تخطى إلى المحتوى

جراحة الجمجمة والدماغ عند الأطباء العرب 2024.

الدكتور/ عبد القادر عبد الجبار
حلب- الجمهورية العربية السورية

لقد وجدت في كتابات الأطباء العرب في هذا الجزء الدقيق من الجراحة الشيء الكثير، ولا أبالغ إن قلت إن بعض القواعد التي أرسوها بهذا الباب من الجراحة مأخوذ بها إلى اليوم، فحقيقة كسر الجمجمة وكون هذا الكسر لا يندمل أشاروا أنه في ذلك الزمان، وهذا برهان على أنهم شرحوا جثث الموتي بعد فترات طويلة من إصاباتهم، وعرفوا ان كسورهم لم تلتئم كباقي عظام الجسم، كما أن اهتمامهم بالورم الدماغي الذي يتبع هذه الإصابات وطرق معالجته بإحداث حالة نقص المياه بالجسم هي الطريقة المثلى المتبعة إلى اليوم في علاج هذه الظاهرة.
ناهيك عن وصف دقيق للأدوات الجراحية لكل حال من أحوال الاصابات على الجمجمة وسأمر على بعض كتابات عدد. من الأطباء العرب وأخص بالذكر:
ا- على ابن العباس المجوسي (1)
2- ابن سينا (2)
3- ا لزهرا وي (3)
4- ا لبغد ادي (4)
5- ا لسمرقندي (5)

"علي ابن العباس "
لقد اتي علي بن العباس على التعاريف الدقيقة لكسور الجمجمة، فعنده الشق البسيط وعنده القوي، وهو شق مع خروج العظم المكسور إلى خارج، وعنده كسر القحف بأجزاء كثيرة، وعنده الشعر العظمي فيقول:
(ومن الناس من يضيف إلى هذه الأنواع نوعا آخر يسمى الشعري وهو شق رقيق يخفى عن الجس وهو كثيرا ما يخفى بلا تبين المس وربما كان سببا للهلاك).

لقد بين إبن العباس أن خطر هذه الكسور لا يرتبط بأشكالها فقط بل يرتبط بآلية حدوثها وبالأعراض العصبية الناتجة عنها فقال :
(فإنه يتبير إما من قوة الجسم الذي وقعت منه الآفة بالرفس من فضله ومن صلابته ومن قوة الضارب له، وإما الأعراض التي تعرض للمضروب كاللوز اللهائية وذهاب الصوت).

وبعد ان استعرض ابن العباس أنواع الكسور وطرق علاجها نوه بطريقة تضميد جروح الجمجمة بعد جراحتها مبينا ضرورة عدم شدها شداً قوياً لما لذلك من الأثر الضار على المريض فقال:
(فخذ خرقة كتان واغمسها في دهن ورد وضعها على الجرح كله برفق وشد ذلك برباط شداً رقيقا بمقدار ما تثبت الرفائد على الموضع).

لم ينس ابن العباس تعداد أسباب تفاقم الورم الحاد بعد كسور الجمجمة وكون هذا الورم يعتمد على شدة الإصابة وعلى تفتت العظام ودخولها المخ وأغلفتهـه، وعلى طريقة الجراحة، والخشونة في التعامل مع عظام الجمجمة وأغلفة المخ، ويعتمد تفـاقم الورم على الإكثار من الطعام والتعرض للبرد فقال:
(وهذا الورم يعرض لهذا للصفاق إما بسبب شظية يجس بحدتها واما سبب الشد والرباط والفتل بحمية ،وإما بسبب الإكثار من الغذاء، وإما بسبب البرد).

"ابن سينا"
لقد أوضح ابن سينا حقيقة علمية كبيرة في كسور الجمجمة وهي أن عظام- الجمجمة إذا انكسرت لاتلتئم بالطريقة التي، تلتئم فيها باقي عظام الجسم بل تبقى منفصلة وبشكل دائم وما يجمعها ببعضها بعد الكسر نسيج ليفي مجمع فقال:
( فاعلم أن عظام الرأس تخالف عظاما أخرى إذا انكسرت لم تجر الطبيعة عليها شيئا قويا كما تجريه وتثبته على سائر العظام بل شيئا ضعيفا).

