2- تعني الإمامة في اللغة كل من اقتدى به أو ائتم به قوم سواء كان صالحاً أو طالحاً، وفي الاصطلاح تعني: رئاسة عامّة للدين والدنيا لا عن دعوى النبوة.
3- للقائم بأمور المسلمين عدد من الألقاب، ومن ذلك الخليفة، وأمير المؤمنين، والملك والسلطان، ومن الألقاب المنهي عنها شرعاً: ملك الأملاك، وشاهان شاه، وما ألحق بهما.
4- للإمامة في الإسلام أهمية عظمى وفوائد جمّة فبها تقام الحدود وتحفظ الفروج وتؤدى العبادات وغير ذلك، ولهذا أجمعت الأمّة على وجوب نصب الإمام ، وأنه من فروض الكفايات.
5- للتولي على المسلمين عدد من الطرق، ومن ذلك ثبوتها بالنص، وقد ثبت هذا النص لقبيلة معينة وهم قريش، ولم يثبت لشخص بعينه لا الصديق ولا غيره، ومن طرق التولي كذلك العهد والاستخلاف، كأن يعهد الخليفة لأحد من المسلمين بعده أو لجماعة يكون أحدهم هو الإمام، ومن الطرق –أيضاً- اختيار أهل الحلّ والعقد، وأن طريقة الانتخابات ليست طريقة شرعية لتولي الإمامة.
6- أن من غلب على الناس بسيفه حتى صار إماماً، فإنّه يجب على المسلمين السمع والطاعة له بالمعروف، ويبايع له، وعلى هذا أجمع أهل الإسلام.
7- قد أمر الله عز وجل بطاعة أولي الأمر بالمعروف وذلك في قوله تعالى: ﮋ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ، والمقصود بهم في الآية العلماء والأمراء، وكذلك جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة دالة على ذلك دلالة قاطعة، وأجمع أهل السنة من عهد الصحابة إلى عصرنا هذا على وجوب طاعة الحكام بالمعروف، والنهي عن الخروج عليهم ماداموا في إطار الإسلام، والآثار عنهم في ذلك كثيرة وعديدة.
8- إن أمر الحاكم بأمر واجب في الشرع فإن طاعته واجبة إذ هي في الحقيقة طاعة لله ولرسوله، وإنما وافق أمر الحاكم أمر الله ورسوله، لكن أمر الحاكم يجعل الواجب الكفائي عينياً، ويجعل الواجب الموسع مضيقاً.
9- وإن أمر بمندوب شرعاً، فإنه ينقلب في حق المأمور إلى واجب من الواجبات، وذلك إن أمر به على وجه الإلزام لا التخيير؛ لأنّ الشارع قد أمر بطاعته، وامتثال أمر الشارع واجب.
10- أما إن أمر الحاكم بمسألة اجتهادية يسوغ الاجتهاد فيها بحيث لا يخالف نصاً ولا إجماعاً، فإنه يجب العمل بما رآه الحاكم وحكم به، ويسلم له في ذلك ، والمجتهد من الرعية إن كان يخالف اجتهاد الحاكم فإنه يعمل به ظاهراً أما باطناً فإنّه يتدين بما يراه حقاً، ومع ذلك لا يبخل على الحاكم بإسداء النصيحة له وتوجيهه للحق والصواب في تلك المسألة المجتهد فيها.
11- لكن إن حكم في مسألة بحكم باجتهاده ولم يعلم أن المسألة منصوص على حكمها بخلاف ما حكم به، فهنا يكون الحاكم بين الأجر والأجرين إن كان قد أدى ما يجب عليه من البحث والتحقيق، أما الرعية فهم غير ملزمين باتباعه على اجتهاده؛ إذ لا يجوز تقديم قول أحد كائناً من كان على النص الشرعي، لكن من غير خروج عليه أو منابذة له مع عدم تقصير في باب النصيحة.
12- بين أهل العلم الفرق بين ديار الكفر وديار الإسلام، وجعلوا الضابط لذلك هو غلبة الأحكام وكثرة السكان، ولا يصح قول من يقول إن حكم الديار مرتبط بإسلام الحاكم أو كفره، وهذا ما ينادي به عدد من أهل الأهواء في هذا العصر، ليجعلوا ذلك مبرراً للخروج وسبباً لقتل من كان مع الحاكم من المسلمين.
13- الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام لا تزال باقية إلى يوم القيامة، فمن لم يستطع إظهار دينه، فإنه يجب عليه أن يهاجر إلى بلد إسلامي يستطيع فيه إظهار دينه، وإظهار الدين يعني إظهاره كاملاً بما في ذلك البراءة من الكفر وأهله وبغضهم، ويشترط في المقيم أن يكون عالما بأمور دينه، آمناً من الفتن، وأن لا يكون ذلك البلد معسكر لأهل الحرب أعدوه لقتال المسلمين، كما لا يجوز له أن يأخذ جنسية ذلك البلد الكافر.
14- كما تبين لي أن الحاكم الكافر الأصلي ليس له سمع ولا طاعة؛ إذ لا ولاية له بإجماع المسلمين، لكن إن أمر بواجب أو مستحب مقرر شرعاً، فيجب امتثال أمره لا لكونه مطاعاً بل لكون ذلك الأمر مقرراً شرعاً، أما إن أمر بأمر مباح كالتنظيمات وغير ذلك، فقد تكون واجبة إذا راعينا حيثيات كثيرة، منها: حفظ النفس، ودرء المفاسد، وإظهار محاسن الإسلام، وغير ذلك.
15- أن الحاكم إن أمر بمعصية لله تعالى؛ فإن طاعته في ذلك لا تجوز، لدلالة الكتاب العزيز والسنة النبوية وإجماع المسلمين على ذلك، وسار على هذا الحكم أهل العلم في القديم والحديث، ولا يعني هذا نزع اليد من الطاعة نهائياً، بل إنه لا يطاع في تلك المعصية فحسب وتبقى طاعته في غيرها من المعروف، ففعل المعصية ليس من مسببات الخروج، أما إن أمر بأمر لا يُدرى أهو معصية أم لا، فحينئذ يجب على المأمور التحري والسؤال قبل الإقدام إبراءً لدينه.
16- من أطاع الحاكم في معصية الله أثم بلا شك إلا أن يكون مكرهاً أو جاهلاً، لكن إن كان عالماً بهذا التحريم واستحلّه واستباحه طاعة للحاكم فهذا يكفر بفعله، وإن كان إقدامه على ذلك عن هوى وشهوة من غير استحلال فلا يكفر.
17- إن أكره الحاكم أحد رعيته على معصية الله وتوفرت شروط الإكراه، فإن الإكراه ينهض أن يكون رخصة للإقدام على المعصية، وإن صبر على البلاء والمكروه، فإن ذلك أفضل وأعظم أجراً خاصة إن كان ممن يقتدى به، لكن إن علم حاجة الأمة له، وعدم استغنائهم عنه فالأفضل في حقه أن يقدم على المعصية.
18- من الواجبات على الرعية ومن حقوق الأئمة عليهم: الاجتهاد في إسداء النصيحة، وعدم تجاوز ضوابطها الشرعية، كالإخلاص والسرية والرفق واللين والعلم وعدم ترتب مفسدة أعظم ومنكر أكبر، وغير ذلك.
19- طاعة الحاكم فيما يأمر به من الكفر بالله لا تجوز البتة، بل إن التحريم هنا أولى وأحرى من تحريم طاعته في المعصية، لكن إن أكره على ذلك فله الإقدام على ما أكـره عليه إذا توفرت شروط الإكراه، وبشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان، فالمكره على الكفر إن اطمأن به وانشرح له صدره ورضي به كَفَر، وأما الحاكم فلا يحكم بكفره لمجرد أمره بالكفر بل لابد من النظر في توفر الشروط وانتفاء الموانع، كما أن المأمور إن أمكنه استخدام المعاريض والتدليس حتى يخلص من إكراه الحاكم له على الكفر، فإن ذلك واجب عليه، مع التنبيه على أهمية النصيحة للحاكم في هذا الباب.
20- إذا أمر الحاكم الكافر الأصلي من يعيش في بلاده من المسلمين بكفر أو معصية فلا تجوز طاعته إطلاقاً، كالدخول في سلكهم العسكري في حرب ضد المسلمين.
21- لاعتداء الحاكم على الرعية صور كثيرة منها الاعتداء على الدين، وهذا الاعتداء إما أن يكون في مكان مخصوص فيجب الانتقال من ذلك المكان إلى غيره، مع الاجتهاد في نصيحة المسؤولين عن ذلك المكان، وإن كان الاعتداء عاماً في البلد كلّه ، فتجب حينئذ الهجرة إلى مكان يستطيع فيه إقامة دينه.
