التاريخ 16/12/1432 هـ
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فأنا معلم في المرحلة الابتدائية ولقد حدث لدينا في المدرسة أن بعض الطلاب من الصف السادس (12 سنة) تحرشوا جنسيا بطلاب من الصف الثالث (9 سنوات) ولقد اعترف الطلاب بعد أن تعهد لهم بعدم إخبار أي أحد بما حدث حتى أولياء أمورهم فما توجيهكم لي مع العلم أن الأمر أصبح منتشراً بين الطلاب في مدارس المحافظة، وأستغرب تقاعس مركز الإشراف التربوي عندنا بخصوص هذا الأمر..
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد
أشكر لك أخي الكريم ثقتك بإخوانك في موقع المسلم واسأل الله سبحانه أن يجري الحق على ألسنتنا ويجنبنا خطا القول وزلل الفعل وأن يهدينا سواء السبيل
أخي الكريم:
جزاك الله خيرا على اهتمامك بهذا الأمر وانشغالك به رغم صرف الكثيرين لأذهانهم عنه، واسأل الله أن يثيبك خيرا وأن يرزقنا وإياك الإخلاص في القول والعمل.
وبعد: فمنذ أن وصلتني هذه الاستشارة المفزعة، وبعد إخبارك فيها – بأن الأمر أصبح منتشرا بين الطلاب في مدارس المحافظة – وأنا أقدم رجلا في الكتابة في هذا الموضوع وأؤخر أخرى، فالأمر جد خطير ومفزع، ويجب أن يثير بين أولياء الأمور والمعلمين ومراكز الإشراف التربوي الانتباه والتدقيق وكشف الأخطاء وعلاج الأدواء ولابد وأن تتكاتف كل الجهود كي لا يستفحل هذا الأمر ويصير وباء عافانا الله من ذلك.
والحق أنها مشكلة تربوية ضخمة وخاصة مع صغر سن الأطفال فقد ذكرت أنها وقعت من الطلاب (12 سنة) في أفعال مذمومة مع طلاب أصغر (9 سنوات)، ومن هنا تكمن الخطورة التربوية على الجميع فاعلين ومفعول بهم وخاصة إن لم تستدرك هذه الأخطاء وتعالج بكل فهم وبصيرة وإدراك وتؤدة وقبل ذلك بالاستعانة بالله سبحانه فهو القادر على صرف كل شر.
الحرج من طرح ومناقشة تلك الأزمة
يتعمد الكثير من الناس إخفاء هذا الداء ويعتبر أن مجرد الحديث حول الموضوع والسماع به مؤلم مؤذ جدا، ولهذا يتجنب الحديث فيه كل من يستشعر بالحرج منه وكل من يريد أن ينفي وقوعه، وتتم التغطية على أخباره لشدة هذا الحرج، ولكن الأدواء لا تعالج بالكتمان والستر وحدهما وخاصة تلك الأوبئة الخلقية التي لو استشرت في المجتمعات الطلابية لأهلكت جيلا نعتبره عدتنا ومستقبل أمتنا ولنُقلت تلك العدوى إلى المجتمع فتهلك مجتمعات كثيرة تريد أن تقوم وتنهض وتحقق غايتها في إرضاء ربها وتعمير بلدها.
ضرورة التكاتف لسهولة الاستدراك في الصغر
من المعلوم طبيا وسلوكيا وتربويا أن معالجة أي داء بدني أو تربوي في بدايته أيسر بكثير جدا من معالجته بعد استفحاله وبعد استدامة مكثه داخل كل من ابتلى به، ومن المعلوم أيضا أن الأمراض لا تُعالج بذاتها ولا يعتبر إهمالها والسكوت عنها وعدم المطالبة بعلاجها أمرا حسنا ولا مرغوبا، بل هو انتظار للهلاك واستفحال للداء ونشر للعدوى بين الأصحاء، ولذا فمن الضروري تكاتف الجميع – كل حسب موقعه ومسئوليته – لوضع حلول سريعة وعاجلة لتلك الأدواء التي تهدم النخاع الشوكي لأمتنا فتصيب شبابنا فتيانا وفتيات وهم دعامة قوتنا بعد اعتمادنا على الله سبحانه.
خطوات علاج المشكلة:
يجب عند مناقشة أية مشكلة سلوكية وتربوية ومحاولة الوصول لعلاج لها يتم أولا معرفة أكبر قدر من أسبابها وعوامل نموها ونشاطها وما يغذي وجودها ويدفع لها، وأيضا يتم البحث عن الأسباب التي تحد من وجودها أو تقضي عليها، ولهذا عند طرح الحلول يتم البحث في محورين هامين متكاملين، أولهما تضييق المسالك على أسباب وجود المشكلة ودعم الأسباب التي تقضي عليها وذلك كإجراء وقائي يهدف لمحاصرة السلوك الرديء ولمنع انتشاره في أصحاء لم يصابوا به، وذلك كإجراء اجتماعي مقدم على المحور الثاني وذلك لتقديم حق المجتمع على حق الفرد، والمحور الثاني معالجة المصابين بهذا المرض علاجا سلوكيا وتربويا خاصا بعد أن يتم حصرهم وعزلهم – ولو عزلا معنويا – لمعالجتهم وتأهيلهم مرة أخرى للانخراط في صفوف المجتمع.
ولذا أخي الفاضل فالأمر اكبر من مجرد استشارة أو أكبر من تصرف مدرس واحد بمفرده – مع كامل التقدير لك – فالأمر يحتاج لتدخل كبير ومهم من أطراف متعددة وليست طرفا واحدا.
أسباب المشكلة:
سأذكر بعضا من الأسباب التي تدفع لهذا الفعل مجملة غير مفصلة – دون تقصي الحصر – وقد يكون واحد منهم أو أكثر مسئولا بصفة مباشرة أو غير مباشرة عن وجود تلك الرغبة الآثمة أو في نموها واستشرائها
– ضعف الوازع الديني وعدم التربية على توقير أوامر الله والبعد عن نواهيه
– غياب الهدف عن الطلاب وعدم انشغالهم وكثرة فراغهم الذهني والوقتي
– كثرة المشاهدة لهذه الأفعال السيئة سواء في الواقع أو عن طريق التقنيات الحديثة من انترنت وهاتف محمول وغيره
– انشغال الأسر (الآباء والأمهات) عن متابعة أبنائهم متابعة تربوية.
– التهاون في التدقيق على الصحبة التي يختارها الولد والاطمئنان إلى أنه يصاحب ذكورا فقط (وإنما يؤتى المرء من مأمنه)
– نقص ثقافة شرعية وطبية واجتماعية لتبيان خطورة هذا الفعل على النفس شرعيا وماديا ونفسيا
– سوء تربية الأبناء بترك تربيتهم للخادمات والمربيات
– وجود البيئة المعينة عليه من الخدم والسائقين والمربيات غير المسلمين والذين يستهينون بهذا الفعل وربما يروجونه.
– نوع من الفضول لتجربة شيئ جديد لما يعتاده أحدهم فيستمع إلي قصصه التي تستثير فضوله للمعرفة.
– سهولة الحصول عليه مقارنة بممارسة الجنس مع الجنس الآخر واستغلال لحالة الاطمئنان التي تكون عليها الأسر.
– نجاح للغرب في إجبار المسلمين على تقليده شبرا بشبر وذراعا بذراع
– خطأ من الأبوين أنفسهما في عدم الاستتار أثناء جماعهما أو عدم تحفظ في حديثهما أو لباسهما أمام الأبناء.
– التدليل الزائد للابن وتلبية جميع رغباته وإحاطته بالمزيد من العناية والرعاية لمظهره بشكل مبالغ فيه فيتمحور حول ذاته.
– وجود الولد في بيئة بها الكثير من البنات مع إهمال تربوي فينشأ مثلهن في التصرفات ويحدث لديه انقسام ذاتي واستعداد داخلي.
