الآثار الأخلاقية والروحية
من أضرار الربا في المجال الأخلاقي والروحي ما يلي:
1- اخذ مال الغير بدون مقابل:
لمال الإنسان حرمة عظيمة- كحرمة دمه وعرضه- وبالتالي لا يجوز المساس بهذا المال إلا بطيب نفس من صاحبه. ولهذا يعتبر الربا إنتهاك لحرمة مال الغير وأخذه منهم بدون مقابل. وذلك أن الزيادة أو الفائدة التي يأخذها المقرض من المقترض أنما تكون بسبب تأخير سداد قيمة القرض وليس مقابل أي عوض آخر فهي بالتالي غنم من دون غرم وكسب من دون جهد. وهذه الزيادة أو الفائدة يدفعها المقترض مرغما تحت إلحاح الحاجة إلى المال دون أن يكون له خيار في ذلك أي يدفعها من غير طيب نفس منه بدفعها إذ كيف تطيب نفسه بدفع هذا المقدار الإضافي من المال وهو ينتزع منه أنتزاعا على حساب جهده وعرقه ويستولي عليه المقرض لمجرد كونه رب المال وقد تكون الحاجة التي دفعت هذا المقترض للقرض هي: حاجة الطعام للحياة وحاجة الدواء للعلاج وحاجة النفقة للعلم ولغير العلم فإما أن يتعطل هذا كله وإما أن يتحكم صاحب المال في المحتاج إلى المال فيمنحه القليل ويسترد منه الكثير ويظلمه بذلك جهده فيكد ويعمل ليؤدي للمرابي رباه أو يتضاعف الدين عاما بعد عام.(1)
ومن هنا فقد حرم الإسلام الربا للتأكيد والتشديد على حرمة مال الغير والحفاظ عليه وصيأنته من أي أنتهاك أو عدوأن أو اخذ بالباطل وبهذا يأمن كل أنسأن على ماله ويقنع بما عنده فيعيش الناس آمنين مطمئنين ويحصل التكافل المطلوب بينهم.
2- التجرد من المروءة والإنسانية:
أن الربا يؤدي إلى استغلال حاجة الفقير والمحتاج بفرض الزيادة عليه وهذا ضد المروءة والإنسانية لأن الأولى والأحرى بصاحب المال في مثل هذه الحالة مساعدة هذا المحتاج وإسعافه بالصدقة أو مد يد العون له من خلال القرض الحسن للتنفيس عن كربته وسد حاجته التي دفعته لطلب المال من دون اشتراط أي زيادة عليه حيث أن اشتراط أي زيادة في هذه الحالة يعتبر قسوة شديدة على هذا المحتاج وظلم كبير له وهذا بعيد كل البعد عن المروءة والإنسانية وحسن الجوار وآداب الاجتماع. وذلك أن كل واحد منا يستنكف من أن يطالب بتعويض مالي عن ماعون يعيره لمن يحتاج أليه أو مساعدة أدبية- كائنة ما كانت- يقدمها لغيره عملا بقواعد حسن الجوار وأدب الاجتماع ولا يختلف النظر في الأمر حينما تكون المعاونة على وجه القرض للأشياء التي يمكن أن ترد أمثالها لأن المقصود في القرض كما في الإعارة هو استرداد المال نفسه أما بعينه أو بمال مماثل له تماما من جنسه وبالتالي ليس من المروءة والأنسأنية أن يطالب المقرض بزيادة على مقدار ما أقرضه من مال.(2) ولأن القرض أساسا عقد إرفاق وقربه فالهدف منه هو إعانة الفقير والمحتاج والتنفيس عن المكروب وهذه الزيادة تخرجه عن موضوعه ولهذا لم تجز الزيادة فيه بمقاييس المروءة والأنسانية فضلا عن الشرع والدين.
