وهذه الخدعة هي التي يستخدمها اليوم مدربو دورات الماكروبيوتيك والطاقة ودورات تربية الذات ومنها البرمجة اللغوية العصبية التي اتسع انتشارها وعظم قبول العوام لها .
إن هذه الدورات تخفي وراءها أغراضاً سياسية يجهلها أكثر المدربون ذوو النيات الحسنة فهي تدعو في جملتها إلى وحدة الأديان بدعوى السلام العالمي .
وقد علم مؤسسو هذه الدورات الغربيون بأنه ليس من السهل إخراج المسلم من عقيدته فاحتالوا لذلك بإلصاق فكرهم الضال بالفكر الإسلامي والترويج بأن تلك الفلسفات تنطلق من الفكر الإسلامي ولا تناقضه .
وهنا تلعب الترجمة دورها في التضليل وذلك بحذف وتغيير بعض العبارات التي لا تتناسب مع مبادئ الإسلام أو إضافة كلمات عقب بعض الأفكار لايهام القارئ بأنها إسلامية ككلمة (الله_الخالق ) بدلا من كلمة الطبيعة في حين أن الموضوع كله يتكرر فيه إسناد الفعل والخلق للطبيعة مما يؤكد التناقض والخلط في طريقة الأسلمة المزعومة .
وقد يأتي المترجم بجملة إنشاء الله أو بإذن الله بعد أفكار وأقوال تنسب المشيئة للكون أو للفرد نفسه .
ولتقوية بعض الأفكار الهدامة يتم تدعيمها بالآيات والأحاديث النبوية الشريفة أو أقوال الحكماء من المسلمين أو الاتيان ببعض الآداب الإسلامية أو الاستشهاد بما يشتبه بها من سير ة الصالحين من المسلمين .
كذلك نلحظ استغلال بعض المصطلحات الإسلامية التي تتلاقى ألفاظها مع بعض المصطلحات الموجودة في هذه الدورات مع أن معناها عند أهل هذه الدورات بعيد كل البعد عن الفكر الإسلامي مثل مصطلح التأمل والتنفس والبركة .
فمعنى التأمل في الإسلام يقصد به التفكر والتدبر في خلق الله للوصول إلى تعظيم الخالق وتعميق الصلة به والإيمان بقدرته وهيمنته على على الكون إلى غير ذلك من المعاني الكثيرة العظيمة .
أما لفظ التأمل الذي يكثر تداوله والتدريب عليه في هذه الدورات فهو من الطقوس الروحية التي يقصد بها الوصول إلى مرحلة النيرفانا ( الخروج من الوعي) أو الإدراك الأسمى ويقصد بذلك كله الاتحاد مع الإله والحلول فيه .
ومصطلح التنفس نفهم منه جميعاً المعروف من عمليتي الشهيق والزفير أما المعنى المقصود بالتنفس في الفلسفات الروحية ودوراتها التدريبية فهو أيضا رياضة روحية تساعد –بزعمهم- على تدفق الطاقة الكونية في مسارتها في الجسم فتكون لدى الإنسان قوة تمكنه من الشفاء وتكسبه الثقة بالنفس فيكون إله نفسه المتحكم في تصرفاته وإرادته بفضل الطاقة المتدفقة في جسده .
وأنت أخي القارئ لست بحاجة لأدوات قرائية متخصصة حتى تدرك تلك الأمور المخلوطة فيكفيك ما لديك من إيمان سليم وصحيح ، وما فقهت من أركان الإيمان والإسلام بهذه الأدوات ستكشف ذلك الزيف وسأضرب لك مثلا واحداً من كتاب قرأته حديثاً من سلسلة مكتبة الماكروبيوتيك الذي هو أصل لجميع تلك الدورات المنتشرة وعنوان الكتاب ( علم الطاقات التسع ) لمؤلفه ميتشو كوشي ، هذا الكتاب الذي يزعم صاحبه أن لطاقة النجوم والكواكب والأرض القدرة على التحكم في حياة الإنسان وقدره وحركته وميوله وعواطفه .
بعد هذا الضلال البين يتجرأ مترجم الكتاب ( يوسف البدر) بالقول بأن هذا العلم ليس من باب التنجيم أو الشعوذة أو من ادعاء علم الغيب فإن علم الغيب لله وحده ، فيقول : ( وأريد أن أبعد عن مخيلتك عزيزي القارئ مبدأ التنجيم والسحر والشعوذة) .ثم يقدم تحليلات وتعليلات تدل كل معطياتها على أن ما ينادي به إنما هو من علم التنجيم الذي يحرمه الدين وليس أدل على ذلك من قوله ( أما فيما خص القدر الإنساني فتؤثر هذه الدورة من الطاقة الفضائية على الإنسان وتفكيره وشخصيته وطباعه كما تؤثر على نمونا وتطورنا وبصورة خاصة على تطور قدرتنا العقلية والروحانية )
وبعد هذا العرض الموجز لهذه الأسلمة المشوهة نستطيع أن نفول أن عملية التعريب المطعمة بالشواهد والنصوص التي توحي بصحة الحقائق والقواعد الغربية ليست عملية تأصيل إسلامي بأي حال من الأحوال ..
ولا يعدو حشد النصوص الشرعية في طياتها على كثرتها سوى خلط بين المفاهيم وتلاعب بالألفاظ والدلالات مع الحفاظ على الأصول الفلسفية بل وتعزيزها ، وهذه نظرة قاصرة للتأصيل إذ مجرد الاستشهاد أو الاقتباس لا يفيد شيئا مقابل إبقاء الأغراض والفلسفات كما سبق في الشواهد .
( إن عملية التعريب مهما كانت متميزة فذة مستندة على التوثيق والتصرف والاستشهاد والانتقاء والمقابلة التي يقوم بها بعض الغيورين على الدين لا تصلح لأن تكون عملية تأصيلية مجردة مالم تعقبها دراسة واعية أخرى على أيدي العلماء الربانيين الذين يستنبطون الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ويعلمون المصالح والمفاسد ويدركون الأصول والمقاصد …
وقد وقع معربو هذه الأطروحات الوافدة فيما وقع فيه أسلافهم من معربي كتب الفلسفة وعلم الكلام قديماً لاغفالهم لجانب البناء العقدي وعدم اعتزازهم بأصالة المنهج الإسلامي .
إن خدعة الأسلمة التي تظهر ذلك الميل نحو التدين وتخاطب النـزعة الفطرية لدى الناس في حب التدين والميل للتعبد تحمل في طياتها الكثير والكثير من التشويه وعدم الواقعية)
مجلة المدينة / الثلاثاء 22/5/1424 هـ
من كتاب تربية العظماء لجمال الحوشبي وكتاب الوثنية في ثوبها الجديد للكاتبة د. نجاح بنت أحمد الظهار