سارع بالمتاب قبل الممات
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنها وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مر رجل ممن كان قبلكم بجمجمة ، فنظر إليها فحدث نفسه بشيء ثم قال: يا رب أنت أنت وأنا أنا ، أنت العواد بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب ، وخر لله ساجدا ، فقيل له: ارفع رأسك فأنت العواد بالذنوب وأنا العواد بالمغفرة ، [ فرفع رأسه ، فغفر له ] .
سلسة الأحاديث الصحيحة المجلد السابع 2
أبعث بهذه الرسالة إلى إخواني ممن سجد لله تعالى ولو سجدة واحدة يوما من عمره ، إلى كل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، إلى كل من هداه الله تعالى إلى جادَّة الصواب إلى الطريق المستقيم وذاق طعم الإيمان بالصيام والقيام في رمضان ، إلى كل محب لله وللرسول ، إلى كل ساعي لمغفرة ورحمة ورضوان من الملك الديان ، ودخول الجنان والزواج من الحور الحسان بفضل ومنَّة من الحنَّان المنَّان ، أقدِّم هذه الكلمات .
وهي عبارة عن وصية أوصيكم بها وأذكر بها نفسي أولاً وإياكم وأستحلفكم بالله أن استمروا في طاعة الله وعبادته ولا ترتدوا على أعقابكم ولا ترجعوا إلى سابقة عهدكم قبل رمضان من ترك للصلاة وسماع الأغاني والألحان ومشاهدة الأفلام وترك القيام والتطوع من الصيام بعد أن تذوَّقتم طعم الإيمان .
وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا )) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
أخي في الله يا من خرجت من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة يا من عبدت الله في رمضان أسألك بالواحد الديان ألا تعود إلى الظلمة بعد أن منَّ الله عليك بالنور ، يا من وجدت حلاوة الإيمان أسمع لقول النبي العدنان : (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار )) رواه البخاري ومسلم عن أنس .
وأسألك بالله العظيم أن لا تحرم نفسك من أن يتبشبش الله في وجهك بإقامة الصلوات وحضور الجماعات ، بهذا أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله : (( ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم ))
رواه ابن ماجه عن أبي هريرة – والتبشبش : هو الشدة في الفرح كفرحة أهل الغائب بغائبهم إذا عاد إليهم بعد غياب طويل – .
وإذا أحببت أخي في الله أن تتعرف أكثر عن مدى فرح الله بتوبة عبده إليه استمع لهذا الحديث على لسان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : (( لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله تعالى قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته .
رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم " فاستيقظ إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي و أنا ربك ! أخطأ من شدة الفرح "
فيا أخي لا تحرم نفسك من هذا الفرح العظيم من الرحمـن الرحيم فإنَّك لا تدري لعلَّك تكون ممَّن يضحك لهم علاَّم الغيوب فتكون ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، استمع لحبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول : (( … وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه ))
رواه أحمد وأبو يعلى وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .
فهو سبحانه : { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } (غافر:3) . وهو سبحانه : (( يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )) رواه مسلم والنسائي .
وهو سبحانه القائل في حديثه القدسي : (( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل و النهار و أنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني رواه مسلم عن أبي ذر )) .
أخي في الله اعلم أنَّ الله تعالى سنَّ في خلقة سنَّها عليهم ، سنَّة لا تتبدل ولا تتغيَّر وإن من سنته ما أخبر به سبحانه من قوله تعالى : { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً *قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه:123- 126) .
حيث سنة الله في خلقه اقتضت أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فإن حياتكم لا تتقلَّب ولا تتغير إلا بتقلبكم وتغيركم ، قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (لأعراف:96)
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } (النحل:112)
أخي في الله اعلم وإنَّ من سنن الله تعالى التي سنها وأجراها على خلقه ، أن جعل المعاصي سبب كل عناء ، وطريق كل تعاسة وشقاء ، ما أحلَّت في ديار إلا أهلكتها ، ولا فشت في مجتمعات إلا دمَّرتها وأزالتها ، وأما أهلك الله تعال أمة من الأمم إلا بذنب ، وما نجا وتاب إلا بتوبة وطاعة ، فإنَّ ما أصاب الناس من ضر وضيق في كل مجال من المجالات فردياً كان أو جماعياً ، هو بسبب معاصيهم وإهمالهم لأوامر الله عز وجل ونسيانهم شريعته .
