بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العنوان: كيف نفرّق بها بين طالب العلم والعالم في مسألة الإفتاء؟
الشيخ: عبد الله بن عبد الرحيم البخاري
السؤال : يقولُ السَّائل: باركَ اللهُ فيكم، يقول: بعض الإخوة السَّلفيِّين ـ هدانا اللهُ وإيَّاهم ـ يتكلَّمون يقولون: بأنَّ فلان من أهل العلم طالب علم
وذاك فلان عالم، ويقع الخلاف بينهم إذا لم يتَّفق أحدهم مع الآخر، بالخاصَّة حول اذا كان فلان يُستفتى أم لا، بمجرَّد أنَّهُ لا يزال طالب علم
وإنْ كانت لديه مؤلَّفات وشروحات، ما هي الضَّوابط الَّتي يُفرَّق بها بين: طالب العلم، والعالم في مسألة الإفتاء؟
الجواب : لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله، يا أخوتا! ـ باركَ اللهُ فيكم ـ، يجب في مثل هذه المقامات، أنْ نعرف أنهُ إنَّما يقع الخلاف بين الإخوة
في هذه المسائل لتضييعهم الضَّوابط المذكورة في كلام أهل العلم، والطَّرائق المنثورة في كلام أهل العلم في من يُسْتفتى؟ ومن يكون أهلًا للفُتيا؟
فليس كلَّ من تكلَّم، أو ـ كما قيل في السُّؤال ـ ألَّف أو شَرَح يكونُ أهلًا للفُتيا؛ فالفُتيا أمرها عظيم، وكما قالَ غير واحدٍ من السَّلف:
"إنَّ الَّذي يُفتي النَّاس في كلِّ ما يسألونه لمجنون". وذكر غير واحدٍ كالحافظ ابن عبد البَرّ وغيره: "ينبغي للمُعلِّم أنْ يُعلِّم طلَّابه لا أدري".
فالعُلماء لهم صفات ـ باركَ اللهُ فيكم ـ، والَّذين يتكلَّمون في العلم ويُفتون النَّاس لهم صفاتٌ ذكرها العلماء، ومِنْ ذلكَ كلامٌ عظيمٌ للإمام ابن القيِّم
– رَحِمَهُ اللهُ – في "إعلام الموقعين"، وكلام نفيسٌ أيضًا للعلَّامة الشَّاطبيّ – رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ – في "الاعتصام" وفي "الموافقات"، وذكَرَ العلماء
وأهل العلم كلامًا كثيرًا في هذا الباب، فلا ينبغي أنْ يُستفتى كلَّ أحدٍ؛ إنَّما يُستفتى أهل العلم الرَّاسخون في العلم، قالَ اللهُ – جَلَّ وَعَلَا -:
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ
ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
﴿الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾: قالَ الإمام الشَّاطبيُّ – رَحِمَهُ اللهُ – مبيِّنًا منهم الرَّاسخون في العلم قالَ: هم "الثَّابتوا الأقدام في علم الشَّريعة" ثابتوا الأقدام
ولهذا قالَ الإمامُ البُخاريُّ – رَحِمَهُ اللهُ – في كتابه "الصَّحيح" علَّق عن عقبة بن عامر: "تعلَّموا قبلَ الظَّانين".
قالَ- رَحِمَهُ اللهُ – مُبيِّنًا معنى كلام عقبة – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ –، قالَ: "الَّذين يتكلَّمُون بالظَّنِّ" يعني: بغير العلم. وتكلَّم الحافظ النَّوويُّ – رَحِمَهُ اللهُ –
في معنى كلام الإمامِ البُخاريّ في "مُقدِّمةِ المجموع" وذكَر جُملةً من الكلماتِ في هذا المَقام فارجِعُوا إليها.
على كلِّ حالٍ كاتبٌ يكتب ليس معنى أنَّهُ عالمٌ يُستفتى! فكم من العلماء وهم أهل للفُتيا، وما لهم كتاباتٌ قد كتبوها، فليس ذلك دليلٌ على
أنّهم ليسوا من أهل العلم، ونحن نعاني الآن، نعاني الآن في هذه الأزمنة وبخاصَّة في هذه الأوقات مِنْ تصدُّر شيوخِ الفَجأة والفَجعة!
