بحث متكامل شامل عن النقد الأدبي القديم
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان بحث عن النقد الأدبي واليكم التفاصيل
تاريخ النقد الأدبي
1- النقد الأدبي القديم
تعريف النقد :
النقد لغة : هو بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شئ من الأشياء بعد فحصه ودراسته ، وفي الأدب يعني النقد : دراسة النصوص الأدبية في الأدب ، وذلك بالكشف عما في هذه النصوص من جوانب الجمال فنتبعها ، وما قد يوجد من عيوب فنتجنب الوقوع فيها .
أولآ : النقد الأدبي في مرحلة النشأة والتطور :
استعمال النقد : 1 – أول ما استعملت فيه كلمة النقد كانت بمعني فرز الدراهم والدنانير – قديماً – لبيان الصحيح والمزيف منها ، وتلك مهارة يختص بها الصيارفة وقال الشاعر في هذا الاستعمال :
إن نقد الدينار صعب إلا على الصيرف ، فكيف نقد الكلام
2 – ثم انتقلت إلي نقد أخلاق الناس وعاداتهم ، وبيان ما يتحلون به من كريم الصفات . وما يعاب على أحد من السلوكيات ، ولهذا قالوا [ إن نقدت الناس نقدوك ، وإن عبتهم عابوك ] .
3 – ثم دخلت كلمة النقد في نقد الشعر والخطب في العصر الجاهلي ، حيث كانت أسواق العرب أشبه بالنوادي الأدبية اليوم – يلقي فيها الشعراء قصائدهم .. وكل يتباهي مفتخراً بقومه … والناس يسمعون ، ثم يقولون رأيهم .. وهي في هذا الوقت ملاحظات فردية ، تقوم على الذوق الشخصي ، وهذه هي المرحلة الأولي لظهور النقد الأدبي وتطوره .
* نماذج من النقد الأدبي في هذه المرحلة :
تاريخ النقد الأدبي
1- النقد الأدبي القديم
تعريف النقد :
النقد لغة : هو بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شئ من الأشياء بعد فحصه ودراسته ، وفي الأدب يعني النقد : دراسة النصوص الأدبية في الأدب ، وذلك بالكشف عما في هذه النصوص من جوانب الجمال فنتبعها ، وما قد يوجد من عيوب فنتجنب الوقوع فيها .
أولآ : النقد الأدبي في مرحلة النشأة والتطور :
استعمال النقد : 1 – أول ما استعملت فيه كلمة النقد كانت بمعني فرز الدراهم والدنانير – قديماً – لبيان الصحيح والمزيف منها ، وتلك مهارة يختص بها الصيارفة وقال الشاعر في هذا الاستعمال :
إن نقد الدينار صعب إلا على الصيرف ، فكيف نقد الكلام
2 – ثم انتقلت إلي نقد أخلاق الناس وعاداتهم ، وبيان ما يتحلون به من كريم الصفات . وما يعاب على أحد من السلوكيات ، ولهذا قالوا [ إن نقدت الناس نقدوك ، وإن عبتهم عابوك ] .
3 – ثم دخلت كلمة النقد في نقد الشعر والخطب في العصر الجاهلي ، حيث كانت أسواق العرب أشبه بالنوادي الأدبية اليوم – يلقي فيها الشعراء قصائدهم .. وكل يتباهي مفتخراً بقومه … والناس يسمعون ، ثم يقولون رأيهم .. وهي في هذا الوقت ملاحظات فردية ، تقوم على الذوق الشخصي ، وهذه هي المرحلة الأولي لظهور النقد الأدبي وتطوره .
* نماذج من النقد الأدبي في هذه المرحلة :
1 – ألقي شاعر يسمي ( المتلمس ) قصيدة على جمع من الناس ، وكان من بينهم الشاعر : طرفة بن العبد – فلما قال المتلمس :
وإني لأمضي الهم عند احتضاره بناج عليه الصيعرية مكـــــدم
ومعني البيت ( إنني أتغلب على الهموم التي تحضرني بالسير على جملي فأنجو منها به ) .
عندئذ قال طرفة : استنوق الجمل – أي جعله ناقة . فقد وصفه بصفات الناقة وهي ( الصيعرية ) وهي علامة في عنق الناقة لا البعير .
2 – جاء في قصيدة لحسان بن ثابت :
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فنقده النابغة وقال له :
– إنك قلت : ( الجفنات ) وهي من جمع القلة ، والأحسن لو قلت ( الجفان ) لكثرة العدد .
– وقلت : ( يلمعن ) ( في الضحى ) أي تلمع في وضح النهار – ولو قلت ( يبرقن ) ( في الدجي ) لكان أبلغ لأن الضيوف في الليل أكثر طروقا .
– وقلت أيضا : ( أسيافنا ) وهي جمع قلة – ولو قلت ( سيوفنا ) جمع كثرة لكان أفضل .
– وقلت ( يقطرون دما ) أي تسيل منها قطرات الدم . ولو قلت يجرين ) لكان أفضل فجريان الدم دلالة على كثرة القتلى من الأعداء .
ونلحظ في نقد النابغة السابق أنه يركز على مدي دقة استعمال الكلمات الملائمة للمعني ، وكيف تكون كلمة أدق وأبرع في التعبير عن المعني المراد لأن نجاح الشاعر في اختيار أدق الكلمات المناسبة يسهم في قوة المعني وتأثيره في نفس السامع ، ولهذا قال النابغة لحسان : إنك لا تحسن أن تقول مثل قولي :
فإنك كالليل الذي هو مدركــي وإن خلت أن المنتأي عنك واسع
فأنت تري الأسلوب واضحا تمام الوضوح ، مع عمق المعني المراد ، حتي أنك تحتاج للتريث والأناة في معرفته . فهو يعتذر للنعمان عن المنذر ، معلنا أنه لا يستطع الهرب منه إلي أي مكان – كالليل لا مهرب منه .
كان النقد في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام ملاحظات فردية ، تقوم على الذوق الشخصي .
o وقيل في الجاهلية : أشعر الشعراء امرؤ القيس إذا ركب ، والأعشى إذا رغب
o وفي عصر صدر الإسلام قال عمر بن الخطاب : إن زهير بن أبي سلمة هو أحسن الشعراء ، لأنه لا يمدح الرجل إلا بما فيه ، ولا يعاطل في القول .
في العصر الأموي كان مجلس عبد الملك بن مروان ميدانا متسعاً للنقد والتذوق وهو نفسه كان مشاركا في ذلك . روي أنه سمع عن الشاعر (( نصيب )) قوله :
أهيم بدعد ما حبيت فإن أمت فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي
فقال بعض من حضر : أساء القول . أيحزن لمن يهيم بها بعده ، فقال به عبد الملك ابن مروان : لو كانت قائلاً فماذا تقول ؟ قال :
……………………… أو كل بدعد من يهيم بها بعدي
فقال عبد الملك : أنت أسوأ قولا ، والأفضل لو قال :
أهيم بدعد ما حبيت فإن أمت فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي
4 – مدح جرير الخليفة عبد الملك بن مروان ، فقال :
هذا ابن عمي في دمشق خليفة لو شئت ســـاقكم إلي قطينا
فلما سمعه عبد الملك قال : ما زاد على أن جعلني شرطيا – والله لو قال ( لو شاء ) لسقتهم إليه قطينا .
وقد أخطا جرير في قوله ( شئت ) بإسناد الفعل لنفسه ، وجعل الخليفة شرطيا عنده – وهذا لا يليق بمقام الخليفة ، ولو استبدل كلمة ( شاء ) أي الخليفة مكان ( شئت ) لحظي بما يريد .
5 – قالت ليلي الأخيلية في مدح الحجاج :
إذا نزل الحجـــاج أرضـاً مريضة تتــبع أقصــي دائها فشفاها
شفــاها من الداء العضال الذي بهـا غــلام إذا هز القناة سقـاهـا
فعاب الحجاج قولها ( غلام ) لأنها كلمة تدل على الجهل والطيش وقلة الخبرة والتجربة – وهذا لا يناسب ذكاء الحجاج وسطوته ، التي عرف بها ، وكان الأفضل لو قالت ( همام – شجاع ) .
ثانيا: النقد الأدبي في مرحلة الازدهار
ويجئ العصر العباسي – عصر العلوم والتأليف ، وقد عرفنا في الصف الثاني كيف بدأت مرحلة التدوين في البلاغة – وأيضاً ظهرت مرحلة التدوين في النقد الأدبي .
أ – أهم مؤلفات النقد الأدبي :
ظهرت في هذه الفترة مؤلفات متخصصة في النقد الأدبي من أهمها :
1) عيار الشعر لا بن طباطبا
2) الموازنة بين الطائيين للآمدي .
3) الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني .
4) الصناعتين لأبي هلال العسكري .
5) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده – لابن رشيق القيرواني .
6) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر – لابن الأثير .
تمهيدٌ في النَّقـد
أحمد بن محمد الشامي
نقدُ الكلام في اللغة؛ معرفةُ جيّده من رديئه، وذكر محاسنه أو عيوبه؛ سواء كان شعراً أو نثراً، وله أصولٌ معتبرة طالما تحدَّث عنها المتقدّمون والمتأخرون في كُتبهم ورسائلهم، ومقالاتهم؛ وقد قسَّموه أنواعاً؛ فمنها ما يرجع إلى المعاني، ومنها ما يتعلق بالصّور الذهنيّة، والخيالات الشعريّة، ومنها ما يعود إلى الأوزان والمقاطع، ومنها ما يعود إلى ائتلاف بعض ذلك ببعض؛ وإذا كان المتقدّمون قد أبدعوا وأجادوا في نقد الألفاظ وتعلّقها بمعانيها، والأوزان، والقوافي، والقوافي والأسجاع، وائتلاف بعضها ببعض، وألفوا في ذلك الكتب المطوّلة والموجزة حَسَب معارفهم وقُدراتهم اللّغوية والبيانيَّة؛ فإنَّ المتأخرين قد تفنَّنوا، وتوسَّعوا في نقد الصور الذهنيَّة والدوافع الوجدانيَّة، ونقدوا النثر الفنيّ، والشِّعْر على مختلف أشكاله كفنّ من الفنون الجميلة.
وما كلّ ذِي ملَكَةٍ بيانيَّة يستطيع أنْ يكون «ناقداً» ولا سيَّما إذا كان المنقود «شعراً»؛ فهناك شروطٌ لا بدّ من توفّرها في «ناقدِ الشعر» وبحسبِ قوّتِها، أَو ضعفِها فيه تكونُ قوة «النقد» وضعفِه؛ «فالناقد» يجب أَنْ يكونَ واسعَ الاطّلاع، قويّ العارضة، ثاقب الذهن، بصيراً بأساليب البيان، فيلسوفاً شاعراً، مُتَبحّراً في علوم اللغة وآدابها؛ فإن عَرِيَ عن بعضِ هذه الشروط جاء نقدُهُ –إنْ تجرَّأ على النَّقد- وليسَ إلاّ موضوعاً إنشائياً؛ استوحاه من قصيدة شاعر، أو أدارَهُ على مقالة كاتب؛ واقفاً هنا وقفة استحسان، وهناك وقفة استهجان؛ مقتنعاً بالحديثِ عن الأشكال الظاهرة غير متعمّق إلى ما وراءها من صورٍ ذهنيَّة، ودوافع وجدانيَّة وملابسات نفسيَّة؛ كان لها أعظم الأثر في إبداع شعر الشاعر أو مقالة الكاتب البياني وما أبرع وأحكم الذي اشترط في «ناقد الشعر» أن يكون شاعراً؛ لأنَّ خوالج نفس «الشاعر» أكبر من أن تحدّها الكلمات؛ وإنَّه ليحسَّ بها في «ساعاته الشعريَّة» كغَشْيَةِ الوحي، وقد ركدت بشريَّتُه، وتحوَّل روحاً يطير في سماوات رائعة؛ وهنا الفرق بين القوي والضعيف؛ والمحلّق والعاثر، وبين مَنْ يجيد التعبير عن بعض تلك المعاني بِحَسَبِ ثَرْوَتِهِ اللّغويَّة؛ وبين مَنْ يتلَعْثَمُ ويقِفُ دون ما يرده الفن والجمال الشعري؛ لأنه محدود القدرة لغةً، واطّلاعاً، وذوقاً…. فإذا كان «ناقد الشّعر» شاعراً واسعَ الاطّلاع، مُتمكِّناً من آداب لغتِه، قويّ النَّفس، استطاع أن يتصوَّر الجوَّ الخاص الذي أحاطَ بالشاعر المنقود، وتمثَّل تلك «الغشية» السَّماويَّة، وعرض له ما عرض لصاحبه من قبله، وبذلك يَفْهَم تفوّقَه من قُصورِهِ، وقُوَّتَه من ضعْفِه، وكيف عثر، ومِنْ أينَ أدركه الضعف؟ وما الذي كان عليه أن يقول؟
فيأتي نقدُه محكماً.
