هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياةاقتصادية مزدهرة أم النظام الاشتراكي ؟
طرح المشكلة:الاقتصاد هو العلم الذي يدرس كل ما يتعلق بالنشاط الإنساني المؤدي إلى خلق المنافع و زيادتها أو هو علم تنظيم الثروة الطبيعية و البشرية إنتاجا و توزيعا و استهلاكا.لكن النظم الاقتصادية اختلفت ماضيا باختلاف موقعها من الملكية ومايصل بها من حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فرديةوهي التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك معنوياأي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة ومن هنا فقد اختلف جمهورالفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً اقتصادياً و بالتالي نتساءل : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم أن هناك نظاما آخر كفيلبذلك ؟ .
محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الاطروحة:يرى أنصار النظام الليبراليـ الرأسمالي ـوهم العالم الاقتصادي آدم سميث في كتابه بحوث فيطبيعة وأسباب رفاهية الأمم وبعده عدد من المفكرين الفرنسيين فيالقرن التاسع عشر أمثال ساي Jean Babtiste Say و دونواييDunoyer و باستيا Bastiat، وهم في الجملة يزعمون أنقوانين الاقتصاد السياسي تجري على أصول عامة وبصورة طبيعية كفيلة بسعادةالمجتمع و حفظ التوازن الاقتصادي فيه و أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة .
الحجج و البراهين : و يستندون في ذلكإلى حجج و براهين أهمها أنالاقتصاد الليبرالي مؤسس على تصور روماني للحقوق يجعل من الملكية حقا مطلقالا تحده حدود . فهو يقوم على الإيمان بالفرد إيمانا لا حد له و بأن مصالحهالخاصة تكفل – بصورة طبيعية – مصلحة المجتمع في مختلف الميادين ، وأنالدولة ترمي في وظيفتها إلى حماية الأشخاص والدفاع عن مصالحهم الخاصة ولا يحقلها أن تتعدى حدود هذه الغاية في نشاطها ، كما أنه لا بد أن تقر بالحريةالاقتصادية وما يتبعها من حريات سياسية وفكرية و شخصية ، فتفتح الأبواب وتهيأالميادين بحيث يجوز للفرد التملك ولاستهلاك والإنتاج بكل حرية ،وانتهاج أي طريق لكسب المال و مضاعفته على ضوء مصالحه الشخصية . و ذلك ما تلخصه الملكية الفردية لوسائل الإنتاج فللفرد الحرية التامة في امتلاك الأراضي و المباني و الآلات و المصانع ووظيفة القانون في المجتمع الرأسمالي هي حماية الملكية الخاصة و تمكين الفرد من الاحتفاظ بها. و كذا المنافسة الحرة التي تضمنالنوعية و الكمية و الجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصاديةمن جهة تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج حتى لا تعيق النشاط الاقتصادي، فمتى تدخلت الدولة في تحديد الأسعارمثلا والأجور والمعاملات التجارية خلقت معظم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فلا بد من أن تترك القوانين الاقتصادية تسير على مجراها الطبيعي و بذلكينظم الاقتصاد نفسه ويهدف إلى خير المجتمع ،إن المصلحة الخاصة هي أحسن ضمانللمصلحة الاجتماعية العامة وأن التنافس يكفي وحده لتحقيق روح العدالةالاجتماعية ، فالقوانين الطبيعية للاقتصاد كفيلة بحفظ المستوى الطبيعي للثمنبصورة تكاد تكون ميكانيكية يلخصها قانون العرض و الطلب وهو القانون الطبيعي الذي ينظم الاقتصاد و يضبط حركة الأسعار و الأجور والذي من شأنه أن يقضي على الكسل و الاتكالية و التشجيع على العمل و المنافسة ففي مجال الإنتاج إذا زاد العرض قل الطلب فصاحب المصنع مثلا يخفض في الإنتاج لإعادة التوازن و ذلك ما يؤدي الى زيادة الطلب، و في مجال الأسعار إذا تعدى الثمن حدوده الطبيعية انخفض الطلب مما يؤدي الى كساد السلع بالتالي انخفاض الأسعار مرة أخرى.كذلك أجور العمال فإنها تخضعلنظام طبيعي مماثل ، لوكانت منخفضة في مهنةفإن الترشيح فيها ينقص وإذا هي ارتفعت ارتفع ، ولكنها إذا ارتفعت بصورة غيرعادية قام تنافس بين عدد كبير من العمال طلبا للعمل ، وهذا التنافس يخفضالأجور ، إن القضاء على التنافس كما يقول باستيا Bastiatمعناه إلغاء العقل و الفكروالإنسان ،- ومننتائج هذا النظام المصلحة الشخصية تفترض البحث عن كيفية تنمية الإنتاج وتحسينه مع التقليل من المصاريف والنفقات ، وهذا يحقق في رأيهم الخير العام. ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي تقوم علىمسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى تدخل الدولة فيتحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا تحرر من كل القيودو القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد منظري الليبرالية( دعه يعملأتركه يمر)، و إذا كان تدخل الدولة يعمل على تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافسالحر بين المنتجين يعتبر الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتحآفاقا واسعة للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهملإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط علىحركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و فيهذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن إذا حدثبسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعةتصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرضو هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإنمنتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلىانخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد يقول آدم سميث ( إن كل بضاعة معروضة فيالسوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي ) ، وما يميز هذا النظامأنه لا يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ، و الملكية الخاصة و حب الناسللثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ، لذلك فإن أكثر الناس حرصا على السيرالحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا النظام يحقق نوعامن العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن العدل أن يحرم الفرد حيازتهعلى شيء شقا وتعب كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع فردا من امتلاك ثمرة عمله وجهده ؟
ما دام الاقتصاد ظاهرة طبيعية فلا بد أن يخضع لقوانين الطبيعة و هذا يتطلب احترام الميراث الذي يضمن انتقال الثروة طبيعيا .
النقد: أن قيمة النظام الرأسمالي إذا نظرنا إليها من زاوية النجاح الاقتصادي لا يمكن أن توضع موضع الشك و التقدم الصناعي و التكنولوجي و العلمي الذي حققته الدول الرأسمالية دليل على ذلك ، ولكن هذا الرأي لم يصمد للنقد وذلك من خلال الانتقادات التي وجهها الاشتراكيون بقيادة كارل ماكس التي يمكن تلخيصها فيما يلي : أولاها أن التاريخ يثبت أن القوى التي تسير على مجراها
hadi mch choghl hadi i9tisad
طرح المشكلة:
يعتبر العمل من أهمّ الوسائل التي اعتمدها الانسان لتحقيق حاجياته و السيطرة على الطبيعة؛ وهو يعرف بأنه الجهد الفكري و العضلي الذي يقوم به الانسان لإنتاج أثر نافع على شكل سلع و خدمات، كما أنّ العمل هو وسيلة كسب الرزق و صون كرامة الفرد و حمايته من القلق و التوتر ؛ وأيضاﹰ من الانحراف. لكن الفلاسفة و المفكرين اختلفوا حول الغاية الأساسية للعمل أو الشغل فاعتبر البعض أنّ غايته الأولى هي تحقيق أبعاد اقتصادية و مادية فقط، بينما ذهب فريق ﺇلى أنّ العمل يحقق أبعاداﹰ روحية و معنوية أساسية، من هنا يمكننا التساؤل : هل يحقق العمل أبعادا اقتصادية وحيوية فقط ؟ أم أنه فاعلية اجتماعية و أخلاقية ؟ و بتعبير آخر هل الغاية من الشغل حفظ البقاء أم تحقيق المكانة الاجتماعية و الراحة النفسية ؟
محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الأطروحة:يرى هذا الاتجاه الذي يمثله التيار الماديّ أنّ الشغل يهدف الى تحقيق أبعاد مادية حيث أنه السبيل الوحيد لكسب الرزق و تحصيل الثروة و توفير المتطلبات الضرورية لحفظ البقاء و تحقيق الاستمرارية في الحياة، و قد وجدت هذه النظرة المادية للعمل على الخصوص لدى المجتمع اليوناني و فلاسفته الكبار أمثال: أفلاطون( 427-347ق.م) Platon ، و أرسطو(384-322ق.م) Aristote و أيضا الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشال فوكو (1926-1984م) Michel Foucault
الحجج و البراهين: و قد برروا موقفهم بالحجج التالية:
الانسان كائن بيولوجي لذلك فهو مضطر للعمل من أجل إشباع حاجاته و من أجل البقاء لأن الطبيعة لم تقدم له كل ما يشبع حاجاته المتنوعة من أكل و شرب و لباس و مأوى( فالحاجة البيولوجية هي الدافع الأساسي للشغل) فلو وجد الانسان كل شيء جاهزا في الطبيعة لما أقدم على العمل و على بذل الجهد لتغيير الطبيعة أو التأثير فيها و الواقع يثبت أنّ طبقات ترفعت عنه و أكرهت الآخرين عليه خاصة المجتمع اليوناني فقد اعتبر أرسطو أنّ العمل خاص بالعبيد أو كما يسميهم الآلات الحية ؛ و وظيفتهم توفير الحياة الراقية للفلاسفة أو العقول المتأملة و التي وظيفتها إنتاج الفكر النظري، وهو نفس رأي أستاذه أفلاطون نظرا لما في الشغل من إلزام و عناء و قساوة، ولذلك قال الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو : «لم تعمل الإنسانية الا تحت تهديد فكرة الموت » .
