التحذير من المساهمة في البنوك الربوية
والإيداع فيها بفائدة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى من يراه من إخواننا المسلمين – وفقني الله وإياهم لسلوك صراطه المستقيم
وجنبنا جميعاً طريق المغضوب عليهم والضالين، آمين -.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: [1]
فقد كثرت الدعايات للمساهمة في البنوك الربوية في الصحف المحلية والأجنبية، وإغراء الناس بإيداع أموالهم فيها
مقابل فوائد ربوية صريحة معلنة، كما تقوم بعض الصحف بنشر فتاوى لبعض الناس، تجيز التعامل مع البنوك الربوية
بفوائد محددة.
وهذا أمر خطير؛ لأن فيه معصية لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومخالفة لأمره، والله سبحانه وتعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[2].
ومن المعلوم من الدين بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة: أن الفوائد المعينة التي يأخذها أرباب الأموال مقابل
مساهمتهم أو إيداعهم في البنوك الربوية، حرام سحت، وهي من الربا الذي حرمه الله ورسوله، ومن كبائر الذنوب
ومما يمحق البركة ويغضب الرب عز وجل ويسبب عدم قبول العمل.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به
المرسلين فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ[3]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[4]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب. يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام
وملبسه حرام وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب لذلك))[5] رواه مسلم.
وليعلم كل مسلم أنه مسئول أمام ربه عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيم أبلاه؟ وعن عمره فيم أفناه؟ وعن ماله من
أين جمعه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟))[6].
واعلم – يا عبد الله – وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه – أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب، التي جاء تحريمها مغلظاً في كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بجميع أشكاله وأنواعه ومسمياته.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[7].
وقال تعالى: وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ[8]. وقال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا
يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ
مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي
الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ[9]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ[10].
فما أعظم جريمة من حارب الله ورسوله – نسأل الله العافية من ذلك -.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر
وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات
المؤمنات))[11] متفق على صحته.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه
وشاهديه، وقال: هم سواء))[12].
فهذه بعض الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم التي تبين تحريم الربا وخطره على الفرد والأمة
وأن من تعامل به وتعاطاه فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وقد أصبح محارباً لله ولرسوله.
فنصيحتي لكل مسلم يريد الله والدر الآخرة: أن يتقي الله سبحانه في نفسه وماله، وأن يكتفي بما أباحه الله ورسوله، وأن
يكف عما حرمه الله ورسوله؛ ففيما أباح الله كفاية وغنى عما حرم.
وعلى المسلم الناصح لنفسه، الذي يريد لها الخير، والنجاة من عذاب الله والفوز برضاه ورحمته، أن يبتعد عن الاشتراك
في البنوك الربوية، أو الإيداع فيها بفوائد، أو الاقتراض منها بفوائد، لأن المساهمة فيها أو الإيداع فيها بفوائد، أو
الاقتراض منها بفوائد، كل ذلك من المعاملات الربوية، ومن التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله
سبحانه: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[13].
فاتق الله – يا عبد الله – وانج بنفسك، ولا تغتر بكثرة البنوك الربوية، ولا بكثرة انتشار معاملاتها في كل مكان، ولا بكثرة
المتعاملين معها؛ فإن ذلك ليس دليلاً على إباحتها، وإنما هو دليل على كثرة الإعراض عن أمر الله، ومخالفة شرعه، والله
سبحانه وتعالى يقول: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ[14].
ومع الأسف الشديد، أن كثيراً من الناس لما أنعم الله عليهم، ووسع عليهم من فضله، وأغناهم بكثرة المال، أصبحوا لا
يهتمون بالعمل بأحكام الإسلام، والاستغناء بما أباح الله لهم عما حرم عليهم، وإنما يهتمون بما يدر عليهم المال من أي
طريق كان؛ حلالاً كان أم حراماً؛ وما ذلك إلا لضعف إيمانهم، وقلة خوفهم من ربهم عز وجل وغلبة حب الدنيا على قلوبهم
نسأل الله لنا ولهم السلامة والعافية من كل ما يخالف شرعه المطهر.
وهذا الواقع المؤلم لحال كثير من المسلمين، مؤذن بحلول غضب الله ونقمته، وقد قال سبحانه محذراً ومنذراً من شؤم
المعاصي والذنوب: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[15].
وإني أوجه نصيحتي إلى المسئولين في الصحف المحلية خاصة، وفي صحف البلاد
الإسلامية عامة: أن يطهروا صحافتهم من نشر كل ما يخالف شرع الله المطهر في أي مجال من مجالات الحياة
كما أوصي الجهات المسئولة بالتأكيد على رؤساء الصحف، بألا ينشروا شيئاً فيه مخالفة لدين الله وشرعه، ولاشك
أن هذا أمر واجب عليهم، وسيسألون عنه أمام الله إذا قصروا فيه.
كما أوصي إخواني المسلمين عامة: أن يتقوا الله تبارك وتعالى ويتمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه
وسلم، وأن يكتفوا بما أحله الله، ويحذروا ما حرمه الله، ولا يغتروا بما قد يكتب أو ينشر من فتاوى أومقالات تجيز المساهمة
في البنوك الربوية أو الإيداع فيها بفوائد، أو تقلل من سوء عاقبة ذلك؛ لأن هذه الفتاوى والمقالات لم تبن على أدلة شرعية
لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما هي آراء الرجال وتأولاتهم.
نسأل الله لنا ولهم الهداية والعافية من مضلات الفتن، والله المسئول أن يوفق المسلمين عامة، وولاة أمورهم خاصة للعمل
بكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وتحكيم شرع الله في جميع شئونهم الخاصة والعامة، وأن يأخذ بنواصيهم
إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأن يجنب الجميع طريق المغضوب عليهم والضالين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه
وصلى الله وسلم على خير خلقه نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
– الموقع الرسمي للشيخ –