عندما كلف الله سيدنا إبراهيم ببناء البيت الحرام وأخذ يبني وإسماعيل يجمع الأحجار ويحملها إليه وبني حتى وصل البناء إلى قامته ثم تحير كيف يبني بعد ذلك فأنزل الله له حجراً {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} آل عمران97
يقف عليه ويحمله إسماعيل بالأحجار ثم يشير إليه فيرتفع بأمر الواحد القهار حتى يصل إلى مستوى البناء ويظل واقفاً في الهواء حتى ينتهي إبراهيم من البناء فيشير إليه فيرجع مرة أخرى إلى الأرض ولما انتهى من البناء أجمع وقال هو وإسماعيل {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{127} رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {128} البقرة128
قال الله يا إبراهيم {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} الحج27
قال يا ربي وما يبلغ صوتي؟ قال: عليك الأذان وعلينا البلاغ فوقف على الحجر وأوجد الله الآية في الحجر فلان الحجر تحت أقدامه حتى أثرت فيه أصابعه الشريفة عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ثم اتجه جهة الشام وقال أيها الناس إن الله قد بني لكم بيتاً وكتب عليكم الحج فحجوا ثم اتجه جهة اليمين وقال مثل ذلك وجهة المشرق وقال مثل ذلك وجهة المغرب وقال مثل ذلك
فأمر الله الجبال أن تهبط والوديان أن ترتفع وفتح أسماع الأرواح وفتح أسماع الأجنة في بطون أمهاتها وأنطق ألسنة الجميع بأمر ربها فلبت الأرواح وقالت ملبية نداء الخليل لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك
والملائكة يسجلون فمن قالها مرة كان نصيبه الحج مرة ومن رددها مرتين كان نصيبه الحج مرتين ومن زاد على ذلك فبحساب ذلك وبقى حجر المقام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفيه أقدام الخليل عليه السلام يراه كل من ذهب إلى هذه الأماكن فيعلم صدق رسول الله فيما قال عن الله ويعلم صحة الخبر أن من بني البيت هو خليل الله وهذه آثار أقدامه وهذا هو الحجر الذي نادي عليه والذي كان يقف عليه بقى إلى ما شاء الله كما هو وفيه آثار قدميه
فإذا كان في ليلة النصف من شعبان فيكشف الله للملائكة الكرام في اللوح المحفوظ الذين وقع عليهم الاختيار للذهاب إلى زيارة الله في بيته الذين يدعوهم لزيارته والذين يؤهلهم للوقوف بين يدي حضرته والذين كتب لهم الطواف حول بيت عظمته والذين هيأ لهم الوقوف على عرفات معرفته فينقلون أسمائهم
ويرسلون لهم دعوة لربهم عن طريق الملك الذي وكل بقلوبهم وهو ملك الإلهام فقد ورد في الأثر {لكل آدمي ملك على قلبه يلهمه بالخير ويحثه عليه وشيطان يوسوس له} فيرسلون له الدعوة عن طريق ملك الإلهام فيلقى في روعة الشوق إلى بيت الله والحنين إلى هذه الرحاب التي باركها الله فيقول لمن حوله إني عازم على الحج هذا العام
ثم ييسر المولى الكريم الزاد وييسر الطريق وييسر لمن يريد أن يكرمهم قال صلى الله عليه وسلم {الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإنِ ٱسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ وإن شكروا شكرهم}[1]
إن من آيات الله في البيت الحرام الحجر الأسعد وقد ورد أن أبا عبد الله القرمطي والقرامطة كانوا من الخوارج الشاذين عن دين الله نزل هو ورجاله إلى بيت الله الحرام في موسم الحج وقتلوا الحجيج وخلعوا الحجر وحملوه معهم إلى الكوفة وأرادوا أن يصرفوا المسلمين عن بيت الله إلى الحجر الذي وضعوه في مسجد لهم في الكوفة وأقص عليكم جزءا من الرواية الواردة فيه
{فَمُدَّةُ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْقَرَامِطَةِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً فَافْتَدَاهُ أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ بِثَلاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ الْمُحَدِّثَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ لِيَتَعَرَّفَهُ وَيَأْتِي بِهِ فَذَهَبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَى الْقَرَامِطَةِ فَأَحْضَرُوا لَهُمْ حَجَرًا, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَنَا فِي حَجَرِنَا عَلامَتَانِ لا يَسْخُنُ بِالنَّارِ وَلا يَغُوصُ فِي الْمَاءِ فَأَحْضَرُوا نَارًا وَمَاءً فَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَغَاصَ ثُمَّ فِي النَّارِ فَحَمِيَ وَكَادَ يَتَشَقَّقُ, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا بِحَجَرِنَا ثُمَّ أُتِيَ بِحَجَرٍ مُضَمَّخٍ بِالطِّيبِ فَفَعَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَلِكَ فَجَرَى لَهُ مَا جَرَى لِذَلِكَ فَأُحْضِرَ إلَيْهِمْ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ فَوُضِعَ فِي الْمَاءِ فَطَفَى وَلَمْ يَغُصْ وَفِي النَّارِ فَلَمْ يَحْمِ فَعَجِبَ أَبُو طَاهِرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَأَسْنَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ [الْحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ مِنْ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا اسْوَدَّ مِنْ ذُنُوبِ النَّاسِ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ يَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ بِالإِيمَانِ وَأَنَّهُ حَجَرٌ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ وَلا يَسْخُنُ بِالنَّارِ إذَا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ] . قَالَ أَبُو طَاهِرٍ هَذَا دِينٌ مَضْبُوطٌ بِالنَّقْلِ وَمِنْ آيَتِهِ أَنْ تَفَسَّخَ تَحْتَهُ ( مات تحته) وَهُمْ ذَاهِبُونَ بِهِ قِيلَ أَرْبَعُونَ جَمَلا وَقِيلَ ثَلاثُمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَمَّا أُعِيدَ لِمَكَّةَ أُعِيدَ عَلَى جَمَلٍ أَعْجَفَ هَزِيلٍ فَسَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ}[2]
هذا هو قدر الحجر الأسعد فما بالكم بالمطاف الذي لا يسع أكثر من مائة ألف رجل يطوفون في وقت واحد لكنه لو اجتمع فيه كل سكان المعمورة في وقت واحد يسعهم بإذن الله وعلى هذا الحال أيضاً منى فهي مكان ضيق بين جبلين لا تسع إلا بضع آلاف قليلة
سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله كيف تسع منى الحجيج مع ضيقها؟ فقال صلى الله عليه وسلم {إن منى تتسع بأهلها كما يتسع رحم الأم بالجنين الذي فيه}[3] يتسع بطن الأم للجنين فإذا خرج رجعت كحالتها وهكذا منى وسئل صلى الله عليه وسلم ما بالنا ومن قبلنا نرمي بالكثير والكثير عند الجمرات ولا نجد له أثراً إلا القليل عند انتهاء المناسك؟ فقال صلى الله عليه وسلم {ما تُقُبِّل منها رفع، ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال}[4]
[1] رواه البخاري البيهقي عن أبي هريرة والبزار عن جابر والسيوطي في الفتح الكبير عن ابن عمر
[2] حاشية الجمل والوافي بالوفيات لسليمان بن إبراهيم
[3 رواه الشيخان
[4] سنن الدار قطني
https://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…EC&id=75&cat=3
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية_ج6_الحج وعيد الأضحى]
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً