النظرية المادية
01-الخصائص العضوية للتذكر: ( ريبو ، تين، ديكارت، من الفلاسفة المسلمين نجد إبن سينا،)
ذهبت النظرية المادية ، بوحي من الفكرة الديكارتية القائلة بأن الذاكرة تكمن في :" ثنايا الجسم" ، و بالاستناد الى النتائج التي توصل اليها العلم في القرن التاسع عشرن وخاصة الفيزياء و الكمياء و البيولوجيا، الى تفسير طبيعة التذكر برده الى خصائص عضوية مادية صرفة فعملية تثبيت وحفظ الذكريات، واسترجاعها، مرتبطة بأجهزة بيولوجية، موجودة على مستوى الدماغ و هي المسؤولة على مختلف عمليات الذاكرة، ولهذا اعتبر ريبو :" أن الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالماهية، وظاهرة سيكولوجية بالعرض".
وقد كان ريبو 1916 في مقدمة الفلاسفة الذين سيطرت على أرائهم هذه النزعة، فحاول تفسير الذاكرة تفسيرا ماديا، حيث يقول في كتابه امراض الذاكرة :" الذاكرة حالة جديدة يتم غرسها في الجسم الذي يحتفظ بها لإعادتها" وهذا انطلاقا من ملاحظة بعض الحالات المتصلة بضعف الذاكرة أو بفقدانها الجزئي أو الكلي مثل تلك الحالات المتصلة بالدورة الدموية أو بالهضم ، والتي لها تاثير سلبي على التذكر . كما لا حظ ريبو أن بعض المواد المنشطة للجملة العصبية لها تأثير ايجابي على التذكر، عى اعتبار أن الذكريات مخزونة في خلايا الجهاز العصبي وتثبيتها ناتج عن انطباع اثار المدركات الحسية في هذه الخلايا، واسترجاعها يحدث بفعل تأثير منبهات خارجية مماثلة لها، يقول ريبو:" إدراك الحوادث يترك أثار مادية في الدماغ يمكن إثارتها مرة اخرى" ان معنى دروس الفلسفة التي استوعبها الطالب تنطبع في خلايا جهازه العصبي لتمسي جزءا من ذكرياته، وهو يسترجعها في مناسبات معينة تكون بمثابة منبهات لا سترجاعها
اذن استدعاء الذكريات عند ريبو لا يعني شيئا أكثر من احياء الذكريات الماضية التي انطبعت اثارها في الذهنن والدليل الذي يؤكد ذلك لنا هذه النتيجة هو أن إصابة أي جهة في الجهاز العصبي يترتب عليه فقدان الذاكرة
كما اعتمد ريبو في تعضيد تفسيره المادي للذاكرة على بعض الادلة الحسية منها:
· مأثبتته تجارب بروكا،من أن حدوث نزيف دموي في قاعدة التلفيف الثالث من الجهة الشمالية يولد مرض " الحبسة" أي فقدان القدرة على النطق ، وأن اصابة التلفيف من يسار الناحية الجدارية يولد مرض العمى اللفظي أي عدم فهم معاني الكلمات.
· كما أن حدوث نزيف في الفص الجداري الايمن يحدث فقدان للمعرفة الحسية اللمسية في الجهة اليسرى. فالمصاب لا يتعرف الى الاشياء ولو كان يحس بجميع جزئياتها . ويعطي الدكتور دولي مثال بنت في الثالثة والعشرين من عمرها اصابتها رصاصة في المنطقة الجدارية اليمنى. فهي لا تسطيع ان تتعرف الى الاشياء التي توضع في يدها اليسرى بعد تعصيب عينيها، ورغم أنها بقيت تحتفظ بالقدرة على مختلف الاحساسات اللمسية والحرارية والالمية، وعلى مختلف الفروق في الشدة والامتداد ، فإذا وضع مشط مثلا في يدها اليسرى . وصفت جميع اجزائه وعجزت عن التعرف اليه. وبمجرد أن يوضع المشط في يدها اليمنى فانها تتعرف اليه بسرعة كجميع الناس وهكذا تبدو الذكريات كما لو كانت موضوعة في منطقة معينة من الدماغ حتى إذا ما اصيبت هذه المنطقة بأي أنواع التلف زال معها ما كانت تحتفظ به. فتكون الذاكرة عندئذ مجرد خاصية لدى الانسجة العصبية تسجل بها الانطباعات وتحتفظ بأثارها .
