الحمد لله الَّذي خلق من كلِّ شيءٍ زوجين وجعل الزَّواج سنَّةَ الله في خلقه وآيةً من آياته العظمى، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّ الرَّحمة محمَّدٍ بن عبد الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم وصار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدِّين أمَّا بعد:
فما أجمل الزَّواج الإسلامي الَّذي يقوم على المودَّة والرَّحمة قال -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرُّوم: 21].
وما أسعد هذا العرس المبارك الَّذي جمع الله -تعالى- فيه الزَّوجين وألَّف بين قلبيهما وقرن بينهما بطريقٍ شرعيٍّ حلالٍ على كتاب الله وسنَّة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم.-
الأسس الشَّرعيَّة للزَّواج:
الاختيار ومن معايير حسن الاختيار في الإسلام ما يلي:
1- الاختيار على أساس الدِّين: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «تنكح المرأة لأربعٍ: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدِّين تربت يداك» [متفقٌ عليه].
كما أرشد النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أولياء المخطوبة إلى أن يبحثوا عنِ الزَّوج صاحب الدِّين والخلق الكريم، فقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ» [رواه التِّرمذي 1085 وقال الألباني: حسنٌ لغيره].
2- الاختيار على أساس الأصل والشَّرف: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «تخيَّروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم» [رواه ابن ماجه 1615 وحسَّنه الألباني].
3- تفضيل ذوات الإبكار: حثَّ الإسلام على اختيار المرأة البكر. قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «عليكم بالأبكار فإنَّهنَّ أعذب أفواها وأنتق أرحامًا وأرضى باليسير» [رواه ابن ماجه 1520 وحسَّنه الألباني].
4- تفضيل المرأة الولود: قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «تزوَّجوا الودود الولود فإنَّي مكاثر بكم الأمم» [رواه أبو داود 2050 وقال الألباني: حسن صحيح].
5- النَّظر إلى المخطوبة: حثَّ الإسلام على النَّظر إلى المرأة الَّتي سوف يخطبها؛ ليتعرَّف على جمالها، فيقدم على الزَّواج منها، فعن المغيرة بن شعبة أنَّه خطب امرأة فقال له رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أنظرت إليها، قلت: لا، قال: فانظر إليها فإنَّه أجدر أن يؤدم بينكما» [رواه النَّسائي 3235 وصحَّحه الألباني].
حقُّ الزَّوج على الزَّوجة:
أن تطيعه، وتحفظه في نفسها وماله، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه.
حقُّ الزَّوجة على الزَّوج:
المعاشرة بالمعروف، والنَّفقة والكسوة، والعدل بين النِّساء إذا كنَّ أكثر من واحدةٍ. سُئل رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن حقِّ الزَّوجة فقال: «أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت» [رواه أبو داود 2142 وقال الألباني: حسن صحيح].
وصية أم لابنتها عند الزَّواج:
أي بنية: إنَّك فارقت الجو الَّذي منه خرجت، وخلفت العيش الَّذي فيه درجت، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تأليفه، فأصبح بملكه عليه رقيبًا ومليكًا، فكوني له أمَّةً يكن لك عبدًا.
واحفظي له خصالًا عشرًا تكن لك ذخرًا
أمَّا الأولى والثَّاني: فالخضوع له بالقناعة، وحسن السَّمع له والطَّاعة.
وأمَّا الثَّالثة والرَّابعة: فالتَّفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا طيب ريح.
وأمَّا الخامسة والسَّادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه؛ فإنَّ تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النَّوم مغضبة.
وأمَّا السَّابعة والثَّامنة: فالاحتراس لماله والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التَّدبير وفي العيال حسن التَّقدير.
وأمَّا التَّاسعة والعاشرة: فلا تعصي له أمرًا، ولا تفشي له سرًّا فإنَّك إن خالفت أمره أوغرتِ صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره.
ثمَّ إيَّاك والفرح بين يديه إن كان مغتمًا، والكآبة بين يديه إن كان فرحًا.
– هذه هي أخلاق المرأة المسلمة، وهذا فهمها، وهذه وصيتها، وتلك ثقافتها، فالله عليك هل سمعتم كلامًا وعقلًا وحكمةً كهذه.
الوصية للشَّباب عامَّةً والأزواج خاصَّةً:
أوصي الشَّباب بما أوصاهم به المصطفى -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الَّذي رواه البخاري ومسلم قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «يا معشر الشَّباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّوم فإنَّه له وجاء» [متفقٌ عليه].
وأبشِّرهم بحديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الَّذي يريد الأداء، والنَّاكح الَّذي يريد العفاف» [رواه التِّرمذي 1655 والنَّسائي 3218 وحسَّنه الألباني].
وأوصى الأزواج بنسائهم خيرًا كما أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- بقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النِّساء: 19].
وأخيرًا أوصي الآباء والأمهات بعدم المغالاة في المهور والإسراف في الجهاز والنَّفقات وغيرها.
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم.