الزمن الفارق بين الإفاقة والإعاقة
تأمَّل ما حدث مع قوم نبي الله إبراهيم – عليه السلام – عندما سألوه فيما إذا كان هو من كسَّر الأصنام، وكيف رجعوا إلى أنفسهم، ولكن سرعان ما نَكسوا على رؤوسهم؛ إنها اللحظات الفارقة بين الإفاقة والإعاقة (بغضِّ النظر عن مدة الزمن الفعلي للرجوع إلى أنفسهم؛ ولكنه يبدو زمنًا قصيرًا، والله أعلم). يقول الله – سبحانه وتعالى – على لسانهم: ﴿ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 62 – 65].
حدثتْ، وما تزال تحدث، مِثل هذه اللحظات والثواني الفارقة في حياة الإنسان.
عندما تستيقظ لصلاة الصبح بشكل طبيعي أو عن طريق المنبِّه أو حتى أحد ما يُوقِظك، تُحِس لثانية أو لثوانٍ معدودات، تعي تمامًا أنك ينبغي أن تنهض، ثم إما تَنهَض أو تُواصِل النومَ قليلاً فقط (وهي الثواني!)، وبعدها لا تصحو إلا وصلاة الصبح قد خرج وقتها، كارثة، أليس كذلك؟!
عندما تقود السيارة وفجأة – بطريقة ما – تتفادى اصطدامًا مُحقَّقًا؛ إما بإمساك الفرامل أو بإدارة المقود لثانية أو…. إلخ، تُحِس لثانية أو لثوان معدودات، وتدرك تمامًا أنك قد نجوت بفضل الله – سبحانه وتعالى – من ذنب قد اقترفتْه يداك، وربك يُنبِّهك لأنه يحبك (حتى وإن حدَث الصِّدام؛ تنبيه قوي قد تكون بحاجة له لتُفيق من الغفلة)؛ لحظات فارقة.
عندما تدخل في حالة صفاء نفسي (لسبب ما) ويَنتابك شعور حب، أو فِقدان حبيب (أب، أم، قريب، حبيب، صديق… إلخ)، أو ندم على شيء معين، تحس لثانية أو لثوانٍ معدودات، وتعي تمامًا أنه ينبغي عليك عمل شيء معين: قول أو فعل ما، عندها إما أن تفعل أو تترك تلك الثانية أو الثواني تذهب لحال سبيلها.
عندما تُحِس وتشعر أنه ينبغي عليك فعل شيء جيد، شيء صحيح، دراسة بجد، عمل بجد، إقلاع عن عادة سلبية معينة، تحس لثانية أو لثوانٍ معدودات، وتدرك تمامًا أنه ينبغي عليك تعديل المسار، عندها إما أن تتغيَّر، وتعود إلى الطريق الصحيح، أو تترك تلك اللحظات الصافية تمضي في طريقها، وتتوغَّل أكثر في الطريق الخطأ.
أخيرًا: تأمَّل فعل الرجل مع ابنة عمه في حديث الثلاثة الذين آواهم المبيتُ إلى الغار، لقد رجع عنها في لحظات تذكيرها له بأنه لا ينبغي له فِعْل الفاحشة أو استغلاله لحاجتها؛ ثوانٍ فاصلة فقط.
باختصار: ثانية أو ثوانٍ فقط فارِقة في حياة الإنسان؛ فيها يتم النهوض (واقعًا أو مجازًا)، إمساك الفرامل لتغيير المسار في الزمن الصحيح تمامًا، فِعل الصواب، تقويم المسار، إنقاذ النفس.. إلخ؛ أو الاستمرار في الطريق الخطأ أو التردّي في أوحال الذنوب، والله أعلم.