22- وأما اعتداء الحاكم على عرض الرعية فله أحوال منه ما يكون اعتداء بالسب والقذف فهنا يجب الصبر وعدم المدافعة ، أما إن وصل الاعتداء على الفرج والحريم فلا يجب الصبر وإنما يحاول صرف هذا الاعتداء عنه بكل وسيلة مشروعة يستطيعها، وإن لم تفد تلك الوسائل فيجب عليه أن يقاتل دون أهله، وإن أدى ذلك إلى قتله فهو شهيد، أما إن لم يستطع المدافعة واعتدي على عرضه فليس له أن يخرج على إمامه أو يقاتله لأن فعله هذا لا يعدو أن يكون معصية لا تسوغ الخروج عليه، أما في حال الإكراه فيجوز للمرأة المكرهة على الزنا أن تفتدي بنفسها عن القتل .
23- أما الاعتداء على النفس، فإن كان فيما دون القتل فيجب حينئذ الصبر والسمع والطاعة لكن، للمعتدى عليه أن يستنفد سبل الوقاية له من هذا الاعتداء، وإن كان الاعتداء على النفس بالقتل وإزهاق الروح، فأهل العلم كالمجمعين على استثناء السلطان من حكم الدفع عن النفس، مع جواز استنفاد وسائل الدفع بما هو دون المقاتلة .
24- وإذا اعتدى الحاكم على مال الرعية فما لهم إلا الصبر والاحتساب والسمع والطاعة .
25- وإن أمره باعتداء على دين أحد من الرعية فلا تجوز طاعته، إلا إن أكره على ذلك، مع وجوب توجيه النصيحة وإرشاده إلى حكم ذلك الفعل .
26- وكذا إن أمره باعتداء على عرض الغير فتحرم طاعته في ذلك، أما إن أكرهه فإن كان على فعل ما دون الزنا، فيجوز له الإقدام، وينهض الإكراه أن يكون رخصة، أما الزنا ونحوه فالإكراه فيه -أيضاً- متصور، وينهض كذلك كونه رخصة للإقدام .
27- وإن أمره بالاعتداء على نفس الغير، فهذا مما تحرم طاعة الإمام فيه، أما إن أكره على ذلك، فإن كان بما هو دون القتل، كالضرب ونحوه فيجوز له الإقدام، وإن كان أكره على قتل غيره، فلا يجوز له الإقدام على ذلك، وهذا محل إجماع .
28- وكذا إن أمره بالاعتداء على مال الغير، فلا تجوز طاعته، أما مع الإكراه فيجوز له الإقدام، إن كان التوعد بالقتل أو بقطع عضو أو ما يحدث تلفاً وكان المكرِه حاضراً، وإن علم أن في إقدامه -ولو من غير إكراه- على الاعتداء على مال الغير تخفيف من الظلم، كأخذ بعض مال الغير، فقد جوز أهل العلم له الإقدام على ذلك .
29- وفيما يتعلق بأفعال الحاكم في نفسه، فإن كان مرتكباً للبدع فلا يجوز الخروج عليه، وتثبت إمامته، ويجب له السمع والطاعة في المعروف، مع كراهية ما يأتي من بدع، مع الحرص على توجيه النصيحة له، وتحذيره من البدع وأهلها، ويجوز أداء العبادات خلفه كالحج والجهاد غير أن الصلاة فيها تفصيل لأهل العلم؛ فإن كان داعية ولم يمكن إقامة الجمع والأعياد والجماعات إلا خلفه؛ فإنّ الصلاة خلفه صحيحة مجزئة، ولا يجوز تركها خلفه، وأمّا إن أمكنه أن يصلي خلف غيره من أهل العدل، فالصلاة حينئذ صحيحة سواء أكان يمكن الصلاة خلف غيره أم لا، مع كون الأولى أداؤها خلف غيره، ومن حقوقه -كذلك- الدعاء له والنهي عن سبه ولعنه وعدم التعرض لما هو منوط به.
30- كما أن الحاكم إن ارتكب المعاصي والآثام فلا يجوز اعتقاد عدم ثبوت إمامته، ولا الخروج عليه، وتجب له الطاعة والنصيحة والتوقير والدعاء، وعدم التعرض لما هو منوط به، مع كراهية ما يأتي من معصية الله، والأحاديث في ذلك متواترة، والسلف مجمعون على ذلك، والأئمة يتناقلون هذا القول في كتبهم ومصنفاتهم إلى عصرنا هذا.