3_تنمية الشح والأنانية والجشع المالي في شخصية الأنسان:
إن التعامل بالربا يجعل الإنسان يتخذ من المال هدفا في حد ذاته بحيث يصير عبدا لهذا المال يصبح ويمسي وهو يفكر فيه وفي كيفية الاستزادة منه وتكثيره بأي وسيلة من الوسائل ولو كان ذلك على حساب الإضرار بالناس وابتزازهم وامتصاص عرقهم ودمائهم وأكل أموالهم بالباطل دون وجه حق ، ولهذا يكون آكل الربا منبوذا ومحتقرا عند الناس لما للربا من دور في إبراز عيوبه النفسية والخلقية وإظهارها لدى كل الناس ولهذا فقد حرمه الإسلام ونفر منه لتطهير نفس الإنسان من الشح والأنانية والجشع وغير ذلك من الصفات الأخلاقية الممقوتة وهو في نفس الوقت قد شرع القرض والصدقة ورغب فيهما لمالهما من اثر في نشر الرحمة والمحبة بين الناس وتنمية الجود والسخاء والإيثار في شخصية الإنسان وستر وتغطية ما به من عيوب بحيث يرتفع قدره ويزيد قربا من الله ومن الناس.
4- القلق والاضطراب النفسي والروحي:
أن الزيادة أو الفائدة إنما يدفعها المدين تحت إلحاح حاجته للمال بغير طيب من نفسه- كما سبق ذكر ذلك- والشيء الذي يدفع بغير طيب نفس من صاحبه تزول منه البركة وتنعدم منه الجدوى ولن يستفيد آخذه منه شيئا ولن يهنأ بأكله لأن نفس صاحبه تظل معلقة به ومشدودة أليه وبالتالي قد يكون نذير شؤم لمن أخذه ومصدر بلاء وقلق وإزعاج له وقد تصيبه الأمراض والعاهات بسببه. وكذلك فإن: الحرام في داخل النفس يرهقها ويؤرقها ولو لم يبد ذلك على السطح أنه إحساس عميق بالذنب يهزها بعنف مهما حاولت أن تبدو سعيدة أما الحلال فأنه يجعل النفس مستريحة تعيش آمنة مطمئنة مهما كانت مواردها.. يكفي أنها تحس أنها لم تفعل حراما.(3) وفوق ذلك يكون المرابي مضطربا نفسيا وفي قلق مستمر لتفكيره الدائم في الربا ومشاكله الاقتصادية الكثيرة. ولهذا قرر بعض الأطباء أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب ولو استبدل بذلك النظام الاقتصادي- الذي يجعل المقرض آكلا غانما دائما والمقترض مأكولا غارما في أكثر الأحوال – نظام اقتصادي أساسه التعاون بين المقرض والمقترض في المغنم والمغرم معا لكان اجلب للاطمئنان واعدل أقوم أهدى سبيلا.(4) وقد اتفق الفقهاء على أن كل ربح أو فائدة يحصل بطريق الربا فهو مال حرام لا يبارك الله فيه لأن الإسلام أمر بالسعي والعمل وبارك في الربح الذي يحصل نتيجة لذلك لأنه ربح حلال اكتسبه صاحبه بجهده وتعبه.(5)
الآثار الاجتماعية
للربا آثاره الضارة بالغة الخطورة على صعيد العلاقات الاجتماعية ومن تلك الآثار الضارة مايلي:
1- أنقطاع المودة والتعارف بين الجماعة:
يقيم الإسلام العلاقة بين الجماعة الإسلامية على أساس التعاون والتراحم والإخوة والإيثار والتسامح وغير ذلك من القيم التي تؤدي إلى استقرار حياة الجماعة وتقوية أواصر المحبة والمودة والتعارف بين أعضائها واجتثاث بذور الحقد والكراهية من قلوبهم وبذلك يحصل الرقي المطلوب والتقدم المنشود للجماعة.والربا ضد ذلك كله لأنه يقوم على استغلال حاجة المحتاجين واغتصاب عرقهم وجهدهم بدون مقابل وعلى ذلك: فأن الربا شح وأنأنية وفردية ودنس وهدم لروابط المجتمع لذلك لم يبلغ السلام في تفضيع أمر أراد إبطاله ما بلغ في جريمة الربا التي لم يتوعد الله أحدا بحرب إلا مرتكبها حيث يقول تعإلى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا أن كنتم مؤمنين. فأن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وأن تبتم فلكم رءوس أموالكم لاتَظْلِمُون ولا تُظْلَمُون.)(6)