ﺇنّ العمل جهد نافع فهو إنتاج أولاﹰ و قبل كلّ شيء؛ و بالإنتاج تلبى مختلف الحاجات و المطالب الضرورية للأفراد و المجتمعات؛ فالعمل إفادة و استفادة و هو السبيل الى تحصيل المال و استثماره و تنمية الثروة؛ و أيضاﹰ السيطرة على الطبيعة فبالعمل أمكننا تشييد البنايات و الطرقات و المصانع و مختلف الآلات لذلك يقول الفيلسوف الفرنسي أوجست كونت Auguste Comte (1857-1798): « الشغل هو التبديل النافع للبيئة الذي يقوم به الانسان ».
كما أنّ العمل هو الوسيلة الوحيدة عند الانسان لتحقيق تطور المجتمعات و ازدهارها و لا قيمة لأيّ تطور ﺇلا بالرخاء الاقتصادي و كثرة الإنتاج كغاية أسمى للشغل، فالشعوب ترقى و تتطور برقي و تطور اقتصادها و تضعف بضعفه، فالشغل يخلص من التبعية الاقتصادية؛ من خلال تنظيم الاقتصاد إنتاجا و توزيعا و استهلاكا .
النقد: صحيح أنّ للدوافع البيولوجية المادية أهمية كبيرة في دفع الانسان للعمل ؛لكنه بوصفه أرقى الكائنات الحية فقد تجاوز الصراع القائم بينه و بين الطبيعة و لم يعد نشاطه موجها ﺇلى سد حاجياته البيولوجية و حسب؛ وإنما أنتج قيما روحية و معنوية للشغل مكنته من إنتاج حضارة متقدمة، فالإنسان إذن ليس كائناﹰ بيولوجيا فقط فهو أيضا كائن اجتماعي و أخلاقي و سياسي؛ بالتالي فهو لا يعمل فقط من أجل العيش و ﺇلا لتوقف عن الشغل بمجرد إشباع حاجاته لكننا نلاحظ أن هناك من يعمل من اجل إثبات الذات أو التحرر مثلا، إضافة ﺇلى أن ربط العمل بالبعد المادي الاقتصادي وحده لا يمكنه تشييد حضارة أو ثروة اقتصادية و ازدهار لأن قوة الحضارة مرهونة بمحيط متكامل من القيم العملية و الثقافية و الأخلاقية، وخير مثال على ذلك الدول المتخلفة في إفريقيا فهي رغم امتلاكها للثروات المادية و غناها بها فهي عاجزة عن تحقيق الرخاء و التطور لغياب القيم الروحية.
عرض نقيض الأطروحة: في المقابل يرى موقف آخر أنّ الشغل له أبعاد معنوية( اجتماعية و أخلاقية و نفسية)، فالإنسان تجاوز بكثير فكرة العمل من أجل الحياة فقط. ولم يعد الدافع البيولوجي سوى وسيلة و ليس غاية، لأنه يحفض الكرامة و يحقق التوازن النفسي و أهم من ناصر هذا الاتجاه علماء الاجتماع أمثال دور كايم (1858-1917) Durkheim و عالم النفس النمساوي فرويد ( 1856-1939) Freud و الفيلسوف الألماني هيغل (1770-1831) Hegel الذي اعتبر الشغل ناقلا للإنسان من مرحلته البدائية ﺇلى المرحلة الحضارية.
