تخطى إلى المحتوى

تَقْدِيرُ اللهِ لا يَتَغَيَّر

بَعْضُ الْجُهَّالِ يَعْتَرِضُونَ عَلَى قَوْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْألُكَ رَدَّ القَضَاءِ وَلَكِنْ نَسْألُكَ اللُّطْفَ فِيهِ، يَقُولُونَ: هَذَا مُعَارِضٌ لِلْحَدِيثِ الْحَسَن: "لا يَرُدُّ القَضَاءَ إلا الدُّعاءُ"، يَقُولُونَ: كَيْفَ لا نَدْعو اللهَ بِرَدِّ القَضاءِ والرَّسُولُ أَخْبَرَ بِأنَّهُ يُرَدُّ؟

الرَّدُّ أن يُقالَ لَهُمْ يُوجَدُّ قَضَاءَانِ، قَضَاءٌ مُبْرَمٌ وَقَضَاءٌ مُعَلَّقٌ، فَالقَضَاءُ الْمُبْرَمُ لا يَرُدُّهُ شَىْءٌ، لا دَعْوَةُ دَاعٍ وَلا صَدَقَةُ مُتَصَدِّقٍ ولا صِلَةُ رَحِمٍ، وَالْمُعَلَّقُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ في صُحُفِ الْمَلائِكَةِ الَّتي نَقَلُوهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَثلاً يَكُونُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُم فُلانٌ إِنْ دَعَا بِكَذَا يُعْطَى كَذَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لا يُعْطَى وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا سَيَكُونُ مِنْهُ فَإِنْ دَعَا حَصَلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ دُعاؤُهُ رَدَّ القَضَاءَ الثَّانِيَ الْمُعَلَّقَ، وَهَذَا مَعْنى الْقَضَاءِ الْمُعَلَّقِ أَوِ الْقَدَرِ الْمُعَلَّقِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَقْدِيرَ اللهِ الأَزَلِيِّ الَّذي هُوَ صِفَتُهُ مُعَلَّقٌ عَلَى فِعْلِ هَذَا الشَّخْصِ أَوْ دُعَائِهِ فَاللهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَىْءٍ بِعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ، يَعْلَمُ أَيَّ الأَمْرَيْنِ سَيَخْتَارُ هَذَا الشَّخْصُ وَمَا الَّذي سَيُصِيبُهُ وَكُتِبَ ذَلِكَ في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْضًا وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الَّذي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِالدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنَ الْقَدَرِ" فَقَوْلُهُ "لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ" مَعْنَاهُ فيما كُتِبَ مِنَ الْقَضَاءِ الْمَحْتُومِ وَقَوْلُهُ "وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِالدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنَ الْقَدَرِ" مَعْنَاهُ الْمَقْدُورُ، وَيَدُلُّ على ذَلِكَ مَا وَرَدَ في حَديثِ مُسْلِمٍ أَنَّ الرَّسُولَ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ قالَ: "سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي ثَلاثًا فَأَعْطَاني ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَني وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتي بِالسَّنَةِ[1] العَامَّةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسألْتُهُ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَأصِلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بأسَهُمْ بَيْنَهُم فَمَنَعَِيها، وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ" اهـ. هَذَا الْحَدِيثُ الكَلاَمُ فِيهِ عَنِ القَضَاءِ الْمُبْرَمِ، وَقَدْ رَواهُ مُسْلمٌ في الصَّحِيحِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ مَشيئَةُ اللهِ وَتَقْدِيرُهُ وَعِلْمُهُ لا يَتَغَيَّر