– سوء أحوال اجتماعية وغلاء مهور وعرقلة للزواج تدفع عددا من الكبار لهذا الفعل الدنيء مع الأطفال الصغار مما يساعد على نشر تلك الفاحشة بين الأبناء
– ربما يأتي هذا السلوك كنتيجة للإدمان بكل أنواعه الذي يسلب العقل والتفكير ويودي بالإنسان إلى منزلق متتالي من الرذائل.
– الخلوات بشكل مبالغ فيه دون متابعة تربوية بين الذكور في البيوت أو أماكن أخرى مما يدفع إلى الاستكشاف والمشاهدة ثم التعري أو غير ذلك من الخطوات التي تؤدي في النهاية لهذا الفعل الخبيث .
إشكالية العلاج التربوي:
من الضروري أخي الفاضل أن تعرف أن هناك إشكالية ضخمة في الطرق العلاجية لهذه المشكلة التربوية وهذا الفعل الآثم لسببين هامين:
أولهما: عدم تعاون غالبية المنظرين التربويين الغربيين في معالجة تلك المشكلة لان معظمهم لا يراها مشكلة بتاتا بل يتعاملون مع هذا الشذوذ باعتباره مظهرا عاديا من مظاهر الإشباع الجنسي.
وثانيهما: عدم رغبة المربين العرب والمسلمين من طرح القضية كي لا يستفحل أمرها ولا يظن كل فاعل لها أن قطاعا عريضا من الناس واقعون فيها فيستهين بخطرها، بالإضافة للخجل الكامن في نفسية المسلم والعربي من التحدث فيها وذلك مع عدم رغبة أولياء الأمور (والدين، مدرسين، مديري مدارس وغيرهم) في الإفصاح عن وجودها أو طلب حلول لها.
ولهذه الأسباب ستجد كلام المربين مجرد اجتهادات فردية تطوف حول قشور المشكلة وربما لا تتعرض لصلب القضية.
تحذير قبل الخوض في علاج المشكلة:
يُحذر المدرس قبل البدء في محاولة علاج تلك المشكلة والانخراط في تفاصيلها من مخالطة هؤلاء والتقرب منهم والخلوة بأحدهم والاستماع لمشكلاته لدعمه نفسيا للخروج من محنته، يُحذر أن يصاب المدرس بذلك أو يستهين بالفعل فهو أيضا رجل يتعامل مع مصاب فعلا بالمرض غير مكترث بمعاودة فعله مرات ومرات ولا يضره هذا الفعل مع شخص جديد كمدرسه أو طبيبه المعالج، فعليك التسلح بتقوى الله سبحانه والاستعانة به وعدم البدء في المحاولات العلاجية بصورة سرية أو منفردة بل لابد من تنسيق مع إدارة المدرسة والإشراف التربوي وعدم الخلوات العلاجية.
خطوات علاجية :
– الاستعانة بالله سبحانه في كل وقت فهو مقلب القلوب والمعين على رفع كل بلاء، فعلينا بكثرة الدعاء واللجوء إليه لكي يلهمنا جميعا الصواب في القول والفعل.
– وضع خطة علاجية من كامل المشرفين التربويين لسلوكها والسير عليها حتى لا يتعارض طرق علاجك للمشكلة مع تصرفات غيرك من المربين
– الانتباه الجيد والمراقبة الدائمة في الخلوات في المدرسة أثناء فراغ الحصص من المدرسين أو أماكن التجمعات الأخرى خاصة – حفظكم الله – في المراحيض
– التثقيف العام دون تخصيص للجميع في الحصص الفارغة لواحد من المدرسين القادرين على طرح القضية والتحذير من خطورتها مع المبالغة في تبشيعها وحبذا استخدام وسائل تعليمية تعرض صورا عن مرضى الايدز وغيره من الأمراض التناسلية الناشئة عن المخالفات الشرعية، وذلك مع طرح جاد دون الانسياق لاي محاولة لتناول المشكلة على أن فيها أي جزء من الاستمتاع.