3- تضخيم الثروات وتفريق الطبقات:
ذلك أن الربا وسيلة لتضخيم الأموال تضخيما شديدا لا يقوم على الجهد ولا ينشأ من العمل مما يجعل طائفة من القاعدين يعتمدون على هذه الوسيلة وحدها في تنمية أمولهم وتضخيمها فيشيع بينهم الترهل والبطالة والترف على حساب الكادحين الذين يحتاجون للمال فيأخذونه بالربا في ساعة العسرة وينشأ عن ذلك مرضأن اجتماعيأن خطيرأن: تضخيم الثروات إلى غير حد وتفريق الطبقات علوا وسفلا بغير قيد ثم وجود طبقة متعطلة مترهلة مترفة لا تعمل شيئا وتحصل على كل شيء وكأنما المال الذي في يديها فخاخ لصيد المال دون أن تتكلف حتى الطعم لهذه الفخاخ أنما يقع فيها المحتاجون عفوا ويساقون أليها بإقدامهم تدفعهم الضرورات ذلك أن آكل الربا يخالف القاعدة الأساسية للتصور الإسلامي وهي أن المال لله جعل الناس فيه خلفاء وفق شرط المُستَخْلِف- وهو الله سبحأنه –لاكما شاء الناس.(7)
4- فتح أبواب الرذيلة والشر:
من مظاهر ذلك أن الكثير من المرابين يذهبون إلى نوادي القمار ويجلسون بجانب المتقامرين ليمدوهم بما يلزمهم من المال للاستمرار في قمارهم فيكون المرابي قد اكتسب إثم الفائدة وإثم التشجيع على القمار وهو محرم لأن ما أتى من حرام ضاع أيضا في الحرام (8) بل أن الذين دخلوا عالم الربا دخلوا أيضا عالم الخمر وعالم الدعارة والميسر لأن أبواب الشر أوان مستطرقة وابسط مظاهر ذلك أنك تجد جميع أولئك الذين جمعوا الأموال من غير وجهها في أيامنا هذه ينشئون في بيوتهم البارات ويقيمون حفلات الرقص ويطلقون الحبل على الغارب لزوجاتهم وبناتهم والله سبحانه وتعالى عندما حرم الربا رسم للمسلمين شرعة تعامل مالي سليم من شأنه أن يبارك كل مالهم ويجعل مكاسبهم تطيب بإخراج الزكاة ولله جل جلاله يمحق الربا ويربي الصدقات.(9)وفوق ذلك فأن الربا: يعد الدافع الأول لتوجيه راس المال إلى أحط وجوه الاستثمار كي يستطيع رأس المال المسَتدَان أن يربح ربحا مضمونا فيؤدي الفائدة الربوية ويفضل منه شيء للمستدين ومن ثم فهو الدافع المباشر لاستثمار المال في الأفلام الخليعة والصحافة القذرة والمراقص والملاهي والرقيق الأبيض وسائر الحرف والاتجاهات التي تحطم أخلاق البشرية والمال المسَتدَان بالربا ليس همه أن ينشئ أنفع المشروعات للبشرية بل همه أن ينشئ أكثرها ولو كان الربح أنما يجيء من استثماره أحط الغرائز واقذر الميول وهو المشاهد اليوم في أنحاء الأرض وسببه الأول هو التعامل الربوي.(10)
5- الارتفاع المستمر في الأسعار وتدهور القوة الشرائية للنقود:
فكما هو معروف أن الفوائد المصرفية على القروض الاستثمارية والإنتاجية لا يتحملها التجار وأصحاب الأموال أساسا وإنما يتحملها المستهلك بطرية غير مباشرة فهذه الفوائد أساسا قد تضاف على تكلفة المنتج أو المنتجات وبالتالي تظهر تكلفة هذه المنتجات متضخمة بقيمة تلك الفوائد وقد يتم اعتبار هذه الفوائد كمصروف تمويلي أو إداري غير مرتبط بالتكلفة المباشرة للمنتج ولكن في كل الأحوال فأن ذلك يؤثر على زيادة التكاليف العامة للشركة أو المؤسسة الأمر الذي ينعكس على السعر مما يجعل الجمهور الكادح هو الذي يتحمل عبء هذه الفوائد المصرفية الربوية ويدفع ثمنها من جهده وعرقه. ولا يخفى ما أصبحت تعاني منه المجتمعات الإنسانية من جور الغلاء الفاحش فقد اصبح كابوسا مرعبا وهما ثقيلا جاثما على صدور الفقراء والكادحين في معظم المجتمعات.