فَائِدَةٌ: قَالَ الْغَزَالِيُّ في الإحْيَاءِ: "فَإِنْ قُلْتَ فَمَا فَائِدَةُ الدُّعَاءِ وَالْقَضَاءُ لا يُرَدُّ؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ مِنَ الْقَضَاءِ رَدَّ الْبَلاءِ بِالدُّعَاءِ، فَالْدُّعَاءُ سَبَبٌ لِرَدِّ الْبَلاءِ وَاسْتِجْلابِ الرَّحْمَةِ كَمَا أَنَّ الْتِّرْسَ سَبَبٌ لِرَدِّ السَّهْمِ، وَالْمَاءُ سَبَبٌ لِخُرُوجِ النَّبَاتِ" اهـ. وَخَرَّجَ الْتِّرْمِذِيُّ في جَامِعِهِ عَنْ أَبِي خُزَامَةَ وَاسْمُهُ رِفَاعَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رُقَىً نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا؟" قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام: "هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ"، قَالَ أَبُو عيسى –أيِ التِّرْمِذِيُّ- هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفي بَعْضِ نُسَخِهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. فَلَيْسَ وَرَاءَ هَذَا الْكَلامِ مِنْ السَّيِّدِ الْمَعْصُومِ مَرْمًى لأَحَدٍ. ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَ الْفَارُوقِ لأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ هَمَّ بِالرُّجُوعِ مِنْ أَجْلِ الدُّخُولِ عَلَى أَرْضٍ بِهَا الطّاعُونُ وَهِيَ الشَّامُ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الأَثِيرِ في الْكَامِلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ رَدَّ عَلَى سُؤالِ أَبِي عُبَيْدَةَ: "أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟" فَأَجَابَهُ عُمَرُ: "نَعَمْ تَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلى قَدَرِ اللهِ"، أَيْ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ إِلى أَرْضٍ أُخْرَى كُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ اللهِ، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِلتَّوَكُّلِ. وَذَلِكَ في الْوَقْعَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِطَاعُونِ عَمْوَاسَ الَّذِي أَتَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ جُلَّةِ الصَّحَابَةِ وَخِيرَةِ الْفَاتِحِينَ، فَكَانُوا شُهَدَاءَ الطَّاعُونَ.

فَائِدَةٌ: الْمُسْلِمُ عِنْدَمَا يَدْعُو اللهَ تعالى يَعْتَقِدُ جَزْمًا أَنَّ دُعَاءَهُ لا يُغَيِّرُ مَشِيئَةَ اللهِ تعالى، لَكِنِ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ عِبَادَةٌ، الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ" وَالْعِبَادَةُ هُنَا مَعْنَاهَا الْحَسَنَات، فَنَحْنُ عِنْدَمَا نَدْعُو بِدُعَاءٍ حَسَنٍ يَكُونُ اعْتِقَادِنَا أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ فِيهِ أَجْرٌ وَقَدْ يَدْفَعُ اللهُ عَنَّا شَيْئًا مِنَ الْبَلاءِ بِسَبَبِهِ، وَإِنْ شَاءَ اللهُ تعالى في الأَزَلِ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُنَا اسْتُجِيبَ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى "ادعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ" أَطِيعُونِي أُثِبْكُمْ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأنٍ" مَا قَالَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "يَغْفِرُ ذَنْْبًا وَيُفَرِّجُ كَرْبًا وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ ءاخَرِين" رَواهُ ابنُ حِبَّانَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ وَيُوَافِقُ هَذَا قَوْل النَّاسِ سُبْحَانَ الَّذي يُغَيِّرُ وَلا يَتَغَيَّرُ وَهُوَ كَلامٌ جَمِيلٌ إِذِ التَّغَيُّرُ في الْمَخْلُوقَاتِ وَلَيْسَ في اللهِ وَصِفَاتِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ في خَلْقِهِ مَا شَاءَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعان" أُثِيبُ الطَّائِعَ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرْعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ" فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْمَحْوَ وَالإثْبَاتَ في تَقْدِيرِ اللهِ. وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ هَذَا بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَيْ أَنَّ اللهَ يَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءَانِ أَيْ يَرْفَعُ حُكْمَهُ وَيَنْسَخُهُ بِحُكْمٍ لاحِقٍ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءانِ فلا يَنْسَخُهُ وَمَا يُبَدَّلُ وَمَا يُثْبَتُ كُلُّ ذَلِكَ في كِتَابٍ وَهَذَا في حَيَاةِ الرَّسُولِ أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا نَسْخَ، قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ في تأوِيلِ هَذِهِ الآيَة. وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ مشتمل على الْمَمْحُوِّ وَالْمُثْبَتِ.

فَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّم أَنَّ قَوْلَ العَوَامِّ: اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْأَلُكَ رَدَّ القَضَاءِ رَاجِعٌ إِلى القَضَاءِ الْمُبْرَمِ لا الْمُعَلَّقِ، فَلا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَديثِ.

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كلمات مبعثرة الجيريا

بَعْضُ الْجُهَّالِ يَعْتَرِضُونَ عَلَى قَوْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْألُكَ رَدَّ القَضَاءِ وَلَكِنْ نَسْألُكَ اللُّطْفَ فِيهِ، يَقُولُونَ: هَذَا مُعَارِضٌ لِلْحَدِيثِ الْحَسَن: "لا يَرُدُّ القَضَاءَ إلا الدُّعاءُ"، يَقُولُونَ: كَيْفَ لا نَدْعو اللهَ بِرَدِّ القَضاءِ والرَّسُولُ أَخْبَرَ بِأنَّهُ يُرَدُّ؟

تنبيه: لو يتم وضع مصدر النقل لهذا الرد حتى يكون القارئ على بينة مما ينقل

دعاء اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه؟
" لا نرى الدعاء هذا ، بل نرى أنه محرم ، وأنه أعظم من قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا يقل أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ) ؛ وذلك لأن الدعاء مما يرد الله به القضاء ، كما جاء في الحديث : ( لا يرد القضاء إلا الدعاء ) والله عز وجل يقضي الشيء ثم يجعل له موانع ، فيكون قاضيا بالشيء ، وقاضيا بأن هذا الرجل يدعو فيرد القضاء ، والذي يرد القضاء هو الله عز وجل .
فمثلا : الإنسان المريض ، هل يقول : اللهم إني لا أسألك الشفاء ، ولكني أسألك أن تهون المرض ؟
لا ، بل يقول : اللهم إنا نسألك الشفاء ، فيجزم بطلب المحبوب إليه ، دون أن يقول : يا رب أبق ما أكره لكن الطف بي ، هل الله عز وجل إلا أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ؟ وهو القادر على أن يرد عنك ما كان أراده أولا بسبب دعائك ، فلهذا نحن نرى أن هذه العبارة محرمة ، وأن الواجب أن يقول : اللهم إني أسألك أن تعافيني ، أن تشفيني ، أن ترد علي غائبي ، وما أشبه ذلك " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
– الاسلام سؤال وجواب –

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كلمات مبعثرة الجيريا

فَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّم أَنَّ قَوْلَ العَوَامِّ: اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْأَلُكَ رَدَّ القَضَاءِ رَاجِعٌ إِلى القَضَاءِ الْمُبْرَمِ لا الْمُعَلَّقِ، فَلا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَديثِ.

سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذا الدعاء ، فأجابوا :
" هذا الدعاء لا نعلم أنه وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فتركه أحسن ، وهناك أدعية تغني عنه ، مثل : ( وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشداً ) رواه أحمد وابن ماجه وصاحب المستدرك ، وقال : صحيح الإسناد ، ومثل ما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء ) قال سفيان -وهو أحد رواة الحديث – : ( الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي ) رواه البخاري .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز … الشيخ عبد العزيز آل الشيخ … الشيخ صالح الفوزان … الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (24/291) .
– الاسلام سؤال وجواب-

الدعاء لا يغير القدر راجع ماكتبته ولا تبحث عن المصدر فقط هناك قضاء مبرم وقضاء معلق.. و القضاء المعلق مرتبط باسباب..

قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس ( يا غلام احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده اتجاهك ، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف )

وقال تعالى قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المتوكلون وهدا دليل على ان القضاء لا يغيره شيء وان الدعاء قد يغير القضاء المعلق ولكنه لا يغير القضاء المبرم….

