الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فإن هذه القواعد الأربع تتعلق بتصحيح الاعتقاد وستأتي مفصلة ومبينة في هذه الرسالة القيمة للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-.
[1] ابتدأها المصنف -رحمه الله- بالدعاء([1])والتضرع إلى الله T لقارئها وسامعها ولكل من يطَّلع عليها, وهذه طريقة المؤلفين القدامى -رحمهم الله- لمعرفتهم بحاجة العبد إلى الله T وإلى رحمته ومغفرته وإلى عنايته به ورعايته له، فقدم الرسالة بِهذا الدعاء الكريم؛ لأن الإنسان إذا أعطاه الله T من نعم الدين والدنيا فشكر الله عليها كان خيرًا له، أو ابتلاه فصبر كان خيرًا له كذلك، أو وقع في الذنوب -ولابد أن يقع- فاستغفر غفر الله =
اعلم [1] -أرشدك الله لطاعته-[2].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= له، ومن دون شك أن الله إذا جمع للعبد بين هذه الأمور فقد منحه السعادة والحياة الطيبة المباركة في حياة العمل وفي دار الجزاء على العمل فضلاً منه ورحمة وهو T ذو الفضل العظيم.
لهذا قال المؤلف: "فإن هؤلاء الثلاث". يعنِي: من إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر, عنوان السعادة, فالشكر عند النعمة، والصبر عند الابتلاء، والاستغفار في كل حال لاسيما عند الذنوب والتوبة منها، فهذه الثلاث عنوان السعادة وعنوان الحياة الطيبة المباركة كما أسلفت قريبًا.
وبعد هذا شرع المؤلف في الموضوع مبتدئًا بتنبيه القارئ بالفعل الذي يدل على التنبيه وهو:
[1] "اعلم": وهو خطاب عام لكل مسلم ومسلمة تنبيهًا لهم و إيقاظًا لهممهم ليستعدوا لما سيأتي من التوجيهات الكريمة والوصايا العظيمة، ثُمَّ أعقب التنبيه بالدعاء، وما أحوج الإنسان إلى الدعاء لنفسه دعاء الغير له لاسيما بظهر الغيب فكم فيه من فضل ورجاء. قال ج: $من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به آمين ولك بِمثله#([2]).
[2] ومعنى: "أرشدك الله لطاعته" أي: ألهمك طاعته بالرشد والاعتصام بِها لأن من ألهمه الله رشده فقد فاز فوزًا عظيمًا، وطاعة رسوله -عليه الصلاة والسلام- طاعة لله كما في قوله T: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ =
أن الحنيفية ملة إبراهيم هي أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين[1].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=بِإِذْنِ اللَّهِ﴾[النساء: من الآية64] وأمر الله بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولي الأمر المسلم في آية واحدة حيث قال I: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[النساء: من الآية 59].
ثُمَّ بيَّن المؤلف -رحمه الله-:
[1] "أن الحنيفية" أي: الملة السمحة "ملة إبراهيم"u: "هي أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين" أي: إذا سئلت ما هي الحنيفية([3]) ملة إبراهيم u؟
فيكون الجواب: هي عبادة الله وحده بصدق وإخلاص وصواب([4]) كما=
كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾[1][الذاريات: 56].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=قال الله T: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾[الزمر:11].
إذن: فلابد أن تتوفر في العبادة الشرطان المعلومان بالاستقراء وهما:
1- أن تكون العبادة صوابًا حتى تسمى عبادة شرعية فإن لَم تكن صوابًا لاتسمى عبادة شرعية يترتب عليها الثواب.
2- وأن يكون العابد مخلصًا بأن يرجو بعمله وجه الله والدار الآخرة.
فإذا اجتمع الشرطان في عبادة مشروعة مالية أو بدنية أو هما معًا فالعبادة مقبولة لأن صاحبها من أهل التقوى الذين قال الله في حقهم: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ﴾[المائدة: من الآية 27].
وحيث إن قواعد العقيدة ثابتة بأدلة الكتاب والسنة؛ بصريح المنقول وصحيح المعقول أورد المؤلف -رحمه الله-:
[1]قوله T: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾، فإن هذه الآية بين الله فيها الحكمة من خلق الإنس والجن، ألا وهي العبادة بما تحمل كلمة العبادة من معنى، ومعنى:﴿إلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾. أي: يوحدون الله -عز شأنه-.
فإذا وجد التوحيد فهو مفتاح لقبول الطاعات كلها إذا توفرت شروطها وانتفت موانعها.