وإذنْ؛ فمن أراد أن يَنقُدَ شعر شاعرٍ؛ فعليه أن يبحث أوَّلاً عن موهبة الشَّاعر فيتناول نفْسَهُ وطَبيعته الشاعرة ونصيبَه أو حظَّه منها؛ ثم يتكلَّم عن فنّه البياني، وما يتعلَّق بالألفاظ وعيوبها ومحاسِنِها، والسَّبك والأسلوب، وجودة التعبير أو رداءته.
ويقولُ الأستاذ مصطفى صادق الرافعي:
«ولا يُرادُ مِنَ النَّقدِ أن يكونَ الشاعر وشعره مادةَ إنشآء، بل مادة حساب مقدَّر بحقائق معيّنة لا بدَّ منها؛ فَنَقدُ الشِّعر هو في الحقيقة علمُ حساب الشعر، وقواعده الأربع التي تقابل الجمعَ، والطرح والضَّربَ، والقِسْمَةَ؛ هي الاطّلاع، والذَّوق، والخيالُ، والقريحة الملهمة».
وبالنَّقْدِ الصَّحيح يَسْمو الأدب، ولقَد كانَ مِن الأسباب التي سمَتْ بالشعر في العصر العبَّاسي الأوّل، ودَفعت أربابَه إلى الإتقان والإجادة؛ كثرةُ النقَّد؛ ومحاسبتهم للشّعرآء، ووقوفهم لهم بالمرصاد، فما كان الشاعرُ يرْسِل شِعْره إلاّ وهو يحسب حساب «الناقد» الخبير ببلاغة الكلام، وأساليب الفصاحة، ويُفكّر فيما عسى أن يقول فيه من مَدْح أو قدح؛ فإذا ما اتَّجَهْنَا هَذا الاتّجاه على طريقٍ مُسْتَقيم فسنحفظ نهضتَنَا الأدبيَّة من التَّعثُّر، ونصقلُ الأفكار والألسنة والأقلام بصقال الإجادة، والتهذيب، والتنقيح.
ومن أهمّ شروط «الناقد» النّزاهة، والإنصاف؛ فإذا كان «الشاعر» يُمثِّل «العاطفة المتكلِّمة»؛ فإنَّ «الناقد» يُثل «العقل المميّز»، وإذا كانت «العواطف» والرغبات تنْدفع مَعَ ما يسرُّ ويُؤلم، وإن تعصَّبتْ وكابَرَتْ؛ فإنَّ «العَقْلَ» لا يَجْهَر إلاَّ بما يراه حقًّا، والحق والإنصاف هما جوهرُ وجودِه… فإن تعصَّب مُكابراً… وتعنَّت مُتَعَسِّفاً؛ فقد ذلَّ للهوى؛ ولم يِعُد «عقلا».!
لا مجاملة في «النقد» ولا مجازفة، ولا تحامُل، ولا تهريج. لأنَّه «ميزان» يرجحُ بالوزن لأنَّه راجحٌ في نفسه، ويطيحُ بالهبآء لأنَّه هبآء في حقيقتِهِ؛ وكل من ماورآء ذلك من بيان مُزَوّق، وقولٍ منمَّق، فإنَّما هو إرضآءٌ لِرَغْبَةِ الفَنّ، وإشباعٌ لِشَهْوة البيان.
وبعد هذا نقولُ ما قاله «الرافعي» أيضاً:
«إذا كانَ من نَقْدِ الشِّعر عِلمٌ؛ فهو علمُ تشْريحِ الأَفكَار، وإذا كان منهُ فنٌّ؛ فهو فنُّ درسِ العاطفة؛ وإذا كانَ مِنهُ صِناعة؛ فَهو صِنَاعة إظهار "الجَمَال البياني في اللّغة"» اهـ. وما أعجب وأدقّ هذا الكلام.
* * * *
المصدر/ كتاب (مع الشعر المعاصر) "نقدٌ وتاريخ".
تحيّاتي إلى كل عقل نيّر
ما الفرق بين النقد الأدبي و البلاغة
وبطريقة علمية مبسطه؟
معني البلاغة:
البلاغة مشتقة من كلمة ( بلغَ ) ، التي تعني الوصول إلي النهاية ، فهي تعني في اللغة: إيصال المعني كاملا إلي ذهن القارئ والسامع .
وإذا ربطنا بين علوم البلاغة والعناصر الأساسية للعمل الأدبي وجدنا لماذا انقسمت البلاغة إلي ثلاثة علوم – كل علم منها يختص بركن أو عنصر من عناصر الأسلوب كالتالي:
1 – علم المعاني: ويختص بعنصر المعاني والأفكار ، فهو يرشدنا إلي اختيار التركيب اللغوي المناسب للموقف ، كما يرشدنا إلي جعل الصورة اللفظية أقرب ما تكون دلالة على الفكرة التي تخطر في أذهاننا ، وهو لا يقتصر على البحث في كل جملة مفردة على حدة ، ولكنه يمد نطاق بحثه إلي علاقة كل جملة بالأخرى ، وإلي النص كله بوصفه تعبيرا متصلا عن موقف واحد ، إذ أرشدنا إلي ما يسمي : الإيجاز والإطناب ، والفصل والوصل حسبما يقتضيه الموقف .
2 – علم البيان: ويختص بعنصَريْ العاطفة والصور الخيالية معاً – لأن الخيال وليد العاطفة ، وقد سمي علم البيان لأنه يساعدنا على زيادة تبيين المعني وتوضيحه وزيادة التعبير عن العاطفة والوجدان ، باستخدام التشبيهات والاستعارات وأنواع المجازات .
3 – البديع: ويختص بعنصر الصياغة ، فهو يعمل على حسن تنسيق الكلام حتي يجيء بديعا ، من خلال حسن تنظيم الجمل والكلمات ، مستخدماً ما يسمي بالمحسنات البديعة – سواء اللفظي منها أو المعنوي .
علوم البلاغة وعناصر الأسلوب
* علم المعاني: يختص بالمعاني والأفكار
* علم البيان: يختص بعنصري العاطفة والصور الخيالية .
* علم البديع: يختص بتنسيق الصياغة وتجميل الأسلوب
الفروق بين النقد والبلاغة:
1 – وهذه العلوم الثلاثة للبلاغة هي علوم جمالية يستفيد منها الأديب قبل إنشاء النص ، وتنتهي مهمتها عند الانتهاء من كتابته ، فالبلاغة علم تعليمي – يعلمنا كيف نعبر عن المعاني تعبيراً محددا لها – وكيف نريد من تبيين المعني والعاطفة وكيف ننسق الأسلوب والصياغة.
2 – أما النقد الأدبي فهو علم وصفي ، فهو يتضمن أصولاً وقواعد نقدية تطبق على النص الأدبى عند تقويمه – بعد تحليله وتفسيره ، ثم يكون الحكم له بالجودة ، أو عليه بالرداءة.
3 – والنقد الأدبي يفيد الأديب قبل الشروع في عمله – أي قبل بدء الكتابة – إذ كلما كانت ثقافة الأديب النقدية واسعة واعية تجنب الوقوع في الأخطاء ، وكذلك يفيده بعد الانتهاء من كتابة النص ، وذلك عند مراجعته، وتمحيصه.
4 – ولهذا فالنقد الأدبي يجمع بين روح العلم وروح الفن – فهو مع وجود أسس نقدية دقيقة لكل عنصر من عنصر العمل الأدبي إلا أنه يمتاز بالمرونة – كما يخضع لحد كبير للذوق الخاص للقارئ أو الناقد ومن هنا قالوا النقد علم يجمع بين الذاتية والموضوعية.
النقد كغيره من العلوم النظرية .. لا تعريف محدد له و إختلفت مفاهيمه لدى الكتاب والادباء .. لذا سنأخذ هنا مثالين فقط من الكتاب أحدهم عربي و الآخر فرنسي كممثلين للأدب العربي و الغربي …
ووقع أيضا إختياري عليهم من بين أكثر من كاتب او ناقد لانهم مختلفين من حيث وجه نظرهم حيث الأول اكثر تشددا في النقد .. والأخير اكثر موضوعية.
رغم ان وجهه نظرهم لا تعتبر بالضروره وجه نظر الكثير من ادباء و عصرهم سأكتب تعريفاتهم للنقد و نظرتهم له .. و السلبيات ثم أطرح تعريف النقد بصوره عامه و في النهايه سأفرد تعريفي الخاص ووجه نظري المتواضع لعلم النقد او فن النقد الأدبي ..
أولا تعريف النقد بالنسبة للدكتور طه حسين ..
النقد عنده هو منهج فلسفي لابد أن يتجرد الناقد من كل شيء و أن يستقبل النص المطلوب نقده و هو خالي الذهن مما سمعه عن هذا النص من قبل ..
و أن يخلي نفسه من القومية و من الديانة و من انحيازه إلى لغة معينه أو طائفة معينه في نظر طه حسين النقد عبارة عن دراسة بحثيه للنص …
أي يبحث عن الفنيات ثم اللغويات و الخ ..
و بهذه لطريقة أصبح الدكتور طه حسين يقلل من معظم الأعمال التي قرأها في تحليلاته و نقده و أوضح مثال لذلك ما قاله عن الشعر الجاهلي في كتابه المفيد حقا (في الشعر الجاهلي)
حيث انه قال " أني شككت في قيمة الشعر الجاهلي وألححت في الشك ، أو قل ألح عليّ الشك ، فأخذت أبحث أفكر وأقرأ وأتدبر ، حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقينا فهو قريب من اليقين . ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء " .
وأتبعه قائلا معقبا موضحا نظرته " ولا أضعف عن أن أعلن إليك وإلى غيرك من القراء أن ما تقرؤه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس في شيء ؛ وإنما هو انتحال الرواة أو اختلاق الأعراب أو صنعة النحاة أو تكلف القصاص أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين ".
قد يكون كلامه صحيح .. لكنه الوحيد الذي أعلن هذه المعلومات ربما لأنه اندمج في تحليلاته للنصوص و بحثه بين الكلمات أكثر!
وإذا تعمقنا أكثر عن هذا سندخل في مناهج النقد وأنواعه، مما يجعلني أتوقف عند هذه النقطة مؤقتا ..!
وفي رأيي المتواضع أن النقد البحثي لهو أصعب أنواع النقد حيث انه يبحث حتى فيما بين الكلم لكنه يصيب المنقود أو الشيء المراد نقده بالتفككية و يصيب النص بنوع من فقدان الجمال .. فكيف نرضى أن نشرب جزيئان من الهيدروجين و جزء من الأوكسجين .. نحن نشرب الماء .. لانه ماء
ثانيا النقد بالنسبة لـ رولان بارت …
رولان بارت من أشهر الناقدين الفرنسيين و كعادة الغربيون عندما يشرحون شيئا فهو قال عن النقد جملة واحدة في مقاله " ما هو النقد ؟ "
ثم بدأ في شرح ما بين الكلمات في هذه الجملة ..
فقد قال مبسطا للغاية نظرته للنقد .
