إلى عائلة مثقّفة، كرجل ذي حظ كبير. ولد في وسط مزدوج الثقافة، فهو عربي ومسلم من ناحية والده، وتركي من ناحية أمه. تنقل بين اللغتين العربية والفرنسية، وسافر عبر عدد من العواصم العربية والغربية.
ومكنته قراءة الكتب من ممارسة هذه القدرة على التنقل بين الثقافات.
الدكتور أحمد طالب ابن القرن العشرين. رفض الصدام بين الشرق والغرب، وفضل التواصل والتعايش، واكتشف بعد قراءته لفرناند بروديل أن الجزائر من منطلق انتمائها المتوسطي بلد متعدد الثقافات والديانات.
وحينما التحق بجبهة التحرير الوطني لما قامت الثورة، شغل عدة مهام سياسية منها رئاسته للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين "من جويلية 1955 إلى مارس 1956"، ثم لعب دورا مهما في فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني منذ تأسيسها إثر قرارات مؤتمر الصومام، إلى غاية تمكن الشرطة الفرنسية من إلقاء القبض عليه يوم 26 فيفري1957.
وطيلة هذه الفترة مارس نشاطه الثوري كسياسي ضمن الفيدرالية التي أوكلت لها مهمة فتح جبهة خارجية للتخفيف على الجبهة الداخلية، ثم كوسيط في تونس بين المناهضين لقرارات مؤتمر الصومام "جماعة عجول عجول" والموالين لجماعة بن مهيدي-عبان.
ويظهر لنا الدكتور طالب في مذكراته أنه أميل لقرارات الصومام "وهو أول مؤتمر لقادة الثورة الجزائرية عقد يوم 20 أوت 1956" حتى وإن لم يشر إلى ذلك بشكل مباشر. وقد كتب عن الثنائي عبان رمضان – العربي بن مهيدي "وهما من أهم قادة الثورة.
فتحا المجال أمام اليساريين والبرجوازية الوطنية، وسكان المدن للالتحاق بالثورة، بينما كانت النواة الراديكالية التي فجرت الثورة تعتقد أن سكان الأرياف هم وحدهم القادرون على اكتساب الوعي الثوري" ما يلي: ”كانا يملكان القيم الثلاث التي يتصف بها القائد، وهي الإدراك والفهم، الإرادة والتنفيذ”. في حين يصف خصومهما من الرافضين لقرارات المؤتمر قائلا: "وكان ينقص الآخرين الخيال والقدرة على التنظير..".
ويُبدي الدكتور أحمد طالب تأسفه من تحول المثقّف، إلى أداة لخدمة السياسي حتى خلال الثورة، فكتب ما يلي:” كنت جد متأثر لما علمت أن بعض مثقفينا "بالأحرى بعض من أصحاب الشهادات" رضوا بأن يكونوا في خدمة مسؤولين أميين اكتسبوا شرعيتهم من المشاركة في الثورة بواسطة السلاح. وكأن ذلك منحهم بمفرده حق تسيير شؤون البلاد”.
ويذكر أن هذا النقد وجهه لأحمد توفيق المدني صديق والده في "جمعية العلماء المسلمين". وجاء في المذكرات أن”معاداة المثقّف ميز الثورة الجزائرية، وأصبح يشكل أحد نقاطها السوداء”.
ويبدو لنا الدكتور طالب من خلال هذه المذكرات كرجل يحبذ إضفاء الطابع الإنساني على السياسة، وكان يسعى لأن تكون نفس هذه السياسة مرادفة للفكر. وهو الأمر الذي مكنه من تجنب الدخول في صراعات الأشخاص لما كان سجينا في فرنسا، في ”فراسن” أولا، ثم في ”لاسونتي”. وقد مكنه هذا الخيار من تجنب عدم الخضوع للزبانية حتى لا يكون محسوبا على أي شخص ولا جماعة، بقدر ما يكون محسوبا لمنظومة فكرية.
وأبدى رفضا قاطعا لهذه الزبانية التي كانت تحكم العلاقة بين قادة الثورة الخمسة الذين كانوا معه في السجن، ويتعلق الأمر طبعا بكل من "حسين آيت أحمد، بن بلة، بيطاط، بوضياف وخيضر".
ونقرأ بين سطور المذكرات أن الدكتور طالب كان ناقما على فكرة القيادة وفق الشرعية الثورية الغالبة على أحمد بن بلة، وليس على القدرة على التفكير الثوري، حتى أنه انتقد كيفية سير العمل داخل المجلس الوطني للثورة الجزائرية ولجنة التنسيق والتنفيذ "أهم مؤسستين أنشأتهما الثورة سنة 1956" التي كانت تقوم على المحسوبية وليس على الخبرات الأيديولوجية والفكرية.
كما أبدى امتعاضه من فكرة القيادة الجماعية التي أضرت بالثورة، وأقصت المبادرة الفردية والتفكير النقدي، وسمحت للذين لا مستوى ثقافي لهم بالبروز على مستوى الأجهزة.
ولم يكن السجن بالنسبة إلى الدكتور أحمد طالب، كما نقرأ في المذكرات، سوى وسيلة للتحصيل العلمي، فقد قرأ كارل ماركس، غرامشي، دوستويفسكي، أرنست همنغواي، وراسل ألبير كامي، وعدد كبير من المثقفين الفرنسيين.