الحجج و البراهين: و قد برروا موقفهم بعدة حجج أهمها:
ﺇنّ الشغل وسيلة للعيش الكريم و الحفاظ على كرامة الانسان ؛ فهو يعلم المرء كسب لقمة العيش بطريقة شريفة؛ و عدم ﺇهانة الذات بسلوك طريق التسول أو السرقة، و يكسب صاحبه صفاتا أخلاقية أخرى مثل الصبر و الشعور بالمسؤولية و الواجب و الشرف حيث يقول النبي صلى الله عليه و سلم: «أطيب الكسب عمل الرجل بيده » و يقول أيضا : « خادم القوم سيدهم » ، فقد نظر الإسلام الى العمل نظرة تقديس وتقدير و رفعه الى درجة العبادة التي تغفر الذنوب حيث يقول صلى الله عليه وسلم: « من أمسى كالاﹰ من عمل يده أمسى مغفورا له »
كما أنّ للشغل غايات معنوية أخرى و أبعادا مهمة منها البعد النفسي فقد أثبت علماء النفس و من بينهم فرويد فائدة الشغل في الوقاية من المشاكل النفسية و علاجها حيث اعتبره وسيلة للتعبير عن طاقات الفرد و مكبوتاته و هو نوع من المواجهة بين الأنا و الاخر حيث يقول فرويد : « ﺇن كل مهنة تصبح مصدر مسرات متميزة ﺇذا ما اختيرت اختياراﹰ حرا ».
و يتجلى البعد النفسي للشغل كذلك عندما نقارن بين نفسية البطال و نفسية العامل؛ فالأول يكون محبطا متشائما فاقدا للحيوية على عكس الثاني، فالعمل يقضي على القلق و يؤدي الى التوازن و الاعتدال النفسي و العقلي و الاطمئنان والسكينة لذلك ينصح به في السجون و المصحات العقلية و النفسية؛ فنزلاء المصحات النفسية يكلفون أحيانا بالقيام بأشغال بسيطة تبعد عنهم التوتر و الكآبة، حيث يقول الأديب الفرنسي فولتير (1694-1778م) Voltaire : « العمل يبعد عنا ثلاث آفات : القلق و الرذيلة و الاحتياج » و يقول أيضا : « ﺇذا أردت أن لا تقدم على الانتحار فأوجد لنفسك عملا »
ﺇنّ الانسان كائن اجتماعي لذلك فان للشغل قيمة اجتماعية تتمثل في حصول الفرد على الاستحسان الاجتماعي و التقدير و الاحترام فهو يولد ظواهر اجتماعية مثل التعاون و يشعر الفرد بأهميته كعضو في المجتمع؛ لأن الفرد لا يستطيع أن يكفل كل حاجاته وحده؛ فلا يمكن أن يكون طبيبا و معلما و فلاحا معا فيلزم المجتمع أفراده باختيار مهن مختلفة و لوجود فئات لا تستطيع العمل؛ بالتالي فهو يحقق التكافل الاجتماعي و يحارب الأنانية و الذاتية و هذا ما أكد عليه دور كايم. و هذا ما جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : « أرى الرجل فيعجبني؛ فأسأل أله صنعة ؟ فإذا قالوا ليست له صنعة سقط من عيني ».
النقد: لكن رغم أهمية الأبعاد المعنوية للعمل الا أنها تحتاج الى القاعدة المادية التي تقوي هذه الروابط المعنوية و خير مثال على ذلك الأسرة فإذا انهارت فيها الوظيفة الاقتصادية المتمثلة في توفير الأكل و الشرب و الملبس للأبناء فان هذه الأسرة لا محالة ستنهار و تتصدع، فالشغل في بدايته دافع بيولوجي؛ و هو لا يعتبر شرفا عند جميع الناس خاصة إذا كانت مهنة يحتقرها المجتمع كعامل النظافة أو حفار القبور أو من يغسل الموتى؛ أو قد يكره العامل نفسه مهنته لوراثته إياها أو لاشتغال بعض الذين يكرههم فيها؛ أو لكونه يجد ازدراء من أصدقائه خارج العمل و يبقى الشيء الوحيد الذي يربطه بها هو الجانب المادي أي الحصول على المال و قضاء الحاجات البيولوجية فهذا الجانب لا يزال فاعلا خاصة في ظل بعض الأنظمة و الدول التي تشغل حتى الأطفال و في سن مبكرة.