وكما هو معروف أيضا أن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى تدهور القوة الشرائية للنقود وهذا مرض اجتماعي خطير في حد ذاته لأن تدهور القوة الشرائية للنقود يُفقِد النقود وظائفها الأساسية حيث يؤدي إلى أنهيار دورها كمخزن للقيمة وأداة للادخار ووسيلة للتبادل وبالتالي تفقد هذه النقود ثقة الجمهور بها أي تفقد أهم الميزات التي تتمتع بها وهي ميزة القبول العام وهذا من جهة يؤدي إلى فساد أمر الناس وتعقيد عملية التبادل بينهم وهو من جهة أخرى قد يؤدي إلى فقدأن الدولة لمظهر من مظاهر سيادتها الوطنية وهو استخدام عملتها المحلية في عملية التبادل في نطاق أراضيها حيث سيلجأ مواطنو هذه الدولة وبصفة خاصة التجار ورجال الأعمال إلى استخدام عملة أخرى غير عملتهم المحلية في مبادلتهم وتسوية معاملاتهم وديونهم- كما هو المشاهد في عالم اليوم فقد حل الدولار الأمريكي محل الكثير من العملات الوطنية في كثير من الدول النامية ومنها للأسف الشديد مجموعة الدول الإسلامية ويعزو بعض الاقتصاديين هذه الظاهرة إلى التضخم الذي تعاني منه اقتصاديات هذه الدول و الصحيح أن الربا هو السبب الرئيسي لهذه الظاهرة فليس التضخم سوى نتيجة من نتائج التعامل بالربا ومن ثم فأن تحريم الربا يعتبر وسيلة فعالة لمحاربة التضخم.
الآثار الاقتصادية
يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على ثلاثة عوامل من عوامل الإنتاج هي:العمل ورأس المال والأرض. هذه العوامل الثلاثة هي مركز القوى في النشاط الاقتصادي التي يعترف بها الإسلام بحيث تحرك الإنتاج ثم تستحق نصيبا أو جزءا من الناتج.(11) ومن الواضح أن العمل يأتي على راس هذه العوامل فله الدور الأكبر في النشاط الاقتصادي ويستحق النصيب الأوفر من الناتج وذلك لأن الإسلام دين يعلي من شأن العمل ويحترمه فالإسلام دين عبادة وعمل بل أن العمل في الإسلام عبادة في حد ذاته حيث يؤجر الإنسان عليه كما يؤجر على سائر العبادات والطاعات شريطة أن يكون هذا العمل مشروعا ونافعا.
والربا يتعارض مع النظام الاقتصادي الإسلامي لأنه يحابي رأس المال ويميزه ويجعله في أعلى درجة بالنسبة لعوامل الإنتاج الأخرى وذلك: أن الربا يضمن دخلا لصاحب رأس المال عندما يشارك مع عوامل الإنتاج الأخرى في أي نشاط اقتصادي ويمكن هنا أن نميز بين طرفين: يمثل الطرف الأول صاحب المال ولا يختلف اثنان على أن تحديد دخل محدد لصاحب المال بصرف النظر عن النشاط الاقتصادي يحابي ويميز ولا يكون لمصلحة هذا المالك أما الطرف الثاني فأنه يتمثل في ملاك عوامل الأنتاج و أيضا لا يختلف اثنأن هنا على أن تحديد دخل محدد مقدما لصاحب راس المال يحابي ولا يكون لصالح ملاك عوامل الإنتاج الأخرى. ويكون الموقف اكثر محاباة لصاحب رأس المال إذا ما حقق النشاط الاقتصادي خسارة ولم يحقق أرباحا لأنتا بهذا نكون قد ضمنا دخلا لصاحب رأس المال على حساب عوامل الإنتاج الأخرى.(12)