ويبدو الرجل من خلال مذكراته أنه أعطى الثقافة أهمية كبرى معتبرا إياها حجر الأساس في بناء مستقبل الجزائر، فبدونها لا يمكن تحقيق أي شيء. ولما تحقق الاستقلال رفض مسايرة الرئيس أحمد بن بلة لأسباب أيديولوجية، فاصطدم مع النظام، ورفض كل المناصب السياسية التي عرضها عليه الرئيس بن بلة، بسبب قناعات فكرية.
ويستفيض الدكتور طالب في شرح الخلافات التي نشبت بين قادة الثورة، التي انتهت إلى بروز أزمة عميقة في صيف 1962. وكتب أن حسين آيت أحمد أخبره أنه أبدى رغبته مباشرة عقب الإعلان عن الاستقلال، في اعتزال السياسة، لترك المجال للجيل الجديد الذي عليه أن يتصرف بمفرده بدون الاتكال على القادة التاريخيين، الذين نخرتهم الصراعات.
كما تطرق في الفصل السادس من مذكراته للفترة ما بين سبتمبر 1961 وديسمبر 1962، وهي الفترة ما بين مغادرته السجن واستقلال الجزائر. وتوقف مطولا عند أزمة صيف 1962 والصراع بين الحكومة المؤقتة وهيئة أركان الجيش بقيادة العقيد هواري بومدين وما انجر عنه من صراع دموي بين الولايات.
وباعتقاده فإن الأمور تعفنت بين قادة الثورة المتصارعين على السلطة بعد إعلان جماعة تلمسان بزعامة أحمد بن بلة أنهم يمثلون الشرعية الثورية، الأمر الذي أفشل مهمة جماعته "أحمد طالب" لتوحيد الصفوف. وأشار إلى أنه خرج رفقة كل من رضا مالك، مصطفى الأشرف ومسعود آيت شعلال بقرار ”ترك السلطة القائمة تمارس تجربتها بدون محاربتها ولا مساندتها”.
وتعمقت الخلافات بين الدكتور أحمد طالب والرئيس بن بلة، بعد أن أملى عليه والده الشيخ البشير الإبراهيمي عشية يوم 15 أفريل 1964 بمناسبة ذكرى رحيل الشيخ عبد الحميد ابن باديس، نصا استنكر فيه الوضعية التي آلت إليها الجزائر، وجاء فيه أن "الجزائر انزلقت نحو الحرب الأهلية”.
وبعد أن نشر مقال الشيخ الإبراهيمي في الصحف، ثار الرئيس بن بلة، لكنه قرر زيارة بيت الشيخ الإبراهيمي عند نهاية شهر أفريل 1964، وتحدث معه مطولا عن العربية والإسلام، إلا أن الشيخ أخبره قائلا: "طالما اخترت السير في طريق الإسلام والعربية فأنا معك، أما إذا ابتعدت عنهما، فسأصبح ضدك”.
وهنا تحدث أحمد طالب عن خلافاته الإيديولوجية مع نظام بن بلة الذي لا يتقاسم معه توجهاته السياسية والإيديولوجية. وقد وصف في الصفحة 187 من مذكراته نظام بن بلة ”بالنظام البوليسي”، وتوقف عند توقيف أخيه محمد في شهر جويلية 1964 رغم عدم انشغاله بالسياسة، فتساءل قائلا: ”هل كانوا يريدون ضرب والدي؟”، وفي الصفحة 191 من المذكرات يتحدث عن ظروف توقيفه من قبل شرطة الرئيس بن بلة يوم 12 جويلية 1964، وسجنه في ظروف فظيعة وغير إنسانية، يسرد تفاصيلها بدقة.
ويُنبّه القارئ منذ البداية واستنادا إلى الفيلسوف الفرنسي مونتاني أنه ”لا يكتب وفق روح تعليمية، بل إنه يحكي”. أي أنه يروي ما عايشه ويتطرق لما كان شاهدا عليه، بدون أن يقدم أحكاما قيمية. لكنه يقول أنه يستند إلى مقولة الإمام علي ابن أبي طالب في ما معناه ”ليس كل ما يعرفه المرء، قابل لأن يقال”.
ويروي الدكتور طالب في مذكراته أنه شارك في إعداد النصوص التأسيسية لاتحاد الكتاب الجزائريين، لكنه رفض الانضمام إليه في نهاية الأمر بعد أن تمكن دعاة جعل الاتحاد أداة للسلطة من التحكم في زمام الأمور. وكتب أنه كان من أنصار الطرح القائل بأن المثقّف يجب أن يبقى في الطليعة ويتمسك بروحه النقدية.
وقبيل إقدام العقيد هواري بومدين على اتخاذ قرار الانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة، بأيام قليلة وقعت اتصالات بين العقيد والدكتور طالب، فكتب في الصفحة الأخيرة من مذكراته "الجزء الأول": ”لما قلت نعم لبومدين، هل كان عليّ أن أدرك أنني وضعت نفسي في ”سجن” جديد سيدوم ربع قرن؟”.
_________
سيبقى اسم أحمد طالب الإبراهيمي نموذجا للمثقف الذي مارس السياسة في الجزائر
سيبقى اسم أحمد طالب الإبراهيمي نموذجا للمثقف الذي مارس السياسة في الجزائر
|
دمت…
والله لازمنا رجالات تفكر و تتبنى هذا الفكر.ماش ناس تبندر لمصالحها الذاتية
شكرا جزيلا لك
قرأت الموضوع لكن أقسم أني لم أفهم حرفاً
مما كتب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