التركيب: لقد كان العمل في البداية واقعا بيولوجيا فحاجات الانسان كثيرة و إمكاناته الأولية محدودة فكان همه في الحياة تلبية ضرورياته و المحافظة على وجوده لكنه بعد التحكم في الطبيعة أصبح الشغل دافعا أخلاقيا و اجتماعيا و لم يعد الدافع البيولوجي سوى وسيلة و ليس غاية لذلك فالعمل يحقق أبعاداﹰ مادية ومعنوية معاﹰ.
الرأي الشخصي: لكن من وجهة نظري فالعمل يهدف بدرجة أكبر الى تحقيق أبعاد معنوية و روحية أكثر لأنه يحفظ الكرامة الإنسانية و يحقق إنسانية الانسان، فهو يرفع من قيمة الفرد فكريا و سلوكيا كما له بعد فلسفي يتمثل في كونه يحقق حرية الانسان و يجعله يرتقي من مرتبة الحيوان الذي يكتفي بما تقدمه له الطبيعة الى مرتبة الإنسانية فهو وسيلة التحرر من الطبقية و الاستغلال حيث يقول الفيلسوف الفرنسي جان لاكروا Jean Lacroix : « ليس الشغل علاقة بين الانسان و الطبيعة وحسب؛ و إنما هو علاقة بين الانسان و الإنسانية »، كما أن العمل شرف فقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول: « المغزل بيد المرأة أحسن من الرمح بيد المجاهد في سبيل الله » و العمل يحفظ الكرامة لقوله صلى الله عليه و سلم: « لأن يحمل الرجل حبلا فيحتطب به ثم يجيء فيضعه في السوق فيبيعه ثم يستغني فينفقه على نفسه؛ خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ».
حل المشكلة: نستنتج من التحليل السابق أن للشغل أبعادا متنوعة : فهو وسلة لإشباع الحاجات البيولوجية المادية و تحقيق الرخاء الاقتصادي و الثروة؛ لكنه يتعداها لتحقيق غايات أسمى: نفسية و أخلاقية و اجتماعية و فلسفية و أيضا دينية حيث يقول النبي صلى الله عليه و سلم: « نحن قوم نأكل لنعيش؛ لا نعيش لنأكل ». كما يقول الفيلسوف الفرنسي ايمانويل مونييه (1905-1950) Emmanuel Mounier : « ﺇن كل عمل يهدف ﺇلى أن يصنع في نفس الوقت ﺇنسانا و شيئا ».
نص السؤال هل الشغل ضرورة بيولوجية فحسب؟
طرح المشكلة :إن العمل فاعلية إنسانية إلزامية تهدف لتحقيق اثر نافع مادي ومعنوي فهو الذي يصدر عن هذه الحركة الفاعلية والتي هي خاصية جوهرية لدى جميع الكائنات الحية غير ان الحركة عند الإنسان بالخصوص مصدر إبداع حضاري لأنه لا تصدر عن الجسم فقط كما هي لدى الكائنات الحية غير العاقل بل تصدر عن الجسم والعقل ولهذا يعرفه أوجست كونت في كتابه السياسة الوضعية بقوله الشغل هو التبديل النافع للوسط الخارجي من طرف الإنسان فالعمل عند الإنسان هو نشاط يحول المادة عن صورتها غير النافعة إلى صورتها النافعة التي يرغب فيها ويريدها بحسب وسائله وإمكانياته وغاياته مستخدما قواه الجسمية والعقلية معا مؤثرا في الطبيعة ومتأثرا بها وفي هذا الصدد يقول كارل ماركس في كتابه رأس المال الشغل فعل يتم بين الإنسان والطبيعة يحقق من خلاله الهدف الذي يعيه ولهذا فالسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا هو هل الشغل من حيث هو نشاط فردي يقتصر على إشباع الحاجيات البيولوجية أم يتجاوز ذلك؟
محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة الأولى:يرى أنصار هذه الأطروحة بان الشغل ضرورة بيولوجية بحته أفلاطون ميشال فوكو