" النقد هو خطاب حول خطاب .. أو هو لغة واصفة ! "
ثم أوضح في ظل هذا التعريف أن النقد قائم على علاقتين:
1 – علاقة الناقد بلغة الكاتب
2 – و علاقة الكاتب بالعالم
و هو على غير ما اعتقده الدكتور طه حسين حيث انه الأخير قال إن من شروط الناقد أن يكون معتزلا عن حوله و أن يكون ذهنه خاليا متفرغا للنص من كل شيء!
ثم بدأ في رحله إلى فتره النقد الكلاسيكية في الزمن الكلاسيكي أعوام 1800 و فيما بعدها و قال عن النقد وقتها انه يستند إلى ثلاث قواعد
الموضوعية – و الذوق – و الوضوح
فلنبتعد عن الغور في مفاهيم النقد الأساسية لان هنا دراسة تمهيديه أي إنها ليست دراسة كاملة … لذا سأرحمكم من ثرثرتي و سآخذكم الى المفيد لنا في تعريفات النقد …
ثالثا معنى النقد عاما:
في اللغة نفسها كان معنى النقد هو : بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شئ من الأشياء بعد فحصه ودراسته حيث ما هو مذكور في المعجم الوجيز
ملحوظه : ذكر ايضا تاريخ كلمه النقد الادبي و أصل الكلمه .. الخ !
أما في الأدب معناه النقد : دراسة النصوص الأدبية في الأدب ، وذلك بالكشف عما في هذه النصوص من جوانب الجمال فنتبعها ، وما قد يوجد من عيوب فنتجنب الوقوع فيها
بصفه عامه و باختصار النقد هو نقد الكلام و معرفة الجيد منه عن الرديء و يذكر محاسن الكلم و عيوبه سواء كان شعرا أو نثرا
رابعا النقد بصفة علمية:
النقد الأدبي هو علم وصفي يتضمن أصول و قواعد نقدية تطبق على النص الأدبي عند تقويمه ( أي المراجعة ) بعد تحليل النص و تفسيره ثم ينتج الحكم سواء كان جيدا أو رديئا ..!
و علم يجمع بين الذاتية و الموضوعية .. ذاتيه رأي الكاتب و نظرته للنص و موضوعيته في إبداء آراءه بكل صدق و أمانه نقل .
خامسا: النقد بصفة شخصية:
في وجه نظري النقد هو النظر للموضوع بطريقة كاتبه .. فإختلاف شرح (على سبيل المثال) غروب الشمس تختلف من كاتب لآخر و يكتبه كل كاتب على طريقه تعلمه ومدرسته المنتمى إليها .. و أيضا طريقه حياته او حتى تختلف بطريقه جو القصه او الخاطره ..
النقد هو مرآة تعكس وجه نظر الكاتب بطريقه أكثر علميه .. نستطيع بكل بساطه ان ننقد من وجه نظرنا … لكن نظرنا من خلال نافذه كلمات الكاتب
و انا أعتبر ان طريقتي أكثر تشددا من طريقة بارت و أخف تشددا من طريقة طه حسين حيث إني أتجنب التفككيه للنص و النقد للنص الكامل …
ربما سأكون أكثر شرحا لنظرتي للنقد في الفصل القادم ان شاء الله تعال
سادسًا: الخلاصـــة:
النقد هو معرفه الرديء من الكلم في النص الأدبي و محاولة تصحيحة بطريقة حيادية ومعرفه الجيد في الكلم ومحاوله تظهيره بطريقه موضوعية.
مقوِّمات النقد الأدبيّ
بقلم : الأستاذ ياسر نديم القاسميّ
تمتاز اللّغة العربيّة وآدابها بين لغات العالم ، بحيث أن الشعراء والأدباء في عدد يتجاوز العدّ والحصر، قدّموا بقريحتهم إنتاجات أدبيّة ، وجعلوا اللغة العربية أثرى اللّغات والآداب، دون أي ظلّ من الشك. فكم من شاعر ألهمه الله الحكمة ، فكسا صفحة الكون من فيض خاطره ثوب الجمال ، وخلّد الأطلال والدِّمن التي وقف لديها ، والتي نسيها من قطن بها، وأمضى أيّامًا لا تُنْسَى? بين طيّاتها ؛ حتى أصبحت جزءًا من تاريخ صحرائي ؛ ولكن الشاعر العربي خلّدها بين صفحات تاريخنا الأدبي. وكم من أديب أودعه الله البيان، فنقل المشاعر الحسيّة إلى العواطف المعنويّة الخلاّبة ، ورسم ألوانًا زاهية في صفحات الأدب ، وعبّر عن أحاسيسه المرهفة في عبارة سلسلة اُعْتُبـِرَتْ فيما بعد نموذجًا أدبيًّا رائعًا .
ولكنّه من فطرة الله عز وجلّ أنّ الأصابع الخمس كما لاتتساوى ، كذلك مؤهّلات الناس ومواهبهم لا تتوازى ؛ فالأدب هو المراد الذي يتسابق فيه الناس شعرًا ونثرًا في كلّ لغة . فمنهم من يعدّ في مقدّمة المنافسين ، ومنهم في وسطهم ، وبعضهم في آخرهم ؛ ولكن السؤال يطرح نفسه ، أنّ من يقرّر جودة جيّد ورداءة رديء ؟ فالنقد هو الميزان الذي يجعل من تثقل كفّته فائزًا، ومن تتخفّف كفّته فاشلاً، وهو القسطاس المستقيم الذي يُظهر حُسن جيّد ، وقُبح سخيف . وللنقد الأدبيّ هذا تاريخ طويل ، فلا نبالغ إذا قلنا إنّه ظلّ يوجد منذ أن ألِف الإنسانُ الأدب .
من أبدع النقد الأدبي :
شهد تاريخنا الأدبيّ المعاصر تيّارًا يجعل النقد الأدبي غربيًّا لا عربيًّا ؛ فهناك بعض الباحثين الّذين أصرّوا على أن اليونانيّين هم الذين أبدعوا النقد الأدبيّ ، وهم الذين جعلوا له قواعد تمهّد السبيل للناقد ، ومنهم ورثناه ، وفحصنا أدبنا حسب قواعده. فالعرب لم يعرفوه إلاّ بعد أن اتصلوا بهم ، وترجموا معارفهم ، واطّلعوا على علومهم . هذه نزعة عرضها المستشرقون عبر كتبهم ، ثم نقل منهم بعض من يُعْتَبَرُ رائدًا للأدب العربيّ المعاصر، مثل الدكتور طه حسين ، رغم أن القول بكلّ ما أثر ونقل ، واعتناق كلّ ما تروّج واشتهر، والاتسام بكلّ ما جاء من المستشرقين الغربيين ، كلّ ذلك لا يليق بأهل التنقيب ؛ فإن تاريخ الأدب الجاهليّ حافل ببراهين تدل على وجود ملكة النقد ، حينما بدأ العرب قرض الشعر والاشتغال به . وكانت هذه الملكة تسير مع الشعر جنبًا إلى جنب . فما اجتماعهم في الأسواق واختيارهم للمحكمين أمثال النابغة ، وتعليقهم القصائد في الكعبة بعد كتابتها بماء الذهب إلاّ لونًا من ذلك كلّه . على أن المؤرّخين قد نقلوا إلينا أمثلة من نقدهم مثل قول حسّان :
لنا الجفنات الغُرّ يلمعن في الضّحى
وأسيافنـا يقطرن من نجـدة دمًا
وقد علّقت عليه الخنساء بما يفيد نقدها له ، إذ قالت له : Mقد استعملت جمع القلّة في الجفنات والأسياف . واستعمال جمع الكثرة أحسن . وقلتَ Mفي الضحىL ولو كان في الدُّجى لكان أفضلL .
ولتفنيد هذا الرّأي، يكفي لنا ما قال الأديب الكبير أحمد حسن الزيّات في كتابه Mفي أصول الأدبL : Mهذا التاريخ على طوله وفضوله لم يُسَجَّلْ من الأمم ، التي بلغت رسالة الله بالخير والجمال والحق إلاّ أربعًا : العبران في الدين والسلم ، واليونان في الفن والعلم . والرومان في النظام والحكم ؛ والعرب في كلّ أولئك جميعًا .
وبالجملة لايصحّ القول بأن النقد الأدبيّ أبدعه اليونانيّون ؛ بل يمتلكه كلّ أمّة تمتلك الشعر أو لونًا آخر من الأدب ، لما أنّ النقد مصدره الذوق ، ومن المستحيل أن العرب الذين لا يزالون يقرضون الشعر منذ جاهليتهم ، لم يلمّوا بالذوق إلاّ بعد أن تمّ اتصالهم باليونان .
بين الذوق والنقد
إذا كان النقد العربي الحديث يقوم على القوانين المرعية ، والقواعد المتّبعة ، والأصول المتوارثة عن أساتذة العربيّة ، وقضايا علومها المختلفة ، كالذي توصي به علوم البلاغة من الخلّو من التعقيد والتنافر والغرابة ، أو الّذي توصي به قواعد النحو من الخلّو من ضعف التأليف مثل عود الضمير على متأخّر لفظًا ورتبةً ، أو فكّ الإدغام مثلاً ، أو الذي يوصي به علم القوافي من الخلوّ عن الإقواء والتضمين ، أو الذي توصي به معاجم اللّغة مثل البعد عن الألفاظ ، التي لم تكن مأنوسة الاستعمال أو من المشترك اللّفظي ، فإنّه – النقد الأدبيّ – يقوم كذلك على الذوق ، وهو حاسّة يخلقها الله في الإنسان ليكون مرهف الحسّ ، دقيق الإدراك ، قويّ الملاحظة ، بعيد النظر، شديد التمييز بين الأشياء ، فلا يتعدّى الإنسان الصواب ، ولا يجانب الخطأ ، ولا يخطئ في حدسه ؛ بل يُصبح حدسه قسطاسًا يفصل الرّديء عن الجيّد .
والحدس الذي نتحدّث عنه ، والذي نطلق عليه كلمة MالذوقL الذي يُعتبر مصدرًا للنقد الأدبيّ ، يجب أن يكون متغلغلاً في سويداء وجدان الأديب الناقد ، وعمق أحاسيسه . فيقدّر للأشياء حسب حدسه ، ويحكم على الأحداث ، ولا ينفعل بها ؛ بل ينظر إليها نظرة صيرفيّ إلى الدّراهم والدنانير ، ويفسّر لما يتخلف عنها من الخير والشر، فلا يختل MعقلهL ، ولا يعتلّ حدسه، وإلاّ تتزور الحقائق ، وتتموّه الصور، وتطمس المعالم ، ويثور الإحن ، وتنفر القلوب من الأدب الذي كانت تجد فيه الدوحة الفينانة ، والرّوضة المعطار ، والظلّ الوارف ، والماء الرويّ ، والغذاء الشهيّ ، ولأجل ذلك نجد للذوق أهميّة بالغة لدى النقاد ؛ إذ أنهم يجعلونه حكَمًا وفيصلاً حينما اختلّت المعايير، وغابت المقاييس ، واشتبهت الموازين التي تثقل الجيّد وتخفّف الرديء، وتفصل الصواب عن الخطأ ، وتميّز الأجود عن الجيّد.
