السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أتيتكم اليوم بهذا الشرح الذي أرجو أن ينال إعجابكم
فقدان الشهيّة والشره المرضي…مرضا المراهقة بامتياز!
ا
لمراهقة مرحلة انتقالية يصعب عيشها أحياناً. إنها خطوة مهمة في الحياة تشهد اضطراباً على مستوى بناء الهوية الفردية وتقبّل التغيرات الجسدية. يشكّل فقدان الشهية والشره المرضي اضطرابات غذائية تنجم عن هذه التقلبات وتنتشر بين المراهقين بنسبة كبيرة. إنهما مرضان معقّدان يحملان عواقب وخيمة.
فقدان الشهية والشره المرضي من الأمراض التي تطبع فترة المراهقة. يظهر هذان المرضان اللذان يمثّلان اضطرابات في السلوك الغذائي بين عمر الحادية عشرة والثامنة عشرة، في الفترة التي يبني فيها المرء هويّته ويشهد تحوّلاً كاملاً في حياته جسدياً وفيزيولوجياً. ويطالان صبيّاً واحداً مقابل عشر فتيات، ما يجعلهما مرضين أنثويّين عموماً، يرتبطان مباشرةً بالغذاء، بما أنّ الأول يؤدي إلى الامتناع الشديد عن تناول الغذاء والثاني يتمثّل باستهلاك مفرط للطعام.
العائلة والجسم
ينعكس المحيط العائلي على نمط الغذاء، فيعتمد المراهق سلوكاً غذائياً {فوضويّاً} بعض الشيء. بالنسبة إليه، يمثّل تناول الوجبات على المائدة شكلاً من أشكال التقاليد التي تعني أنه لا يزال صغيراً. نتيجةً لذلك، يعمد إلى تناول طعامه أمام التلفاز وهو واقف، أو بشكل متقطّع من دون الالتزام بأوقات الوجبات، ويتوقف عن تناول الطعام مع العائلة حول المائدة. في الواقع، يسعى المراهق الذي يرفض تناول طعامه مع عائلته إلى الانفصال عن محيطه العائلي. عبر الابتعاد عنه بهذه الطريقة، يطمح إلى بناء شخصيّته وكسب استقلاليّته. يُظهر جميع المراهقين هذا النوع من السلوكيات، لكنّ الإصابة بفقدان الشهية أو الشره المرضي تعكس فشل المراهق في التحوّل إلى شخص مستقلّ. فضلاً عن مشاكل الهويّة هذه، يواجهون أيضاً مشكلة تقبّل التغيرات الجسدية التي تطرأ في هذه المرحلة. يرسم كلّ شخص صورة خاصة عن جسمه. في مرحلة المراهقة، تتغيّر هذه الصورة جذريّاً بسبب التحوّلات التي تحصل في سن البلوغ. يبدأ الشعر بالنمو في أنحاء الجسم، يزيد حجم الوركين لدى الفتيات والكتفين لدى الشبّان، وتتسارع عمليّة النمو. مع هذه التغيّرات كلّها، لا عجب في أن يشعروا بالانزعاج من جسمهم الجديد. لكن بالنسبة إلى المراهقين الذين يعانون من اضطرابات في السلوك الغذائي، تتّخذ هذه المشاكل في تقبّل الجسم بُعداً مختلفاً تماماً.
عدم تقبّل التحوّلات الجسدية
وفقاً للأطبّاء، يُعتبر هذا الانزعاج من شكل الجسم أحد آثار سن البلوغ لدى جميع المراهقين، لكن يعبّر فقدان الشهية عن عدم القدرة على تقبّل التحوّلات الجسدية التي تحصل في هذه المرحلة. تعاني الفتاة المصابة بفقدان الشهية من مشكلة في قبول صورة جسمها، فحتّى حين تصل إلى أشدّ مستويات النحافة، تتابع سعيها إلى فقدان الوزن.
أصيبت إحدى الفتيات، اسمها ندى، بمرض فقدان الشهية بين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من عمرها، لكنها شُفيت اليوم. تعبّر ندى عن فشلها في تقبّل جسمها بالكلمات التالية: ‘لا تقدر على رؤية نفسك كما أنت، تتشوه نظرتك إلى الأمور.’ الإثبات على ذلك هو أنها واظبت على اتّباع حمية مع أن وزنها وصل إلى 39 كيلوغراماً في حين بلغ طولها 1.76 متر.
يبدأ هذا المرض في غالبية الحالات مع اتّباع حمية غذائية. لكنه يتفاقم مع تناول أدوية مدرّة للبول ومليِّنة للأمعاء واستهلاك كميّات كبيرة من الماء. تسعى الفتاة الشابّة إلى فقدان الوزن لتصبح نحيفة إلى أقصى حدّ. في هذه المرحلة، تسيطر الفتاة كليّاً على نظامها الغذائي.
حين تتخلّى المراهِقة المصابة بفقدان الشهية عن متعة الطعام، فهي تبتعد في الوقت نفسه عن أشكال المتعة الأخرى. فتتركّز طاقة الفتاة على تحقيق النحافة دون سواها، وقد تصبح شخصاً متلاعباً يحاول جذب الأضواء إليه. وقد تعمد فتيات إلى إقامة علاقات متعددة للشعور بأنهنّ محبوبات.