أنا أقول: يَخرجون للنَّاس وبخاصَّة عبرَ «الإنترنت» هذا؛ ويُفتُون النَّاس، ويتكلَّمون في مسائِلِ الحلالِ والحَرام، والعِلم، وغيرِ ذلك، وهُم مِنْ أبعدِ النَّاسِ عنِ العِلمِ
ولو دقَّقتَ وحقَّقتَ لوجدتَهُم يبتَعِدون كلَّ البُعد عن مسالِكِ أهلِ العِلمِ حتَّى في فُتيَاهُم، وفي كلامِهم مع النَّاس، ـ نسألُ الله العافيَة والسَّلامة ـ
فهؤلاء يضرُّون ولا ينفعون، نعم، نجد أنَّ الإخوة في الإنتَرنت وغيرِ ذلك يستمِعون إلى أمثَالِ هؤلاء؛ لأَنَّ هؤلاءِ فارِغِين، وجدُوا سبيلًا في هذا الإنتَرنت
ينفثون سُمُومهم عن طريقِ هذا الجِهاز؛ والنَّاس مساكين أشغلوا أوقاتهم، وجعلوا عيونَهم وأذهَانَهم مع الإنتَرنت هذا،كلُّ من تكلَّمَ صدَّقُوه
وظنَّوا أنَّه بمجرَّد أنَّهُ ذهبَ إلى الشَّيخ الفُلَاني؛ العالم العلَّاني، وجاءهم وقالَ: ذهبتُ إلى الشَّيخ فُلَان، وقُلتُ: للشَّيخِ فُلان
واللهُ أعلمُ قالَ أو لم يقل، صدَّقوهُ.
وقد كتب أبُو الدَّرداء – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – إلى سلمان الفَارِسيّ قالَ له: "إنِّي أدعوك أنْ ائتِ الأرض المقدّسَةَ وأرض الجِهاد"، يعني: أرضَ الشَّام
وهذا الأثر في "المصنّف" لابنِ أبِي شَيبَة، قالَ: "أمَّا بَعْدُ: فإنَّك قد كتبتَ إليَّ أنِ ائتِ الأرضَ المُقدَّسة وأرضَ الجِهاد، أوَ لَا تعلَّم أنَّ الأرض لا تُقدِّس أحدًا؟!
إنَّما يُقدِّس المَرءُ عملَهُ"، هذا هو يُزكي المرء عمله ـ باركَ اللهُ فيكم ـ.
فإيَّاكُم وهؤلاء السُّرّاق! قطَّاع الطّرُق، يسرقون منكم ثَباتكُم، واستِقامَتكم، ويقطعون عليكم الطَّريق، يقطعُونَ طريقَ أهلِ العِلم، ويقطعون الطَّريق
بينكم وبين أهل العلم من أهل السُّنَّة.
فانتبِهوا يا أخوتاه! وليس كلُّ من تكلّم ـ كما قُلتُ ـ هو أهلٌ للفُتيا، وليسَ كلُّ من ظهر وخَرَج على هذهِ القّنواتِ الفضائيَّات أو على هذه الأجهزة ـ الإنترنت ـ
يكونُ أهلًا للفُتيا، أو للسُّؤال، أو للتَّعليم، فضلًا عنِ الفُتيا فانتبهوا! ـ باركَ اللهُ فيكم ـ.
يجِب أنْ تعرِفُوا شُرُوط أهلِ العِلم ومَنْ همُ العُلماء؛ ونسأل الله ـ جَلَّ وَعَلَا ـ أنْ يُيَسِّر لنا كلمةً حولَ بيَانِ "حقيقة العلماء"، أو "مَنْ هم العُلماء الذِّين
يَستفتِيهم النَّاس"، وقد تكلَّمتُ في سؤالات مضت لعلَّكُم تُراجِعُونها ـ إنْ شاءَ الله تَعَالَى ـ.
للإستماع للصوتية من هنا بإذن الله
https://ar.miraath.net/sites/default/…09-1432_12.mp3
*- ميراث الانبياء -*