الترادف اللغوي ومصادره
إن مما امتازت به لغتنا العربية من خصائص " المترادفات " ، وهي بحر زاخر لا يُسبر غوره ‘ ولا تُحصى درره .
ومن مزايا المترادفــــــات أنها تــعين على إفــراغ المعــنى في قـــوالب متعددة ‘ ونظمها في ســـلك من البلاغة ، ولا تنكـــر مزاياها في النـــــظم والنثر ، فبتعددها يسهل تخير ما طابق المعنى ، فيأتي الكلام جزلا بليغا .
ويعد الترادف مظـــهر إثراء في اللغة ‘ فهو حشــد لغوي تترادف فيه الألفاظ ‘ وتتوالى على المعنى الواحد.
وشواهد الترادف في اللغة كثيرة ، ومتنوعة تشمل الأعلام ، والأفعال ، والصفات ، والحروف .
وهذه الكثرة ، وذلك التنوع في المترادفــات العربية استدعـى انتبــاه اللغويين على مر العصور ، وأثار دهشــة المستشرقين ، فللمـــاء مـــائة وسبعون اسما ، وللسيف ألف اسم ، وللداهية ما لا يحصى من الأسماء حتى قيل : " أسماء الدواهي من الدواهي" ، والكلام عن المترادفــــــات يستدعي البحث عن مصادرها وهي خمسة مصادر :
المصدر الأول : التساهل في العزو:
فقد يختـــــــلف اللفظ من حي إلى حي ، ويتحد المدلـــــول عند الحيين جميعا ، حتى إذا ظـفـــر الرواة باللفظـــين في الحيين من أحيـــــــاء القبيلة الواحدة ، سجلوهما للمعنى الواحد ، دون أن يعنوا في الكثير من الحالات إلى الاختلاف في الاستعمال بين الحيين .
وحين رأى المتأخرون الكلمات المتعددة ترد على المعنى الواحد ، دون إشارة على مصادرها ، جعلوها مترادفة ، كما لو كانت قد وردت على لسان المتكلم الواحد .
المصدر الثاني : إثبات المهجور:
وذلك لأن الرواة لم يهجروا المهجـــــور ، وربما أهمــــلوا الإشارة إلى بعض المهجور أنه مهجور ، فكانوا إذا ورد المهجور في شعر جاهلي احتفظــــوا به ، وقيدوه ، ووضعوه موضــع المستعمل ، فبقــي في المعاجم مرادفــــــا للمستعمل .
فشغل الدارسون به أنفسهم ، وجعلوه مظهرا من مظاهر الترادف .
المصدر الثالث : الحقيقة والمجاز :
فاللفظ قد ترد عليه الحقيقة والمجـــــاز ، لأنه من المعـــروف أن ألفاظ اللغـــة متناهية ، وأن المعاني غير متناهية ، فمن المحال أن تستطيع لغة ما أن تقدم لفظا منفصلا لكل معنى يرد على الخاطر، ولأن الذاكرة الإنسانية ذات طاقة اختزانية معينة لا تمكنها من استيعاب ما لا يقع تحت الحصر من الألفاظ .
فإذا كان ذلك كذلك ؛ فلا بد من التوسع قي استعمال اللفظ بأن نجوز به معناه الحقيقي الذي كان له بأصل الوضع ، ونستعمله بواسطة هذا " الجواز " أو "المجاز" في معنى آخر تطبيقا لفكرة الاقتصاد في الاستعمال اللغوي ، وأي اقتصــــــاد أفضل من أن تـعبر بالقليـــل من الألفــاظ عن الكثــير من المعاني ؟!.
كل ما هنالك أن هذا المجاز مشروط دائما بوجود العلاقة والقرينة . وهكذا يمكن للفظين أن يستعملا لمعنى واحد يكون أحدهما مستعملا على سبيل الحقيقة ، والآخر على سبيل المجاز ، كما يمكن أن يكون كلاهما على سبيل المجاز ، فإذا اشتهر هذا المجاز على الألسنة لصق المجاز باللفظ حتى صار كالحقيقة فيه ، فإذا دل لفظ آخر بالحقيقة على هذا المعنى عد اللفظان مترادفين .
المصدر الرابع : التوليد والتعريب :
التوليد والتعريب يحمل أحيانا اللفظ القديم ولكنه لا يميته ، فيظل المولد والمعرب ، ويستعمل على لسان طبقة من طبقات المجتمع ، ويظل اللفظ القديم يستعمل على ألسنة الطبقات الأخرى ، فلا يجد اللغوي مفرا من اعتبار اللفظين: القديم والمولد مترادفين ، دون أن يعنى بذكر الفروق الاجتماعية في استعمالهما ، وهذا شبيه بإهمال الفروق الجغرافية بين اللهجتين .
