تخطى إلى المحتوى

متى نؤثر الحق على الخلق ؟ 2024.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدِّين، أما بعد …
في وقتٍ تشتد فيه الهجمة تصريحًا وتلميحًا، قولًا وعملًا على هذه الدعوة السلفية النقية الصافية وعلى حملتها من أهل السُّنَّة الخُلَّص، يخرج علينا قوم من بيننا لا ندري كيف يقرؤون ولا كيف يُعَلِّقون … فنأسف والله عند قراءة تبريراتهم في الدفاع عن مقالات ردية، السوء فيها ظاهر، والسقم فيها جلي قائم، فيكتبون وهم في كتابتهم تلك يؤثرون الخلق على الحق علموا أم لم يعلموا!
فنجدهم كلما قام أحد طلبة العلم السلفيين بنقد مقال الخطأ فيه ظاهر، قاموا عليه: وقالوا: "يا هذا توقفْ ففلان له جهود دعوية، وله مقالات رضية في نصرة الدعوة السلفية"، فيا أيها المسكين هل ذلك الناصر معصوم من الوقوع في الزلل والمآثم؟!
ـ ولو كنت تفقه أيها المؤثر للخلق على الحق لعلمتْ أنَّه لابُدَّ من بيان الخطأ ليُعرف فلا يقع الخلق فيه، وتأملْ كلام العلَّامة المُحَدِّث الشيخ محمد ناصر الدِّين الألباني رحمه الله تعالى في [سؤال وجواب حول فقه الواقع] حيث قال:
(وأمَّا الواجبُ على أيِّ مُسلمٍ رأى أمرًا أخطَأ فيه أحَدُ العُلماء ِأو (الدُّعاةِ): فهو أن يَقـَومَ بتـَذكيرِهِ، وَنُصحِهِ: فإن كان الخَطَأ في مكانٍ مَحصورٍ: كان التـَّنبيهُ في ذلك المكان نَفسهِ دونَ إعلانٍ أو إشهار، وبالّتي هي أحسَنُ للّتي هي أقوَمُ.
وإن كانَ الخَطأ مُعلَنًا مَشهورًا، فلا بَأسَ مِن التـَّنبيهِ والبيان لهذا الخَطأ، وعلى طريقةِ الإعلان، ولكن كما قال اللهُ تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
ومِن المهمِّ بيانُهُ أنَّ التَّخطئة المُشارَ إليها هنا ليسَت التَّخطئةَ المبنيَّةَ على حماسةِ الشباب وعَواطِفِهم، دونَما علم أو بيِّنةٍ، لا؛ وإنَّما المُرادُ: التـَّخطئةُ القائمةُ على الحُجَّةِ والبيان، والدَّليل ِوالبُرهان.
وهذه التَّخطئةُ ـ بهذه الصُّورة اللَّيِّنَةِ الحكيمَة ـ لا تـَكونُ إلا بينَ العُلماء ِالمُخِلصينَ وطُلاَّبِ العلم النَّاصحين؛ الذين همُ في علمهم ودَعوتهم على كلمةٍ سواء، مَبنيَّةٍ على الكتاب والسُّنَّة؛ وعلى نَهج سَلَف الأمَة.
أما إذا كان مَن يُرادُ تـَخطِئتُهُ مِن المُنحَرفينَ عَن هذا المَنهج الرَّبَّاني فله ـ حينئذٍ ـ مُعامَلةٌ خاصَّةٌ، وأسلوبٌ خاصٌّ يَليقُ بـِقـَدْرِ انحِرافِهِ وَبُعدِهِ عَن جادَّةِ الحَقَّ والصَّواب).
ـ ولو كان يفهم ذلك المُؤثِر للخلق على الحق أن هذا دِين لا محاباة فيه لما علَّق بتلك التعليقات التي لا تصدر إلا عمن تتقاذفه الأهواء ومحبة الخلق عن أن يصدع ثم يثبت على الحق وكل ذلك توفيق من الله تعالى يؤتيه من يشاء، وتأملْ يا عبدالله ما جاء في كتاب علَّامة اليمن المُحَدِّث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى في [الإلحاد الخميني في أرض الحرمين] حيث قال:
يقول في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
ويقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
ويقول سبحانه وتعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وقال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا).