31- عدم صحة احتجاج من احتج بخروج من خرج من السلف –كاحتجاج ابن حزم ومن تبعه- وذلك لمخالفته لما نصّ عليه الشارع الحكيم، وعند النظر في نسبة هذه الأقوال إليهم، فإن أكثرها لا يصح، كعدم ثبوت ذلك عن علي وطلحة والزبير وعائشة ومالك والشافعي وأحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، وأما من خرج فإن السلف قد أنكروا عليه ونصحوه وبينوا عاقبة أمره وفعله، فبعضهم تراجع وندم، وبعضهم لم يُحمد له أمره وما فعله.
32- أما الصلاة خلف أئمة الجور؛ فإن كان يصليها في وقتها فتجب الصلاة معه، ولا تجوز إعادتها، وإن أخرها عن وقتها فيجب أداؤها في وقتها، ولو منفرداً، وإن جاء إلى الجماعة ووجد الناس يصلون صلى معهم واحتسبها نافلة.
33- ومن حقوقه أداء الزكاة له، أما إن علم أنّها ستصرف في غير مصارفها الشرعية فيستحب أن يلي تفريقها بنفسه سواء كانت أموالاً باطنة أو ظاهرة، لكن إن أعطاها للسلطان خوفاً منه، فإنّها تجزئ عنه.
34- للكفر نوعان: كفر مطلق وكفر معين، أما الكفر المطلق فهو الحكم على مقالة أو فعل أو اعتقاد أنه كفر لدلالة نصّ أو إجماع على ذلك، وأما الكفر المعين فهو ما يبحث عن انطباق وصف الكفر على الشخص بعينه، وله شروط يجب توفرها، وموانع يجب انتفاؤها، ومن ذلك العقل والبلوغ وإقامة الحجة والاختيار والسلامة من التأويل.
35- إن ارتكب الحاكم كفراً بواحاً ظاهراً لا خفاء فيه، وتوفرت شروط الخروج والتكفير؛ فإنه يجب القيام عليه، وليس له سمعٌ ولا طاعةٌ، ومن شروط الخروج عليه القدرة، وعدم حصول مفسدة أكبر من مفسدة بقائه، والترجيح بين المفاسد والمصالح من مهمات العلماء بل خاصة أهل العلم.
36- أما عن حكم إزالة الحاكم الكافر الأصلي فإن كان متولياً على دولة كافرة حربية، فإن على المسلمين الذين يعيشون تحت حكمه الاجتهاد في الهجرة من تلك البلاد، ولا يغامرون فيواجهون الكفار ويقاتلونهم، فإن ذلك يعود على المسلمين بالإبادة والقضاء، أما إن كان هذا الحاكم الكافر متولياً على المسلمين في بلد إسلامي، فيجب على الرعيّة الاستعداد لإزالته وإبعاده عن المسلمين، لكن يشترط في ذلك القدرة وعدم حصول مفسدة أكبر من مفسدة بقائه.
37- وللمسلمين المقيمين في بلاد الكفر أن يضعوا عليهم أميراً أو مسؤولاً ينظم أمورهم، ويفصل بين منازعاتهم، وهذا من باب إقامة الدين، فإن بعض العبادات لا تقوم إلا به كإمامة الصلاة، وعقد النكاح، ويشترط أن يكون عالماً أميناً قوياً، وليس له ما للإمام المطاع، وإنما هو من إتمام إظهار دينهم.
38- أن لاتباع منهج السلف في باب معاملة الحكام آثاراً عظيمة وثماراً يانعة يجنيها الفرد والمجتمع والدولة، وهذه الآثار تتعلق بجميع جوانب الدين والدنيا، فمنها الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.
39- وعلى النقيض من ذلك فإن لعدم اتباع منهج السلف في هذا الباب آثاراً أليمة، ومفاسد عظيمة، وفتناً وويلات، يجرها هذا التفريط أو الإفراط على الفرد والمجتمع والدولة الإسلامية، على جميع جوانب الدين والاجتماع والاقتصاد والسياسة.
لقد حدثني مالك بن دينار-رحمه الله- أن الحجاج كان يقول:"اعلموا أنكم كلما أحدثتم ذنباً أحدث الله في سلطانكم عقوبة". .
وعن سويد بن غفلة –رحمه الله-قالقال لي عمر رضي الله عنه يا أبا أمية، إني لا أدري لعلي لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر، وإن حرقك فاصبر، وإن أراد أمراً ينقص دينك فقل: سمع وطاعة، دمي دون ديني ، ولا تفارق الجماعة.
بارك الله فيك وجزاك عنا كل خير
[b]و فيكم بارك الله .[/b]