وكتاب الله تعالى خير شاهد ، فقد عمَّ قوم نوح الغرق ، وأهلكت عاداً الريح العقيم ، وأخذت ثمود الصيحة ، وقُلِبَت قرى قوم نوح عليهم ، قال سبحانه وتعالى : { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (العنكبوت:40)
إنَّ أضرار المعاصي ، وشؤم الذنوب عظيم وخطير ؛ فهي موجبة للذل والحرمان ، جالبة للصد عن سبيل الرحمـن ، تورث الهوان ، هكذا قضى الملك الديان ،
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهمبينهم )) رواه ابن ماجه واللفظ له والبزار والبيهقي وهو صحيح .
و عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما اختلج عرق و لا عين إلا بذنب و ما يدفع الله عنه أكثر )) صحيح الجامع الصغير
إذاً فالمعصية جعلها الله سبحانه وتعالى سبب كل شقاء وبلاء ، كما جعل الله تعالى الطاعة سبب كل رخاء وهناء ،
فالمعصية إذاً تزيل النعم وتحل النقم . فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلَّ فيه نقمة إلا بذنب . قال سبحانه وتعالى { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )) رواه ابن ماجه عن أنس وهو حسن.
ولهذا أيضاً الحق جلَّ وعلا في علاه يذكرنا ممَّا أنزلنا إلينا من القرآن بكثير من الآيات ويوصينا دائماً بكثرة الاستغفار والتوبة ، فقال سبحانه : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً { ( نوح: 10- 12) .
وقال سبحانه : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(النور: من الآية31) )
وقال سبحانه : { أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (المائدة:74) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانيا و لو كان له واديان لابتغى لهما ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و يتوب الله على من تاب )) متفق عليه عن أنس
وقال أيضاً : (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) رواه ابن ماجه وهو حسن.
وقال أيضاً : (( لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم )) رواه ابن ماجه عن أبي هريرة انظر صحيح الجامع الصغير .
فيا أخي سارع إلى التوبة وداوم على العمل الصالح ولا تسوف التوبة ولا تقل أنا أتوب إلى الله في رمضان ، فهل عندك علم من الله أنك ستعيش إلى رمضان القادم ، أم لك عند الله عهد بأن يخر عنك ملك الموت حتى تتوب ، فوالله الذي لا إلـه غيره لا يضمن الواحد منَّا إن صلى الظهر أن يبقيه الله حتى يصلى العصر أو حتى ينتهي من صلاة الظهر ، فالأعمار بيد الملك الديان وكل شيء عنده بمقدار .فإياك وتأخير التوبة والإنابة إلى الله تعالى فإن تأخير التوبة توجب قسوة القلب والبعد عن الله
فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( إن العبد إذا أخطاء خطيئة نكتت في قلبه نكته سوداء فإن هو نزع و استغفر و تاب صقل قلبه و إن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه و هو الران الذي ذكر الله تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )). رواه الترمذي عن أبي هريرة .
قال تعالى : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون }َ (البقرة:81) . ولهذا علَّقَ الله سبحانه وتعالى التوبة بالإستغفار وعدم الإصرار ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135)
وقال صلى الله عليه وسلم : (( … ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا و هم يعلمون ))
رواه أحمد عن ابن عمرو . صحيح الجامع الصغير
أخي في الله إذا كانت محقِّرات الذنوب أي صغائرها إن اجتمعت على رجل أهلكته ، فكيف بالكبائر ، فكيف بترك الصلاة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضي منكم بما تحقرون )) سلسة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إياكم و محقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود و جاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم و إن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه )) رواه أحمد عن سهل بن سعد .
إخوتي في الله واحذركم الشيطان والذي منه حذَّر الملك الديان فقال تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ }(لأعراف:27)
وقال تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } (فاطر:6) . وتحذير الله سبحانه وتعالى عباده من الشيطان الرجيم جاء بعد طرده من رحمته بعد أن أبى السجود لآدم ، فأقسم الشيطان الرجيم بالله العظيم أنه ليقعدن لهم الصراط المستقيم بهذا أخبرنا الحق تبارك وتعالى
{ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } (لأعراف : 16-17 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الشيطان قال: و عزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب: و عزتي و جلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني )) رواه أحمد عن أبي سعيد .