الحجة :إن الشغل عند الإنسان منذ وجوده كان من اجل تلبية رغباته وإشباع حاجاته الضرورية والحفاظ على بقائه ووجوده بتوفير المأكل والمشرب والملبس المأوى الخ ولايتجذ له ذلك إلا بالشغل وهكذا فأنصار الاتجاه البيولوجي يعتقدون ان الحاجة البيولوجية هي الدافع الأساسي للشغل فإذا تقصينا الأفعال الأولى التي قامت بها المجتمعات البدائية فقد نلاحظ أنها اقتصرت على صيد الحيوانات وقطف الثمار وبناء الأكواخ بمعنى يمكن تسمية ذلك العصر بعصر جامعي الغذاء أي أن الحاجة الفردية هي التي دفعته الى العمل ودليلهم على ذلك لو وفرت الطبيعة للإنسان كل ما يحتاجه من مطالب ضرورية للعيش لما اشتغل الإنسان لكن الطبيعة لم توفر له ذلك فأضحى الشغل ضرورة بيولوجية وفي هذا الصياغ يقول ميشال فوكو لم يبرز الشغل تاريخيا إلا في اليوم الذي تواجد فيه بشر كثيرون يقتاتون من الثمار الطبيعية للأرض والتي لم تعد كافية لهم حاجاتهم من الغذاء فالاختلاف في التوازن بين موارد العيش والنمو الديمغرافي هو الذي فرض على الإنسان الشغل حتى لا يتعرض إلى الفناء كما يقول أيضا ففي كل فترة من حياتها لا تشتغل البشرية إلا تحت تهديد فكرة الموت ويضيف إذا أن كل مجتمع إذا لم يعثر على ثروة جديدة فهو محكوم عليه بالفناء وبالعكس من ذلك فبقدر ما يتزايد البشر بقدر ما تكثر معهم إشغال متنوعة متباعدة فيما بينها وتكون اكبر صعوبة من ذي قبل بمعنى وجود علاقة طردية بين تزايد النمو الديمغرافيوتنوع الشغلوتعقده من جهة ثم لو كان الشغل إلزام مفروض على الجميع فكيف نفسر تاريخيا انه كان محصورا في فئة العبيد حيث ترفعت عنه طبقات وأكرهت الآخرين عليه إذ يرى أفلاطون في كتابه الجمهورية ان المجتمع مقسم إلى ثلاثة طبقات بحيث يوضع كل فرد في الموضعاللائق به ليقوم بالعمل اللائق به والطبقات هي الطبقة الذهبية هم الحكام يتميزون بالحكمة والمعرفة الحكم والسياسة
الطبقة الفضية هم الجنود ويتصفون بالشجاعة الدفاع عن الوطن ضد الأعداء
الطبقة النحاسية هم العبيد الذين تسيطر عليهم شهواتهم الأعمال الجسمانية الشاقة
فالشغل إلزام وعناء وعنوان للعبودية ودليل النقص والانحطاط وهو لا يصلح أو لا يصلح له إلا العبيد أما الأسياد فإنهم لا يصلحون للعمل لأنه يحط من قدرتهم وقيمتهم وقد ألح أرسطو على أن العمل اليدوي شيء مخزي لا يمكن أن يكون إلا من نصيب العبيد ونفس الرأي نجده عند قدماء الآشوريين والهنود والصينيين ونجده بعد اليونان عند الرومان ابتداءا من شيشرون الذي ذهب إلى انه من غير الممكن لأي شيء نبيل ان يخرج من دكان او ورشة إلى سنيكا الذي أكد أن الفلسفة لا تهتم بتعليم الناس استعمال أيديهم ولكن بتكوين أزواجهم هذا وقد جاءت النظرة اليهودية والمسيحية مؤيدة لهذا الموقف اذا اعتبرنا العمل نوع من العذاب كتب على الإنسان في هذه الحياة عقابا له على خطيئته الكبرى حيث يقول الكتاب المقدس مخاطبا سيدنا ادم عليه السلام ستأكل خبزك بعرق جبينك
