بسم الله الرحمن الرحيم
4- صفة العرب حين البعثة المحمدية
وهذه أيضا مقدمة هامة لابد من دراستها قبل الخوض فى أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات ’ و الإسلام ليس إلا إمتداداً للحنيفية السمحة التى بعث الله بها أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام ’ وقد صرح في قوله تعالى :( قل صدق الله فاتبعوا ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )
العرب هم أولاد إسماعيل ابن إبراهيم عليهما الصلاة و السلام ’ فكان أن توارثوا ملّة أبيهم ومنهاجه الذى بعث به من توحيد الله .
فلما إمتدت بهم القرون و طال عليهم الأمد ’ أخذوا يخلطون الحق الذى توارثوه بكثير من الباطل الذى تسلل إليهم ’ شأن سائر الأمم و الشعوب عندما يغشاها الجهل ويبعد بها العهد ويندّس بين صفوفها المشعوذون و المبطلون .
فدخل فيهم الشرك واعتادوا عبادة الأصنام وتسللت إليهم التقاليد الباطلة و الأخلاق الفاحشة ’ فابتعدوا بذلك عن ضياء التوحيد وعن منهج الحنيفية وعمت بينهم الجاهلية التى رانت عليهم أمدا من الدهر ’ ثم إنقشعت عنهم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم .
وكان أول من أدخل فيهم الشرك وحملهم على عبادة الأصنام عمرو بن لحىّ بن قمعة بن خزاعة وروى ابن هشام كيفية إدخال عمرو بن لحىّ هذا ’ عبادة الأصنام فى العرب فقال : خرج عمروبن لحىّ من مكة الى الشام فى بعض أموره ’ فلما قدم ( مآب ) من أرض البلقاء ’ وبها يومئذ العماليق – وهم ولد عملاق ’ ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح – رآهم يعبدون الأصنام ’ فقال لهم ما هذه الأصنام التى أراكم تعبدون ؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ’ ونستنصرها فتنصرنا ’ فقال لهم أفلا تعطوننى منها صنما فأسير به الى أرض العرب فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له ( هبل ) فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .
وهكذا إنتشرت عبادة الأصنام فى الجزيرة العربية وشاع فى أهلها الشرك ’ فانسلخوا من عقيدة التوحيد التى كانوا عليها واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره ’ وانتهوا الى مثل ما إنتهت إليه الأمم الأخرى من الضلالات و القبائح فى المعتقدات و الأفعال .
كان أهل مكة ضعاف التفكير أقوياء الشهوات.
كثير من الناس تفوتهم أنصبة رائعة من العلم والفضل ولكن لا تفوتهم أنصبة كبيرة جداً من الاحتيال والتطلع والدس، وقد تستغرب إذ ترى الشخص لا يحسن فهم مسألة قريبة من أنفِه. ومع ذلك فهو يفهم جيداً ألا يكون فلان أفضل منه!!.
من عهد نوح والحياة تجمع أمثلة شتى لهذا الغباء وهذا العناد.
{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً….}.
قد كانت "مكة" على عهد البعثة تموج بحركة عاصفة من الشهوات والمآثم ،كفرٌ بالله واليوم الآخر، إقبال على نعيم الدنيا وإغراق في التشبُّع منه، رغبة عميقة في السيادة والعلو ونفاذ الكلمة، عصبيات طائشة تسالم وتحارب من أجل ذلك، تقاليد متوارثة توجه نشاط الفرد المادي والأدبي داخل هذا النطاق المحدود.
من الخطأ أن تحسب "مكة" يومئذ قرية منقطعة عن العمران في صحراء موحشة، لا تحس من الدنيا إلا الضرورات التي تمسك عليها الرمق. كلا، إنها شبعت حتى بطرت، وتنازعت الكبرياء حتى تطاحنت عليها، وكثر فيها من تغلغل الإلحاد في أغوار نفسه حتى عز إخراجه منه. فهم بين عَمٍ عن الصواب أو جاحد له، وفي هذا المجتمع الذي لم ينل حظاً يذكر من الحضارة العقلية بلغ غرور الفرد مداه، ووجد من يسابق فرعون في عتوه وطغواه. مثال عن ذلك الوليد بن المغيرة قال لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): لو كانت النبوة حقاً لكنت أولى بها منك! لأني أكبر منك سناً وأكثر منك مالاً!
ووسط هذه الجهالات البسيطة أو المركبة، والعداوات المقصودة أو المضللة، وسط نماذج لا حصر لها من الضلال والغفلة، أخذ الإسلام رويداً رويداً ينشر أشعته، فأخرج أمة من الظلام إلى النور؛ بل جعلها مصباحاً وهاجاً يضيء ويهدي،
ووسط هذه الجهالات البسيطة أو المركبة، والعداوات المقصودة أو المضللة، وسط نماذج لا حصر لها من الضلال والغفلة، أخذ الإسلام رويداً رويداً ينشر أشعته، فأخرج أمة من الظلام إلى النور؛ بل جعلها مصباحاً وهاجاً يضيء ويهدي،
والدروس التي أحدثت هذا التحول الخطير والتي رفعت شعوباً وقبائل من السفوح إلى القمم ليست دواء موقوتاً أو مخصوصاً، بل هي علاج أصيل لطبيعة الإنسان إذا التاثت، وستظل ما بقي الإنسان وبقيت الحياة.