وَيْحَ ابْنَ آدَمَ! وَإِنَّهُ لَعَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ يَتَلَدَّدُ؛ لِأَنَّهُ يَهْتَبِلُ الْفُرْصَةَ لِاقْتِنَاصِ لَذَّةٍ، وَالتَّوَثُّبِ لِلْحُصُولِ عَلَى شَهْوَةٍ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى مَنْطِقِ الذُّبَابِ, الْمِسْكِينُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى مَنْطِقِ الذُّبَابِ؛ يَقِفُ عَلَى حَافَةِ الْإِنَاءِ فِيهِ الْعَسَلُ يَقُولُ: مَنْ يُوَصِّلُنِي إِلَيْهِ وَلَهُ دِرْهَمَانِ؟!.. فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ قَالَ: مَنْ يُخْرِجُنِي مِنْهُ وَلَهُ أَرْبَعَةٌ؟!!
فَيَا أَصْحَابَ الْمَنْطِقِ الذُّبَابِيِّ! حَنَانَيْكُمْ، دُونَكُمُ الطَّرِيقَ، دَلَّكُمْ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ بِكُمْ شَفِيقٌ، وَبِكُمْ رَحِيمٌ رَفِيقٌ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا»، السَّفْسَافُ كَالْعَسَلِ فِي ظَاهِرِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِيهِ فَهُوَ كَالذُّبَابِ فِي ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَنْفَكَّ عَنْهُ.
فَحَذَارِ، فَحَذَارِ، فَحَذَارِ أَنْ تَتَوَرَّطَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْعُمُرَ قَصِيرٌ.
كُنْ عَلَى عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ: «فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»، «وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَى يَدَعُوهُ»؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنَ الشِّرْكِ، وَمِنَ الْبِدْعَةِ، وَمِنَ الْحِقْدِ خَاصَّةً -فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ-: «وَيَدَعُ -يَتْرُكُ- أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ».
يَكْرَهُ السَّفَاسِفَ، وَهَذَا الْحِقْدُ مَا هُوَ؟
الْإِنْسَانُ إِذَا مَا اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ -كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ-، وَلَكِنْ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ فَيَجْعَلُ غَضَبَهُ عَلَى مِقْيَاسِ الشَّرْعِ نَافِذًا، وَيَجْعَلُ أَثَرَهُ بِمِقْيَاسِ الشَّرْعِ فَاعِلًا، الَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ هُوَ الرَّجُلُ حَقًّا.
«لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ…» يَعْنِي: الَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ وَلَا يَصْرَعُونَهُ؛ «وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»، فَهَذَا هُوَ الشَّدِيدُ حَقًّا.
فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يَتَمَاسَكُ، مُتَهَالِكَ الْبُنْيَانِ، تَنْخَرُ فِي جَسَدِهِ الْأَمْرَاضُ! تَأْكُلُ حِينًا كَبِدَهُ حَتَّى لَا تَدَعَ فِيهِ خَلِيَّةً فَاعِلَةً لَا يَسْتَقِيمُ بِعَمَلِهَا حَيَاةٌ، وَيَعْدُو أَحْيَانًا عَلَى قَلْبِهِ فَيَأكُلُهُ أَكْلًا حَتَّى لَا يَدَعَ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ -فِيهِ- أَنْ يُقَالَ: الْقَلْبُ الَّذِي لَا يَحْمِلُنِي لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ أَحْمِلَهُ، .
وَهَذَا الْحِقْدُ مَا هُوَ؟
الْغَضَبُ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْمَرْءُ لَهُ إِنْفَاذًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُخْرِجًا؛ كُظِمَ -لَا دِينًا؛ وَإِنَّمَا عَجْزًا-؛ يَصِيرُ حِقْدًا، يَسْتَثْقِلُ بِهِ الْمَرْءُ الْمَحْقُودَ عَلَيْهِ -يَسْتَثْقِلُهُ-، يَكْرَهُ النِّعْمَةَ الْوَاصِلَةَ..
