الاخلاق……..كما يراها ارسطو
يعتقد أرسطو أن الأخلاق, بصفتها علماً عملياً, علم تجريبي يستند إِلى الاستقراء والخبرة والملاحظة والأخذ بآراء الشيوخ والعقلاء وأصحاب الفضل. بيد أنها ليست علماً تجريبياً بحتاً, وإِنّما تتصل كذلك بصلات عميقة بعلم النفس والميتافيزيقة. ولذا يُلحظ أن أرسطو يمزج دوماً الملاحظات بالتحليلات النفسية وبالاستدلالات الفلسفية.
تتصف الأخلاق الأرسطية بأنها أخلاق سعادة, لا أخلاق واجب, على العكس تماماً ممّا عليه الأخلاق المحدثة, ولاسيما ابتداءً من كَنت. فالإِنسان, في الأخلاق الأرسطية, ينزع بطبيعته إِلى امتلاك الخير الأسمى والسعادة القصوى, على طريق الفضيلة. وهذه النزعة الطبيعية الغريزية تظهر, بوضوح, في ميول الإِنسان وسلوكه.
يقصد أرسطو بالخير الأسمى,الذي يضمن للإِنسان امتلاك السعادة القصوى, الخير الكامل الذي يُطلب ويُحب من أجل ذاته, لا كوسيلة لبلوغ خير أسمى منه, كاللذة والجاه وحب التسلط والمال وغيرها. والذين يعتقدون أنهم يحققون خيرهم الأسمى وسعادتهم القصوى بالحصول على هذه الخيرات, التي هي خيرات ناقصة زائلة, ومولّدة, في أغلب الأحيان, للألم والحرمان, لا يدركون معنى الخير الأسمى والسعادة القصوى. والخير الأسمى, الذي قصده أرسطو, ليس منال الخير بالذات, الذي تكلّم عليه أفلاطون وجعل منه مبدأ الموجودات وغايتها القصوى, وإِنّما الخير الذي يجب أن يكون في المتناول ويمكن تحقيقه بالحياة الفاضلة وبممارسة الأفعال الإِنسانية الحقة. فلكل موجود فضيلته الخاصة التي هي, في نظر أرسطو, مفهوم وجودي قبل أن يكون مفهوماً خلقياً, كما له ماهيته الخاصة التي ينزع إِلى تحقيقها. فنقطة انطلاق علم الأخلاق هي, إِذن, معرفة طبيعتنا الإِنسانية.
وإِذ نُظر إِلى الإِنسان, المتميّز من غيره من الكائنان الحية بنفسه العاقلة, من خلال قوته الغاذية, لوُجد أن أعماله خارجة عن دائرة العقل والإِرادة وعلم الأخلاق. وإِذ نُظر إِليه,من خلال قوته الحاسة, لوُجد أنه مركبٌ من نفس وجسد وقابلٌ للشهوات والانفعالات الخاضعة لنطاقي العقل والإِرادة خضوع المادة للصورة. أمّا إِذ نُظر إِليه, من خلال قوته العاقلة, ظهر عنصراً إِلهياً قادراً على الاتحاد بما هو إِلهي بالتأمل. ولذا يميّز أرسطو بين نوعين من علم الأخلاق: علم الأخلاق الذي يبحث في الإِنسان بصفته مركباً من نفس وجسد, أي في فضيلته وخيره وسعادته, وعلم الأخلاق الذي يبحث فيه بصفته عقلاً محضاً, أي في فضائله العقلية الصرفة.وبممارسة الفضائل الخلقية يحقق الإِنسان خيره وسعادته. ولكن ما الفضيلة الخلقية, وما شروطها؟
يعرّف أرسطو الفضيلة الخلقية بأنها استعداد ما, بإِزاء الانفعالات, ناشئ من نمو قوة بالمران. والفضيلة الخلقية, بحسب هذا التعريف, ليست انفعالاً من انفعالات النفس, كالفرح والخوف والحسد والغضب, لأن الانفعال, من حيث هو كذلك, خارج عن نطاق العقل والإِرادة والمدح والذم. وليست هي قوة من قوى النفس القابلة لهذه الانفعالات, لأن هذه القوى فطرية غير قابلة للتغيير. فالفضيلة, إِذن, تقوم جوهرياً بموقف العقل والإِرادة من هذه الانفعالات وهذه القوى, وبالسيطرة عليها وتوجيهها نحو الخير.