وهده فتوى لشيخكم في الموضوع

هل الدعاء يغير ما كتبه الله على الإنسان؟

الدعاء لا يغير، قدراً نافذاً، قدر الله نافذ، لا يرد قدره شيء، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب، من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير، ويقول سبحانه: إن كل شيء خلقناه بقدر، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن لله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء)، ومن أصول الإيمان، أن تؤمن بالقدر خيره وشره، فالقدر ماض ولا يغيره شيء، لكنه قد يكون قدراً محتوماً، غير معلق على سبب يفعله العبد، أو يتركه العبد، وقد يكون معلقاً على أسباب، فالمعلق على الأسباب يزول عند عدم وجود السبب الذي علقه الله عليه، قد يكون معلقاً أنه مثلاً أنه يشفى إذا دعا له فلان، أو عالجه الطبيب فلان، فيتسبب يعالج يدعو له إخوانه قد يكون شفاؤه في هذا الدعاء أو في هذا العلاج، لأن الله علق شفاؤه عليه سبحانه فيما سبق من عمله جل وعلا، ولهذا أنت مأمور بالأسباب مأمور بالدعاء، لأن الله عز وجل، قد يكون علق شفائك على دعائك أو دعاء فلان لك، أو العلاج في المستشفى الفلاني، أو عند الطبيب الفلاني، وهكذا طلب الرزق بالتجارة والبيع والشراء، شرع الله لك ذلك لأنه سبحانه قد علق رزقك وحاجاتك بهذه الأسباب التي أمرك بها وشرعها لك سبحانه وتعالى، فأنت مأمور بالأسباب والله مقدر الأمور جل وعلا، فإذا فعلت السبب الذي علق الله عليه رزقك أو شفائك حصل المطلوب، فأنت في هذا العمل لم تخالف القدر، لو صادف قدر، ــ فسبق في علم الله أنك إذا ركبت هذه السيارة أنها تنقلب أو تصدم وتموت فأنت إذا ركبت السيارة وافقت قدر الله، وإذا جرى ما جرى عليك، كذلك وهكذا في الطائرات وهكذا في الإبل، وهكذا في غير ذلك، وهكذا قد يكون ربك سبحانه قد قدر أنك إذا دعوت بهذه الدعوات في آخر الليل أو في صلاتك أنك تشفى من مرضك أن يحصل لك زوجة صالحة، أن يحصل لك ذرية طيبة فتدعو بالدعوات التي شرعها الله وترجو فضله وإحسانه، وأنت لا تدري فالله جل وعلا هو الذي يعلم الغيب سبحانه وتعالى، فأنت عليك الأسباب والله جل وعلا مقدر الأمور وأنت في أسبابك لا تخرج عن قدر الله، كله مقدر، قال بعض الناس: يا رسول، إنا لنا رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، فهل هذا من قدر الله؟، قال: (هي من قدر الله)، ولما رجعوا من الشام لما سمع به الطاعون، لما استقر أمر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بعد المشاورة على أننا نرجع، ثم حدثهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن الرسول – صلى الله عليه وسلم -قال في الطاعون: (إذا سمعتم به في بلاد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه)، عزم على الرجوع، ولم يقدم عليه في دمشق، وعزم على الرجوع إلى المدينة، فقال له بعض الناس: أفراراً من قدر الله، قال: أفر من قدر الله إلى قدر الله، نفر من قدر الله إلى قدر الله، يعني الطاعون من قدر الله، ورجوعنا من قدر الله، أسباب، نحن إذا باشرنا الرجوع فهو من قدر الله، وإذا عالج الإنسان بشرب الدواء من قدر الله، وإذا اكتوى من قدر الله، وإذا فصد من قدر الله، وإذا احتجم من قدر الله، وإذا سافر للعلاج في بلد كذا من قدر الله، وإذا ركب السيارة وأرادها الله حدوث شيئاً فيها أو الطائرة من قدر الله، وهكذا، الأمور كلها من قدر الله، وأنت تباشر الأسباب وتجتهد تريد الخير والله مسبب الأسباب سبحانه وتعالى.

https://www.binbaz.org.sa/mat/10682

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسماعيل 03 الجيريا
تنبيه: لو يتم وضع مصدر النقل لهذا الرد حتى يكون القارئ على بينة مما ينقل

دعاء اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه؟
" لا نرى الدعاء هذا ، بل نرى أنه محرم ، وأنه أعظم من قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا يقل أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ) ؛ وذلك لأن الدعاء مما يرد الله به القضاء ، كما جاء في الحديث : ( لا يرد القضاء إلا الدعاء ) والله عز وجل يقضي الشيء ثم يجعل له موانع ، فيكون قاضيا بالشيء ، وقاضيا بأن هذا الرجل يدعو فيرد القضاء ، والذي يرد القضاء هو الله عز وجل .
فمثلا : الإنسان المريض ، هل يقول : اللهم إني لا أسألك الشفاء ، ولكني أسألك أن تهون المرض ؟
لا ، بل يقول : اللهم إنا نسألك الشفاء ، فيجزم بطلب المحبوب إليه ، دون أن يقول : يا رب أبق ما أكره لكن الطف بي ، هل الله عز وجل إلا أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ؟ وهو القادر على أن يرد عنك ما كان أراده أولا بسبب دعائك ، فلهذا نحن نرى أن هذه العبارة محرمة ، وأن الواجب أن يقول : اللهم إني أسألك أن تعافيني ، أن تشفيني ، أن ترد علي غائبي ، وما أشبه ذلك " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
– الاسلام سؤال وجواب –

وهل بامكانك ان تسال الله رد القضاء؟؟؟

ادا الله لم يكتب لعبده الشفاء لن يغير دلك دعاء المريض فكم من مريض امضى سنوات من عمره يدعوا الله بالشفاء ولم يكتب الله له الشفاء…فالدعاء جزء من القضاء فان قدر للمريض ان يشفى بالدعاء شفاه الله وان لم يكن مقدرا للمريض ان يرتبط شفاءه بدعاءه حتى لو امضى عمره يدعو بالشفاء لن يحصل الا مشيئة الله سبحانه وتعالى ..

مما فهمته من كلام صاحب الموضوع ان الانسان لا يملك شيئا من امره وان القضاء ايا كان نافذ ولا يرده حتى الدعاء .
هذا يفضي بنا الى ان عمل الانسان الصالح والطالح مقدر وليس من صنع يديه نفترض ان الاجابة نعم اذا كيف يدخل الله الناس النار ويحاسبهم ويعاقبهم بما هو مقدر لهم ان يعملوه وهو عز وجل من قدر لهم عملهم الذي يعاقبون به ؟ ارى ان هذا مناف للاية الكريمة ( كل نفس بما كسبت رهينة ) وغيرها من الايات التي تتحدث عن مسؤولية الانسان التقصيرية التي تجره الى عذاب اليم .اعني كيف يحاسب بفعل هو مجبر عليه او كان قد قدر له مسبقا اذا الانسان هنا فاقد لاهلية الاداء والوجوب اي انه غير مسؤول عن تصرفاته اذا ليس من العدل ان يحاسب بما هو اصلا مقدر له ؟؟؟
بما ان كل الامر مقدر فما فائدة عمل الانسان وسعيه في الدنيا فاليستكن اذا وما قدر له سوف يأتيه.؟؟؟
ارجو من الاعضاء الكرام مناقشة هذه الفكرة

بارك الله فيك

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدون جمال الجيريا
مما فهمته من كلام صاحب الموضوع ان الانسان لا يملك شيئا من امره وان القضاء ايا كان نافذ ولا يرده حتى الدعاء .
هذا يفضي بنا الى ان عمل الانسان الصالح والطالح مقدر وليس من صنع يديه نفترض ان الاجابة نعم اذا كيف يدخل الله الناس النار ويحاسبهم ويعاقبهم بما هو مقدر لهم ان يعملوه وهو عز وجل من قدر لهم عملهم الذي يعاقبون به ؟ ارى ان هذا مناف للاية الكريمة ( كل نفس بما كسبت رهينة ) وغيرها من الايات التي تتحدث عن مسؤولية الانسان التقصيرية التي تجره الى عذاب اليم .اعني كيف يحاسب بفعل هو مجبر عليه او كان قد قدر له مسبقا اذا الانسان هنا فاقد لاهلية الاداء والوجوب اي انه غير مسؤول عن تصرفاته اذا ليس من العدل ان يحاسب بما هو اصلا مقدر له ؟؟؟
بما ان كل الامر مقدر فما فائدة عمل الانسان وسعيه في الدنيا فاليستكن اذا وما قدر له سوف يأتيه.؟؟؟
ارجو من الاعضاء الكرام مناقشة هذه الفكرة