أهل السُّـنَّة أسعد الناس بهؤلاء الآيات وما أشبههن من الأدلة، فهم إن كتبوا كتبوا ما لهم وما عليهم، وإن خطبوا ذكروا ما لهم وما عليهم، يلازمون العدالة مع القريب والبعيد، والعدو والصديق، وإنك إذا نظرت في كتب الجرح والتعديل تجدها غاية من العدالة،يجرحون الرجل إذا كان يستحق الجرح وإن كان رأسًا في السُُّـنَّة، ويثنون على المبتدع بما فيه من الخير إذا احتيج إلى ذلك، بخلاف أهل الأهواء فإنّهم يثنون على من يوافقهم على بدعهم وإن كان لا يساوي فلسًا، ويذمون من خالفهم وإن كان رأسًا في الدين).
ـ ولو تأنى ذلك المُؤثِر للخلق على الحق لما استعمل بعض العبارات الموهمة مثل قوله: (فتشت في أخطاء الناس!!) ولعل فيما كتبه الشيخ الفاضل محمد بن عمر بازمول في كتابه [عبارات موهمة] ما يكفي للرد على هذه العبارة التي يستعملها الكثير ممن صفتهم ما ذكرنا سابقًا حيث قال الشيخ بازمول:
(ومن العبارات الموهمة: قول بعضهم: "لا تفتش عن عقائد الناس وأخطائهم".
هذه العبارة يكررها بعض الناس إذا ما بلغه تحذير من أحدالعلماء أو طلبة العلم من مقالة بدعية صدرت من بعض الناس، أو خطأ علمي ينبه عليه، ويحذر منه، فتراه يتمعر وجهه ويتغير شكله، ويقول: لا تفتشوا عن عقائد الناس وتبحثوا عن أخطائهم.
والواقع أن هذه العبارة في هذا المحل من الحق الذي أريد به باطل، وبيان ذلك هو التالي:
أولًا: محل هذه العبارة في البحث عن السرائر والأمور الخفية التي لم تظهر بـــذاتها أو بقرائن تدل عليها، وليس محل هذه العبارة عند ظهور بدعة صدرت من أحدهم، أو مقالة باطلة نادى إليها أحدهم، إذ فرق بين الظاهر وبين ما هو خفي يستر ولا يعرف هو أو ما يدل عليه.
ثانياً: ترك التنبيه على الخطأ والتحذير من البدعة والباطل، معناه تغرير عامة الناس بل حتى بعض طلبة العلم الذين قد لا ينتبهون لهذا الحال.
ثالثًا: هل كلام السلف في تحذيرهم من بدع أهل الباطل إلا من باب الكلام والتحذير من العقائد الباطلة، والبدع المخالفة للسُّنَّة؟ فكيف يُقــال لمن حذرمن بدعة أظهرها شخص ما، أو نبه على خطأ وقع فيه إنسان ما: لا تفتش عن عقائد الناس؟!
رابعـًا: التفتيش عن عقائد الناس بالسؤال والامتحان كما صنع المأمون في مسألة خلق القرآن من البدع التي يحذر منها، وليس منه بيان البدع التي ينادي بها بعض الناس والتحذير منها، وليس منه كشف أباطيل دعاة الباطل والتحذير منهم، فإن هذا غير هذا.
خامسًا: هؤلاء الذين يذمون من يكشف أهل الباطل ويحذر منهم، إما أن ينكروا البدع وإمّا أن لا ينكرونها، فإن أنكروا البدع ونبهوا على الخطأ والباطل وحذروا منه فقد أصابوا ـ إن شاء الله تعالى ـ لكن لماذا ينكرون على غيرهم ما يقومون هم به من إنكار البدع والتحذير من الباطل؟! أما إذا لم ينكروا البدع ولم يحذروا الناس من الباطل فهذا خروج عن منهج السلف في هذا الباب وكفى بهذا ذمًالهم!