والذوق الذي نتحدّث عنه لايحدّه حدّ ولا يعرّفه تعريف ، فلمّا حاول علماء الأدب العربيّ، أن يعرّفوه تعريفًا منطقيًّا قائمًا على الجنس والفصل ، كما هو دأب علماء المنطق ، وجدوا أنّه يتأبّى على التحديد ، ويخرج عن حدود العلوم والمصطلحات . وهو شيء يستخدمه الأديب الناقد استخدامًا أكثر من استخدام أي شيء آخره ، وعلى الرغم من ذلك يفقد لفظًا يصفه وكلمةً تحدّده . وفي كلمات أخرى هو يشبه السحر الذي تدرك أثره دون أن تدرك حقيقته ، وهذا هو السرّ في أنّهم يقولون : Mإن الذوق شيء ليس في الكتبL؛ بل هو من الدقائق التي لايفطن إليها إلاّ الخواص من أهل هذا العلم ، والصفوة المختارة من جهابذة البيان ، وأصحاب أزمّة الكلام الذين يستفيدون من أدب الفحول ، وشعر العباقرة ، ودواوين الشعراء أمثال البحتري والشريف الرضي ، وعبّاس بن الأحنف ، وبشار ، والمتنبّي ، ومهيار الديلمي ، وغيرهم؛ كي يرهف حسُّهم ، وينمو وعيهم ، ويدقّ تمييزهم ، وينضج فكرهم ، وينفتح شعورهم، وتتجلى قريحتهم ، حتى يملكوا الملكة التي نطلق عليها كلمة MالذوقL ، والتي لا تتأتّى إلا بعد هذا الجهد المضني والمسيرة الطويلة .
ولأجل إيماننا بأن من ملك ذوقًا ناضجًا ، لابدّ من أن يسلك ويجوب هذه المساحات الطويلة الأدبيّة، فلذا يُقَدَّر ذوقُه ويُحْتَرم رأيه الناشئ عن ملكته الكامنة . فمن نماذج الذوق الأدبي استخدام الألفاظ، التي لا يتطيّر منها المخاطب ، أو يكره أن يسمعها ، أو لا يحبّ أن يبتدئ بها الحديث . وكذلك عدم استعمال كلمات أثناء الحديث تُعْتَبَر قفزةً من موضوع إلى موضوع آخر . إضافة إلى ذلك عدم انقطاع القول دون تمهيد لهذا الانقطاع الذي كان غير مترقب ؛ ولكنّه لا يعني أنّ من لا يراعي الأمور المذكورة – ويستخدم كلمات في بداية حديثه لايرضى بها المخاطب ، أو يقفز في أثناء كلامه من موضوع إلى آخر فيفاجئ مخاطبه ، أو ينهي حديثه دون إشارة إلى ذلك – يعوز كلامه جمال المعنى وفخامة الأسلوب ، كما لا يعتبرها البلغاء من الأشياء التي تتعلّق بنضارة الكلام ، وسلاسة البيان ، وحسن رونقهما ، إلاّ أنها من الكماليات التي يهدي إليها ذوق سليم ناضج ناشئ عن الجهد المضني ، الذي أفرغه الأديب الناقد في أدب سلفه ، فمن لايتّسم كلامُه بهذه الكماليات يعيّبه ذوقُ ناقدٍ ، ولو كان الكلام بليغًا سلسًا ومن أعلى نماذج الأدب الرائع ، ولذلك يذكر السكّاكي في Mتلخيص المفتاحL بعد أن انتهى من حديثه عن علوم البلاغة الثلاثة ، أنَّه ممّا ينبغي على أصحاب الأذواق أن يلاحظوا المطلع والمقطع والانتقال ، باعتبار أنَّها من حقوق الصناعة ، ولطف التناول ، وأدب القول ، ولباقة التعبير .
وقد ذكر أبو هلال العسكري في كتابه MالصناعتينL أمثلة عيّبها أو استحسنها الذوق ، فيقول: وقالوا ينبغي للشاعر أن يحتذ في أشعاره ، ومفتتح أقواله مما يتطيّر منه ، ويستجفى من الكلام والمخاطبة به ، فوصفُ افتقار الديار ، وتشتّت الآلاف ، ونعي الشباب، وذمّ الزمان من الأمور البغيضة ، ولا سيّما في القصائد التي تتضمّن المدايح ، والتهاني ، ولهذا عيب على ذي الرمّة في مدحه لعبد الملك بن مروان ، حيث يقول في مطلعه :
ما بال عينك منها الماء ينسكب
كأنّـه من كلى مفريـة سرب
وكان بعين عبد الملك علّة تجعله يدمع ، ولذا قال له : وما سؤالك يا ابن الفاعلة ، في حين أن الشاعر يخاطب نفسه .
والأمر الثاني هو الانتقال من موضوع إلى آخر، حيث جُعل المعنى الأوّل سلّمًا صُعد عليه ، أو قنطرة عبرها الشاعر للوصول إلى معنى آخر. فالجاهليّون كانوا يجعلون الغزل في مطالع القصائد ، ثم ينتقلون منه بمهارة نادرة وأسلوب أخّاذ ، إلى المديح أو الفخر أو الاعتذار ، فمن أمثلة حسن الانتقال قول الشاعر:
وصافية تعشى العيون رقيقة
سليـلة عم في الدنان وعام
أدرنا بها الكأس الرويّـة بيننـا
من اللّيل حتى انجاب كلّ ظلام
فما ذر قرن الشمس حتى كأنّنا
من العيّ نحكي أحمـد بن هشام
فنظن أنّه يتحدث عن الخمر في الكؤوس ، وفعلها بالرؤوس ، وأن أحمد بن هشام مجرد مشبّه به، كأنّه يريد أن الخمر عقدت لسان المخمورين ، فلا يحسنون النطق مع أن ذلك لم يكن مقصودًا ، فإن الخمر إذا لم تفعل بشاربها هكذا ، فما ذا تفعل ؟ وإنّما المقصود من ذلك رمي أحمد بن هشام بالعيّ البالغ ، فحسن الانتقال هذا براعة دون أي شك تجعل الشعر من أعلى نماذج أدبنا العربي .
كما أن لحسن الانتهاء قيمة أدبيّة عظمى ، لا تقل عن أهمية حسن الابتداء وحسن الانتقال؛ فلا يرضى المخاطب الذي يستمع إلى كلام المتكلّم بوعي وتيقّظ، وشعور ووجدان ، ورغبة وشوق ، وإصغاء وإقبال بانقطاع الكلام من غير مقدّمات تدل عليه ، ولا إشارات تمهّد له السبيل . فهاكم مثالاً للانتهاء الرابع ، يقول الشاعر الفحل المتنبي :
قد شرّف الله أرضًا أنت ساكنها
وشـرف الناس إذ سوّاك إنسانًا
ففحوى كلامنا أن الذوق قسطاس يثقّل الأجود ويخفّف الجيّد ، وهو ملكة لاتحصل إلا بالانقطاع إلى الأدب المأثور عن جهابذة البيان وفحول الكلام ، وليس لها قواعد تجعل من يطالعها صاحب ذوق ناضج ؛ بل هو شيء لا يوجد في الكتب . نعم يُدرك بها وبما تحمله من أدب جمّ خلّفه أصحاب الأذواق الواعية ، حتى عُدّ هذا الذوق ، من إحدى دعائم النقد الأدبيّ ومقوّماته .
مالا بُدّ للناقد :
النقد الأدبيّ وإن كان يتعلّق بالذوق أكثر من تعلّقه بأي شيء آخر، ولكن الذوق لا يكفي أيضًا ولا سيّما في النقد الأدبي المعاصر؛ بل هناك عدّة أشياء يجب أن نلاحظها ونراعيها في الناقد ، الذي جعل نفسه يتبوّأ مكان النقد لحسم النزاع بين الجيّد والأجود ، وكشف الغطاء عن الشخيف والثمين ، وإن كان الذوق هو الفيصل في الأدب القديم ، وخاصّة الأدب الجاهليّ وما يليه ، فليس قصّة أم جندب المشهورة إلاّ مثالاً للنقد الذي يتوقّف على الذوق فحسب ، حيث حكمت بين زوجها امرئ القيس وبين علقمة في حديثهما عن الفرس ، إذ قال امرؤ القيس :
فللسوط ألهوب وللساق درة
وللزجر منه وقع أخرج متعب
وقال صاحبه علقمة :
فأدركهن ثانيًا من عنانه
يمرّ كمرّ الرائح المتحلّب
فقضت أم جندب لعقلمة لأنّه لم يُجهد فرسه، ولم يضربه بسوط ولا درة ، كما فعل امرؤالقيس مع فرسه. وما هو إلا نقد على الذوق لا على قاعدة علميّة ؛ بل وليس للذوق القائم على القواعد وجود في الأدب الجاهلي .
ولكن أدبنا العربي المعاصر لا يخضع للذوق تمامًا، بل إذ يطأطئ رأسه له ينحني لأشياء لابُدّ من مراعاتها في الناقد ، وإلاّ لايُقبل النقد ، ويُرفض رأي الناقد ، فيجب أن تكون هناك صفات تقوم عليها شخصيّته ، وقواعد يتوقّف عليها نقده .
الصفة الأولى التي يجب للناقد الاتسام بها، هي أن يكون أديبًا . والأديب هو ذلك الرجل الذي أوتي من الملكة البيانية ما يساعده على أن يكتب الكلام الجيّد ، الذي يعلن عن الأفكار الرائعة والمعاني الخلاّبة، والأغراض النبيلة بأسلوب يفيض بالسحر، وينبض بالحسن . والناقد لايكون أديبًا إلاّ بعد أن اجتاز مرحلة صعبة من القراءة والحفظ ، والاطلاع والتحصيل ، والتأمّل والوعي ، والإدراك والفهم . فإن لم يكن أديبًا لايعرف ما عاناه الرجل في نسج هذا النصّ الذي يزنه له ، ويقرّر حسنه أو قبحه .
ولا يكفي أن يكون الناقد أديبًا بالمعنى الذي ذكرناه آنفًا ، بل ويجب أن يكون عالمًا بالأدب كصفة ثانية . MوالأدبL يطلق على جميع أنواعه ، كما يحتوي على ما نسميّه باسم Mتاريخ الأدبL ، الذي يخبرنا عن المراحل التاريخيّة والاجتماعية ، والسياسيّة والاقتصادية ، التي مرّ بها الأدب على مرّ الدهور وكرّ الأزمان . فالعلم بالأدب يمنحه بصيرة في الحكم ، واعتدالاً في الرّأي، وإنصافًا في القضية ، ووسطيّة في الوزن والفحص.
كما لا بدّ للناقد
أوّلاً : أن يكون له إلمام تام بالعلوم اللّسانية من النحو والصرف ، والعروض والبلاغة ، كي لايضلّ فيُضلّ ؛ بل يتبنّى السداد في القضايا الأدبيّة ، ويحكم في نور مقتبس من العلوم المذكورة .
ثانيًا : أن يكون وثيق الصلة بمعاجم اللّغة ، وكثير الاطلاع عليها ، كما يعرف طرق دلالة الألفاظ على المعاني من الحقيقة والمجاز ، بالإضافة إلى ذلك يعلم جميع المعاني للفظ ، أو جميع الألفاظ لمعنى ما نطلق عليه كلمتي المشترك اللفظي والمعنوي .
ثالثًا: أن يكون علمُه محيطاً بكتب النقد كـMالموازنة بين الطائيينL للآمدي ، و Mالوساطة بين المتنبي وخصومةL للجرجاني ، وMالموشّحL للمرزباني، وMعيار الشعرL لابن طباطبا ، وMنقد الشعرL لقدامة بن جعفر، وMطبقات الشعراءL لابن سلام، وMالصناعتينL لأبي هلال العسكري، و MالعمدةL لابن رشيق القيرواني . كما يجب عليه أن يطالع كتب الأدب الأخرى كالكامل للمبرّد ، والأمالي لأبي علي القالي ، وMالعقد الفريدL لابن عبد ربّه ، وMالبيان والتبيينL للجاحظ ، وMصبح الأعشىL للقلقشندي، وMنفح الطيبL للمقريزي وMزهر الأدبL للحصري، وMالأغانيL للأصفهاني وغيرها من الكتب الأدبيّة الأخرى ، التي تتناول القضايا الأدبيّة النقدية . إضافة إلى ذلك لابدّ له أن يطّلع على كلّ ما تجود به قرائح المعاصرين ، وتنتج أفكارهم في مؤلّفاتهم عن النقد الأدبي ، سواء فيما يتعلّق بالشعر أو بالنثر، وهكذا يصبح علمه محدقًا بأدب الأوّلين والآخرين ، فيسلم حكم عن الخطاء الناتج عن عدم الاطلاع على درب يحاول السير فيه.