– فتح باب الأسئلة في هذا الموضوع ولتكن أسئلة فيها قصص تحكي تجربة شاب أو طفل مع هذا الفعل وتظهر فيها المئال الذي وصل إليه الفاعل من الفضيحة الدنيوية والمرض مع استحقاق العقوبة الإلهية بأسلوب هادئ مع التذكرة بالمصير الدنيوي والأخروي لفاعل هذا الفعل، مع التغليظ على العقوبة الإلهية لقوم لوط والتحذير منها.
– محاولة عزل للمجموعة التي ضبطت تمارس هذا الفعل والتوعية بطريقة جماعية عن الخطورة الفعلية لما يفعلون وعن المصير المحتم الذي سيصل إليه الفاعل والمفعول به وعن مغبة هذا الفعل في إغضاب الله سبحانه واستحقاق مقته، وأيضا عن تعجلهم لتلك الشهوة التي ستصرف يوما ولكن بطريقة شرعية يرضاها الله سبحانه وغير ذلك من الموضوعات المجهزة بعناية بحضور أكثر من مدرس وبصورة جدية حاسمة لا يتطرق إليها أي نوع من التودد أو تهوين الفعل.
– المتابعة السلوكية لتلك المجموعة متابعة دقيقة مقسمة على عدد من المدرسين والتربويين مع تقييم لتجمعاتهم وإشعارهم بكون هذا الفعل سيتسبب في وصمهم بالخزي فيساعدهم على التخلص سريعا منه
– متابعة كل متعلقاتهم وما يحملون في أمتعتهم من هواتف نقالة أو مواد فيلمية مصورة أو وسائط تخزينية ومحاولة التعرف على محتوياتها والوقوف بحزم تجاه تداولها.
– الإشعار بخطورة الأمر والتهديد باستدعاء الوالدين وأولياء الأمور أو بإيصال تقرير عنهم لذويهم إن تكرر الاقتراب من هذا الفعل ولو بالظن حتى ينصرف أي مظهر مفرح لهذا الفعل ويحل محله مظاهر مخيفة عنه
– إشغال الطلاب دائما في المدرسة بالألعاب الرياضية والمسابقات العلمية والإبداعات الأدبية والفنية ومسابقات حفظ القرآن الكريم وتكريم الفائزين بصورة مبالغ فيها والاحتفال بهم مما يعطي صورة بديلة لحب الظهور لدى الطلاب واستغلال تلك الرغبة في التفوق على الآخرين كسلوك طبيعي للأقران في التعديل السلوكي
– يُحرص أن يتم تكريم المتميزين خلقيا وسلوكيا في حفلات عامة أو في طابور المدرسة والإشادة بهم مع إرسال المدرسة خطابات للوالدين بحسن تميز أبنائهم مما يدفع كل الطلاب للاستقامة كي يتم تكريمهم بهذه الصورة.
– يتم استثناء هؤلاء المصابين ودعمهم في أي خطوة ايجابية تصدر منهم بأن يتم تكريمهم وإشعارهم بأن المجتمع المدرسي سيتجاوز عن الفعل إن استقاموا وعادوا إلى ما كانوا عليه مع طلب العفو من الله عز وجل الذي يحب العفو عن عباده.
أخي الفاضل:
لعل هذا الأمر يحتاج لزيد من الكتابة ولمزيد من التكاتف والتعاون .
لبيب ولبيبة
والأسرة السعيدة
الجزء الأول & الثاني & الثالث & الرابع
هذه القصة, وهي أحد مطبوعات مشروع وقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسيا والإيدز, من تأليف الكاتبة بسمة الخاطري بأسلوب مشوق ومفيد مليء بالأحداث..
*شكرا لك وربي يحفظنا ويحفظ أعراض المسلمين
*ونعم النقل نرجو ا، يستفاد من الموضوع