لماذا يصاب المراهق بمرض فقدان الشهية؟
يعطي الخبراء تفسيرين لتوضيح هذا الابتعاد عن الغذاء الذي يعيشه المصاب بفقدان الشهية. قد يُستعمل فقدان الشهية كدرعٍ واقٍ من تدخّلات العالم الخارجي، فيفكّر المراهق أنه إذا امتنع عن إدخال الطعام إلى جسمه، لن يطرأ أيّ تغيير عليه. من الصعب التخلّي عن جسم الطفل، ويؤدي الحرمان من الغذاء إلى طمس المعالم الأنثوية في جسم الفتاة لأنها تعاني من نحافة شديدة. كذلك، قد يُستعمل المرض كذريعة لافتعال مشكلة عائلية والحصول على الانتباه.
في هذه الحالة، تكون العائلات المعنيّة ملتحمة جداً لكن يشعر المراهق بوجود خللٍ ما. فيفكّر أنه إذا أصبحت حالته مشكلة عائلية، سيتمكّن من تجميد جميع المشاكل من حوله ما يؤدي إلى اختفائها تدريجياً.
بغض النظر عن أصل المرض، تبقى تداعيات هذا السلوك الغذائي خطيرة على الصحة: توقّف الدورة الشهرية، تساقط الشعر، تعرية الأسنان، نموّ كثيف للشعر على الأغشية في أنحاء الجسم…
نتيجة معاكسة
وفقاً للأطبّاء، من الشائع أن يتحول مرض فقدان الشهية إلى شره مرضي، إذ تشكّل هذه الاضطرابات الغذائية سلسلة مترابطة من العواقب الصحية، وقد يمرّ الشخص نفسه بمراحل مختلفة. قد يصبح المراهق المصاب بفقدان الشهية شرهاً بشكل مرضي، وقد يتفاقم وضع المصاب بالشره المرضي إلى حد يدفعه إلى استهلاك كميات هائلة من الطعام. يتمثّل الشره المرضي إذاً بابتلاع كميات كبيرة من المأكولات أثناء النوبات، يليه تناول منتجات مليّنة للأمعاء كما يفعل المصابون بفقدان الشهية. لكن الفرق بين الشره المرضي العادي والشره المرضي المفرط هو أنّ الفتاة المصابة بهذا الأخير لا تستعمل أي وسائل للتخلص مما أكلته، ما يؤدي إلى اكتساب وزن زائد.
في حالة ندى التي ذكرناها أعلاه، انتقلت من فقدان الشهية إلى الشره المرضي، واكتسبت 30 كيلوغراماً خلال ثلاثة أشهر. وقد استعملت هذه الشابة الأدوية المليّنة للأمعاء لتجنّب اكتساب الوزن، كما كانت تفعل في مرحلة فقدان الشهية، لأن هذا السلوك الغذائي، على اختلاف أشكاله، يهدف في جميع الأحوال إلى السيطرة على الوزن. لكن من الصعب تحقيق ذلك، إذ تنجح فتيات أكثر من غيرهنّ في كبح أنفسهنّ لأنهن يملكن إرادة من حديد للتمكن من منع أنفسهنّ عن الطعام بهذا الشكل.
وبالشره المرضي؟
ي
عتبر الأطبّاء أنّ المصابين بالشره المرضي هم الذين فشلوا في تحقيق هدفهم عبر فقدان الشهية لأن فتيات كثيرات يبذلن جهداً كبيراً للسيطرة على سلوكهنّ الغذائي، ما يؤدي إلى نشوء ردود فعل لا يمكن مقاومتها: حين تحرم أي فتاة شابّة نفسها من بعض المأكولات، يصبح هذا النوع من الطعام مرغوباً جداً إلى حدّ أنها سرعان ما تستسلم وتتناوله من دون أي رادع. تصبح فتيات أخريات مريضات بسبب رغبتهنّ في سدّ نقص فيهنّ. تشعر الفتاة المصابة بالشره المرضي بفراغ لا يُحتمل وتحاول سدّه من خلال الطعام. على صعيد آخر، قد يقود الشره المرضي إلى استبدال مشكلة مستعصية معيّنة بمشكلة معروفة تتمثل بالشره المرضي. كذلك تحاول الفتاة المصابة بالشره المرضي التخلّص من مظاهر الأنوثة في جسمها عن طريق البدانة فلا تستعمل أي وسائل لتفادي اكتساب الوزن.
أمراض تؤدي إلى الإدمان
وفقاً لبعض الخبراء، تندرج حالتا فقدان الشهية والشره المرضي اللذين يُعتبران مرضين عقليّين خطيرين ضمن سلوكيات الإدمان. يرى بعض الأطباء أن الإدمان يحدث حين يُعتمد سلوك يوفّر عادةً شعوراً بالمتعة والراحة لغرض مغاير. من يعاني من الإدمان على سلوك معيّن يجد نفسه عاجزاً عن التحكّم بهذا السلوك ويميل إلى تكراره بغض النظر عن نتائجه السلبية. حتى لو لم يكن المصاب بفقدان الشهية مدمناً على منتج معيّن، فهو مدمن بلا شك على سلوك يحميه من خوفه من الإصابة بالشره المرضي ويعتبره أمراً مهماً لتوازنه النفسي. بالنسبة إلى المصابين بالشره المرضي، فهم يدمنون ببساطة على الطعام.
لا تنسونا بصالح دعائكم
أخوكم *شعيب*