* غير أن هذا الموقف ليس جديدا بل عبر عنه من قبل الفيلسوف الفرنسي تين بقوله:" أنظر الى الدماغ كأنهوعاء يحفظ فيه الذكريات التي تستخرج أثناءالحاجة"
* ويذكرنا هذا بموقف الفيلسوف المسلم ابن سينا في معرض قوله عن الذاكرة:" إنها قوة محلها التجويف الاخير من الدماغ من شأنهاحفظ ما يدركه الوهم من المعاني الجزئية"
* والغريب في الامر أن ديكارت الفيلسوف العقلاني الفرنسي كان يردد:" إن الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم" بيد أن وجه الغرابة ينتفي إذا علمنا أن ديكارت يشترط التعرف كصفة جوهرية لأن غياب التعرف يؤدي الى غياب التذكر.
التعقيب:
لقد أثارت هذه النظرية ردود أفعال كثيرة : فهي كما يرى يوسف مراد مبادئ في علم النفس " نظرية ساذجة ، لا تجهل حقيقة الظواهر السيكولوجية فحسب، بل تجهل أيضا حقيقة الظواهر البيولوجية، لأنها نظرت الى ذلك التسجيل على أنه حقيقة واقعية مع أنه مجرد تشبيه"
أي أن الفعل التعودي هو أسترجاع الاليات المكتسبة، في حين ان التذكر هو استرجاع المعرفة التي تم اكتسابها قبل، وهذا الاختلاف في الطبيعة لا يمنع اكتسابها معا، فعندما اتم حفظ قطعة شعرية تكون أعضاء النطق قد اكتسبت عادة حركية أثناء حفظ الابيات، وهذه عادة لفظية أساسها الجسم،وتكتسب بالتكرار، اذ يكفي لستظهارها أن ننطق بالكلمة الاولى لتتوالى سلسلة الكلمات المترابطة بصفة الية، ولكننا قد نكتسب في نفس الوقت ذكريات عن القطعة المحفوظة، تتعلق بطريقة الحفظ والظروف التي اكتنفتنا ابان الحفظن والمعاني الاساسية وما تثيره من صور وخواطر….الخ. فهذه ذكريات نفسية خاصة تبدو في صور تأمل لماضي نحياه من جديد .
وليس صحيحيا فيما يرى برغسون أن الذكريات تسجل على الجهاز العصبي كما تسجل الذبذبات الصوتية على الاسطوانة مثلما تدعي النظرية المادية، ولا تنهض الحبسة دليلا على أن الدماغ مستودع الذكريات .
اذ قد يحدث أن يستعيد المصاب ذكرياته بسبب مؤثر ما. كما حذث أن مثال نظم شخص كان قد اصيب بالحبسة نفس الاشعار المنسية تقريبا عندما عاود قرض الشعر ،ولو كانت النظرية المادية صحيحة لزالت الذكريات بسب العطب الذي أصاب خلايا الدماغ، ومعنى هذا أن الاصابات الدماغية لا تؤثر على الذكريات النفسية، بل تؤثر على الاليات الحركية، وعندئذ تعاق الذكريات عن الظهور في ساحة الشعور ، ويكون مثلها مثل الثوب المعلق على المشجب، فإذا سقط المشجب لم يعد الثوب معلقا ، ولكنه باق لم يزل، ويخلص برغسون الى القول:" بأننا لا نجد … ذكريات محددة المكان في خلايا معينة من المادة الدماغية، من شأنها أن يزيلها إتلاف هذه الخلايا"
كما أن بعض الصدمات النفسية تؤدي الى فقدان كلي أو جزئي للذاكرة رغم سلامة الجهاز العصبي
النظرية النفسية
– الخصائص الشعورية للتذكر : (النظرية النفسية : هنري برغسون)
إن تفسير طبيعة التذكر ووظائفه المختلفة من تثبيت لذكريات واسترجاعها عند اصحاب الاتجاه الروحي الشعورى وعلى راسهم برغسون يرد الى الخصائص الشعورية النفسية، فالذاكرة عملية نفسية واعية قوامها الشعور، فهي جوهر روحي محض، وديمومة شعورية تسجل كل ماعشناه وما مر بنا ويبقى محفوظ وحيا كصور في أعماق النفس ( اللاوعي) ولا يعود الى ساحة الشعور الا عند الحاجة يقول هنري برغسون:" الذاكرة نفسية بالماهية، ومادية بالعرض". فالدماغ ليس مستودع للذكريات كما يرى الماديون بل هو مجرد جهاز استعادة .
