وهذا يطلب حفظكم الله شيئًا من الأدلة على أن الكلام في ولاة الأمور على الملأ يُعد خروجًا باللسان، لأن بعض الناس يقول إن هذا من باب إنكار المنكر والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ)) الحديث ؟
الجواب :
من فقه الاستدلال الذي اختص به أهل السنة، جمع نصوص الباب فيحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد والمجمل على المبين إلى آخر ما هو مقررٌ في علم الأصول، فهذه الميزة لم يكن عليها بالتمام إلا علماء السنة وأئمتهم.
وقد يشاركهم في بعض الطوائف من المبتدعة، فإذا تقرر هذا فنقول: إن تغيير المنكر كما في هذا الحديث لا مرية فيه، ونص الحديث: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)) قال العلماء:
الأول التغيير باليد: يعني الإزالة باليد هذا للسلطان ومن ناب منابة من رجال الحسبة أوغيرهم وكذلك الرجل في أهل بيته، نعم ومن له ميانة في قومه يسمعون له ويأمن الفتنة إذا غير منكرًا بيده
الثاني المرتبة الثانية: التغيير باللسان وهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأدلة لأهل العلم الذين يحسنون دعوة الناس بالحكمة و الموعظة الحسنة و بإيراد الأدلة على ما يأمرون به، على فعل ما يؤمر به وترك ما ينهى عنه.
الثالث: التغيير بالقلب وهذا هو هجر المعاصي وأهلها حينما يعجز عن المرتبتين الأوليين هذا أولًا.
ثانيًا:تواترت السنة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بما حاصله ما يأتي:
أولًا: السمع و الطاعة في غير معصية الله حال العسر واليسر والمنشط والمكره والأثرة وأثرةٍ علينا.
ثانياً: النهي عن منازعة الأمر أهله ومن ذلكم ما أخذ أو ما كان يأخذ النبي – صلى الله عليه وسلم- فيه البيعة وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان.
ثالثًا: إذا عصى ولي الأمر أو إذا ظهرت معصية من ولي الأمر الحاكم الأعلى أو من نوابه فماذا يصنع السني؟
الدليل الأول: هذا حسمه النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((أَلا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلا يَنْزِعْ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ)) هذا هو الدليل الأول أو بعض محصل الدليل الأول.
الثاني: إجماع الأئمة على ما تضمنته هذه النصوص وما هو معناها في الباب بل يحضون على الدعاء لهم بالصلاح والمعافاة والصبر على جور الجائر منهم ويذكرون خصائص ولي الأمر منها:
الجهاد والحج والجمعة نعم والعيد، من خصائصه.
الثالث: كيف يناصح ولي الأمر حينما تفشو المنكرات وتشيع المعاصي وولي الأمر لا يحرك ساكنًا حيل ذلك، والجواب هذا قد حسمه من جعله الله معدن البيان عنه و لكلامه، قال – صلى الله عليه وسلم- ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ، فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً، فَلْيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَلْيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَهَا قَبِلَهَا، وَإِنْ رَدَّهَا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ)) فالناصح لنفسه والحازم لأمره يظهر له من الحديث من يأتي.
أولًا: السرية التامة في مناصحة الحاكم حتى عن أقرب الناس إليه إن أمكن ألا تسمعونه قال ألا تسمعونه – صلى الله عليه وسلم – حين قال: ((فَلْيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَلْيَخْلُوا بِهِ))
الثاني: براءة الذمة، براءة ذمة الناصح على هذا الوجه الذي تضمنه الحديث، نعم،
الثالث: أنه لا يلزم على الناصح أن يقبل الإمام نصيحته قال: ((فَإِنْ قَبِلَهَا قَبِلَهَا))، ((وَإِنْ رَدَّهَا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ))، وهنا الشبهات كثيرة ذكرها أئمتنا وقد ضمناها ولله الحمد كتابنا " تنبيه ذوي العقول السليمة " طبعة الفرقان فليراجعها من أراد مزيد التفصيل في هذا الباب.
والعلماء قديمًا يُقسمون الخوارج إلى قاعدية ومحاربة.
فالقاعدية هم الذين يحرمون على الحاكم ويشيعون غلطه و يشنعون عليه في الملأ، نعم، فالأئمة مجمعون على التحذير من هؤلاء وسموهم الخوارج القاعِدية أو القاعَدية، نعم.
ميراث الأنبياء
ميراث الأنبياء