قال صلى الله عليه وسلم مامنكم من احد الا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار….قالوا: يا رسول الله ففيم نعمل؟ ففيم العمل، يعني ما دامت مقاعدنا معروفة من الجنة أو النار ففيم العمل؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما أهل السعادة، فميسر لأعمال أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فميسر لأعمال أهل الشقاوة. ثم تلا قوله -سبحانه-: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كلمات مبعثرة الجيريا
قال صلى الله عليه وسلم مامنكم من احد الا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار….قالوا: يا رسول الله ففيم نعمل؟ ففيم العمل، يعني ما دامت مقاعدنا معروفة من الجنة أو النار ففيم العمل؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما أهل السعادة، فميسر لأعمال أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فميسر لأعمال أهل الشقاوة. ثم تلا قوله -سبحانه-: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)
اعتقد ان للحديث معنا باطنيا اخر والا لكان مخالفا لمبداء العدل الاهي ولتحمل الانسان مسؤولية اعماله خيرها وشرها وبالتالي محاسبته عليها .
اما مسالة ان كل واحد ميسر لليسرى او لعسرى فهذا التيسير ايضا من ضمن قدر الانسان الذي خلق له .
من هذا افهم ان هناك خطا ما
كيف يحاسب الانسان على عمل هو مقدر له مسبقا ؟

اسمح لي أخي عبدون أجيبك على سؤالك هذا

كيف يحاسب الانسان على عمل هو مقدر له مسبقا ؟
(حسب فهمي)

يعني ممكن أكون غالط في الإجابة
نعم إن الله يحاسبك على المقضي والمقدر
كيف ؟
مثال :
أنت مدرس في قسم دخلت عندك وسألتك على أحد الطلبة مستواه وهل ينتقل للقسم الموالي ؟
تجيبني والتلميذ يسمع
مستحيل ينتقل هذا الطالب لأنك على دراية مسبقة بمستواه.وفعلا في آخر السنة لا ينتقل
فيأتي الطالب يحاججك لأنك لم توافق على انتقاله للسنة الموالية ويحملك المسؤلية لأنه سمعك لما أخبرتني أنه يستحيل ……
السؤال : هل علمك بقدراته هو السبب في رسوبه أم ضعف الطالب ؟
طبعا ضعف الطالب .
نفس الشيئ سبق في علم الله أن فلان يعمل كذا وكذا ويثوب أم لا إلى آخره فكتبها عليه بعلمه ولم يأمره
والله أعلم
ممكن يكون كل تفسيري غلط هذا على حسب فهمي

اشكرك على التفاعل اخ SADSAD
لكن كيف يخلق الله الانسان من عدم ثم يقرر ان مصيره النار ؟ الا ترى هذا منافيا للعدل والحكمة الاهية ؟
اذا ما فائدة ان الانسان قد ميز بعقل عن الحيوان ؟ لو ان القدر مفهومه هكذا اذا لا فائدة من العقل .
بالنسبة لمثالك تخيل ان معلم هذا الطالب الفاشل اولا من الانسانية ان لا اقول امامه انه راسب ومن الرحمة ان اساعده لينجح ومن الحب ان لا اتركه يرسب ومن المهنية ان لا احكم عليه بالفشل وانا من قررت انه فاشل وسيرسب ليس من العدل ذلك .
هذا بالنسبة للانسان .
فما بالك بالله الرحمن الرحيم ؟ الذي هو ارحم بنا من ابائنا وامهاتنا والذي قال ادعوني استجب لكم .والذي لا يحتاج منا لا نجاحا ولا رسوبا ولا عمل صالح ولا طالح .
هناك شيء لا نعرفه بعد .