فمن كان ألعوبة بيد الشيطان بعد أن حذَّر الله منه فلا يلومنَّ إلا نفسه ، حتى أن الشيطان يتبَّرأ منه يوم القيام بهذا أخبر العليم الحكيم : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (ابراهيم:22) .
فيا أخي عد إلى رشدك وسارع بالمتاب واعمل الحسنات فإنهن يذهبن السيئات وأعظم ماحي للسيئات " إقامة الصلوات " بهذا أخبر ملك الأرض والسماوات ، قال تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (هود:114)
وجاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا ))
رواه الطبراني وإسناده ( حسن صحيح ) انظر صحيح الترغيب والترهيب .
وجاء أيضاً من قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما منكم من رجل يقرب وضوءه فيتمضمض و يمج و يستنشق فينتثر إلا جرت خطايا وجهه و فيه و خياشيمه ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا جرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا جرت خطايا يديه من أطراف أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه كما أمره الله إلا جرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا جرت خطايا رجليه من أطراف أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله و أثنى عليه و مجده بالذي هو أهله و فرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه )) رواه مسلم عن عمرو بن عبسة .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتاني الليلة ربي في أحسن صورة فقال لي يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت نعم في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجماعة وإسباغ الوضوء في السبرات وانتظار الصلاة بعد الصلاة ومن حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه
رواه الترمذي وهو ( صحيح لغيره ) .
وجاء أيضاً : (( اتق الله حيثما كنت و أتبع السيئة الحسنة تمحها و خالق الناس بخلق حسن
رواه أحمد وأبو داود عن أبي ذر وهو في صحيح الجامع واسناده حسن .
جاء أيضاَ أنَّ أبا ذر قال : قلت يا رسول الله كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال (( إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فانها عشر أمثالها قلت يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات قال هي أحسن الحسنات )) ( حسن ) حسنه الألباني في كتاب كلمة الإخلاص .
وعن عبد بن بسر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثيرا )) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح والبيهقي .
وجاء أيضاً في سلسة الأحاديث من قوله صلى الله عليه وسلم (( من أحب أن تسره صحيفته ، فليكثر من الاستغفار )) .
وأختم هذه الرسالة بنصيحة قدمها العالم الجليل إبراهيم بن أدهم لرجل سأله أن يقدم له نصيحة يتذكرها إذا أراد أن يقترف خطيئة ، فقال له عليك بخمس كلمات ، فقال الرجل ائتني بالأولى
قال له : أما الأولى فإذا أردت أن تعصي الله فاعصه في ملك غير ملك الله ! قال الرجل : ما الذي تقوله يا إبراهيم والأرض كلها ملك الله تعالى ، قال تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ } (البقرة:107)
وقال أيضاً : { وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } (الزخرف:85) . فردَّ عليه إبراهيم بن أدهم أيجدر بك أن تعصي الله وأنت في ملك الله
قال ائتني بالثانية ، قال أما الثانية فإذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزق الله !! قال الرجل كيف يكون ذلك وكل ما في الكون من نِعَم فهو من رزق الله ؟!! والله تعالى يقول : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (هود:6)
وقال أيضاً : { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (العنكبوت:60) وقال أيضاً : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } (الذريات:58)
وقال أيضاً : { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } (الاسراء:30)
فرد عليه إبراهيم بن أدهم بقوله : أيجدر بك أن تعصي الله وأنت تأكل من رزق الله ! فقال الرجل ائتني بالثالثة : قال له : أما الثالثة فإذا أردت أن تعصي الله فاذهب إلى مكان لايراك الله فيه !! فرد عليه الرجل كيف ذلك والله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ } (آل عمران:5)
{عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }(سـبأ: من الآية3)
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (المجادلة:7)
– يُروى أنَّ أعرابياً التقى بأعرابية في باديتهم بعد أن أسدل الليل ظلامه فراودها عن نفسها ، فقالت له اذهب وانظر القوم هل هجعوا جميعا " وأرادت بذلك أن تعلمه درساً " فذهب الأعرابي مسرعا يتحسس الناس فوجدهم قد ناموا جميعا فعاد إلى تلك المرأة مسرعاً فرحاً أنه بعد قليل سيقضي وطره ويتمتع بشهوته والتي لا يبالي إن كانت في حرام ، فلماَّ رجع إليها قال لها : أبشري إن القوم ناموا جميعا ولا يرانا إلا هذه الكواكب ، فعند ذلك وجَّهت له السؤال الذي قصم ظهره ، قالت له : وأين مكوكبها .