ولما كانت الفضيلة الخلقية من الفضائل العملية, كفضيلة العدالة والشجاعة, التي لا تكتسب إِلاّ بالممارسة, لذا فإِنها «مملَكة خلقية يكون المرء بحسبها صالحاً, ويقوم بما عليه على أحسن وجه». فبقدر ما يوجه الإِنسان عقله وإِرادته إِلى اكتساب الفضيلة, بقدر ما تصبح فيه الفضيلة ملَكة راسخة شبيهة بالطبيعة. ويتوسع أرسطو في دراسة أثر العقل والإِرادة في الفضائل حتى تنتهي به هذه الدراسة المعمّقة إِلى تعريف الفضيلة بأنها اختيار الوسط العدل بين إِفراط وتفريط كلاهما رذيلة.
وهذا الوسط ليس وسطاً رياضياً يمكن تحديده وقياسه, بل هو وسط بالإِضافة إِلى الفاعل, متغيّر تبعاً للأفراد والأحوال. فالوسط الحقيقي مثلاً, بين الحد الأقصى والحد الأدنى, لما يستطيع الإِنسان أن يتناوله من غذاء, يزيد على حاجة المبتدئ بالرياضة, ويقل عن حاجة المصارع. فالفضيلة وسط إِذا قيست بالرذائل التي تقابلها, غير أنها حدّ أقصى للفعل الإِنساني الكامل. وهذا ما يجعل معرفة الحد الوسط شيئاً عسيراً ودقيقاً. الشجاعة حدٌ وسط بين التهور والجبن, والكرم بين التبذير والتقتير. وهكذا فإِن الفضائل معلقة دوماً بين رذيلتين.
وإِذا كانت الفضيلة إِرادية, فالرذيلة إِرادية, لأنّه إِذا كان الفعل متعلقاً بالمرء, كان الترك متعلقاً به كذلك.والإِنسان ربّ أفعاله صالحة وطالحة, وإِذا ما حقق فضيلته الوجودية بممارسة فضائله وجد لذّته الحقة وسعادته الإِنسانية الحقة. أمّا اللذة فهي, في نظر أرسطو, لا حسنة ولا رديئة بذاتها, بل تستمد قيمتها من قيمة الفعل الذي تصدر عنه, كما أنّ قيمة الفعل مستمدة من قيمة القوة التي يصدر عنها, ومن نوع ممارسته هذه القوة. وهكذا فإِن الفضيلة, مع أنها تولّد اللذة الحقيقية, لا تهدف إِلى اللذة, فالذي يحيا حياة الفضيلة يجد اللذة الحقيقية, من دون أن يبحث عن اللذة التي تصحب ممارسة الفضيلة. وأمّا الذي يطلب اللذة خارج الفضيلة ولأجل اللذة, فإِنه لا يجد غير لذات عابرة وكاذبة وهدامة. وصفوة القول إِن اللذة هي, كما يقول أرسطو, الثمرة الطبيعية للفضيلة, تُضاف إِليها كالنضارة إِلى الشباب.
وبما أن الإِنسان يحقق كماله الإِنساني على طريق الفضيلة, فإِنه لا يجد فيها فقط لذته الحقة, وإِنما أيضاً سعادته الدائمة. ومع أن الوسائل المختلفة من طبيعية ونفسية واجتماعية, والخيرات الخارجية من غنى وجاه وصحة وجمال وقوة, شروط تكمل السعادة الإِنسانية, إِذا ما استخدمت وسائلَ وشروطاً لتحقيق الفضيلة, فإِن الفضيلة الحقة لا تفقد سعادتها إِذا ما فقدت هذه الوسائل والشروط الخارجية, بل تجد سعادتها في ذاتها الداخلية, هكذا يجد الفيلسوف سعادته في ذاته الداخلية, لأنه يرى في ذاته ذاتاً إِلهية, ويتنعم برؤية هذه الذات, كما يتنعم الله برؤية ذاته. فالفيلسوف,إِذن, أسعد الناس.
مطالعة مفيدة …..وممتعة مع هذه الاوراق الفلسفية…….في امان الله
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور بجد الكلام رائع ومفيد
اسعدتني…ردودكم الطيبة
رائع جدا أستاذنا
بسـم الله الرحمـان الرحيــم / السّـلام عليــكم ورحمتـه تعالـى وبركاتــه
بــارك الله فيــك أستـاذنـا الفـاضـل على المجهودات المبذولــة
فـي ميزان حسنـاتك إن شاء المـولـى…