إِلَيْهِ، يَتَمَنَّى لَهُ الْهَلَاكَ، وَيَكْرَهُ لَهُ الْخَيْرُ، يَحْقِدُ عَلَيْهِ، كَالْجَمَلِ إِذَا أَنْفَذَ غَضَبَهُ مِنْ بَعْدِ كَظْمِهِ -وَكَانَ قَبْلُ كَظِيمًا-، فَإِذَا أُطْلِقَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُنْفِذُ غَضَبَهُ حِقْدًا مَسْمُومًا.
يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: فُلَانٌ أَحْقَدُ مِنْ جَمَلٍ، أَحْقَدُ مِنْ جَمَلٍ؛ فَيُنْفِذُ حِقْدَهُ بِغَيْرِ وَعْيٍ، حِقْدٌ مَجْنُونٌ.
يَقُولُ الْمَأْمُونُ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ»، نَعَمْ! لَيْسُوا أَهْلًا لِلْمَغْفِرَةِ، لَيْسُوا أَهْلًا لِلِاطِّلَاعِ عَلَيْهِمْ؛ .
وَفِي الْحَدِيثِ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ: «إِنَّ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعِ إِلَى خَلْقِهِ، فَيْغَفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ».
يَطَّلِعُ وَيَتْرُكُ، يَتْرُكُ أَهْلَ الْحِقْدِ، مَحَلٌّ نَجِسٌ بِقَلْبٍ نَجِسٍ حَوَى زِبَالَةَ الصِّفَاتِ وَقُمَامَةَ الْعَادَاتِ, وَأَتَى بِأَحَطِّ دَرَكَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْخِصَالِ وَالشِّيَاةِ، هَذَا إِنَّمَا تَؤُمُّهُ كُلُّ الْحَشَرَاتِ الْحَيَّاتِ وَالنَّافِقَاتِ، هَذَا إِذَا مَا تَحُطُّ عَلَيْهِ الْهَوَامُّ الْبَغِيضَاتُ، هَذَا لَيْسَ أَهْلًا لِنُزُولِ الرَّحَمَاتِ، هَذَا مَاذَا يَكُونُ؟
هَذَا لَوْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا.. لَكُنَّا قَدْ مَدَحْنَاهُ، كَلَّا وَاللَّـهِ! إِنَّكَ إِنْ قُلْتَ: إِنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا.. تَكُونُ قَدْ مَدَحْتَهُ، لَا! هَذَا أَحَطُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ وَصْفٌ مُزْرٍ يَكُونُ بِهِ حَقِيقةً.
نَعَم! هَذَا قَلْبٌ؟!
لَا؛ هَذَا قَلِيبٌ، لَا؛ بَلْ هَذَا كَنِيفٌ!
أَيَّتُهَا الْقُلُوبُ الشَّارِدَةُ وَالْأَرْوَاحُ النَّافِرَةُ! إِلَى أَيْنَ؟ إِلَى أَيْنَ؟!