سلام الله عليكم

هناك امور معقدة جدا لا يجب الخوض في حديثها الا بالادلة والبراهين المستمدة من القران والسنة لهذا فيجب

الحذر في النقل او حتى في الطرح

اما بخصوص الموضوع فلقد سمعت في احدى الحصص لا اذكر جيدا من قام بالحصة لكن قال انه يكره القول في

الدعاء اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْألُكَ رَدَّ القَضَاءِ وَلَكِنْ نَسْألُكَ اللُّطْفَ فِيهِ

لان الدعاء يرد القدر الا القضاء او بمعنى الموت لا يرده الدعء

اذا قلنا ان كل شيئ مكتوب ولا يغير فلمذا الدعاء اذا فالله قريب يجيب دعوة الداعي اذا دعاه

ارجو اخيتي ان تتفضلي بوضع المصدر الذي قمت بالنقل منه

شوف أخي دائما هذا فهمي ليس إلا
للنقاش فقط
أجوبك على هذا
لكن كيف يخلق الله الانسان من عدم ثم يقرر ان مصيره النار ؟ الا ترى هذا منافيا للعدل والحكمة الاهية ؟

شوف رايح نتبت ليك
أنت وأنا وهو وهي وكل المخلوقات لله أليس كذلك ؟
اذن ماذمنا له فيذخلنا للنار وإلا للجنة وإلا ما ادخلنا لأي شيئ نحن ملكه فليس ظلما فالظلم هو الذي يكون ليس لك وتتصرف فيه
والله أعلم
ولايسأل ونحن نسأل عن تصرفاتنا هذا هو الفرق بين الخالق والمخلوق

والمثال السابق عن الطالب والتلميذ لتقريب المفهوم فقط

لعل هذا الموضوع مفيد و يحل الإشكال بإذن الله

فألهمها فجورها و تقواها ..
*************************

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

سُورَةُ الشَّمْسِ ..
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا.
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الْفُجُورَ وَالتَّقْوَى فِي الْقَلْبِ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فُجُورَ الْعَبْدِ وَتَقْوَاهُ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [41 17] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى [2 16] ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي ضَلَّ فِيهَا الْقَدَرِيَّةُ وَالْجَبْرِيَّةُ.
أَمَّا الْقَدَرِيَّةُ فَضَّلُوا بِالتَّفْرِيطِ حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ عَمَلَ نَفْسِهِ اسْتِقْلَالًا مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ لِقُدْرَةِ اللَّهِ فِيهِ.
وَأَمَّا الْجَبْرِيَّةُ فَضَّلُوا بِالْإِفْرَاطِ حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ الْعَبْدَ لَا عَمَلَ لَهُ أَصْلًا حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ.
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَلَمْ يُفْرِطُوا وَلَمْ يُفَرِّطُوا، فَأَثْبَتُوا لِلْعَبْدِ أَفْعَالًا اخْتِيَارِيَّةً،
وَمِنَ الضَّرُورِيِّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الْحَرَكَةَ الِاتِّعَاشِيَّةَ لَيْسَتْ كَالْحَرَكَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَأَثْبَتُوا أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
فَهُوَ خَالِقُ الْعَبْدِ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَتَأْثِيرُ قُدْرَةِ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَالْعَبْدُ وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ يَفْعَلُ اخْتِيَارًا بِالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ اللَّتَيْنِ خَلَقَهُمَا اللَّهُ فِيهِ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا
يُثَابُ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبُ.

وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ جَبْرِيًّا نَاظَرَ سُنِّيًّا فَقَالَ الْجَبْرِيُّ: حُجَّتِي لِرَبِّي أَنْ أَقُولَ إِنِّي لَسْتُ مُسْتَقِلًّا بِعَمَلٍ، وَإِنِّي لَا بُدَّ أَنْ تَنْفُذَ
فِيَّ مَشِيئَتُهُ وَإِرَادَتُهُ عَلَى وَفْقِ الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ، فَأَنَا مَجْبُورٌ، فَكَيْفَ يُعَاقِبُنِي عَلَى أَمْرٍ لَا قُدْرَةَ لِي أَنْ أَحِيدَ عَنْهُ؟
فَإِنَّ السُّنِّيَّ يَقُولُ لَهُ: كُلُّ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَعْطَاهَا لِلْمُهْتَدِينَ أَعْطَاهَا لَكَ، جَعَلَ لَكَ سَمْعًا تَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرًا تُبْصِرُ بِهِ،
وَعَقْلًا تَعْقِلُ بِهِ،
وَأَرْسَلَ لَكَ رَسُولًا، وَجَعَلَ لَكَ اخْتِيَارًا وَقُدْرَةً، وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا التَّوْفِيقُ وَهُوَ مِلْكُهُ الْمَحْضُ، إِنْ أُعْطَاهُ فَفَضْلٌ، وَإِنْ مَنَعَهُ فَعَدْلٌ.
كَمَا أَشَارَ لَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [6 149] ،
يَعْنِي أَنَّ مِلْكَهُ لِلتَّوْفِيقِ حُجَّةٌ بَالِغَةٌ عَلَى الْخَلْقِ، فَمَنْ أُعْطِيَهُ فَفَضْلٌ، وَمَنْ مُنِعَهُ فَعَدْلٌ.

وَلَمَّا تَنَاظَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الِاسْفَرَائِينِيُّ مَعَ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيِّ، قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: سُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنِ الْفَحْشَاءِ، وَقَصْدُهُ أَنَّ الْمَعَاصِيَ
كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَى بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ دُونَ مَشِيئَةِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَشَاءَ الْقَبَائِحَ فِي زَعْمِهِمْ.
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ مَنْ لَا يَقَعُ فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يَشَاءُ.
فَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ:
أَتَرَاهُ يَخْلُقُهُ وَيُعَاقِبُنِي عَلَيْهِ؟
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَتَرَاكَ تَفْعَلُهُ جَبْرًا عَلَيْهِ؟ أَأَنْتَ الرَّبُّ وَهُوَ الْعَبْدُ؟
فَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ:
أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَانِي إِلَى الْهُدَى وَقَضَى عَلَيَّ بِالرَّدَى أَتَرَاهُ أَحْسَنَ إِلَيَّ أَمْ أَسَاءَ؟
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إِنْ كَانَ الَّذِي مَنَعَكَ مِنْهُ مِلْكًا لَكَ فَقَدْ أَسَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فَإِنْ أَعْطَاكَ فَفَضْلٌ، وَإِنْ مَنَعَكَ فَعَدْلٌ.
فَبُهِتَ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَقَالَ الْحَاضِرُونَ: وَاللَّهِ مَا لِهَذَا جَوَابٌ.

وَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَقَالَ لَهُ: ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ حِمَارَةً سُرِقَتْ مِنِّي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ حِمَارَتَهُ سُرِقَتْ
وَلَمْ تُرِدْ سَرِقَتَهَا فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ: يَا هَذَا كُفَّ عَنِّي دُعَائَكَ الْخَبِيثَ، إِنْ كَانَتْ سُرِقَتْ وَلَمْ يُرِدْ سَرِقَتَهَا
فَقَدْ يُرِيدُ رَدَّهَا وَلَا تُرَدُّ.

وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ إِشْكَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [76] ، فَأَثْبَتَ لِلْعَبْدِ مَشِيئَةً،
وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا مَشِيئَةَ لِلْعَبْدِ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، فَكُلُّ شَيْءٍ صَادِرٌ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا. وَقَوْلِهِ: قُلْ فَلِلَّهِ
الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ بِأَنَّ مَعْنَى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا أَنَّهُ بَيَّنَ لَهَا طَرِيقَ الْخَيْرِ وَطَرِيقَ الشَّرِّ،
فَلَا إِشْكَالَ فِي الْآيَةِ: وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَسَّرَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ،

وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

(( من كتاب : دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب للعلاّمة محمّد الأمين الشنقيطي ))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.