رابعًا : يجب على الناقد أن يحصّن نفسه بالحق، ويجمّلها بالعدل ، ويزوّدها بالإنصاف ، ويحيطها بهالة من الطهر والعفاف ، والزهد والورع ، فيصون عرضه ، وينقّي ثوبه . حتى أنّه حينما يتبوّأ مكان النقد لايكون مرضًا لميوله ، ولا تكون نظرته للنص من زوايا تجاربه ووجدانه الخاص ، فلا يسجد للنصّ الذي يعبّر عن نزواته ، ولا يرفض النصّ الذي يناوئ لأفكاره ، ولا يكون كالشارب الذي يقرأ خمريات أبي نواس فيطرب طربًا ، ولايكون كالعاشق الذي يقرأ شعر عباس بن الأحنف فيفتتن به افتتانًا ، ولايكون كالزاهد الذي يطالع ديوان أبي العتاهية فيتزهّد تزهّدًا ؛ بل يجب أن يكون حكمه نموذجًا من الوسطيّة والعدل ، ورأيه مثالاً للسداد والإنصاف .
فالأديب الذي يتغذّى بالصفات المذكورة أعلاه، ويهتدي بالذوق الذي حصل عليه ، بعد أن أضناه جهد في سبيل الأدب على اختلاف أنواعه ، جدير بأن يعتبر ناقدًا ، وحريّ بأن يقبل نقده ، لا بهدف نقص مكانة أديب آخر؛ بل بغرض جعل الأدب ينبوعًا صافيًا يتفرّع منه الأنهار، التي تجعل وارديها جهابذة في ساحة الأدب. ولأجل ذلك لابد للنقد أن يقوم على مقوّماته ، ولابدّ للناقد أن يتحلّى بصفات تجعل رأيَه مقبولاً في الأوساط العلمية والأدبيّة
وإني لأمضي الهم عند احتضاره بناج عليه الصيعرية مكـــــدم
ومعني البيت ( إنني أتغلب على الهموم التي تحضرني بالسير على جملي فأنجو منها به ) .
عندئذ قال طرفة : استنوق الجمل – أي جعله ناقة . فقد وصفه بصفات الناقة وهي ( الصيعرية ) وهي علامة في عنق الناقة لا البعير .
2 – جاء في قصيدة لحسان بن ثابت :
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فنقده النابغة وقال له :
– إنك قلت : ( الجفنات ) وهي من جمع القلة ، والأحسن لو قلت ( الجفان ) لكثرة العدد .
– وقلت : ( يلمعن ) ( في الضحى ) أي تلمع في وضح النهار – ولو قلت ( يبرقن ) ( في الدجي ) لكان أبلغ لأن الضيوف في الليل أكثر طروقا .
– وقلت أيضا : ( أسيافنا ) وهي جمع قلة – ولو قلت ( سيوفنا ) جمع كثرة لكان أفضل .
– وقلت ( يقطرون دما ) أي تسيل منها قطرات الدم . ولو قلت يجرين ) لكان أفضل فجريان الدم دلالة على كثرة القتلى من الأعداء .
ونلحظ في نقد النابغة السابق أنه يركز على مدي دقة استعمال الكلمات الملائمة للمعني ، وكيف تكون كلمة أدق وأبرع في التعبير عن المعني المراد لأن نجاح الشاعر في اختيار أدق الكلمات المناسبة يسهم في قوة المعني وتأثيره في نفس السامع ، ولهذا قال النابغة لحسان : إنك لا تحسن أن تقول مثل قولي :
فإنك كالليل الذي هو مدركــي وإن خلت أن المنتأي عنك واسع
فأنت تري الأسلوب واضحا تمام الوضوح ، مع عمق المعني المراد ، حتي أنك تحتاج للتريث والأناة في معرفته . فهو يعتذر للنعمان عن المنذر ، معلنا أنه لا يستطع الهرب منه إلي أي مكان – كالليل لا مهرب منه .
كان النقد في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام ملاحظات فردية ، تقوم على الذوق الشخصي .
o وقيل في الجاهلية : أشعر الشعراء امرؤ القيس إذا ركب ، والأعشى إذا رغب
o وفي عصر صدر الإسلام قال عمر بن الخطاب : إن زهير بن أبي سلمة هو أحسن الشعراء ، لأنه لا يمدح الرجل إلا بما فيه ، ولا يعاطل في القول .
في العصر الأموي كان مجلس عبد الملك بن مروان ميدانا متسعاً للنقد والتذوق وهو نفسه كان مشاركا في ذلك . روي أنه سمع عن الشاعر (( نصيب )) قوله :
أهيم بدعد ما حبيت فإن أمت فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي
فقال بعض من حضر : أساء القول . أيحزن لمن يهيم بها بعده ، فقال به عبد الملك ابن مروان : لو كانت قائلاً فماذا تقول ؟ قال :
……………………… أو كل بدعد من يهيم بها بعدي
فقال عبد الملك : أنت أسوأ قولا ، والأفضل لو قال :
أهيم بدعد ما حبيت فإن أمت فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي
4 – مدح جرير الخليفة عبد الملك بن مروان ، فقال :
هذا ابن عمي في دمشق خليفة لو شئت ســـاقكم إلي قطينا
فلما سمعه عبد الملك قال : ما زاد على أن جعلني شرطيا – والله لو قال ( لو شاء ) لسقتهم إليه قطينا .
وقد أخطا جرير في قوله ( شئت ) بإسناد الفعل لنفسه ، وجعل الخليفة شرطيا عنده – وهذا لا يليق بمقام الخليفة ، ولو استبدل كلمة ( شاء ) أي الخليفة مكان ( شئت ) لحظي بما يريد .
5 – قالت ليلي الأخيلية في مدح الحجاج :
إذا نزل الحجـــاج أرضـاً مريضة تتــبع أقصــي دائها فشفاها
شفــاها من الداء العضال الذي بهـا غــلام إذا هز القناة سقـاهـا
فعاب الحجاج قولها ( غلام ) لأنها كلمة تدل على الجهل والطيش وقلة الخبرة والتجربة – وهذا لا يناسب ذكاء الحجاج وسطوته ، التي عرف بها ، وكان الأفضل لو قالت ( همام – شجاع ) .
ثانيا: النقد الأدبي في مرحلة الازدهار
ويجئ العصر العباسي – عصر العلوم والتأليف ، وقد عرفنا في الصف الثاني كيف بدأت مرحلة التدوين في البلاغة – وأيضاً ظهرت مرحلة التدوين في النقد الأدبي .
أ – أهم مؤلفات النقد الأدبي :
ظهرت في هذه الفترة مؤلفات متخصصة في النقد الأدبي من أهمها :
1) عيار الشعر لا بن طباطبا
2) الموازنة بين الطائيين للآمدي .
3) الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني .
4) الصناعتين لأبي هلال العسكري .
5) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده – لابن رشيق القيرواني .
6) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر – لابن الأثير .
تمهيدٌ في النَّقـد
أحمد بن محمد الشامي
نقدُ الكلام في اللغة؛ معرفةُ جيّده من رديئه، وذكر محاسنه أو عيوبه؛ سواء كان شعراً أو نثراً، وله أصولٌ معتبرة طالما تحدَّث عنها المتقدّمون والمتأخرون في كُتبهم ورسائلهم، ومقالاتهم؛ وقد قسَّموه أنواعاً؛ فمنها ما يرجع إلى المعاني، ومنها ما يتعلق بالصّور الذهنيّة، والخيالات الشعريّة، ومنها ما يعود إلى الأوزان والمقاطع، ومنها ما يعود إلى ائتلاف بعض ذلك ببعض؛ وإذا كان المتقدّمون قد أبدعوا وأجادوا في نقد الألفاظ وتعلّقها بمعانيها، والأوزان، والقوافي، والقوافي والأسجاع، وائتلاف بعضها ببعض، وألفوا في ذلك الكتب المطوّلة والموجزة حَسَب معارفهم وقُدراتهم اللّغوية والبيانيَّة؛ فإنَّ المتأخرين قد تفنَّنوا، وتوسَّعوا في نقد الصور الذهنيَّة والدوافع الوجدانيَّة، ونقدوا النثر الفنيّ، والشِّعْر على مختلف أشكاله كفنّ من الفنون الجميلة.
وما كلّ ذِي ملَكَةٍ بيانيَّة يستطيع أنْ يكون «ناقداً» ولا سيَّما إذا كان المنقود «شعراً»؛ فهناك شروطٌ لا بدّ من توفّرها في «ناقدِ الشعر» وبحسبِ قوّتِها، أَو ضعفِها فيه تكونُ قوة «النقد» وضعفِه؛ «فالناقد» يجب أَنْ يكونَ واسعَ الاطّلاع، قويّ العارضة، ثاقب الذهن، بصيراً بأساليب البيان، فيلسوفاً شاعراً، مُتَبحّراً في علوم اللغة وآدابها؛ فإن عَرِيَ عن بعضِ هذه الشروط جاء نقدُهُ –إنْ تجرَّأ على النَّقد- وليسَ إلاّ موضوعاً إنشائياً؛ استوحاه من قصيدة شاعر، أو أدارَهُ على مقالة كاتب؛ واقفاً هنا وقفة استحسان، وهناك وقفة استهجان؛ مقتنعاً بالحديثِ عن الأشكال الظاهرة غير متعمّق إلى ما وراءها من صورٍ ذهنيَّة، ودوافع وجدانيَّة وملابسات نفسيَّة؛ كان لها أعظم الأثر في إبداع شعر الشاعر أو مقالة الكاتب البياني وما أبرع وأحكم الذي اشترط في «ناقد الشعر» أن يكون شاعراً؛ لأنَّ خوالج نفس «الشاعر» أكبر من أن تحدّها الكلمات؛ وإنَّه ليحسَّ بها في «ساعاته الشعريَّة» كغَشْيَةِ الوحي، وقد ركدت بشريَّتُه، وتحوَّل روحاً يطير في سماوات رائعة؛ وهنا الفرق بين القوي والضعيف؛ والمحلّق والعاثر، وبين مَنْ يجيد التعبير عن بعض تلك المعاني بِحَسَبِ ثَرْوَتِهِ اللّغويَّة؛ وبين مَنْ يتلَعْثَمُ ويقِفُ دون ما يرده الفن والجمال الشعري؛ لأنه محدود القدرة لغةً، واطّلاعاً، وذوقاً…. فإذا كان «ناقد الشّعر» شاعراً واسعَ الاطّلاع، مُتمكِّناً من آداب لغتِه، قويّ النَّفس، استطاع أن يتصوَّر الجوَّ الخاص الذي أحاطَ بالشاعر المنقود، وتمثَّل تلك «الغشية» السَّماويَّة، وعرض له ما عرض لصاحبه من قبله، وبذلك يَفْهَم تفوّقَه من قُصورِهِ، وقُوَّتَه من ضعْفِه، وكيف عثر، ومِنْ أينَ أدركه الضعف؟ وما الذي كان عليه أن يقول؟
فيأتي نقدُه محكماً.
وإذنْ؛ فمن أراد أن يَنقُدَ شعر شاعرٍ؛ فعليه أن يبحث أوَّلاً عن موهبة الشَّاعر فيتناول نفْسَهُ وطَبيعته الشاعرة ونصيبَه أو حظَّه منها؛ ثم يتكلَّم عن فنّه البياني، وما يتعلَّق بالألفاظ وعيوبها ومحاسِنِها، والسَّبك والأسلوب، وجودة التعبير أو رداءته.
ويقولُ الأستاذ مصطفى صادق الرافعي:
«ولا يُرادُ مِنَ النَّقدِ أن يكونَ الشاعر وشعره مادةَ إنشآء، بل مادة حساب مقدَّر بحقائق معيّنة لا بدَّ منها؛ فَنَقدُ الشِّعر هو في الحقيقة علمُ حساب الشعر، وقواعده الأربع التي تقابل الجمعَ، والطرح والضَّربَ، والقِسْمَةَ؛ هي الاطّلاع، والذَّوق، والخيالُ، والقريحة الملهمة».