المصدر الخامس : تاريخ التدوين والكتابة العربية :
يعود تاريخ الكتابة العربية التي كانت في فترة من هذا التاريخ تسمح بالكثير من التصحيف الذي يؤدي بدوره إلى إيجــاد الألفاظ الجديدة التي تؤخذ بنفس معاني الكلمات القديمة ، فتصبح مرادفة لها ، ويتضح هذا في المترادفات التي يتحد رسمها ويختلف نطقها كما في " ناض " و " ناص " وكلاهما بمعنى تحرك .
والآن نورد مجموعة مما ظُن أنه من المترادفات ، مع بيان ما بينها من فروق :
التضاد والتناقض :
التناقض يكون في الأقوال ، والتضاد في الأفعال .
الكذب والإفك :
الكذب : اسم موضوع للخبر الذي لا مخبر له على ما هو به ‘ سواء أكان فاحش القبح أم لا .
والإفك : هو الكذب الفاحش القبح مثل الكذب على الله ورسوله أو على القرآن ، ومثل قذف المحصنات .
الصفة والنعت :
النعت لما يتغير من الصفات .
والصفة للثابت والمتغير؛ فالصفة أعم من النعت . وقيل :إن النعت لما يظهر من الصفات ويشتهر .
وقيل : إن النعت لغة ، والصفة لغة أخرى ، والدليل على ذلك أن أهل البصرة من النحاة يقولون : الصفة ، في حين أهل الكوفة يقولون النعت ، ولا يفرقون بينهما .
الخطأ والغلط :
الغلط : وضع الشيء في غير موضعه ، ويجوز أن يكون صوابا في نفسه .
الخطأ : لا يكون صوابا على وجه.
اللحن والخطأ :
اللحن : صرف الكلام عن جهته ، ثم صار اسما لمخالفة الإعراب ، فهو لا يكون إلا في القول .
الخطأ : إصابة خلاف ما يقصد ، ويكون في القول والعمل .
العهد والوعد :
العهد : ما كان من الوعد مقرونا بشرط نحو قولك : إن فعلت كذا فعلتُ كذا ، ومنه قول الله تعالى :" ولقد عهدنا إلى آدم " أي أعلمناه أنك لا تخرج من الجنة ما لم تأكل من هذه الشجرة . والعهد يقتضي الوفاء ، والوعد الإنجاز ، ويقال : نقض العهد، واخلف الوعد .
القراءة والتلاوة :
التلاوة :لا تكون إلا لكلمتين فصاعدا ،وذلك أن التلاوة إتباع الشيءِ الشيءَ يقال : تلا الشيء إذا تبعه ، فتكون للكلمات يتبع بعضها بعضا
القراءة : تكون للكلمة الواحدة ن يقال قرأ فلان اسمه ولا يقال تلا اسمه.
الصبر والاحتمال :
الاحتمال للشيء يفيد كظم الغيظ فيه ، والصبر على الشدة يفيد حبس النفس عن المقابلة عليه بالقول والفعل . والصبر عن الشيء يفيد حبس النفس عن فعله ،وصبرت على خطوب الدهر أي حبست النفس عن الجزع عندها ، ولا يستعمل الاحتمال في ذلك لأنك لا تغتاظ منه.
البلاء والنقمة :
البلاء يكون ضررا ، ويكون نفعا ، فإذا أردت النفع قلت : أبليته وفي التنزيل : " وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا " ومن الضر بلوته ،" إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب القرية " وأصل البلاء : أن نختبر بالمكروه ‘ وتستخرج ما عنده من صبر، ويكون ذلك ابتداء .
والنقمة لا تكون إلا جزاء وعقوبة .
الاستهزاء والسخرية :
أن الإنسان يُستهزأ به من غير أن يسبق منه فعل يُستهزأ من أجله .والسخر يدل على فعل يسبق من المسخور منه .
الدلو والذَّنوب :
أن الدلو تكون فارغة وملأى ، والذَّنوب لا تكون إلا ملأى .
وكذلك الفرق بين القدح والكأس ، فالكأس لا تكون إلا مملوءة ، والقدح تكون مملوءة وغير مملوءة .
الصاحب والقرين :
الصحبة تفيد انتفاع أحد الصاحبين بالآخر ، ولهذا يستعمل في الآدميين خاصة ، والمقارنة تفيد قيام أحد القرينين مع الآخر ، ويجري على طريقه وإن لم ينفعه، لذلك قيل قران النجوم .
الإثم والخطيئة :
الخطيئة قد تكون من غير تعمد ، ولا يكون الإثم إلا تعمدا .
الهمود والخمود :
خمود النار أن يسكن لهبها ويبقى جمرها ، وهمودها ذهابها ألبتة .
شكرا بارك الله فيك…………………
بارك الله فيك