إذا ما دعتك النفس لريبة في ظلمة الليل والنفس داعيةٌ للطغيان
فاحفظها من نظر الإلـه وقل لها يا نفس إنَّ الذي خلق الظلام يراني .
فسبحان من يرى ويسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء تحت الصخرة الصَمَّاء .
فقال إبراهيم بن أدهم للرجل أيجدر بك أن تعصي الله وأنت في ملك الله وتأكل من رزق الله وفي مكان يراك الله فيه .
–تخيَّل معي أخي في الله ، في رجل هو نزل ضيفاً عند أحدهم يبيت عنده ويأكل من طعامه ثمَّ يتجَّرأ عليه وعلى معصيته أمامه ، فما يكون من نظرة المجتمع لذلك الضيف الذي يقابل النعم بالنقم ، فما ظنَّكم إذا كان الذي يُعصى هو الله جلَّ وعلا في علاه !!! أعاذنا الله وإياكم من معصيته وجحد نعمه-
قال الرجل ائتني بالرابعة ، فقال : أما الرابعة إذا كنت مصر على المعصية وما زلت عليها ، فإذا جاءك ملك الموت لقبض الروح أطلب منه أن يمهلك قليلا حتى تتوب ! فرد عليه الرجل بقوله : كيف ذلك والله سبحانه وتعالى يقول : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ } (لأعراف:34) وقال أيضاً : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (المؤمنون:99)
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } (المؤمنون:100) – فلا يأتي ملك الموت إلا بأمر الحي الذي لا يموت ولا يأتي إلا بعد أن فنيت الساعات والدقائق وما بقي إلا ذلك النفس الذي تخرج معه الروح -. فرد عليه إبراهيم بن أدهم بقوله أيجدر بك أن تعصي الله وأنت لا تدري متى يأتيك رسول الله ليسترجع أمانة الله !!! .
فقال الرجل ائتني بالخامسة ، فقال له : أما الخامسة فإذا كان يوم القيامة وأمر الجليل بقوله سبحانه وتعالى : { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } (الحاقة:29- 32) .
– ونادى الجليل خذوه يا ملائكتي مرُّوا بعبدٍ عصاني النَّار عطشانا
المشركون غداً في النار يلتهب والموحدون في جنَّات الخلد سكَّنا
فلا تذهب معهم – أي مع زبانية جهنَّم – فصرخ الرجل باكياً ورجع منكسراً تائباً منيباً إلى بارئه سبحانه وتعالى .
وعند الختام أقول لكل من وقع في معصية في ذلَّة في خطيئة بحق الملك الديان أن يسارع بالتوبة إلى الله تعالى قبل أن يأتيه رسول الله ليسترجع أمانة الله ، فبالندم والتوبة النصوح ، وعدم العزيمة للعودة على المعصية ثانيةً وبالعمل الصالح الدَّؤوب يبدل الله السيئات حسنات وكان الله غفورا رحيما ، واستمع لهذا الحديث وهو مسك الختام : فعن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها فهل لذلك من توبة قال فهل أسلمت قال أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله
قال تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن
قال وغدراتي وفجراتي قال نعم قال الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى ))
رواه البزار والطبراني واللفظ له وإسناده جيد قوي ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
–اخوتي في الله هذا ما فتح الله علي في هذه الرسالة والتي أسميتها : – سارع بالمتاب قبل الممات – فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء –
وإلى لقاء قريب بمشيئة العزيز الحميد ورسالة أخرى
وإلى أن ألقاكم استودعكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته