السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
المؤمن لا يعرف شيئا اسمه المرض النفسي
لأنه يعيش في حالة قبول و انسجام مع كل ما يحدث له من خير و
شر..
فهو كراكب الطائرة الذي يشعر بثقة كاملة في قائدها و في أنه لا يمكن أن
يخطئ لأن علمه بلا حدود، و مهاراته بلا حدود.. فهو سوف يقود الطائرة بكفاءة
في جميع الظروف و سوف يجتاز بها العواصف و الحر و البرد و الجليد و
الضباب
و هو من فرط ثقته ينام و ينعس في كرسيه
في اطمئنان …
و هو لا يرتجف..
و لا يهتز اذا سقطت الطائرة في مطب هوائي…
أو ترنحت في منعطف أو مالت نحو جبل..
فهذه أمور كلها لها حكمة…..
و قد حدثت بارادة القائد و علمه و غايتها المزيد من الأمان فكل شيء يجري
بتدبير و كل حدث يحدث بتقدير و ليس في الامكان أبدع مما
كان..
و هو لهذا يسلم نفسه تماما لقائده بلا مساءلة………..
و بلا مجادلة ……و يعطيه كل ثقته بلا تردد ……
و يتمدد في كرسيه …قرير العين……..ساكن النفس في حالة كاملة من تمام
التوكل………
و هذا هو نفس احساس المؤمن بربه
الذي يقود سفينة المقادير و يدير مجريات الحوادث و يقود الفلك
الأعظم و يسوق المجرات في مداراتها و الشموس في مطالعها و مغاربها.. فكل ما
يجري عليه من أمور مما لا طاقة له بها، هي في النهاية
خير.
اذا مرض و لم يفلح الطب في علاجه..
قال في نفسه.. هو خير
و اذا احترقت زراعته من الجفاف و لم تنجح وسائله في تجنب
الكارثة.. فهي خير..
و سوف يعوضه الله خيرا منها..
. واذا فشل زواجه.. قال في نفسه الحمد لله أخذت الشر و راحت..
و الوحدة خير لصاحبها من جليس السوء..
و اذا أفلست تجارته
لعل الله قد علم أن الغنى سوف يفسدني و أن مكاسب الدنيا ستكون خسارة علي
في الآخرة………..
و اذا مات له عزيز.. قال الحمدلله..
فالله أولى بنا من أنفسنا و هو الوحيد الذي يعلم متى تكون الزيادة في
أعمارنا خيرا لنا و متى تكون شرا علينا..
سبحانه لا يسأل عما فعل.
و شعاره دائما: (و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و
هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لاتعلمون)
و هو دائما مطمئن القلب …….ساكن النفس …..
يرى بنور بصيرته
أن الدنيا دار امتحان و بلاء و أنها ممر لا مقر، و أنها
ضيافة مؤقتة
شرها زائل و خيرها زائل…..
و أن الصابر فيها هو الكاسب و الشاكر هو الغالب…
لا مدخل لوسواس على قلبه…و لا لهاجس على نفسه..
لأن نفسه دائما مشغولة بذكر العظيم الرحيم الجليل و قلبه
يهمس:
الله.. الله.. مع كل نبضة..
فلا يجد الشيطان محلا و لا موطئ قدم..
و لا ركنا مظلما في ذلك القلب يتسلل منه.
و هو قلب لا تحركه النوازل و لا تزلزله الزلازل
لأنه في مقعد الصدق الذي لا تناله الأغيار.
و كل الأمراض النفسية التي يتكلم عنها أطباء النفوس
لها عنده أسماء أخرى:
الكبت اسمه ………………تعفف..
و الحرمان ……………….رياضة…
و الاحساس بالذنب ………….تقوى…
و الخوف (و هو خوف من الله وحده)
..
عاصم من الزلل…
و المعاناة………… طريق الحكمة….
و الحزن …………معرفة…
و الشهوات درجات سلم يصعد عليها يقمعها
و يعلو عليها بكبحها ..
الى منازل الصفاء النفسي و القوة الروحية
و الأرق.. ……..مدد من الله لمزيد من الذكر..
و الليلة التي لا ينام فيها نعمة ……..تستدعي الشكر
و ليست شكوى يبحث لها عن….. دواء منوم
فقد صحا فيها الى الفجر و قام للصلاة
و الندم …….مناسبة حميدة للرجوع الى الحق و العودة
الى الله…
و الآلا م بأنواعها الجسدي منها و النفسي
…….هي المعونة الالهية التي يستعين بها على
غواية الدنيا فيستوحش منها و يزهد فيها..
و اليأس و الحقد و الحسد…. أمراض نفسية
لا يعرفها و لا تخطر له على بال..
و الغل و الثأر و الانتقام…… مشاعر تخطاها بالعفو و
الصفح و المغفرة…
و هو لا يغضب الا لمظلوم و لا يعرف العنف الا كبحا
لظالم…
و المشاعر النفسية السائدة عنده
هي المودة.. و الرحمة ..
و الصبر ..و الشكر.. و الحلم ..
و الرأفة.. و الوداعة..
و السماحة..و القبول ..
و الرضا..
تلك هي دولة المؤمن
التي لا تعرف الأمراض النفسية و لا الطب النفسي..
و الأصنام المعبودة
مثل المال و الجنس و الجاه و السلطان،
تحطمت …
و لم تعد قادرة على تفتيت المشاعر و تبديد الانتباه..
فاجتمعت النفس على ذاتها و توحدت همتها، …
و انقشع ضباب الرغبات.. و صفت الرؤية ..
و هدأت الدوامة ..و ساد الاطمئنان ..
و أصبح الانسان… أملك لنفسه و أقدر على قيادها..
و تحول من عبد لنفسه الى حر بفضل الشعور
بلا اله الا الله..
و بأنه لا حاكم و لا مهيمن و لا مالك للملك الا واحد,,,
فتحرر من الخوف ..
من كل حاكم..
و من أي كبير بل ان الموت أصبح في نظره تحررا و انطلاقا
و لقاء سعيد بالحبيب.
اختلفت النفس و أصبحت غير قابلة للمرض..
و ارتفعت الى هذه المنزلة بالايمان و الطاعة و العبادة
فأصبح اختيارها…. هو ما يختاره الله
و هواها ما يحبه الله..
و ذابت الأنانية و الشخصانية في تلك النفس
فأصبحت أداة عاملة و يدا منفذة لارادة ربها.
و هذه النفس المؤمنة لا تعرف داء الاكتئاب ,,,فهي على العكس نفس متفائلة
تؤمن بأنه لا وجود للكرب مادام هناك رب..
و أن العدل في متناولنا مادام هناك
عادل..
و أن باب الرجاء مفتوح على مصراعيه
مادام المرتجى و القادر حيا لا يموت.
و النفس المؤمنة في دهشة طفولية دائمة من آيات القدرة حولها
و هي في نشوة من الجمال الذي تراه في كل شيء…
. و من ابداع البديع الذي ترى آثاره في العوالم من المجرات الكبرى.. الى
الذرات الصغرى..الى الالكترونات المتناهية في الصغر..
و كلما اتسعت مساحة العلم اتسع أمامها مجال الادهاش
و تضاعفت النشوة..
فهي لهذا لا تعرف الملل و لا تعرف البلادة أو الكآبة.
الدكتورمصطفي محمود
بارك الله فيك
شكرا جزيلا على المرور