ولتوضيح هذا الاساس والرد في نفس الوقت على الماديين يعمد هنري برغسون الى اقامة نوع من الفصل المنهجي بين نوعين من الذاكرة:
الأولى تعرف بالذاكرة الحركية " أو ذاكرة العادة": وتكون في شكل عادات آلية مرتبطة بالجسم وهي تشمل جل الانشطة الحركية المكتسبة عن طريق التكرار ، وهي في نظر هنري برغسون مجرد عادة لا تمت باي صلة الى حقيقة التذكر
الثانيةأما الثانية فقد عبر عنها بتسميات عدة منها" ذاكرة الصور" "الذاكرة النفسية الشعورية" وحتى أنه أطلق تسمية ذاكرة الذاكرة اعلاء من قيمتها : وهي المعبرة عن حقيقة الذاكرة لانها تتشمل الماضي وتستحضره، وتعيد إحياءه في ان واحدفهي ذاكرة الصور النفسية المرتبطة بديمومة الشعور والمستقلة عن الدماغ وعن ذاكرة العادة التي ينسبها الى الماديين
ويعطي لنا مثال توضيحيا بحفظ قصيدة شعرية حيث أن الخفظ انما يتم عن بعد قراءات عديدة كافية لربط الكلمات ربطا اليا حركيا، يكفي عند استظهارها أن تنطلق الكلمة الاولى حتى تتبعها سلسلة الكلمات المترابطة المتداعية بصفة الية كما تتداعى الحركات التي نكتسبها عن طريق العادة التي ترسخ بالتكرار. فهذا النوع من التذكر هو في الواقع عادة حركية. لكننا اذا اردنا ان نستعيد صورة القراءة الاولى . فهذا التذكر ليس ناتجا عن العادة التي. لأن القراءة الاولى قراءة واحدة وفريدة لا تكون الامرة واحدة. ومع ذلك فاننا نتذكرها . فهذه هي الذاكرة بمعناها الحقيقي، لأنها تستعيد الماضي، في حين أن العادة تستفيد منه فقط.
*الدليل الثاني كما أن احوالنا الذهنية والنفسية تؤثر بعمق في عملية التذكر فالذاكرة عند برغسون ديمومة خصبة حية إذ أن " التذكر في جوهره يحمل تاريخ" وهكذا تكون الذاكرة الحقة موجودة في الشعور بالماضي والحاضر يقول برغسون:" ليس من شك أن ماضينا بأكمله يغقبنا في كل لحظة من لحظات حياتنا"
* كما أن فاقد الذاكرة يستطيع استرجاعها تحت تأثير صدمة نفسية وهذا ما يثبته الواقع لذا قال في كتابه الذاكرة والمادة:" الانفعالات القوية من شأنها أن تعيد الينا الذكريات التي اعتقدنا أنها ضاعت الى البد" وقد فسرت هذه النظرية استرجاعها بقانون تداعي الافكار حيث فال جميل صليبا"في كل عنصر نفسي ميل الى استرجاع ذكريات المجموعة النفسية التي هو أحد أجزائها"ومن الامثلة التوضيحية ،الام الثكلى التي ترى لباس أبنها البعيد عنها تسترجع مجموعة من الذكريات الجزئية وهذا ما يثبت الطابع النفسي للذاكرة
* هذا بالاضافة الى أن مدرسة التحليل النفسي نظرت الى الذاكرة نظرة لاشعورية لأن: "أغلب مداركنا تنزل الى عمق الذاكرة حيث تستقر وتبقى تمارس نشاطها اللاشعوري" ونظرية الكبت خير شاهد على ذلك، حيث جعل سيجموند فرويد من :" النسيان دليلا على تجليات اللاشعور"
تعقيب:
لا شك أن في أن هذا التمييز بين الذاكرة بين الذاكرة الحركية والذاكرة النفسية أمر يساعد الدارس على تصنيف الذكريات، وتحديد خصائصها.
ولكن برغسون بالغ فيه وذهب الى حد الفصل التام بين ماهو حركي وما هو نفسي، مع أن التجربة حسب بعض العلماء تؤكد أن الحركات البدنية ضرورية للذكريات، وأن استرجاعها" أي الذكريات" في حاجة الى سند حركي والى وضعية نفسية مندرجة في وضعية بدنية،أضف الى ذلك أن برغسون لم يبين كيفية حفظ الذكريات أو استرجاعها، خاصة وأن فرضية اللاشعور لا توضح ذلك، فهل اللا شعور مجرد اطار نفسي غير مقيد بالزمان والمكان. كما أنه من الصعب أن نفهم الذاكرة كشعور نفسي خالص، وتستخدم الدماغ كاليات مادية من أجل استحضار الذكريات، الا يدل هذا على تداخل ما هو عضوي بما هو نفسي، وأن الفصل بينهما شائك.