وبالنَّقْدِ الصَّحيح يَسْمو الأدب، ولقَد كانَ مِن الأسباب التي سمَتْ بالشعر في العصر العبَّاسي الأوّل، ودَفعت أربابَه إلى الإتقان والإجادة؛ كثرةُ النقَّد؛ ومحاسبتهم للشّعرآء، ووقوفهم لهم بالمرصاد، فما كان الشاعرُ يرْسِل شِعْره إلاّ وهو يحسب حساب «الناقد» الخبير ببلاغة الكلام، وأساليب الفصاحة، ويُفكّر فيما عسى أن يقول فيه من مَدْح أو قدح؛ فإذا ما اتَّجَهْنَا هَذا الاتّجاه على طريقٍ مُسْتَقيم فسنحفظ نهضتَنَا الأدبيَّة من التَّعثُّر، ونصقلُ الأفكار والألسنة والأقلام بصقال الإجادة، والتهذيب، والتنقيح.
ومن أهمّ شروط «الناقد» النّزاهة، والإنصاف؛ فإذا كان «الشاعر» يُمثِّل «العاطفة المتكلِّمة»؛ فإنَّ «الناقد» يُثل «العقل المميّز»، وإذا كانت «العواطف» والرغبات تنْدفع مَعَ ما يسرُّ ويُؤلم، وإن تعصَّبتْ وكابَرَتْ؛ فإنَّ «العَقْلَ» لا يَجْهَر إلاَّ بما يراه حقًّا، والحق والإنصاف هما جوهرُ وجودِه… فإن تعصَّب مُكابراً… وتعنَّت مُتَعَسِّفاً؛ فقد ذلَّ للهوى؛ ولم يِعُد «عقلا».!
لا مجاملة في «النقد» ولا مجازفة، ولا تحامُل، ولا تهريج. لأنَّه «ميزان» يرجحُ بالوزن لأنَّه راجحٌ في نفسه، ويطيحُ بالهبآء لأنَّه هبآء في حقيقتِهِ؛ وكل من ماورآء ذلك من بيان مُزَوّق، وقولٍ منمَّق، فإنَّما هو إرضآءٌ لِرَغْبَةِ الفَنّ، وإشباعٌ لِشَهْوة البيان.
وبعد هذا نقولُ ما قاله «الرافعي» أيضاً:
«إذا كانَ من نَقْدِ الشِّعر عِلمٌ؛ فهو علمُ تشْريحِ الأَفكَار، وإذا كان منهُ فنٌّ؛ فهو فنُّ درسِ العاطفة؛ وإذا كانَ مِنهُ صِناعة؛ فَهو صِنَاعة إظهار "الجَمَال البياني في اللّغة"» اهـ. وما أعجب وأدقّ هذا الكلام.
* * * *
المصدر/ كتاب (مع الشعر المعاصر) "نقدٌ وتاريخ".
تحيّاتي إلى كل عقل نيّر
ما الفرق بين النقد الأدبي و البلاغة
وبطريقة علمية مبسطه؟
معني البلاغة:
البلاغة مشتقة من كلمة ( بلغَ ) ، التي تعني الوصول إلي النهاية ، فهي تعني في اللغة: إيصال المعني كاملا إلي ذهن القارئ والسامع .
وإذا ربطنا بين علوم البلاغة والعناصر الأساسية للعمل الأدبي وجدنا لماذا انقسمت البلاغة إلي ثلاثة علوم – كل علم منها يختص بركن أو عنصر من عناصر الأسلوب كالتالي:
1 – علم المعاني: ويختص بعنصر المعاني والأفكار ، فهو يرشدنا إلي اختيار التركيب اللغوي المناسب للموقف ، كما يرشدنا إلي جعل الصورة اللفظية أقرب ما تكون دلالة على الفكرة التي تخطر في أذهاننا ، وهو لا يقتصر على البحث في كل جملة مفردة على حدة ، ولكنه يمد نطاق بحثه إلي علاقة كل جملة بالأخرى ، وإلي النص كله بوصفه تعبيرا متصلا عن موقف واحد ، إذ أرشدنا إلي ما يسمي : الإيجاز والإطناب ، والفصل والوصل حسبما يقتضيه الموقف .
2 – علم البيان: ويختص بعنصَريْ العاطفة والصور الخيالية معاً – لأن الخيال وليد العاطفة ، وقد سمي علم البيان لأنه يساعدنا على زيادة تبيين المعني وتوضيحه وزيادة التعبير عن العاطفة والوجدان ، باستخدام التشبيهات والاستعارات وأنواع المجازات .
3 – البديع: ويختص بعنصر الصياغة ، فهو يعمل على حسن تنسيق الكلام حتي يجيء بديعا ، من خلال حسن تنظيم الجمل والكلمات ، مستخدماً ما يسمي بالمحسنات البديعة – سواء اللفظي منها أو المعنوي .
علوم البلاغة وعناصر الأسلوب
* علم المعاني: يختص بالمعاني والأفكار
* علم البيان: يختص بعنصري العاطفة والصور الخيالية .
* علم البديع: يختص بتنسيق الصياغة وتجميل الأسلوب
الفروق بين النقد والبلاغة:
1 – وهذه العلوم الثلاثة للبلاغة هي علوم جمالية يستفيد منها الأديب قبل إنشاء النص ، وتنتهي مهمتها عند الانتهاء من كتابته ، فالبلاغة علم تعليمي – يعلمنا كيف نعبر عن المعاني تعبيراً محددا لها – وكيف نريد من تبيين المعني والعاطفة وكيف ننسق الأسلوب والصياغة.
2 – أما النقد الأدبي فهو علم وصفي ، فهو يتضمن أصولاً وقواعد نقدية تطبق على النص الأدبى عند تقويمه – بعد تحليله وتفسيره ، ثم يكون الحكم له بالجودة ، أو عليه بالرداءة.
3 – والنقد الأدبي يفيد الأديب قبل الشروع في عمله – أي قبل بدء الكتابة – إذ كلما كانت ثقافة الأديب النقدية واسعة واعية تجنب الوقوع في الأخطاء ، وكذلك يفيده بعد الانتهاء من كتابة النص ، وذلك عند مراجعته، وتمحيصه.
4 – ولهذا فالنقد الأدبي يجمع بين روح العلم وروح الفن – فهو مع وجود أسس نقدية دقيقة لكل عنصر من عنصر العمل الأدبي إلا أنه يمتاز بالمرونة – كما يخضع لحد كبير للذوق الخاص للقارئ أو الناقد ومن هنا قالوا النقد علم يجمع بين الذاتية والموضوعية.
النقد كغيره من العلوم النظرية .. لا تعريف محدد له و إختلفت مفاهيمه لدى الكتاب والادباء .. لذا سنأخذ هنا مثالين فقط من الكتاب أحدهم عربي و الآخر فرنسي كممثلين للأدب العربي و الغربي …
ووقع أيضا إختياري عليهم من بين أكثر من كاتب او ناقد لانهم مختلفين من حيث وجه نظرهم حيث الأول اكثر تشددا في النقد .. والأخير اكثر موضوعية.
رغم ان وجهه نظرهم لا تعتبر بالضروره وجه نظر الكثير من ادباء و عصرهم سأكتب تعريفاتهم للنقد و نظرتهم له .. و السلبيات ثم أطرح تعريف النقد بصوره عامه و في النهايه سأفرد تعريفي الخاص ووجه نظري المتواضع لعلم النقد او فن النقد الأدبي ..
أولا تعريف النقد بالنسبة للدكتور طه حسين ..
النقد عنده هو منهج فلسفي لابد أن يتجرد الناقد من كل شيء و أن يستقبل النص المطلوب نقده و هو خالي الذهن مما سمعه عن هذا النص من قبل ..
و أن يخلي نفسه من القومية و من الديانة و من انحيازه إلى لغة معينه أو طائفة معينه في نظر طه حسين النقد عبارة عن دراسة بحثيه للنص …
أي يبحث عن الفنيات ثم اللغويات و الخ ..
و بهذه لطريقة أصبح الدكتور طه حسين يقلل من معظم الأعمال التي قرأها في تحليلاته و نقده و أوضح مثال لذلك ما قاله عن الشعر الجاهلي في كتابه المفيد حقا (في الشعر الجاهلي)
حيث انه قال " أني شككت في قيمة الشعر الجاهلي وألححت في الشك ، أو قل ألح عليّ الشك ، فأخذت أبحث أفكر وأقرأ وأتدبر ، حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقينا فهو قريب من اليقين . ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء " .
وأتبعه قائلا معقبا موضحا نظرته " ولا أضعف عن أن أعلن إليك وإلى غيرك من القراء أن ما تقرؤه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس في شيء ؛ وإنما هو انتحال الرواة أو اختلاق الأعراب أو صنعة النحاة أو تكلف القصاص أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين ".
قد يكون كلامه صحيح .. لكنه الوحيد الذي أعلن هذه المعلومات ربما لأنه اندمج في تحليلاته للنصوص و بحثه بين الكلمات أكثر!
وإذا تعمقنا أكثر عن هذا سندخل في مناهج النقد وأنواعه، مما يجعلني أتوقف عند هذه النقطة مؤقتا ..!
وفي رأيي المتواضع أن النقد البحثي لهو أصعب أنواع النقد حيث انه يبحث حتى فيما بين الكلم لكنه يصيب المنقود أو الشيء المراد نقده بالتفككية و يصيب النص بنوع من فقدان الجمال .. فكيف نرضى أن نشرب جزيئان من الهيدروجين و جزء من الأوكسجين .. نحن نشرب الماء .. لانه ماء
ثانيا النقد بالنسبة لـ رولان بارت …
رولان بارت من أشهر الناقدين الفرنسيين و كعادة الغربيون عندما يشرحون شيئا فهو قال عن النقد جملة واحدة في مقاله " ما هو النقد ؟ "
ثم بدأ في شرح ما بين الكلمات في هذه الجملة ..
فقد قال مبسطا للغاية نظرته للنقد .
" النقد هو خطاب حول خطاب .. أو هو لغة واصفة ! "
ثم أوضح في ظل هذا التعريف أن النقد قائم على علاقتين:
1 – علاقة الناقد بلغة الكاتب
2 – و علاقة الكاتب بالعالم
و هو على غير ما اعتقده الدكتور طه حسين حيث انه الأخير قال إن من شروط الناقد أن يكون معتزلا عن حوله و أن يكون ذهنه خاليا متفرغا للنص من كل شيء!
ثم بدأ في رحله إلى فتره النقد الكلاسيكية في الزمن الكلاسيكي أعوام 1800 و فيما بعدها و قال عن النقد وقتها انه يستند إلى ثلاث قواعد
الموضوعية – و الذوق – و الوضوح
فلنبتعد عن الغور في مفاهيم النقد الأساسية لان هنا دراسة تمهيديه أي إنها ليست دراسة كاملة … لذا سأرحمكم من ثرثرتي و سآخذكم الى المفيد لنا في تعريفات النقد …
ثالثا معنى النقد عاما:
في اللغة نفسها كان معنى النقد هو : بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شئ من الأشياء بعد فحصه ودراسته حيث ما هو مذكور في المعجم الوجيز
ملحوظه : ذكر ايضا تاريخ كلمه النقد الادبي و أصل الكلمه .. الخ !
أما في الأدب معناه النقد : دراسة النصوص الأدبية في الأدب ، وذلك بالكشف عما في هذه النصوص من جوانب الجمال فنتبعها ، وما قد يوجد من عيوب فنتجنب الوقوع فيها
بصفه عامه و باختصار النقد هو نقد الكلام و معرفة الجيد منه عن الرديء و يذكر محاسن الكلم و عيوبه سواء كان شعرا أو نثرا
رابعا النقد بصفة علمية:
النقد الأدبي هو علم وصفي يتضمن أصول و قواعد نقدية تطبق على النص الأدبي عند تقويمه ( أي المراجعة ) بعد تحليل النص و تفسيره ثم ينتج الحكم سواء كان جيدا أو رديئا ..!