النقد: في الواقع أن البعد البيولوجي للشغل يعتبر بعدا أساسيا للمحافظة على الحياة واستمرار للجنس البشري لكن لا يمكن أن نقر أن الشغل ظاهرة بيولوجية فحسب لان ذلك إنكار لعقلية الإنسان ومحاولة للمساواة بين الإنسان والحيوان وإذا كان كذلك لما اختلف الإنسان عن الحيوان الذي يتحرك لاقتناء حاجاته ويتوقف عن الشغل بمجرد إشباع غرائزه وإذا كان الشغل دافعا بيولوجيا فبماذا تفسر التطور الحضاري والتكنولوجي الذي وصل إليه الإنسان اليوم او ما يسمى بالعولمة فالإنسان باعتباره حيوان عاقل وواعي تجاوز الصراع مع الطبيعة ولم يعد العمل مجرد ضرورة بيولوجية لازمة لإرضاء حاجات جسمية أو غرائز حيوانية عن طريق حركات إلية لامعنى لها بل هو نشاط أنتج للإنسان قيما روحية ومعنوية مكنته من إنتاج حضارة متقدمة
عرض نقيض الأطروحة :يرى أصحاب هذه الأطروحة ان الشغل ليس ضرورة بيولوجية بل دافع اجتماعي وأخلاقيابن خلدون دوركايم كانط
الحجة:الشغل يحفظ كرامة الإنسان ويصون عرضه لان الإنسان الذي لا يعمل أو ينفر العمل كثيرا ما يجد صعوبة في الحصول على قوته اليومي وغالبا ما يضطر إلى مساعدة الآخرين فالإنسان الذي يمقت العمل فهو يذهب إلى ابعد من ذلك ويلجا إلى الاحتيال والسرقة حتى يضمن أسباب العيش حيث يرى كانط أن الواجب لا يكون أخلاقيا إلا إذا كان هذا الواجب بدافع ذاتي صادر عن إرادة الفرد وتمليه حتمية ما ولا يكون كذلك إلا إذا كان اختيارا يقبله الفرد لان الشغل نسب لكرامة الإنسان فهو يبعد عن التواكل والتطفل على غيره وفي هذا الصدد يقول فولتير من لا يعمل لا قيمة لحياته وكل الناس أخيار إلا الكسال فالعمل يقضي على الآفات الاجتماعية ويحقق ماهية الإنسان فالشغل عنوان سمو الإنسان ورقيه في سلم الحياة والوجود ويقول دوركايم كذلك أن الشغل يعد واجبا اجتماعيا فحاجات الإنسان كثيرة وإمكانياته محدودة فهو بمفرده عاجز عن تلبية حاجاته بنفسه مادامت هذه الحاجات متنوعة ومجددة فهو مضطر على التعاون مع الآخرين فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه فاضطر الناس التجمع في الأرياف والقرى والمدن من اجل إنتاج مختلف المواد الاستهلاكيةوغيرها فهذه الحياة الاجتماعية اقتصرت أن تكون لكل شخص وظيفة ما فكثرت الحرف وتنوعت المصانع وتعددت المهن وانقسم الناس إلى جماعات كل منها يشتغل في ميدان معين كميادين الفلاحة والصناعة والتجارة وتقسيم العمل بين أفراد المجتمع الواحد يستلزم ذلك وتكامل الوظائف في المجتمع الواحد ضروري فالشغل نشاط اجتماعي يقوم على التعاون ويتطلب نظاما معينا وخبرات ومعارف وهذا ما أكده العلامة ابن خلدون حينما اعتبر الشغل ظاهرة ملازمة للاجتماع البشري وان الإنسان بمفرده لايستطيع أن يحصل على قوته إلا بالتعاون مع بني جنسه إذ يقول دوركايم في هذا الصدد لما كان الفرد لايكتفي بذاته كان يستمد من المجتمع كل ما هوضروري له كما كان يعمل لفائدة المجتمع وهكذا ينشا لديه شعور قوي جدا بحالة التبعية التي هو عليها فيتعود على تقدير نفسه حق قدرها أي يتعود على أن لا ينظر إلى نفسه إلا باعتبارها جزءا من كل أو عضو من جسم وهذا يعني أن الفرد بحاجة إلى العيش مع غيره وبعمله في مجتمعه يحقق أبعادا اجتماعية ويشعر بوجوده الاجتماعي ويحقق كذلك أبعادا أخلاقية كالوحدة والتضامن