سادسـًا: قال الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله كما في الدرر السنية (1/33): "وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله.
ومن ولي الخلافة، واجتمع عليه الناس، ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته؛ وحرم الخروج عليه.
وأرى هجر أهل البدع، ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأَكِلُ سرائرهم إلى الله؛ وأعتقد: أن كل محدثة في الدين بدعة"اهـ.
والشاهد قوله: "وأرى هجر أهل البدع، ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأَكِلُ سرائرهم إلى الله؛ وأعتقد: أن كل محدثة في الدين بدعة" اهـ.
وهذا كلام سلفي أثري ينبثق من كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، التي ذكرتها سابقًا حيث قال رضي الله عنه، كما جاء في صحيح البخاري: "إن أناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة".
فانظرْ إلى قوله رحمه الله: "وأحكم عليهم بالظاهر" وإلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة"، ثم انظر إلى هذا الذي يُنكر على من حذر من أهل البدع وفضح باطلهم،بدعوى أنه من باب تفتيش عقائد الناس، هل يصح هذا؟ سبحانك ربي! أليس في الحكم على الناس بحسب الظاهر والتحذير من صاحب البدعة إن أظهر بدعته عمل بهذا الأصل الذي قرره الفاروق رضي الله عنه؟!
ثم ماذا يريد هؤلاء، هذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وقف من داود بن علي موقفًا لا أدري ماذا يسميه هؤلاء، في قصة ذكرها الخطيب البغدادي (فيتاريخ بغداد 8/374 بسند رجاله ثقات)، فقد أتى داود بن علي الأصبهاني إلى صالح بن أحمد بن حنبل وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن (يعني: علاقته به كانت حسنة) فكلم صالحا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه.
فأتى صالح أباه (أحمد بن حنبل) فقال له: رجل سألني أن يأتيك؟
قال: ما اسمه؟
قال: داود.
قال: من أين؟
قال: من أهل أصبهان.
قال: أي شيء صناعته؟
قال: وكان صالح يروغ عن تعريفه إياه. فما زال أبو عبدالله يفحص عنه حتى فطن.
فقال: هذا قد كتب إلي محمد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني.
قال: يا أبت ينتفي من هذا وينكره.
فقال أبو عبدالله (أحمد بن حنبل): محمد بن يحيى أصدق منه لا تأذن له في المصير إلي".
تأمل أخي موقف الإمام أحمد، هل هذا الإمام وهو إمام أهل السُّـنَّة والجماعة في الاقتداء بسُّـنَّة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وإتباع آثار الصحابة رضوان الله عليهم، فهل كان يفتش عن عقائد الناس ويتتبع أخطاءهم؟! وانظر كلامه مع كلام عمر بن الخطاب السابق: "ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إنسريرته حسنة".
فهذا كلام محمد بن عبدالوهاب يصدقه كلام أحمد بن حنبل يصدقهكلام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فهل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأحمد بن حنبل رحمه اللهومحمد بن عبدالوهاب رحمه الله كانوا يفتشون عن عقائد الناس ويتتبعون أخطاءهم لما يردون البدع ويحكمون على الناس بحسب ظاهرهم وإن قالوا إن باطنهم حسنا؟! والله الموفق.) انتهى النقل.

ولعل في ذلك الكفاية لمن كان له قلب سليم لم يمرض بمرض التعصب المقيت، فحقًا حبك للشيء يعمي ويصم.
أسأل الله تعالى العافية والسلامة من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

جزا الله خيرا كل من مر من هنا وترك توقيعه
نرجو عموم الفائدة عسى هذه الكلمات تاخذ بقارئها نحو النجاة والفلاح
فما احوجنا الى من ياخذ بايدينا الى الطريق الصحيح
بارك الله فيكم ونفع بالموضوع قارءه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.