و علم يجمع بين الذاتية و الموضوعية .. ذاتيه رأي الكاتب و نظرته للنص و موضوعيته في إبداء آراءه بكل صدق و أمانه نقل .
خامسا: النقد بصفة شخصية:
في وجه نظري النقد هو النظر للموضوع بطريقة كاتبه .. فإختلاف شرح (على سبيل المثال) غروب الشمس تختلف من كاتب لآخر و يكتبه كل كاتب على طريقه تعلمه ومدرسته المنتمى إليها .. و أيضا طريقه حياته او حتى تختلف بطريقه جو القصه او الخاطره ..
النقد هو مرآة تعكس وجه نظر الكاتب بطريقه أكثر علميه .. نستطيع بكل بساطه ان ننقد من وجه نظرنا … لكن نظرنا من خلال نافذه كلمات الكاتب
و انا أعتبر ان طريقتي أكثر تشددا من طريقة بارت و أخف تشددا من طريقة طه حسين حيث إني أتجنب التفككيه للنص و النقد للنص الكامل …
ربما سأكون أكثر شرحا لنظرتي للنقد في الفصل القادم ان شاء الله تعال
سادسًا: الخلاصـــة:
النقد هو معرفه الرديء من الكلم في النص الأدبي و محاولة تصحيحة بطريقة حيادية ومعرفه الجيد في الكلم ومحاوله تظهيره بطريقه موضوعية.
مقوِّمات النقد الأدبيّ
بقلم : الأستاذ ياسر نديم القاسميّ
تمتاز اللّغة العربيّة وآدابها بين لغات العالم ، بحيث أن الشعراء والأدباء في عدد يتجاوز العدّ والحصر، قدّموا بقريحتهم إنتاجات أدبيّة ، وجعلوا اللغة العربية أثرى اللّغات والآداب، دون أي ظلّ من الشك. فكم من شاعر ألهمه الله الحكمة ، فكسا صفحة الكون من فيض خاطره ثوب الجمال ، وخلّد الأطلال والدِّمن التي وقف لديها ، والتي نسيها من قطن بها، وأمضى أيّامًا لا تُنْسَى? بين طيّاتها ؛ حتى أصبحت جزءًا من تاريخ صحرائي ؛ ولكن الشاعر العربي خلّدها بين صفحات تاريخنا الأدبي. وكم من أديب أودعه الله البيان، فنقل المشاعر الحسيّة إلى العواطف المعنويّة الخلاّبة ، ورسم ألوانًا زاهية في صفحات الأدب ، وعبّر عن أحاسيسه المرهفة في عبارة سلسلة اُعْتُبـِرَتْ فيما بعد نموذجًا أدبيًّا رائعًا .
ولكنّه من فطرة الله عز وجلّ أنّ الأصابع الخمس كما لاتتساوى ، كذلك مؤهّلات الناس ومواهبهم لا تتوازى ؛ فالأدب هو المراد الذي يتسابق فيه الناس شعرًا ونثرًا في كلّ لغة . فمنهم من يعدّ في مقدّمة المنافسين ، ومنهم في وسطهم ، وبعضهم في آخرهم ؛ ولكن السؤال يطرح نفسه ، أنّ من يقرّر جودة جيّد ورداءة رديء ؟ فالنقد هو الميزان الذي يجعل من تثقل كفّته فائزًا، ومن تتخفّف كفّته فاشلاً، وهو القسطاس المستقيم الذي يُظهر حُسن جيّد ، وقُبح سخيف . وللنقد الأدبيّ هذا تاريخ طويل ، فلا نبالغ إذا قلنا إنّه ظلّ يوجد منذ أن ألِف الإنسانُ الأدب .
من أبدع النقد الأدبي :
شهد تاريخنا الأدبيّ المعاصر تيّارًا يجعل النقد الأدبي غربيًّا لا عربيًّا ؛ فهناك بعض الباحثين الّذين أصرّوا على أن اليونانيّين هم الذين أبدعوا النقد الأدبيّ ، وهم الذين جعلوا له قواعد تمهّد السبيل للناقد ، ومنهم ورثناه ، وفحصنا أدبنا حسب قواعده. فالعرب لم يعرفوه إلاّ بعد أن اتصلوا بهم ، وترجموا معارفهم ، واطّلعوا على علومهم . هذه نزعة عرضها المستشرقون عبر كتبهم ، ثم نقل منهم بعض من يُعْتَبَرُ رائدًا للأدب العربيّ المعاصر، مثل الدكتور طه حسين ، رغم أن القول بكلّ ما أثر ونقل ، واعتناق كلّ ما تروّج واشتهر، والاتسام بكلّ ما جاء من المستشرقين الغربيين ، كلّ ذلك لا يليق بأهل التنقيب ؛ فإن تاريخ الأدب الجاهليّ حافل ببراهين تدل على وجود ملكة النقد ، حينما بدأ العرب قرض الشعر والاشتغال به . وكانت هذه الملكة تسير مع الشعر جنبًا إلى جنب . فما اجتماعهم في الأسواق واختيارهم للمحكمين أمثال النابغة ، وتعليقهم القصائد في الكعبة بعد كتابتها بماء الذهب إلاّ لونًا من ذلك كلّه . على أن المؤرّخين قد نقلوا إلينا أمثلة من نقدهم مثل قول حسّان :
لنا الجفنات الغُرّ يلمعن في الضّحى
وأسيافنـا يقطرن من نجـدة دمًا
وقد علّقت عليه الخنساء بما يفيد نقدها له ، إذ قالت له : Mقد استعملت جمع القلّة في الجفنات والأسياف . واستعمال جمع الكثرة أحسن . وقلتَ Mفي الضحىL ولو كان في الدُّجى لكان أفضلL .
ولتفنيد هذا الرّأي، يكفي لنا ما قال الأديب الكبير أحمد حسن الزيّات في كتابه Mفي أصول الأدبL : Mهذا التاريخ على طوله وفضوله لم يُسَجَّلْ من الأمم ، التي بلغت رسالة الله بالخير والجمال والحق إلاّ أربعًا : العبران في الدين والسلم ، واليونان في الفن والعلم . والرومان في النظام والحكم ؛ والعرب في كلّ أولئك جميعًا .
وبالجملة لايصحّ القول بأن النقد الأدبيّ أبدعه اليونانيّون ؛ بل يمتلكه كلّ أمّة تمتلك الشعر أو لونًا آخر من الأدب ، لما أنّ النقد مصدره الذوق ، ومن المستحيل أن العرب الذين لا يزالون يقرضون الشعر منذ جاهليتهم ، لم يلمّوا بالذوق إلاّ بعد أن تمّ اتصالهم باليونان .
بين الذوق والنقد
إذا كان النقد العربي الحديث يقوم على القوانين المرعية ، والقواعد المتّبعة ، والأصول المتوارثة عن أساتذة العربيّة ، وقضايا علومها المختلفة ، كالذي توصي به علوم البلاغة من الخلّو من التعقيد والتنافر والغرابة ، أو الّذي توصي به قواعد النحو من الخلّو من ضعف التأليف مثل عود الضمير على متأخّر لفظًا ورتبةً ، أو فكّ الإدغام مثلاً ، أو الذي يوصي به علم القوافي من الخلوّ عن الإقواء والتضمين ، أو الذي توصي به معاجم اللّغة مثل البعد عن الألفاظ ، التي لم تكن مأنوسة الاستعمال أو من المشترك اللّفظي ، فإنّه – النقد الأدبيّ – يقوم كذلك على الذوق ، وهو حاسّة يخلقها الله في الإنسان ليكون مرهف الحسّ ، دقيق الإدراك ، قويّ الملاحظة ، بعيد النظر، شديد التمييز بين الأشياء ، فلا يتعدّى الإنسان الصواب ، ولا يجانب الخطأ ، ولا يخطئ في حدسه ؛ بل يُصبح حدسه قسطاسًا يفصل الرّديء عن الجيّد .
والحدس الذي نتحدّث عنه ، والذي نطلق عليه كلمة MالذوقL الذي يُعتبر مصدرًا للنقد الأدبيّ ، يجب أن يكون متغلغلاً في سويداء وجدان الأديب الناقد ، وعمق أحاسيسه . فيقدّر للأشياء حسب حدسه ، ويحكم على الأحداث ، ولا ينفعل بها ؛ بل ينظر إليها نظرة صيرفيّ إلى الدّراهم والدنانير ، ويفسّر لما يتخلف عنها من الخير والشر، فلا يختل MعقلهL ، ولا يعتلّ حدسه، وإلاّ تتزور الحقائق ، وتتموّه الصور، وتطمس المعالم ، ويثور الإحن ، وتنفر القلوب من الأدب الذي كانت تجد فيه الدوحة الفينانة ، والرّوضة المعطار ، والظلّ الوارف ، والماء الرويّ ، والغذاء الشهيّ ، ولأجل ذلك نجد للذوق أهميّة بالغة لدى النقاد ؛ إذ أنهم يجعلونه حكَمًا وفيصلاً حينما اختلّت المعايير، وغابت المقاييس ، واشتبهت الموازين التي تثقل الجيّد وتخفّف الرديء، وتفصل الصواب عن الخطأ ، وتميّز الأجود عن الجيّد.
والذوق الذي نتحدّث عنه لايحدّه حدّ ولا يعرّفه تعريف ، فلمّا حاول علماء الأدب العربيّ، أن يعرّفوه تعريفًا منطقيًّا قائمًا على الجنس والفصل ، كما هو دأب علماء المنطق ، وجدوا أنّه يتأبّى على التحديد ، ويخرج عن حدود العلوم والمصطلحات . وهو شيء يستخدمه الأديب الناقد استخدامًا أكثر من استخدام أي شيء آخره ، وعلى الرغم من ذلك يفقد لفظًا يصفه وكلمةً تحدّده . وفي كلمات أخرى هو يشبه السحر الذي تدرك أثره دون أن تدرك حقيقته ، وهذا هو السرّ في أنّهم يقولون : Mإن الذوق شيء ليس في الكتبL؛ بل هو من الدقائق التي لايفطن إليها إلاّ الخواص من أهل هذا العلم ، والصفوة المختارة من جهابذة البيان ، وأصحاب أزمّة الكلام الذين يستفيدون من أدب الفحول ، وشعر العباقرة ، ودواوين الشعراء أمثال البحتري والشريف الرضي ، وعبّاس بن الأحنف ، وبشار ، والمتنبّي ، ومهيار الديلمي ، وغيرهم؛ كي يرهف حسُّهم ، وينمو وعيهم ، ويدقّ تمييزهم ، وينضج فكرهم ، وينفتح شعورهم، وتتجلى قريحتهم ، حتى يملكوا الملكة التي نطلق عليها كلمة MالذوقL ، والتي لا تتأتّى إلا بعد هذا الجهد المضني والمسيرة الطويلة .