وجاءت الآية بأسلوب الحصر والقصر، بمعنى أن العبادة خاصة بالله T لا يتوجَّه بِها إلى سواه، وهو شامل لجميع أنواع العبادات الظاهرة والباطنة كما أسلفت. =
([1]) الدعاء على أربعة أوجه:
!أن يدعو الإنسان لنفسه. !أن يدعو لغيره.
!أن يدعو لنفسه ولغيره بضمير الجمع. !أن يدعو لنفسه ولغيره فيبدأ بنفسه ثُمَّ لغيره.
ومن هذا الوجه جاءت الأدعية في آيات القرآن الكريم, منها قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَانِ﴾ الآية. فليس من آداب الدعاء أن يدعو الإنسان لغيره ثُمَّ يدعو لنفسه ولذا تعقب العلماء ابن الصلاح لَمَّا قال في مقدمته: اعلم علمك الله وإياي. فكان ينبغي أن يقول: علمني الله وإياك. معجم المناهي اللفظية (ص108).
([2]) أخرجه مسلم 4(/2094). والبيهقي في السنن الكبرى (3/353)..
([3]) قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-: "فقد صح إذن أن الحنيفية ليست الختان وحده، ولا حج البيت وحده ولكنه هو ما وصفنا: من الاستقامة على ملة إبراهيم والائتمام به فيها.
فإن قال قائل: أوما كان من كان قبل إبراهيم ج من الأنبياء وأتباعهم، مستقيمين على ما أمروا به من طاعة الله استقامة إبراهيم وأتباعه ؟ قيل: بلى.
فإن قال: فكيف أضيف "الحنيفية" إلى إبراهيم وأتباعه على ملته خاصة دون سائر الأنبياء قبله وأتباعهم ؟
قيل:إن كل من كان قبل إبراهيم من الأنبياء كان حنيفًا متبعًا طاعة الله ولكن الله -تعالى ذكره- لَم يجعل أحدًا منهم إمامًا لمن بعده من عباده إلى قيام الساعة، كالذي فعل من ذلك بإبراهيم فجعله إمامًا فيما بيّنه من مناسك الحج والختان، وغير ذلك من شرائع الإسلام تعبدًا به أبدًا إلى قيام الساعة، وجعل ما سنَّ من ذلك علمًا مميزًا بين مؤمني عباده وكفارهم والمطيع منهم له والعاصي، فسمي الحنيف من الناس حنيفًا باتباعه ملته واستقامته على هديه ومنهجه وسمي الضال عن ملته بسائر أسماء الملل فقيل: يهودي ونصراني ومجوسي، وغير ذلك من صنوف الملل". تفسير الطبري (1/617).
([4]) كما قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: " أحسن عملاً: أخلصه وأصوبه".
لابد للانسان في هذه الحياة الدنيا ان يحقق توحيد الله جل وعلا
مهما كان الانسان فلابد له من تحقيق التوحيد لله جل وعلا
بارك الله فيك
فيا أيها الاخوة الكرام : إننا في هذا اللقاء الذي نرجو أن يفتح الله علينا فيه من خزائن فضله ورحمته وأن يجعلنا من الهداة المهتدين ومن القادة المصلحين ومن المستمعين ، المنتفعين ، نبحث في أمر مهم يهم جميع المسلمين ألا وهو (( قضاء الله وقدره )) والأمر ولله الحمد واضح، ولولا أن التساؤلات قد كثرت ولولا أن الأمر اشتبه على كثير من الناس، ولولا كثرة من خاض في الموضوع بالحق تارة وبالباطل تارات ونظرا إلى أن الأهواء انتشرت وكثرت وصار الفاسق يريد أن يبرر لفسقه بالقضاء والقدر ، لولا هذا وغيره ما كنا نتكلم في هذا الأمر .
والقضاء والقدر ما زال النزاع فيه بين الأمة قديما وحديثا فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فنهاهم عن ذلك وأخبر أنه ما أهلك الذين من قبلكم ألا هذا الجدال(1).
ولكن فتح الله على عباده المؤمنين السلف الصالح الذين سلكوا طريق العدل فيما علموا وفيما قالوا وذلك أن قضاء الله تعالى وقدره من ربوبيته سبحانه وتعالى لخلقه فهو داخل في أحد أقسام التوحيد الثلاثة التي قسم أهل العلم إليها توحيد الله عز وجل :
القسم الأول : توحيد الألوهية ، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة .
القسم الثاني : توحيد الربوبية وهو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير .
القسم الثالث : توحيد الأسماء والصفات ، وهو توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته .
فالأيمان بالقدر هو من ربوبية الله عز وجل ولهذا قال الأمام احمد رحمه الله تعالى : القدر قدرة الله.ا.هـ لأنه من قدرته ومن عمومها بلا شك وهو أيضا سرٌ الله تعالى المكتوم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى . مكتوب في اللوح المحفوظ في الكتاب المكنون الذي لا يطٌلع عليه أحد ونحن لا نعلم بما قدّره الله لنا أو علينا أو بما قدَّره الله تعالى في مخلوقاته إلا بعد وقوعه أو الخبر الصادق عنه .أيها الإخوة : أن الأمة الإسلامية انقسمت في القدر إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : غلوا في إثبات القدر وسلبوا العبد قدرته واختياره وقالوا : أن العبد ليس له قدرة ولا اختيار وإنما هو مسير لا مخير كالشجرة في مهب الريح ، ولم يفرقوا بين فعل العبد الواقع باختياره وبين فعله الواقع بغير اختياره . ولا شك أن هؤلاء ضالون لأنه مما يعلم بالضرورة من الدين والعقل والعادة أن الإنسان يفرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري
القسم الثاني : غلوا في إثبات قدرة العبد واختياره حتى نفوا أن يكون الله تعالى مشيئة أو اختيار أو خلق فيما يفعله العبد وزعموا أن العبد مستقل بعمله حتى غلا طائفة منهم فقالوا أن الله تعالى لا يعلم بما يفعله العباد ألا بعد أن يقع منهم وهؤلاء أيضا غلوا وتطرفوا تطرفا عظيما في إثبات قدرة العبد واختياره .القسم الثالث : وهم الذين آمنوا فهداهم الله لما اختلف فيه من الحق وهم أهل السنة والجماعة سلكوا في ذلك مسلكاً وسطاً قائماً على الدليل الشرعي وعلى الدليل العقلي وقالوا إن الأفعال التي يحدثها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يجريه الله ـ تبارك وتعالى من فعله في مخلوقاته فهذا لا اختيار لأحد فيه كإنزال المطر وانبات الزرع والإحياء والإماتة والمرض والصحة وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تشاهد في مخلوقات الله تعالى وهذه بلا شك ليس لأحد فيه اختيار وليس لأحد فيها مشيئة وإنما المشيئة فيها لله الواحد القهار .
القسم الثاني: ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة فهذه الأفعال تكون باختيار فاعليها و أرادتهم لان الله تعالى جعل ذلك إليهم قال الله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم ) (التكوير :28) وقال تعالى(منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) (آل عمران 152) وقال تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( الكهف : 29 ) والإنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختياره وبين ما يقع منه باضطرار واجبار فالإنسان ينزل من السطح بالسلم نزولاً اختيارياً يعرف انه مختار ولكنه يسقط هاوياً من السطح يعرف انه ليس مختاراً لذلك ويعرف الفرق بين الفعلين وأن الثاني إجبار والأول اختيار وكل إنسان يعرف ذلك .
وكذلك الإنسان يعرف انه إذا أصيب بمرض سلس البول فإن البول يخرج منه بغير اختياره وإذا كان سليما من هذا المرض فإن البول يخرج منه باختياره . ويعرف الفرق بين هذا وهذا ولا أحد ينكر الفرق بينهما . وهكذا جميع ما يقع من العبد يعرف فيه الفرق بين ما يقع اختياراً وبين ما يقع اضطراراً وإجباراً بل إن من رحمة الله عز وجل أن من الأفعال ما هو باختيار العبد ولكن لا يلحقه منه شيء كما في فعل الناسي والنائم ويقول الله تعالى في قصة أصحاب الكهف ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) (الكهف : 18 ) وهم الذين يتقلبون ولكن الله تعالى نسب الفعل إليه لان النائم لا اختيار له ولا يؤاخذ بفعله ، فنسب فعله إلى الله عز وجل ويقول صلى الله عليه وسلم ( من نسى وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )[1][2]
فنسب هذا الإطعام وهذا الإسقاء إلى الله عز وجل لأن الفعل وقع منه بغير ذكر فكأنه صار بغير اختياره وكلنا يعرف الفرق بين ما يجده الإنسان من آلم بغير اختياره وما يجده من خفة في نفسه أحياناً بغير اختياره ولا يدرى ما سببه وبين أن يكون الألم هذا ناشئاً من فعل هو الذي اكتسبه أو هذا الفرح ناشئاً من شي هو الذي اكتسبه وهذا الآمر ولله الحمد واضح لا غبار عليه .
تشكرون يا اخوتي بوركتم
جزاكم الله كل خير
مشكورة الموضوع رائع حقا