النقد:في الواقع أن العمل أساس بناء الكيان الاجتماعي والأخلاقي للفرد والمجتمع فالمجتمع الذي يعمل كما يقال لا يعرف الأزمات لكن حين نرجع إلى تاريخ المجتمعات الإنسانية القديمة فإننا لانجدها تجعل من الشغل واجبا اجتماعيا أو أخلاقيا ففي عصر العبودية كان العمل خاصا بطبقة العبيد وفي عصر الإقطاع كان العمل خاصا بفئة الاقنان مما يدفعنا إلى البحث عن سبب آخر للعمل فالدافع البيولوجي لايزال فاعلا خاصة في ظل الأنظمة التي تشتغل الأطفال حتى في سن مبكرة كما أن للشغل أبعادا أخرى فقد تكون نفسية حيث يرى علماء النفسأن الكثير من الاضطرابات النفسية كالقلق والانطواء
التجاوز :إن هذا الطرح التجاوزي يمثله أصحاب البعد النفسي وأصحاب البعد الاقتصادي لقد كان العمل تاريخيا حاجة بيولوجية فانه بعد ذلك ومع تطور المجتمعات الإنسانية وتنوع حاجات الإنسان ونظرا لمحدودية إمكانياتها فكان همهم في الحياة تلبية ضرورياته والمحافظ على وجوده لكنه بعد التحكم في الطبيعة وظهور العلوم والصنائع اوجد الشغل دافعا أخلاقيا واجتماعيا لان الجانب البيولوجي في الإنسان وسيلة وليست غاية كما أن العمل له بعد نفسي فالشغل له انعكاسات ايجابية على نفسية الإنسان وتتمثل على الخصوص في التحرر من العوائق الذاتية التي كثيرا ما تكون مصدرا للقلق والعقد والاضطرابات والانحراف فالعمل حسب الاتجاه النفسي يحافظ على التوازن النفسي والعقلي ويضمن الشخصية السوية للفرد ويخلق من الانقباض النفسي والطاقة الكامنة فالعمل هو إحدى الدعائم الصحية والنفسية لكل إنسان وقد ألح فرويد على أن هذا يلعب دورا جوهريا في توازن الفرد وانخراطه في المجتمع بصورة فعالة وفي صحته البدنية والعقلية فهذه العلاقة وغيرها تحكمهم علاقات مختلفة كالعلاقة بين العمال وأرباب العمل وبين المنتجين والتجار وبين البائع والمستهلك وعليه فالبعد الاقتصادي يقوم على أساسيين هما الإنتاج والاستهلاك وكما ذهب أيضا البعد الاقتصادي أن الشغل مجرد وسيلة لتوفير المواد الضرورية لإشباع حاجات الفرد وهذا ما يتم حسب تنظيم معين وبالتالي هناك ظواهر اقتصادية معينة متنوعة مثل الأجرة وثمن البضاعة والبيع والشراء
حل المشكلة :في الأخير نستنتج أن الشغل لم يعد ضرورة بيولوجية لازمة لإرضاء حاجات جسمية أو غرائز عن طريق حركات آلية لامعنى لها وإنما هو نشاط واع يجعل الإنسان له قيمة اجتماعية وأخلاقية في الواقع المعيشي من جهة وينمي إنسانيته من جهة أخرى وفي نفس الوقت يحقق به فوائد ذاتية يحفظ بها وجوده وهكذا يستمد الإنسان إنسانيته من الشغل ويضمن به بقاءه واستمرار وجوده وبه يجسد قيمه الإنسانية فيكون الإنسان إنسانا بعمله الإنساني
ادي مقالة ملاحة مام انا حفضت ادي
ربي يوفقنا
ana hafda lawlo mais tania no wlokan yjibona soal ta3 tania wnaktablo lawlo ghalta wala no jawboni plz
marci
سلاااااااااااااااااااام
حبيت نقولكم الفلسفة عمرها ما تتحفظ الفلسفة تتفهم بزاف عباد نعرفهم يحفظوا المقالات وغير يلقاو كلمة تشبه فالسؤال يكتبوا واش حافظين ويخرجوا على الموضوع ويحسبوا رواحهم خدموا ومن بعد ما يديوش مليح
لازم تعرفوا بلي في كل موضوع قادر يطرحوا ألف سؤال وكل سؤال عندوا المقالة والاجابة الخاصة بيه
التوفيق للجميع وخاصة للقرا
شـــــــــــــــــــــــــــكـــــــــــــــــــــ ــرا