ولأجل إيماننا بأن من ملك ذوقًا ناضجًا ، لابدّ من أن يسلك ويجوب هذه المساحات الطويلة الأدبيّة، فلذا يُقَدَّر ذوقُه ويُحْتَرم رأيه الناشئ عن ملكته الكامنة . فمن نماذج الذوق الأدبي استخدام الألفاظ، التي لا يتطيّر منها المخاطب ، أو يكره أن يسمعها ، أو لا يحبّ أن يبتدئ بها الحديث . وكذلك عدم استعمال كلمات أثناء الحديث تُعْتَبَر قفزةً من موضوع إلى موضوع آخر . إضافة إلى ذلك عدم انقطاع القول دون تمهيد لهذا الانقطاع الذي كان غير مترقب ؛ ولكنّه لا يعني أنّ من لا يراعي الأمور المذكورة – ويستخدم كلمات في بداية حديثه لايرضى بها المخاطب ، أو يقفز في أثناء كلامه من موضوع إلى آخر فيفاجئ مخاطبه ، أو ينهي حديثه دون إشارة إلى ذلك – يعوز كلامه جمال المعنى وفخامة الأسلوب ، كما لا يعتبرها البلغاء من الأشياء التي تتعلّق بنضارة الكلام ، وسلاسة البيان ، وحسن رونقهما ، إلاّ أنها من الكماليات التي يهدي إليها ذوق سليم ناضج ناشئ عن الجهد المضني ، الذي أفرغه الأديب الناقد في أدب سلفه ، فمن لايتّسم كلامُه بهذه الكماليات يعيّبه ذوقُ ناقدٍ ، ولو كان الكلام بليغًا سلسًا ومن أعلى نماذج الأدب الرائع ، ولذلك يذكر السكّاكي في Mتلخيص المفتاحL بعد أن انتهى من حديثه عن علوم البلاغة الثلاثة ، أنَّه ممّا ينبغي على أصحاب الأذواق أن يلاحظوا المطلع والمقطع والانتقال ، باعتبار أنَّها من حقوق الصناعة ، ولطف التناول ، وأدب القول ، ولباقة التعبير .
وقد ذكر أبو هلال العسكري في كتابه MالصناعتينL أمثلة عيّبها أو استحسنها الذوق ، فيقول: وقالوا ينبغي للشاعر أن يحتذ في أشعاره ، ومفتتح أقواله مما يتطيّر منه ، ويستجفى من الكلام والمخاطبة به ، فوصفُ افتقار الديار ، وتشتّت الآلاف ، ونعي الشباب، وذمّ الزمان من الأمور البغيضة ، ولا سيّما في القصائد التي تتضمّن المدايح ، والتهاني ، ولهذا عيب على ذي الرمّة في مدحه لعبد الملك بن مروان ، حيث يقول في مطلعه :
ما بال عينك منها الماء ينسكب
كأنّـه من كلى مفريـة سرب
وكان بعين عبد الملك علّة تجعله يدمع ، ولذا قال له : وما سؤالك يا ابن الفاعلة ، في حين أن الشاعر يخاطب نفسه .
والأمر الثاني هو الانتقال من موضوع إلى آخر، حيث جُعل المعنى الأوّل سلّمًا صُعد عليه ، أو قنطرة عبرها الشاعر للوصول إلى معنى آخر. فالجاهليّون كانوا يجعلون الغزل في مطالع القصائد ، ثم ينتقلون منه بمهارة نادرة وأسلوب أخّاذ ، إلى المديح أو الفخر أو الاعتذار ، فمن أمثلة حسن الانتقال قول الشاعر:
وصافية تعشى العيون رقيقة
سليـلة عم في الدنان وعام
أدرنا بها الكأس الرويّـة بيننـا
من اللّيل حتى انجاب كلّ ظلام
فما ذر قرن الشمس حتى كأنّنا
من العيّ نحكي أحمـد بن هشام
فنظن أنّه يتحدث عن الخمر في الكؤوس ، وفعلها بالرؤوس ، وأن أحمد بن هشام مجرد مشبّه به، كأنّه يريد أن الخمر عقدت لسان المخمورين ، فلا يحسنون النطق مع أن ذلك لم يكن مقصودًا ، فإن الخمر إذا لم تفعل بشاربها هكذا ، فما ذا تفعل ؟ وإنّما المقصود من ذلك رمي أحمد بن هشام بالعيّ البالغ ، فحسن الانتقال هذا براعة دون أي شك تجعل الشعر من أعلى نماذج أدبنا العربي .
كما أن لحسن الانتهاء قيمة أدبيّة عظمى ، لا تقل عن أهمية حسن الابتداء وحسن الانتقال؛ فلا يرضى المخاطب الذي يستمع إلى كلام المتكلّم بوعي وتيقّظ، وشعور ووجدان ، ورغبة وشوق ، وإصغاء وإقبال بانقطاع الكلام من غير مقدّمات تدل عليه ، ولا إشارات تمهّد له السبيل . فهاكم مثالاً للانتهاء الرابع ، يقول الشاعر الفحل المتنبي :
قد شرّف الله أرضًا أنت ساكنها
وشـرف الناس إذ سوّاك إنسانًا
ففحوى كلامنا أن الذوق قسطاس يثقّل الأجود ويخفّف الجيّد ، وهو ملكة لاتحصل إلا بالانقطاع إلى الأدب المأثور عن جهابذة البيان وفحول الكلام ، وليس لها قواعد تجعل من يطالعها صاحب ذوق ناضج ؛ بل هو شيء لا يوجد في الكتب . نعم يُدرك بها وبما تحمله من أدب جمّ خلّفه أصحاب الأذواق الواعية ، حتى عُدّ هذا الذوق ، من إحدى دعائم النقد الأدبيّ ومقوّماته .
مالا بُدّ للناقد :
النقد الأدبيّ وإن كان يتعلّق بالذوق أكثر من تعلّقه بأي شيء آخر، ولكن الذوق لا يكفي أيضًا ولا سيّما في النقد الأدبي المعاصر؛ بل هناك عدّة أشياء يجب أن نلاحظها ونراعيها في الناقد ، الذي جعل نفسه يتبوّأ مكان النقد لحسم النزاع بين الجيّد والأجود ، وكشف الغطاء عن الشخيف والثمين ، وإن كان الذوق هو الفيصل في الأدب القديم ، وخاصّة الأدب الجاهليّ وما يليه ، فليس قصّة أم جندب المشهورة إلاّ مثالاً للنقد الذي يتوقّف على الذوق فحسب ، حيث حكمت بين زوجها امرئ القيس وبين علقمة في حديثهما عن الفرس ، إذ قال امرؤ القيس :
فللسوط ألهوب وللساق درة
وللزجر منه وقع أخرج متعب
وقال صاحبه علقمة :
فأدركهن ثانيًا من عنانه
يمرّ كمرّ الرائح المتحلّب
فقضت أم جندب لعقلمة لأنّه لم يُجهد فرسه، ولم يضربه بسوط ولا درة ، كما فعل امرؤالقيس مع فرسه. وما هو إلا نقد على الذوق لا على قاعدة علميّة ؛ بل وليس للذوق القائم على القواعد وجود في الأدب الجاهلي .
ولكن أدبنا العربي المعاصر لا يخضع للذوق تمامًا، بل إذ يطأطئ رأسه له ينحني لأشياء لابُدّ من مراعاتها في الناقد ، وإلاّ لايُقبل النقد ، ويُرفض رأي الناقد ، فيجب أن تكون هناك صفات تقوم عليها شخصيّته ، وقواعد يتوقّف عليها نقده .
الصفة الأولى التي يجب للناقد الاتسام بها، هي أن يكون أديبًا . والأديب هو ذلك الرجل الذي أوتي من الملكة البيانية ما يساعده على أن يكتب الكلام الجيّد ، الذي يعلن عن الأفكار الرائعة والمعاني الخلاّبة، والأغراض النبيلة بأسلوب يفيض بالسحر، وينبض بالحسن . والناقد لايكون أديبًا إلاّ بعد أن اجتاز مرحلة صعبة من القراءة والحفظ ، والاطلاع والتحصيل ، والتأمّل والوعي ، والإدراك والفهم . فإن لم يكن أديبًا لايعرف ما عاناه الرجل في نسج هذا النصّ الذي يزنه له ، ويقرّر حسنه أو قبحه .
ولا يكفي أن يكون الناقد أديبًا بالمعنى الذي ذكرناه آنفًا ، بل ويجب أن يكون عالمًا بالأدب كصفة ثانية . MوالأدبL يطلق على جميع أنواعه ، كما يحتوي على ما نسميّه باسم Mتاريخ الأدبL ، الذي يخبرنا عن المراحل التاريخيّة والاجتماعية ، والسياسيّة والاقتصادية ، التي مرّ بها الأدب على مرّ الدهور وكرّ الأزمان . فالعلم بالأدب يمنحه بصيرة في الحكم ، واعتدالاً في الرّأي، وإنصافًا في القضية ، ووسطيّة في الوزن والفحص.
كما لا بدّ للناقد
أوّلاً : أن يكون له إلمام تام بالعلوم اللّسانية من النحو والصرف ، والعروض والبلاغة ، كي لايضلّ فيُضلّ ؛ بل يتبنّى السداد في القضايا الأدبيّة ، ويحكم في نور مقتبس من العلوم المذكورة .
ثانيًا : أن يكون وثيق الصلة بمعاجم اللّغة ، وكثير الاطلاع عليها ، كما يعرف طرق دلالة الألفاظ على المعاني من الحقيقة والمجاز ، بالإضافة إلى ذلك يعلم جميع المعاني للفظ ، أو جميع الألفاظ لمعنى ما نطلق عليه كلمتي المشترك اللفظي والمعنوي .
ثالثًا: أن يكون علمُه محيطاً بكتب النقد كـMالموازنة بين الطائيينL للآمدي ، و Mالوساطة بين المتنبي وخصومةL للجرجاني ، وMالموشّحL للمرزباني، وMعيار الشعرL لابن طباطبا ، وMنقد الشعرL لقدامة بن جعفر، وMطبقات الشعراءL لابن سلام، وMالصناعتينL لأبي هلال العسكري، و MالعمدةL لابن رشيق القيرواني . كما يجب عليه أن يطالع كتب الأدب الأخرى كالكامل للمبرّد ، والأمالي لأبي علي القالي ، وMالعقد الفريدL لابن عبد ربّه ، وMالبيان والتبيينL للجاحظ ، وMصبح الأعشىL للقلقشندي، وMنفح الطيبL للمقريزي وMزهر الأدبL للحصري، وMالأغانيL للأصفهاني وغيرها من الكتب الأدبيّة الأخرى ، التي تتناول القضايا الأدبيّة النقدية . إضافة إلى ذلك لابدّ له أن يطّلع على كلّ ما تجود به قرائح المعاصرين ، وتنتج أفكارهم في مؤلّفاتهم عن النقد الأدبي ، سواء فيما يتعلّق بالشعر أو بالنثر، وهكذا يصبح علمه محدقًا بأدب الأوّلين والآخرين ، فيسلم حكم عن الخطاء الناتج عن عدم الاطلاع على درب يحاول السير فيه.
رابعًا : يجب على الناقد أن يحصّن نفسه بالحق، ويجمّلها بالعدل ، ويزوّدها بالإنصاف ، ويحيطها بهالة من الطهر والعفاف ، والزهد والورع ، فيصون عرضه ، وينقّي ثوبه . حتى أنّه حينما يتبوّأ مكان النقد لايكون مرضًا لميوله ، ولا تكون نظرته للنص من زوايا تجاربه ووجدانه الخاص ، فلا يسجد للنصّ الذي يعبّر عن نزواته ، ولا يرفض النصّ الذي يناوئ لأفكاره ، ولا يكون كالشارب الذي يقرأ خمريات أبي نواس فيطرب طربًا ، ولايكون كالعاشق الذي يقرأ شعر عباس بن الأحنف فيفتتن به افتتانًا ، ولايكون كالزاهد الذي يطالع ديوان أبي العتاهية فيتزهّد تزهّدًا ؛ بل يجب أن يكون حكمه نموذجًا من الوسطيّة والعدل ، ورأيه مثالاً للسداد والإنصاف .
فالأديب الذي يتغذّى بالصفات المذكورة أعلاه، ويهتدي بالذوق الذي حصل عليه ، بعد أن أضناه جهد في سبيل الأدب على اختلاف أنواعه ، جدير بأن يعتبر ناقدًا ، وحريّ بأن يقبل نقده ، لا بهدف نقص مكانة أديب آخر؛ بل بغرض جعل الأدب ينبوعًا صافيًا يتفرّع منه الأنهار، التي تجعل وارديها جهابذة في ساحة الأدب. ولأجل ذلك لابد للنقد أن يقوم على مقوّماته ، ولابدّ للناقد أن يتحلّى بصفات تجعل رأيَه مقبولاً في الأوساط العلمية والأدبيّة
جزاك الله خيـــــــــــــــــــرا