النظرية الاجتماعية
جاءت معارضة
لنظرية برغسون التي أكدت أن الفردية الروحية هي الأساس و ترى هذه النظرية
(الاجتماعية) أن الذاكرة تخزن في الجانب الاجتماعي أو ما نسميه بالذاكرة الجماعية
. كما ترى أنه لا يمكننا أن نبحث عن الذاكرة عند الفرد بل يجب أن نبحث عنها في
الجماعة بهذا المعنى فالذاكرة هي ذاكرة الزمرة أو الأسرة أو طبقة اجتماعية أو
دينية فهي ذاكرة الأمة بأكملها , فالإنسان يعيش ماضيه المشترك مع الجماعة و ذاكرته
من ذاكرة الجماعة إذ الذاكرة من طبيعة اجتماعية إذ يقول هالفاكس :[ليس هناك ما يدعو إلى البحث عن موضوع
الذكريات و أين تخزن لأنني أتذكرها من الخارج فالزمرة الاجتماعية التي أنتسب إليها
هي التي تقدم إلي في لحظة جميع الوسائل أو الإطارات الاجتماعية لإعادة بناءها إن
الماضي لا نحتفظ به بل إننا نعيد بنائه انطلاقا من الحاضر], معنى ذلك أن
الذكريات لا نحتفظ بها و إنما نعيد بنائها
من المجتمع فهذا الأخير هو أساس استرجاع الذكريات فقد وضح لنا ذلك هالفاكس من خلال
كتابه الأطر الاجتماعية للذاكرة حيث يرى بأن الغير هو الذي يدفعنا إلى تذكر
الحوادث التي أشترك معهم فيها :الأسرة ,
المدرسة,الشارع و الأمة….إذ يقول:[إني في أغلب الأحيان عندما أتذكر فإن الغير هو
الذي يدفعني على التذكر لأن ذاكرته تعتمد ذاكرتي كما أن ذاكرتي تعتمد على ذاكرته
شريطة أن يقع اتفاق بيننا , فالواقع يشير إلى أن هذا السلوك هو الذي يربط الفرد بالآخرين
]. وهذا ما يعتبره بيار جاني بالذاكرة الاجتماعية, إذ يقول جدولاي :[إننا نعني بهذا الاسم الذاكرة
الاجتماعية ما بيارجاني بالسلوك الاجتماعي
تلك اللغة التي أنشأها المجتمع لمقاومة شروط الغياب و التي تبدو أجدر ما تكون
الذاكرة المستحقة لهذا الاسم ] معنى هذا القول أن اللغة وسيلة اتصال بين الأفراد
لذلك يعتبر استرجاع الذكريات لغة لأنها تزيد التواصل بين أفراد المجتمع.
أما عن علاقة الحلم بالذكريات فيرى هالفاكس أنه
لم يعطر على أي علاقة بينهما إذ يقول:[ إن الحلم لا يعتمد سوى على ذاته , في حين
أن الذكريات تستمد وجودها من ذكريات الآخرين أي من الأطر العامة للذاكرة
الاجتماعية]. معنى ذلك أن جميع أنواع السلوك هي مواد للذكريات التي تبقى و تظل
اجتماعية ما عدى اللحظات التي يخلد فيها الإنسان إلى النوم حيث ينعزل عن الآخرين
إذن فالذاكرة هي من طبيعة اجتماعية.
نقد نقيض الأطروحة/
فعلا لكل مجتمع
ذاكرة اجتماعية يرجع إليها للتعرف على الماضي لكن تخزين هذه الحوادث يكون في ذاكرة
الأفراد لن المجتمع يتكون من أفراد و أساس الأطر الاجتماعية هو الفرد و إذا ارتبطت
الحوادث الماضية بالمجتمع فذلك لأن أغلب ذكريات الفرد تحدث في دائرة اجتماعية و
قليلا ما تحدث خارجا كالذكريات المعرفية ضف على ذلك أن ذاكرة المجتمع تتقدم و
تتغير و يعود الأمر إلى تغيير الأفراد و تعاقب الأجيال فكل يضيف رصيد جديد للذاكرة
الاجتماعية لكن الفرد يعود له الفضل لأنه المحرك الأساسي للمجتمع.
إذ أن الذاكرة
هي هويته الشخصية بينما الذاكرة الاجتماعية هي التاريخ الذي هو هوية المجتمع.
شكرااا وجزاك الله خيرا
و بالتوفيق اخي
جزاك الله خير
شكرا وبارك الله فيك وجازاك خيرا