فالإسلام ينشد إقامة نظام اقتصادي تنمحي منه كل ضروب الاستغلال فمن الظلم أن يكون للمول (المقرض) ضمان الحصول على مردود إيجابي دون أي عمل ولا اشتراك في المخاطرة في حين لا يكون لرب العمل (المنظم) المقترض مع تحمله إدارة العمل ضمان الحصول على مثل هذا المردود الإيجابي. أن الإسلام ينشد إقامة العدل بين الطرفين: رب المال ورب العمل. ولذا فأن البديل للقرض الربوي يتمثل في التمويل بالمشاركة في رأس المال والتي تتم عن طريق إسهام الممول في أرباح وخسا ير المشروع المستفيد من التمويل. وفي هذا النوع من التمويل يوَزع المردود توزيعا عادلا على الاستثمار الكلي بين الممول وصاحب المشروع ويحمَل الممول أيضا نصيبا من مخاطر الاستثمار بدلا من تحميل رب العمل عبء هذه المخاطر كلها (13)
ويمكن القول بعبارة أخري أن الإسلام قد أشترط لتحقيق عائد لرأس المال في النشاط الاقتصادي أن يتزاوج ويتظافر مع عناصر الإنتاج الأخرى عن طريق شركة تقوم على أساس اقتسام ا الربح والخسارة طبقا للقاعدة الفقهية (الغُنم بالغُرم) وليس عن طريق قرض بفائدة محدد مقدما لأن هذا ربا حراما. فالقاعدة العامة في الإسلام هي أن النقود لا تلد النقود والعمل سبب أساسي للربح وأي كسب لا يقوم على جهد ولا ينشا عن عمل فهو حرام ولما كانت الفائدة كذلك فهي أيضا حرام(14) وسبب تحريمها واضح من الناحية الاقتصادية: وهو أنه بمجرد عقد القرض أصبح العمل ورأس المال في يد شخص واحد ولم يبق للمقرض علاقة ما بذلك المال بل صار المقترض هو الذي يتولى تدبيره تحت مسئوليته التامة لربحه أو لخسره حتى أن المال إذا هلك أو تلف فإنما يهلك أو يتلف على ملكه فإذا أصررنا على إشراك المقرض في الربح الناشئ وجب علينا في الوقت نفسه أن نشركه في الخسارة النازلة إذ كل حق يقابله واجب أو كما تقول الحكمة النبوية ( الخراج بالضمان) أما أن نجعل الميزان يتحرك من جانب واحد فذلك معاندة للطبيعة.(14)
هكذا إذا سرنا وفقا للأصول والمبادئ الاقتصادية في أدق حدودها كانت لنا الخيرة بين نظامين اثنين لا ثالث لهما. فأما نظام يتضامن فيه رب المال والعامل في الربح والخسر. وأما نظام لا يشترك فيه المال في ربح ولا خسر ولا ثالث لهما إلا أن يكون تلفيقا من الجور والمحاباة. (15)
علنا بأن تحريم القرض بفائدة وتشريع المشاركة وجعلها شرطا ضروريا لكي يحصل رأس المال على عائد يقتضي بالضرورة توجيه استغلال المال واستثماره في المشاريع الإنتاجية سواء أكانت صناعية أم زراعية أم تجارية والتي يترتب عليها استثمار موارد الطبيعة وطاقاتها و فتح وتسهيل أبواب الرزق للناس لكي يعملوا وينتجوا وبالتالي تحقيق التنمية المنشودة ولهذا فقد اشترط الإسلام أن يكون أسلوب المشاركة هو أساس التعاقد: وبهذا الشرط يكون الإسلام قد ضمن أن توجه رءوس الأموال السائلة وأن تتحول إلى نشاط اقتصادي منتج حقيقة بالمعنى الذي نقصده (…) ويكون الإسلام بهذا قد خلص المجتمع الإسلامي من داء حصر النشاط الاقتصادي لأصحاب رءوس الأموال في الاتجار بالنقد: شراء وسمسرة إلى آخر صور التعامل في النقد والتي نعرفها في المجتمعات المعاصرة من خلال دراسة نشاط البورصات ونشاط المصارف. (16)
وهكذا يكون اشتراط المشاركة في المعاملات الإسلامية. وهو الاشتراط الذي يستلزم توجيه رأس المال السائل إلى النشاط الإنتاجي الحقيقي وعدم توجيهه إلى الاستهلاك المباشر. هذا الاشتراط يستهدف الإنتاج وبالتالي يستخدم لتحقيق التنمية. (17)
جزاك الله خيرا أ خي