إِنَّ الْعَبْدَ مُعَلَّقٌ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ بِنَفَسٍ يِتَرَدَّدُ، وَقَدْ يُفْرَضُ عَلَيْهِ فَرْضًا؛ فَلَا يَنْبُعُ مِنْهُ نَبْعًا، وَإِنَّمَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ فَرْضًا، وَاللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ مُحْيِي الْمَوْتَى، عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَحُيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قَادِرٌ -هَوُ- وَقَدِيرٌ وَمُقْتَدِرٌ عَلَى أَنْ يَمُنَّ بِالْحَيَاةِ عَلَى الْجَسَدِ الَّذِي يُشَارِفُ أَنْ يُفَارِقَ الْحَيَاةَ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- لَا يَقْطَعُ رَجَاءَ الْمُرْتَجِينَ، لَا يَقْطَعُ رَجَاءَ مَنْ يَرْتَجِيهِ؛ فَيَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَيَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، لَا تَقْطَعْ رَجَاءَ عِبَادِكَ فِيكَ؛ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَصَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
مستفادة من خطبة جمعة للشيخ سعيد رسلان حفظه الله تعالى
بارك الله فيك موضوع رائع
الحقد صفة بشعة جدا جدا
السلام عليكم
شكرا على الكلام الرائع إستفدنا من هاته الخطبة
ودعيني اقول لك بعيدا قليلا عن الخطب وناتي لنصطدم بالواقع وهذا لا يعني ان نرمي كلام الله ولا رسوله الحبيب عليه افضل صلاة لا حاشا ولله لكن لو نظرت معي إلى المجتمع وإلى الناس هناك جروح وآلام يصعب ان ننساها وان نسامح ولا نحقد ان يأتي شخص ويحطم حياتك ويغير مجراها وان يحرمك من امك وابيك او من صحتك او يكون سبب موت احد افراد اسرتك اي نعم الموت حق ومن الله وخراب البيوت امر مكتوب ومقدر ولكن للأسباب دور كبير بصراحة عن نفسي هناك خطوط حمراء إن تعاداها احد معي لا اسامح ابدا للأسف احقد عليه لدرجة ما لكن اخبئها في قلبي واتفاداه ولكن لا اسامحه ابدا هكذا انا ولن اتظاهر بالعكس
شكرا لك
السلام عليكم
شكرا على الكلام الرائع إستفدنا من هاته الخطبة ودعيني اقول لك بعيدا قليلا عن الخطب وناتي لنصطدم بالواقع وهذا لا يعني ان نرمي كلام الله ولا رسوله الحبيب عليه افضل صلاة لا حاشا ولله لكن لو نظرت معي إلى المجتمع وإلى الناس هناك جروح وآلام يصعب ان ننساها وان نسامح ولا نحقد ان يأتي شخص ويحطم حياتك ويغير مجراها وان يحرمك من امك وابيك او من صحتك او يكون سبب موت احد افراد اسرتك اي نعم الموت حق ومن الله وخراب البيوت امر مكتوب ومقدر ولكن للأسباب دور كبير بصراحة عن نفسي هناك خطوط حمراء إن تعاداها احد معي لا اسامح ابدا للأسف احقد عليه لدرجة ما لكن اخبئها في قلبي واتفاداه ولكن لا اسامحه ابدا هكذا انا ولن اتظاهر بالعكس شكرا لك
|
دعيني أختي أقول لك من منا ليس مجروحا ومن منّا ليس مظلوما والله المستعان لكن الصّفح والتسامح والصبر كل أولئك خصال محمودة وشياة مرموقة كل أولئك غايات تتقطع دون بلوغها الأعناق.
والمرء قد يعلم في نفسه خللا بإختلال صفة من صفات الخير فيه فيضع اليد عليها عند تفتيشه في أطواء قلبه ومطاويه ..فيضع اليد عليها لأنه خلل يحتاج الإصلاح ولا يصلح القلوب إلا الذي فطرها لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال .«إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ» وهذا يدل على أنه يجب الإهتمام بالقلب فوق الإهتمام بالجسد ..هذا الخلل قد يلتهم الحياة ولا يصلح وقد يمضي المرء عمره في إصلاح خلل واحد في منظومة الأخلاق
قال: ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: من أراد صفاء قلبه فليؤثر اللّه على شهواته، إذ القلوب المتعلّقة بالشّهوات محجوبة عن اللّه تعالى بقدر تعلّقها، القلوب آنية اللّه في أرضه، فأحبّها إليه أرقّها وأصلبها وأصفاها، وإذا غذّي القلب بالتّذكّر وسقي بالتّفكّر ونقّي من الدغل رأى العجائب وألهم الحكمة.
ثم أختي الفاضلة
الحاقد جاهل بربّه وبسننه في هذا الكون، لأنّ للّه حكما قد لا تظهر فى التوّ واللحظة، وقد يكون ما ظنّه الحاقد نعمة فاتته وأدركت غيره مجرّد ابتلاء واختبار تجلب على صاحبها من العناء ما لا يطيقه الحاقد الّذي يتمنّاها.
هداني الله وإياك أخية …اللهم أصلح قلوبنا