الأخلاق والفطرة
وجودنا يعني إحساسنا فإحساسنا إذن سابق لفهمنا وعواطفنا سابقة لأفكارنا , مهما كانت علة وجودنا فقد منحتنا هذه العلة بغية حفظ كياننا عواطف معينة تلائم طبيعتنا ولا يمكن لأحد أن ينكر أن هذه العواطف ولدت معنا إنها بالنسبة للفرد حب النفس الشرعي والخوف من الألم والرغبة في الهناء و لكن إن كان الإنسان كائنا اجتماعيا من طبيعته أو على الأقل مؤهلا لأن يكونه فلا يمكنه ذلك إلا بواسطة عواطف أخرى أيضا غريزية بالنسبة للنوع البشري أما بالنسبة إلي الحاجة المادية فحسب فإنها جديرة بتفرقة الناس بدلا من جمعهم فالدافع الوجداني أو الضمير يتولد من الجهاز الأخلاقي الذي يتألف من هذه العلاقة المزدوجة علاقة الإنسان بنفسه و أبناء جنسه .
ليس للإنسان علم غريزي بالخير ولكن حالما يكشفه عقلهله يدفعه ضميره إلى محبته …لقد تخلصنا من كل هذه الأداة الفلسفية الهائلة إننا نستطيع أن نكون بشرا من غير أن نكون علماء لقد أعفينا من هدر أيام حياتنا في درس الأخلاق لأن لنا دليل هادي يهدينا مجانا لكن لا يكفي أن يكون لنا دليلا بل علينا أن نعرفه ونتبعه
ج ـ ج روســــو
****
لنسر إلى الأمام في طريق الحكمة , بخطوة حازمة ,وبكامل الثقة في النفس. أيا تكن استغل منبع التجربة الذي تشكله أنت ذاتك ألق عنك عدم الرضا الذي يأتيك من كينونتك, اغفر لنفسك أناك , لأن فيك , في كل الحالات , سلما من مائة درجة يمكنك أن ترتقيه إلى المعرفة . القرن الذي تغتم فيه بشعورك أنك مرفوض يعلنك سعيدا أن يكون لك هذا الحظ … أليس بالضبط على هذه التربة التي تغيظك كثيرا بعض الأحيان , على أرض الفكر المدنس هذه ,نمت أجمل ثمار حضارتنا القديمة…؟ إنك تملك سلطة أن تجعل كل لحظات حياتك : من محاولات , أخطاء , زلات , أوهام , حبك , أملك أن تجعلها تنسجم تماما مع الهدف الذي رسمته لحياتك . هذا الهدف هو أن تصير هو نفسك … أتظن أن حياة ترمي إلى هدف كهذا ستكون شاقة جدا وعارية تماما من كل لذة ؟ إنك إذا لازلت لم تعلم أنه ليس هناك عسل أشهى من عسل المعرفة و أنه سيشرق اليوم الذي تكون فيه السحب التي تجر الكدر ثديا ترضع منه حليب تسليتك، ستتقدم في السن و ستدرك… أن نفس الحياة التي تنتهي بالشيخوخة تنتهي كذلك بالحكمة بالصفاء اللطيف لهذه الشمس التي هي فرحة العقل الدائمة. السن والحكمة ستلقاهما معا على ذروة واحدة من ذرى الحياة, كذلك شاءت الطبيعة. آنذاك سيكون الأوان قد حان كي يقترب ضباب الموت لكن ليس ليغيظك. قفزة واحدة إلى النور ستكون آخر حركاتك, هتاف حماسي بالمعرفة سيكون آخر أنفاسك.
نيــــــتشه : إنسان مفرط في إنسانيتهص 159
****
فقدان اليقين
تطرح فلسفة الأخلاق مسألة مشروعية المصالح الماثلة في عالم الفرد المسائل ، غير أن هذه المصالح ، التي هي في ذاتها تاريخية، لا تبدو كذلك بالنسبة إليه ، إذ هي تتبدى في نظره في شكل أهداف يسعى إليها " بشكل طبيعي " وهي " بداهة " أهداف صحيحة، طيبة، لها معناها وتضمن المعنى. لكن قد تكون هذه الأهداف متعارضة بعضها مع بعض أيضا، إما لأنه لا يمكن للفرد نفسه أن يبلغها جميعا، وإما لأن بعضها يناقض بعضا، وتجبر الفرد على أن يختار، فيصبح المشكل عندئذ، غير محصور في كيف ينبغي أن نفعل ، بل أيضا : لأي هدف نفعل ؟ (…)
وإذا قدرنا الأمر من وجهة نظر التفكير هذه ، تفكير الفلسفة في صيرورتها الخاصة- لأن الفلسفة عندنا حقيقة تاريخية ومعطى – فإن لكل إنسان أخلاقا. غير أن هذه الأخلاق لا تبدو له نسقا أخلاقيا من جملة أنساق أخرى من الأخلاق قد تساويها قيمة، يل إن هذه الأخلاق في صيغة الجمع لا تكتسب معناها إلا في فترة متأخرة، بعد طول اتصال بمجموعات أخرى لكل منها أخلاقها، وبعد صراعات مترددة أو هزائم . ففي البدء يكون اليقين الأخلاقي : نعرف ما يجب فعله وما يجب تجنبه ، ونعرف المرغوب فيه والمرغوب عنه ، والحسن و السيئ . ثم يفضي صراع أنساق الأخلاق ، واكتشاف تناقضات داخل نسق من الأخلاق ( وهي تناقضات لا تبدو إلا إثر تلك الصراعات ) إلى التفكير في الأخلاق ، أو لنقل ، بصفة أدق ، إن فقدان اليقين أو رفضه هو ما يؤدي إلى ذلك : لأن اليقين لا يدحضه مجرد النقد المنطقي ، ولأن ما قد يحمله في صلبه من التناقضات لا يسبب له البتة حرجا : فالتناقض الداخلي والتنافر لا يحرجان أحدا لأنه لا أحد يكتشفهما قبل أن يتحولا إلى تناقضات خارجية يعبر عنها أفراد آخرون أو تصبح محسوسة من جراء فشل مبادرات " كان ينبغي" أن تنجح .
فالتفكير الفلسفي بشأن الأخلاق ينشأ من الأخلاق المحسوسة، ولكنه لا يخضع لحكم تلك الأخلاق . وتتمثل القضية عنده في استرجاع اليقين المفقود ( أو ما يعادله ) ولا تطرح القضية إلا حيث تمت زعزعة تلك الأخلاق ، فتطرق إليها الشك ولم تعد من قبيل ما هو مسلم به ولا قادرة على توفير الأساس المتين الذي يبحث عنه التفكير. وبذلك تجعل وجهة نظرها، وهي مختلفة بالضرورة عن وجهة نظر الأخلاق المحسوسة، من الفيلسوف خائنا لأخلاق مجموعته في نظر الذين يسلمون بتلك الأخلاق دون أن يخامرهم سؤال .
إيريك فايل
" فلسفة الأخلاق "