ولقد قسم كسور الجمجمة إلى نوعين حسب ترافقها بالجروح أو عدمه الاول كسور مغلقة:
لا ترافق بجروح وهذه خطرة لما يرافقها من التورم واحتباس الدم والصديد فقال:
(كثيرا ما يعرض أن ينكسر القحف ولا ينشق الجلد بل يتورم فاذا اشتغل بعلاج الورم ولم يتعرض للشجة فربما عرض أن يفسد العظم من تحت وتعرض قبل البرء أو بعده أعراض رديئة من الحميات والرعشة وذهاب العقل وغير ذلك فيحتاج إلى أن يشق).

الثاني كسور مفتوحة:
وهذه الكسور تكون مرافقة بجروح وشدة الإصابة هنا تعتمد على حجم الجرح وقوة السبب المؤذي وعلى شدة الاعراض الناتجة عن الكسر فقال:
(ولهذا ما يجب ان نتأمل حال الكسر، ومبلغ قوة الكسر في ثقله وفي عظمه أو في قوته فنعلم بذلك مبلغ ما يجب ان يكون من الكسر وكذلك الأعراض قد تدل على ذلك، مثل السكتة والسدر وبطلان الصوت وما أشبه ذلك، وقد يدل انشقاق في الجلد في كثرته واختلافه أو في وقوعه على سمت واحد على حال الكسر أيضا).

حتى ان الكسر عنده بحسب نفاذه في عظم الجمجمة له درجات فمنه شعر العظم، ثم الصدع النافذ، ثم الكسر الغائر.
وبقدر ما أتى ابن سينا على تصميفا اصابات الجمجمة استفاض بطرق علاجها وقارنها بما تعلمه من الاقدمين، ففي الكسور الغائرة والمتفتتة يرى ضرورة إجراء ثقوب وإزالة العظام الغائرة عن اغلفة المخ فقال:
(وان كان العظم ضعيفا من طبعه، أو من الكسر الذي عرض له فينبغي ان ينزعه بمقاطع بعض بحذاء بعض ويبتدىء من اعراض ما يكون منها ثم يستبدل منها المقاطع الرقيقة، ثم يصير إلى الشعرية ويستعمل الرقيق في النقر والضرب، لئلا يؤذي الرأس ويقلعة ،وان كان العظم قويا ينبغي أولا أن يثقب بالمثاقب التي تسمى غير غائرة وهي مثاقب يكون لها نتوء قليل).

وفي هذه الطريقة يختلف في المعالجة واستعمال الأدوات الجراحية عن جالينوس الذي يؤثر طريقة أخرى وادوات مختلفة فقال:
(قال، جالينوس اذا أنت كشفت جزءا من عظم الرأس فصير تحته مقطعا يكون الجزء الذي يشبه العدسة في آخره ثانيا كالاملس ويكون الحاد في الطول حتى يكون العرض العدسي مستديرا على الصفاق ، وينبغي ان يضرب من أعلاه بالمطرقة ويقطع عظم الرأس).

لم ينس ابن سينا حالة المريض العامة التي قد تسوء من إصابة الجمجمة فأولاها من عنايته فذكر أنه في حال إصابة رأس المريض وغياب وعيه يجب المبادرة الى فصد العرق، كما يجب إحداث حالة نقص المياه في الجسم، وهذا يؤدي إلى تخفيف ورم الدماغ ويتبع هذا تحسن المريض فقال:
(واستعمل فصد العرق ان لم يكن هناك شيء ما يمنع من ذلك، وإلا فالاقلال ست من الطعام أو التدبير الذي يصلح للاورام الحاره مثل النطل بدهن الورد الحار).
وفي مكان آخر قال:
(فاذا داوم الورم الحار ولم يكن شيء مانع من أخذ دواء مسهل مره بفعل ذلك).

وكما اشرت سابقا ان ابن سينا أرسى قواعد في هذه الجراحة ثابتة ومستعملة إلى اليوم، حيث ان العلاج الجيد لارتجاج المخ هو احداث حالة نقص المياه بالجسم وهذا يخفف من الضغط داخل الجمجمة ولكننا الآن نستعمل مدرات البول بدل المسجلات.
الزهرا وي:
ما تميز به الزهراوي هو طريقة التشخيص الجراحية معتمدا على العلامات والاعراض الريرية وفي كسور الجمجمة بالذات يضيف للاعراض والعلامات طريقة الاستكشاف الجراحي للوصول للتشخيص النهائي للاصابة فيقول:

(ونتعرف، جميع هذه الانواع بالكشف عليها وتفتيشها بالمسابير وانتزاع اللحوم الفاسدة من عليها واما النوع الشعري فيعرف بأن يكشف على العظم ويمسح ويلطخ عليه بالمداد فإن الكسر يظهر اسود).
كما تميز الزهراوي بوصف الخطوات العملية لجراحة الجمجمة وما يجب على الجراح تحضيره من أدوات خاصة لكل نوع من الاصابات كما ان للزهراوي ادواته الخاصة التي ابتكرها لانواع الجراحات المختلفة فقال:
(فان كان كسر العظم قد بلغ إلى الغشاء المغشي على الدماغ وكان مع هشم ورض فينبغي ان تقطع الجزء المتهشم المرضوض على ما أنا وأصفه لك وهو ان تحلق رأس العليل المجروح.. فان عرض لك عند الكشف على العظم نزف دم أو ورم حار فقابل ذلك بما ينبغي وهو ان تحشو الموضع بخرق مغموسة في شراب ودهن ورد وفق الجرح حتى يسكن الورم وتأمن النزف ثم تأخذ في تقوير العظم وذلك يكون على احد وجهين من العمل فأما الوجه الواحد فهو ان تقطع العظم بمقطع لطيف ضيق الشفرة وهذه صورته فان كان العظم قويا صلبا فينبغي ان تثقب حوله قبل استعمالك القاطع- بالمثاقب التي سموها غير غائضة).
عبد اللطيف البغدادي:
لقد اهتم البغدادي بتصنيف كسور الجمجمة لما له أهمية في وسيلة معالجتها فقد وصف شعر العظم والكسر البسيط المتفتت والكسور البارزة للاعلى والداخلة إلى عمق الجمجمة، واتى اخيرا على وصف الكسر المنخسف حيث يتم انخفاض العظم للداخل دون كسره كما يحصل في آنية الفضة فقال:

(واما ان يتهشم اجزاء وينتهي لا تخفسه إلى الغشاء والصلب وقد يتهشم العظم في سمكه وينتصع إلى داخل من غير ان ينفصل اتصاله كما يعرض لآنية الفضة والرصاص).
لقد أتى البغدادي بشاهد حي عن ازدهار هذه الجراحة وممارستها في ايامه، عكس ما قاله الكثيرون ان العرب نقلوا الجراحة ولم يمارسوها فقد ذكر حال عدد من المرضى عولجوا من كسور الجمجمة وتحسنوا فقال:
(ولقد رأيت من أخذ من رأسه قطع من العظام وسلم، ورأيت انسانا قد أخذ من قحفه قطعة عظيمة وصار فى رأسه حومة اذا صاح أو استرق النفس على الوضع من القحف كان كالرمانة العظيمة ).
نجيب الدين السمرقندي:
لقد اهتم السمرقندي بمعالجة الورم الناتج عن اصابات الجمجمة وضرورة تخفيفه بتليين الطبيعة وبفصد العرق كما اشار إلى استعمال الحقن الشرجية فقال:

(فان وقعت السقطة أو الضربة على الرأس فينبغي ان يلين الطبيعة ويندفع بعد الفصد بحقنة لينة وبماء الفواكه).
واهتم أيضا بجروح الجمجمة ووصف المراهم والأدوية اللازمة لتضميدها فقال:
( ويوضع على الرأس خل خمر مضروب بدهن ورد وما ورد ويضمد بورق الآس والجلنار وقشور الرمان مطبوخة بالماء والخل مع قليل من عود ومسك وشراب قابض وقصب الزيرة ويعطي من ادمغة الدجاج بعد اليوم الثالث ) .

المراجع

(1) كتاب الاسباب والعلامات .
(2) القانون والجزء الثالث .
(3) كتابة الجراحة .
(4) كتابة المختارات فى الجراحة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.